
أزمة صحية في شمال غربي سوريا: إغلاق المرافق الطبية وارتفاع التكاليف يهددان حياة المدنيين
يشعر الأهالي في شمال غربي سوريا بقلق بالغ جراء توقف الدعم عن العديد من المنشآت الصحية، ما أدى إلى إغلاق بعض المراكز الطبية وتقليص الخدمات في أخرى. هذا الوضع يزيد من معاناة السكان، خصوصاً في ظل الفقر والنزوح المستمر، حيث لا يستطيع كثيرون تحمّل كلفة العلاج في المراكز الخاصة أو شراء الأدوية. كما أصبحت الحالات الطارئة تواجه خطراً حقيقياً بسبب بُعد المشافي القليلة العاملة حالياً، مما يهدد حياة المرضى، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن.
شهادة “عفاف العمار”، نازحة في ريف إدلب:
“كنا نذهب إلى المركز الصحي القريب من المخيم ونتلقى العلاج دون أن ندفع شيئاً، وكنت آخذ أطفالي عند المرض، وكانت اللقاحات متوفرة بسهولة، وكل الخدمات تُقدَّم مجاناً. أما الآن، بعد إغلاق المركز، فأضطر إلى الذهاب إلى مستوصف خاص، وتكلفة المعاينة الواحدة تتجاوز 100 ليرة تركية، ناهيك عن أسعار الأدوية التي تشكّل عبئاً آخر. نحن بالكاد نستطيع شراء الخبز، فكيف لنا أن نؤمّن ثمن العلاج؟ والله، إن مرضنا الآن، نبقى في البيت ونتضرع إلى الله أن يشفينا، لأننا لم نعد قادرين على تحمّل التكاليف.”
الحل البديل والصعب
مع توقف عمل كثير من المراكز الصحية المجانية، لم يعد أمام المرضى خيار سوى التوجه إلى المشافي الخاصة أو العيادات مدفوعة الأجر، حيث تصل تكلفة المعاينة الواحدة إلى مبالغ تفوق قدرة معظم العائلات. في ظل انعدام الدخل أو صعوبة الظروف المادية، أصبحت فاتورة العلاج عبئاً لا يُحتمل. بعض المرضى يؤجلون زيارة الطبيب رغم تدهور حالتهم، وآخرون يكتفون بالعلاجات المنزلية أو الأعشاب، فيما تضطر بعض العائلات لبيع ممتلكاتها القليلة أو الاستدانة لتأمين علاج أحد أفرادها. هذا الواقع يكرّس فجوة صحية خطيرة بين من يملك المال ومن لا يملكه، ويجعل الحصول على أبسط حقوق الإنسان – الرعاية الصحية – رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان.
فقدان فرص العمل
في الوقت ذاته، أثرت الأزمة على العاملين في القطاع الصحي، خاصة أن رواتب معظم الكوادر الطبية والتمريضية توقفت، ما أجبر بعضهم على ترك عملهم أو البحث عن مصادر دخل بديلة. ورغم ذلك، يواصل عدد منهم العمل بشكل تطوعي بدافع إنساني، إلا أن غياب الحوافز والدعم يهدد بفقدان المزيد من الكوادر المؤهلة. كما تعاني المنشآت المتبقية من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية، مما يجعل الطواقم عاجزة عن تقديم الرعاية اللازمة حتى للحالات البسيطة.
وبحسب ما صرحت به الطبيبة إكرام حبوش لتلفزيون سوريا:
“الفكرة التي أرغب في طرحها هي أن توقف الدعم عن مشافي شمال غربي سوريا بشكل مفاجئ ودون وجود خطة بديلة، أدى حتى الآن إلى إغلاق نحو 150 نقطة طبية.” وتتفاقم الأوضاع يوماً بعد يوم، لا سيما مع توقف المشافي التي تقدم خدمات نوعية، مثل وحدات العناية المركزة وحديثي الولادة، ما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية في المنطقة.
ضغط على المشافي العاملة
أدى توقف الدعم عن عدد كبير من المراكز الصحية إلى ضغط هائل على المشافي التي لا تزال تعمل بدعم محدود. هذه المنشآت باتت تستقبل أعداداً تفوق قدرتها الاستيعابية اليومية، ما أدى إلى ازدحام شديد في أقسام الطوارئ والعيادات، ونقص في الأسرّة والمستلزمات الطبية. الكوادر الطبية تجد نفسها مجبرة على العمل لساعات أطول في ظل إرهاق متزايد وموارد محدودة، ما ينعكس على جودة الخدمة وسرعة الاستجابة للحالات الحرجة. كما يُضطر بعض المرضى للانتظار لساعات طويلة أو يُطلب منهم العودة في يوم آخر بسبب الاكتظاظ، مما يزيد من معاناتهم ويهدد سلامتهم الصحية.
قرار أطباء بلا حدود
أدى تراجع الدعم الإنساني الأميركي إلى إغلاق ما يقارب 150 مرفقاً صحياً في سوريا، بحسب ما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود”، التي حذّرت من تداعيات هذا التراجع على حياة ملايين المدنيين. وشمل التأثير تسع محافظات سورية، حيث توقفت 97 نقطة للرعاية الصحية الأولية عن العمل، وأُغلق أكثر من 19 مستشفى، إلى جانب توقف 15 مركزاً طبياً متخصصاً وتعليق نشاط 20 فريقاً طبياً متنقلاً. ولفتت المنظمة إلى أن هذه الأزمة بدأت منذ نهاية شهر شباط الماضي، مشيرة إلى أن خفض التمويل دون بدائل فاقم من التدهور الحاصل في النظام الصحي، الذي يعاني أصلاً من ضغوط شديدة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون منذ سنوات.