تحقيق يكشف خفايا شركة توظيف مشمولة بعقوبات أمريكية تحتال على العمال السوريين في ليبيا
تحقيق يكشف خفايا شركة توظيف مشمولة بعقوبات أمريكية تحتال على العمال السوريين في ليبيا
● أخبار سورية ٢٤ أغسطس ٢٠٢٤

تحقيق يكشف خفايا شركة توظيف مشمولة بعقوبات أمريكية تحتال على العمال السوريين في ليبيا

سلط تحقيق أجراه موقع "السويداء 24" المحلي، الضوء على تعرّض مئات السوريين لعملية احتيال متقنة ومنظمة، عن طريق شركة سورية متخصصة بنقل الكوادر والعمال إلى ليبيا، يديرها رجل أعمال سوري، قالت إنه محكوم بالإعدام في ليبيا بتهمة الإتجار بالمخدرات. 

وكشف موقع "السويداء 24" يوم الأربعاء عن مشاهد فيديو لتظاهرة نظّمها عشرات العمال السوريين داخل شركة إعمار ليبية في منطقة برقة بالقرب من بنغازي، للمطالبة بمستحقاتهم الشهرية، وتحسين ظروف العمل. 

ومن خلال متابعة قضيتهم توصّل الموقع إلى سلسلة من الأدلة التي تشير إلى انتهاكات خطيرة يتعرض لها العمال السوريون في ليبيا، الذين يقدر عددهم بحوالي الألفي عامل، سافروا إلى ليبيا على دفعات منذ شهر نيسان الفائت، ويواجهون ظروفاً مأساوية هناك. 
احتيال متقن  
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها سوريا، يسعى الكثير من الشباب السوريين للبحث عن فرص عمل خارج البلاد لتحسين أوضاعهم المعيشية. ولكن هذه الرحلة إلى الخارج قد تتحول في بعض الأحيان إلى كابوس حقيقي، كما حدث مع حوالي الفي عامل وجدوا أنفسهم في بيئة عمل قاسية جداً، أشبه بمعسكرات اعتقال جماعي شرقي ليبيا.

وانتشرت مطلع شهر أبريل الفائت، على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات صادرة عن شركة تحمل اسم "الأيادي الذهبية للعمالة والتوظيف". تعرّف الشركة نفسها عبر  الفيس بوك، أنها "أول شركة سورية متخصصة بنقل الكوادر والعمال وتأمين فرص العمل من سوريا الى دولة ليبيا من مهندسين وعمال بناء وغيرها". 

وتضيف في الإعلان التعريفي أنها حاصلة على جميع التراخيص الحكومية من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع السفارة الليبية في دمشق. وتهتم بتأمين العمال إلى دولة ليبيا لإعادة إعمار عدة مناطق فيها بالتنسيق مع عدة شركات استثمارية وهندسية.

الشركة تدّعي أن عملها يجري ضمن "عقود نظامية ومصدقة رسمياً لدى السفارة الليبية، بالإضافة إلى أن جميع عقودها مدفوعة التكاليف من تذاكر طيران الى تأمين السكن والتأمين الصحي والرواتب الممتازة". 

ولدى هذه الشركة المفترضة سماسرة ينشرون إعلانات التوظيف والسفر عبر الواتساب والفيس بوك، ويعلنون عن رواتب مغرية مقابل العمل في شركات إعمار ليبية، تصل إلى 600 دولار شهرياً، ومغريات أخرى. 

انتهاكات وعقود وهمية؟ 
وفقاً للعقود الموقعة في سوريا، كان من المفترض أن يتقاضى العمال راتباً قدره 600 دولاراً شهرياً من شركة برقة الليبية، مع توفير سكن لائق وثلاث وجبات يومياً، وذلك لعقد يمتد لمدة عام. وتم الاتفاق على فترة اختبار لمدة ثلاثة أشهر، بعدها يعود العامل إلى بلده على نفقة الشركة في حال عدم استمراره. 
لكن، وبحسب شهادات العمال، كانت الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذه الوعود. فقد تم تخفيض الراتب إلى 400 دولار فقط. أما ظروف السكن فكانت سيئة للغاية، بحيث لا تصلح حتى للحيوانات، بحسب وصف أحد العمال. الطعام المقدم كان غير كافٍ وسيئ الجودة، حيث اشتكى العمال من وجود ديدان في الطعام أحياناً ومن فساد وجبات أخرى، مع تقييد حركة الدخول والخروج.

ومن بين أكبر المشاكل التي يواجهها هؤلاء العمال، عدم دفع رواتبهم منذ 55 يوماً، حيث تتهرب الشركة من مسؤولياتها وتبرر ذلك بأن مكتب التوظيف في سوريا "باعهم" ولا يعترف بهم، كما يواجه العمال تهديداً بدفع غرامة تصل إلى 40 مليون ليرة سورية في حال تركهم للشركة أو محاولتهم العودة إلى بلادهم. علماً جوازات سفرهم محتجزة لدى الشركة، مما يزيد من تعقيد وضعهم القانوني.

أمام هذه الظروف المأساوية، قام العمال بتنظيم عدة مظاهرات احتجاجية، لكن دون جدوى. في كل مرة يُنظم فيها العمال مظاهرة، تبدأ الإدارة بإطلاق وعود جديدة وعقد اجتماعات شكلية، حيث يتم تشكيل لجنة من العمال لمناقشة مطالبهم. 

ولكن ينتهي الأمر دائماً بنقاشات غير مجدية ومزيد من الوعود الكاذبة، وهو ما يصفه العمال بأنه مجرد "تخدير" لإسكاتهم مؤقتاً دون تقديم حلول حقيقية. يحاول الآن عدد كبير منهم رفع دعاوى جماعية ضد مكتب التوظيف في سوريا، الذي يتهمونه بالتورط في تجارة البشر واستغلالهم. 

ولم تقتصر المعاناة على الظروف المعيشية فقط، بل تجاوزتها إلى معاملة قاسية من قبل السلطات المحلية بعد تنظيم المظاهرات. حيث أفاد العمال بتعرضهم لاقتحام من قبل الشرطة الليبية وأفراد أمن خلال الليل إلى أماكن سكنهم.

وخلال اقتحام الشرطة وقوى الأمن الليبية للمشروع، تعرض العمال للسب والشتم وحتى الضرب بالعصي. ومن حاول الاعتراض، تم سحبه إلى السجن وتعرض للمزيد من الاعتداءات، والبعض أصيب بجروح وكسور نتيجة هذه الاعتداءات، وفق ما تؤكد الشهادات.

تاجر مخدرات يدير شركة التوظيف 
كان الملفت في عقد التوظيف الذي حصلت السويداء 24 على نسخة منه، ظهور اسم رجل الأعمال عبد الإله محمود الدج بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة "الأيادي الذهبية". وبحسب تحقيق سابق لمرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، فإن الدج وهو رجل أعمال سوري ليبي، صدر بحقه حكم بالإعدام من السلطات الليبية في عام 2019، بسبب قيامه بتهريب شحنة مخد.رات من سوريا إلى ليبيا. 
وفي العام الجاري، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على محمود الدج وشركتي الطير للنقل والطير الحر للسياحة والسفر، وقالت إنه كان مسؤولاً عن قيادة عمليات تهريب الكبتاغو.ن بما في ذلك شحنة ضبطتها السلطات اليونانية، وثلاث شحنات أخرى ضبطتها السلطات الليبية. كذلك فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المذكور.

ووفقاً لتحقيق مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، فقد ظهر محمود الدج لأول مرة علناً في أغسطس/آب 2013، عندما نشر التلفزيون السوري الحكومي تسجيلاً مصوراً له، من مقابلة معه بعد القبض عليه بتهمة تحويل أموال إلى الخارج دون ترخيص وتمويل الإرهاب من خلال شركة الطير.
 
ويضيف التحقيق أنه لم يتم الكشف عن أي معلومات حول الوقت الذي قضاه الدج في الاحتجاز، أو ما إذا كان قد تم القبض عليه على الإطلاق، أو ما إذا كان قد حوكم على الجريمة في المقام الأول. واختفى الدج عن الأنظار حتى عام 2018، ليظهر من جديد كرجل أعمال بارز وصاحب نفوذ اقتصادي في سوريا. 

وبالعودة لقضية العمال، فقد جرت عمليات توقيع العقود والتوظيف في سوريا على عدة مراحل، تضمنت ذهاب العمال إلى مكتب شركة الطير الحر في دمشق، ثم إلى مكتب شركة "الأيادي الذهبية" الكائن في المنطقة الحرة. بعدها توجه العمال إلى مقر السفارة الليبية في أبو رمانة، لتأكيد السفر.

وبحسب شهادات ثلاثة عمال للسويداء 24، فقد دفعوا مبلغ 100 دولار للوسيط، و100 دولار ثانية لمكتب الأيادي الذهبية، إضافة إلى 150 ألف ليرة سورية. ووقع العمال على عقود اتفاق بتوفير فرص عمل بالخارج، تلتزم فيها الشركة بتوفير عقد عمل حسب اختصاص العامل في مجال البناء، وبنقل العمال من دمشق إلى بنغازي حتى يستلموا العمل لدى شركة برقة. 

كما تضمن العقد شروطاً جزائية منها غرامة تصل إل 40 مليون ليرة سورية على العامل في حال لم يلتزم بشروط العقد المبرم بينه وبين شركة الأيادي الذهبية، وفسخ العقد كلياً، على أن يكون القضاء السوري ومحاكم دمشق هي المرجع المختص بحل النزاعات بين الطرفين، وفق "السويداء 24".

خلفية الشركة والمشروع في ليبيا 
شركة "برقة" هي شركة مقاولات خاصة في ليبيا، تولت استكمال بناء 2000 وحدة سكنية في مدينة القبة، وهي مشاريع توقفت منذ عام 2011 إثر الأحداث التي شهدتها البلاد وفق ما ذكر مصدر مطلع للسويداء 24. 
ويُموّل هذا المشروع من قبل صندوق إعمار درنة، والذي يتبع للاستثمار العسكري في ليبيا. ونظراً للحاجة الماسة للعمالة في ظل عزوف الليبيين عن العمل في هذه الظروف، تم استقدام عمالة من الجزائر والمغرب وسوريا.

يضيف المصدر أن العقود التي وقعها العمال في سوريا كانت مغرية على الورق، ولكن ما وجدوه على أرض الواقع كان مختلفاً تماماً، حيث تم تخفيض الرواتب بمقدار الثلث، وساعات العمل طويلة تبدأ من الساعة السادسة صباحاً وحتى السادسة مساءً.

إضافة إلى انخفاض الرواتب والتأخير في تسليمها، يتعرض العمال للترهيب المستمر بدفع غرامات مالية كبيرة في حال عدم التزامهم بالعمل. أما أماكن سكنهم فهي أشبه بالمهاجع الجماعية، حيث يحتوي كل مهجع على 24 سريراً على الأقل. الأرضيات من البيتون، والأبواب والنوافذ مخلعة، والمياه غير متوفرة بشكل دائم، مما يجعل النظافة شبه معدومة.

والأمر لا يتوقف هنا، فالعمال يعيشون في بيئة أشبه بمعسكر مغلق، ممنوع الدخول أو الخروج منه إلا بإذن مسبق. حتى تنقلهم داخل المشروع يتعرض للابتزاز من قبل أصحاب السيارات الخاصة، حيث يتم استغلالهم مالياً، إضافة إلى أن بعض الأطعمة المتوفرة داخل المعسكر تُباع بأسعار مضاعفة مقارنة بالخارج. 

ويؤكد  المصدر أن الخدمة الطبية المتوفرة في الموقع بالكاد تفي بالغرض، ولا تراعي وضع العامل المريض الذي يحتاج إلى استراحة أو علاج. والملفت أن هناك طبيباً سورياً من حمص مسؤول عن الحالة الصحية للعمال، ولكنه متواطئ مع إدارة الشركة في منع الاستراحات والتقارير الطبية. بعض العمال اضطروا لمتابعة علاجهم على حسابهم الخاص وشراء الأدوية من خارج "المعسكر".
 
هذه الشهادات التي حصلت السويداء 24 عليها من العمال تضاف إلى سلسلة من الأدلة التي تشير إلى انتهاكات خطيرة يتعرض لها العمال السوريون في ليبيا في عملية التوظيف هذه، التي ترقى لمستوى تجارة البشر. ويناشد العمال الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان بمساعدتهم في التخلص من هذه "المصيبة" التي وقعوا فيها. 

وقال موقع  "السويداء 24" إنه حاول التواصل عبر صفحة الفيس بوك الخاصة بشركة برقة في ليبيا، إضافة إلى أرقام الشكاوى المخصصة لشركة الأيادي الذهبية في سوريا، ولم يتلق أي استجابة حتى الساعة التي نشرت فيه هذا التحقيق.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ