
أول عيد فطر بدون الأسد.. فرحة النصر ترافقها غصة مع غياب مصير المعتقلين
اختلت أم محمود الستينية بنفسها على سطح منزلها في بلدة قاح بريف إدلب، بعد صلاة العشاء، وجلست تستمع إلى تكبيرات عيد الفطر المبارك، وتنهمر الدموع من عينيها وتحمل بيديها الخشنتين صورة ابنها محمود الذي قتل في سجون بشار الأسد قبل ثمانية سنوات، وضمت الصورة إلى صدرها وانخرطت في موجة من البكاء.
اختلفت طريقة استقبال السوريين لعيد الفطر لهذا العام، لا سيما أنه أول مناسبة دينية مميزة من دون الديكتاتور بشار الأسد الذي فر هاربا مع عائلته إلى روسيا، فاكتست البلاد باللون الأخضر، وانتصرت الثورة السورية بعد 14 عاما من النضال والكفاح.
لكن خيبة الأمل لدى آلاف العائلات بعودة ذويهم المختفيين قسريا إليهم جعلت تلك الفرحة ناقصة، وأدخل الحزن إلى بيوت السوريين، أم محمود واحدة من أولئك الناس، والتي اعتقل ابنها على حاجز عسكري في عام 2014، كان ذاهبا إلى الجامعة بمحافظة حماة ليتابع دراسته، حاولت العائلة معرفة تفاصيل عنه لكن دون جدوى، لتمضي الوالدة أيامها وهي تنتظر خبر عنه، فكلما سمعت خبر عن خروج سجين من المعتقل، كانت تزوره وتسأله إذا ما رأى ابنها في السجن، لتفاجئ بعد التحرير باسمه بين قائمة المعتقلين المتوفيين.
لم يكن محمود الوحيد الذي لاقي ذلك المصير، وإنما عشرات الآلاف لاقوا حتفهم على يد قوات الأسد خلف القضبان، فبحسب تصريحات لرئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، فإن هناك أكثر من 112 ألف معتقل مختفي قسري لم يتم الوصول إليهم، وعلى الأغلب تمت تصفيتهم. وأطل عبد الغني من خلال لقاء عبر تلفزيون سوريا، وقدم اعتذاره لذوي المعتقلين الذين لم يتم العثور عليهم، ثم لم يتمالك نفسه وبكى.
اعتمد نظام الأسد السابق الاعتقال في السجون وسيلة لقمع معارضيه ومعاقبتهم للمواقف الثورية التي اتخذوها ضده، وكان يمارس فيها أشد أنواع التعذيب، أدت إلى موت الآلاف، وذلك ما أثبته مصور عسكري منشق عن النظام، أطلق على نفسه اسم "قيصر".
ففي عام 2014 فضح قيصر تورط النظام بقتل عشرات الآلاف من المعتقلين، ونشر صور جثثهم المشوهة، والتي تم تعذيبها وقتلها، فقدم أكثر من 50 ألف ملف إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
وبعد أن انتصرت فصائل الثورة على قوات بشار الأسد وحلفائه في الثامن من شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت ودخولهم العاصمة السورية دمشق، فر المخلوع بشار الأسد رفقة عائلته إلى روسيا، سارع الأهالي إلى السجون للوصول إلى معتقليهم.
تنتظر أم محمود وأمهات المعتقلين العقاب الأليم الذي سيلاقيه المخلوع بشار الأسد كي تبرد النار في قلوبهن، وبأن دماء أبنائهن لم يسامح به.
وكانت أصدرت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان"، بياناً بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011 بعنوان "الشعب السوري ماضٍ نحو تحقيق تطلعاته"، مشيرة إلى أنَّ ما لا يقل عن 234,145 مدنياً قتلوا، و177,021 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء القسري، إضافة إلى دمار هائل في البنى التحتية منذ آذار/مارس 2011.