تقاعس وحلول غائبة .. "النفايات" تُغرق شوارع سوريا
تحول مشهد تراكم النفايات ضمن الشوارع والساحات في سوريا، إلى ظاهرة تضاف تداعياتها على واقع انهيار القطاعات الخدمية في البلاد، ويأتي ذلك في ظل غياب الإجراءات الفعالة لحل هذه المعضلة، لاسيما في مناطق النظام.
ولا يقتصر تدني خدمة النظافة التي تعد من مهام البلديات والمجالس المحلية، على التلوث البيئي والبصري بل تسهم في انتشار الأوبئة والأمراض، وسط تجاهل تام لهذه الخدمة الغائبة بشكل ملحوظ في عموم البلاد لا أبرزها في مناطق سيطرة النظام السوري.
القمامة تملأ الشوارع في سوريا
تزايدت حالات وجود مكبات عشوائية للنفايات ضمن شوارع رئيسية وساحات عامة ضمن مناطق عديدة في سوريا، ورغم فرض رسوم مالية وضرائب لقاء جمع وترحيل النفايات إلى المكبات المخصصة، يُلاحظ التقاعس الذي يصل إلى حد التجاهل التام لهذه الخدمة، ويؤكد ذلك مشاهد تراكم القمامة التي تنتشر على نطاق واسع، دون مراعاة لتداعيات انهيار وتلاشي مثل هذه الخدمة.
وقال مصدر محلي بدمشق طلب عدم كشف هويته في حديثه لشبكة "شام"، إن واقع النفايات يشكل عقبة كبيرة للسكان، مشيرا إلى أن انتشار القمامة على الأرصفة والشوارع سبب المباشر تأخر جمع وترحيل النفايات حيث من المفروض أن تفرغ الحاويات المخصصة بشكل أسبوعي على الأقل إلا أن ما يحدث هو تركها ممتلئة لأسابيع وأحيانًا إلى أشهر.
وأضاف، مصدر آخر في مدينة حلب حول الموضوع ذاته أن بعض السكان يلجؤون إلى تنظيم حملات تنظيف بجهود وتمويل محلي، في محاولة لتعويض غياب الجهات الحكومية المعنية، ونوه إلى تكرار الشكاوى التي تتعلق بتأخير جمع وترحيل النفايات دون جدوى، وكذلك يتكرر طلب المسؤولين من الأهالي القيام بدورهم بتأمين محروقات وأجور العمال للقيام بمهمة إزالة النفايات المتراكمة.
ورغم تجاهله لكافة المناطق في عموم مناطق سيطرته تُرجح مصادر بأنّ النظام يتعمد إبقاء المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته في دمشق وحلب وحمص وغيرها ضمن سياسة ممنهجة تقوم على العقاب الجماعي، وسط معلومات عن قيامه بتحويل بعض المناطق في الأحياء المدمرة إلى مكب للنفايات مثل شوارع في حيي الخالدية والبياضة في حمص وسط سوريا.
الخدمة غائبة.. تبريرات مسؤولي النظام حاضرة
يبرع مسؤولي نظام الأسد في ترويج التبريرات والذرائع كاذبة دون الالتفات إلى كونها منطقية أم لا، ومع غياب مثل هذه الخدمة الأساسية، حضرت تبريرات النظام، وتتنوع بين نقص المحروقات المخصصة للسيارات والجرارات العاملة في جمع وترحيل النفايات، يضاف لها تبريرات تتعلق بزيادة التكلفة والأعطال، علاوة على النقص الكبير في العمال الأمر الذي يضرب معظم القطاعات الخدمية في البلاد.
وكما جرت العادة يشوب تبريرات النظام الكثير من المغالطات وصولا إلى تضارب في التصريحات، حيث يزعم مسؤولين إنجاز مطامر مخصصة للنفايات، ويكشف آخرين عن عدم دخول هذه المشاريع للخدمة، وطالما يتخلل مثل هذه الإجراءات المعلنة بما فيها مزاعم معالجة القمامة صفقات فساد مالي وإداري في ظل فشل الاستثمار في تدوير النفايات.
ولا تخلو تصريحات مسؤولي النظام من تحميل المواطنين مسؤولية هذه الظاهرة إذ يتهمهم بعدم التعاون بهذا الشأن ورمي القمامة بشكل عشوائي، فيما يزعم العمل على إيجاد حلول مناسبة، ضمن الإمكانيات المادية المتاحة نظرا لارتفاع تكاليف تصنيع الحاويات، رغم أن غالبية مشاريع الحاويات المعلنة تكون من تمويل جهات ومنظمات عديدة.
مصدر رزق.. النظام يلاحق ويفرض غرامات!
تحولت مكبات النفايات إلى مناطق يعودها العديد من الأشخاص بهدف تحقيق مصدر دخل في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية في سوريا، حيث يهرع العاملون في نبش القمامة إلى مواقع تجمع النفايات ويباشرون العمل بحثا عن مواد بلاستيكية، كرتون أو حديد لبيعها، في ظل مخاطر كبيرة قد تودي بحياتهم.
ويفرض نظام الأسد غرامة مالية بقيمة 2000 ليرة سورية، على نبش القمامة طفلاً كان أو بالغاً ومصادرة أدواته، فيما تتحدث وسائل إعلام تابعة للنظام عن هدر حكومة الأسد ملايين الأطنان من النفايات من دون أي فائدة، حيث يبيعها النباشون لمعامل شبه مخفية قرب دمشق.
وينفي النظام ترخيص أي معمل خاص لتدوير النفايات، وأكد أنه حتى ورشات التجميع ممنوعة، وتخضع لنظام المخالفة المعتاد بإرسال ثلاثة إنذارات ثم بعدها تشميع وإغلاق، علما بأن أحد الصناعيين أكد عمله في هذا المجال مع منح حكومة النظام الكهرباء ضمن خطوط صناعية 24 ساعة، لهذه المصانع.
الشمال السوري.. حاجة كبيرة وتحديات قائمة
تعيش عموم مناطق الشمال السوري وسط تذبذب في خدمة النظافة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل فيما يفرض واقع الكثافة السكانية أحد أبرز التحديات لتغطية وتزويد الخدمة للأهالي لا سيّما في مناطق المخيمات التي تفتقر إلى حتى البنى التحتية التي يزيد افتقدها هشاشة الخدمات الأساسية المقدمة.
ووجدت السلطات المهيمنة شمال غربي سوريا من الحاجة الملحة لتوفير خدمة جمع وترحيل النفايات، دافعا إلى تمكين نفوذها ضمن مراحل متقدمة لاستغلال الموقف وتحصيل إيرادات مالية، حيث تفرض رسوم تحددها حكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام".
وفي سياق الاستغلال ظهرت مؤخرا شركة محلية مدعومة من السلطات الإدارية في إدلب، وفرضت رسوماً كبيرة تصل إلى مبلغ 225 ليرة تركية شهرياً على كل محل تجاري، وتتخذ الشركة شعار "إدارة ذكية للنفايات الصلبة"، وتعمل على تنظيف الشوارع والأماكن العامة والخاصة وإعادة تدوير النفايات.
وكانت حددت "الإنقاذ"، رسوم النظافة بريف إدلب بمبالغ مالية تراوحت على مكاتب المنظمات بـ 50 دولار شهرياً، وعلى المتنزهات وضمنها المطاعم الكبيرة بـ 100 دولار والمشافي الخاصة بـ150 دولار أمريكي، قبل التراجع عن القرار.
هذا وتجمع المجالس المحلية في مناطق شمال وشرق حلب رسوماً مالية مقابل عمل جمع وترحيل النفايات إلى المكبات المخصصة، وتتراوح بين 10 إلى 30 ليرة تركية حسب المنازل أو الفعاليات التجارية، وتنشط منظمات محلية في دعم هذه الخدمة لا سيّما في مناطق تجمعات النازحين ومراكز المدن الرئيسية.
واقع الخدمة في الشرق السوري.. بين فشل التدوير وآلية الترحيل
قال مصدر مطلع في المنطقة الشرقية إن جمع وترحيل النفايات يعد مسؤولية البلديات التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، الذراع المدنية لـ"قسد"، مشيرا إلى أن الإدارة تفرض رسوم مالية تقتصر على أصحاب المحلات والفعاليات التجارية.
وقدر المصدر ذاته بأن الرسوم المفروضة تصل إلى 100 ألف ليرة سورية، تدفع سنوياً عن كل محل تجاري ضمن مناطق سيطرة "قسد"، لافتا إلى أن ترحيل القمامة يتم بشكل دوري وتقوم كل بلدية بنقل النفايات إلى مكبات مخصصة تقع في المناطق الصحراوية الغير مخصصة للسكن أو الزراعة، وتتفاقم ظاهرة نبش القمامة في المنطقة.
في حين نوهت مصادر محلية إلى تنفيذ مشروع إعادة تدوير النفايات في منبج بريف حلب الشرقي، بإشراف "الإدارة الذاتية"، دون أن ينعكس إيجابيا على واقع نظرا إلى ندرة المشاريع المماثلة وحالة العجز عن تكرير كافة أصناف النفايات في المنطقة، مع تأكيدات على فشل الاستثمار في تدويرها.
وتدعو "الإدارة" الأهالي بشكل متكرر للمشاركة بحملة النظافة من أمام منازلهم والارصفة من أجل تنظيف المناطق السكنية، وفي كانون الثاني الماضي، أطلقت حملة بهذا الشأن في الحسكة شمال شرق سوريا.
مبالغ لتحسين الخدمة الغائبة تتلاشى.. إلى أين؟
تقدر مديرية النظافة في محافظة دمشق تم ترحيل 980 ألف طن من النفايات المجموعة من المدينة والمرحلة إلى مواقع الطمر والمعالجة و1600 طن من النفايات الطبية ذلك خلال العام الماضي 2022.
وتشير الأرقام الرسمية إلى تنظيم 9245 ضبطاً بحق المخالفين لقانون النظافة بما فيهم من يعمل بنبش القمامة، في دمشق وحدها، ويأتي ذلك في غياب الأرقام الدقيقة لواقع الخدمة كحال العديد من القطاعات الخدمية في سوريا.
ويزعم نظام الأسد تخصيص مبالغ مالية كبيرة بهدف تأمين مستلزمات عمل قطاع النظافة ويدعي القيام بتجهيزات تتعلق بمكبات النفايات ومشاريع تأهيل مطامر واستثمارات حول تدوير القمامة، إلا أن كل ذلك بما فيها المبالغ المخصصة عبر البيانات الحكومية تتلاشى.
وتعد من أخطر أنواع النفايات هي النفايات الطبية التي تشكل هاجسا حقيقيا لما يمكن أن تسببه من أمراض، ويعتمد في غالبية مناطق سوريا على طريقة دفن هذه النفايات أو حرقها، بالإضافة إلى النفايات المنزلية والنفايات الصناعات الكيميائية والمعدنية وغيرها.