دراسة لـ "الخوذ البيضاء" حول "احتياجات المخيمات شمال غربي سوريا" شملت 929 مخيماً
أعدت وحدة إدارة المعلومات في الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، دراسة عن أهم احتياجات المهجرين الأساسية في 929 مخيماً يقطنها 1,393,128 نازح في شمال غرب سوريا، 73 % منهم من النساء والأطفال، في محاولة لتعزيز قدرة الجهات الفاعلة على تخطيط وتقديم الدعم الإنساني الذي يوافق الاحتياج المطلوب في الوقت المناسب، وللنهوض بواقع المخيمات والحد من الحوادث المأساوية المتكررة.
وقالت المؤسسة، إن مأساة التهجير تتفاقم وتتسع فجوة الاحتياجات الإنسانية في مخيمات شمال غربي سوريا مع دخول الأزمة الإنسانية عامها الثاني عشر واستمرار قوات النظام وروسيا بتهديد مقومات الأمن الغذائي ومصادر عيش السوريين وملاحقتهم في ملاذهم الأخير بمخيمات التهجير، وتحويلهما ملف المساعدات الإنسانية لورقة مساومة على حياة السوريين وسط ظروف صعبة في وقت تهدد حياة قاطني المخيمات الأوبئة والأمراض وخاصة الكوليرا الذي لازال يتفشى بشكل متسارع.
وأوضحت الدراسة أن 84 % من المخيمات المشمولة بالدراسة بحاجة لعوازل أرضية، و 76 % بحاجة تبحيص الأرضيات و71% منها بحاجة لإعادة تأهيل الطرقات و47% منها بحاجة لصرف صحي، والنسبة ذاتها بحاجة لتوفر دورات المياه
جاءت هذه الدراسة في الوقت الذي يعاني منه القطاع الإنساني من فجوة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية تتزايد كل شتاء في مخيمات التهجير التي تتكرر فيها حوادث غرق الخيم واقتلاع خيم أخرى بفعل الرياح، أو انجرافها بفعل السيول، إضافةً لحوادث احتراق الخيم، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية بسبب وعورة الطرقات المؤدية إليها، عدا عن نتائجها الكارثية على المدنيين في المخيمات من الوفاة والإصابة بالأمراض الشتوية بسبب البرد الشديد أو بسبب الحرائق التي في أقل خسائرها تكون فقدان الملاذ الأخير للمهجرين.
ورغم وجود الاستجابة لهذه الحوادث المتكررة في كل شتاء من قبل المستجيبين الأوائل بفرق الإنقاذ والإطفاء والتدخل من المنظمات الإغاثية والإنسانية إلا أن هذه الاستجابة لا يمكن أن تكون إلا تدخلات طارئة واستجابات إسعافية يمكن أن تحل جزءاً يسيراً من الكارثة في حينها إلا أنها لا يمكن أن تكون حلاً دائماً وناجعاً، إنما يكون التدخل الحقيقي من خلال مشاريع تعمل على تحسين البنية التحتية و تزويد المخيمات بالخدمات الأساسية.
المنهجية
طورت وحدة إدارة المعلومات في الدفاع المدني السوري الاستبانة الخاصة لهذه الدراسة بناءً على النماذج الأولية المعيارية في استقصاء احتياجات أماكن الإيواء، كما استفادت من التغذية الراجعة من أصحاب المصلحة لجعل مواد الاستبيان تتوافق مع السياق الحالي من حيث النقاط التي تمت تغطيتها ومن حيث طريقة عرضها.
تمّ جمع البيانات في 929 مخيماً شملتها الدراسة من قبل فريق مكون من 88 باحثاً من ذوي الخبرة، والذين خضعوا لتدريب خاص على الاستبانة للتأكد من تطبيق أعلى درجات المهنية في جمع البيانات الميدانية، وفق أسلوب جمع البيانات على الملاحظات العينية المباشرة، وإجراء المقابلات المباشرة مع مسؤولي المخيمات، إضافة إلى تقارير فرق الدفاع المدني السوري التي تقدّم الأعمال الخدمية المستمرة في عدد كبير من المخيمات.
وأجريت الدراسة الحالية في 929 مخيماً ضمن 30 ناحية في 9 مناطق في محافظتي إدلب وحلب، منها 648 مخيماً في محافظة إدلب و281 مخيماً في محافظة حلب، وتضم العينة المدروسة 682 مخيماً نظامياً و247 مخيماً عشوائياً في شمال غرب سوريا ، في إطار زمني امتد من شهر آب حتى شهر تشرين الثاني من العام الحالي 2022.
وتمت الدراسة وفق محددات كان منها نوع مكان الإيواء في تلك المخيمات والتي شملت 260,817 وحدة سكنية شكلت الخيم القماشية 60 بالمئة منها تلتها الخيم ذات الجدران الاسمنتية المسقوفة بعوازل مطرية بنسبة 34 بالمئة، بينما شكلت الكرفانات نسبة 4 بالمئة، بالإضافة إلى محدد نوع ملكية الأرض لتلك المخيمات ومساحة المخيمات وعدد الأفراد وبالتالي حصة كل فرد من المساحة في المخيمات المقيّمة.
ومعظم المخيمات التي تضمنتها الدراسة هي من المخيمات التي شهدت تدخلاً طارئاً من قبل متطوعي الخوذ البيضاء خلال الشتاء الماضي (نتيجة الحوادث والكوارث التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية)، بغية متابعة الوضع الراهن لهذه المخيمات، وتقييم التدخلات خلال الفترة الماضية وأثرها على قاطني هذه المخيمات واتخاذ الإجراءات المناسبة، ووضع الخطط الاستراتيجية المناسبة للتدخل ضمنها.
الحوادث المأساوية المتكررة في المخيمات ذاتها
ووفق الدراسة خلف شتاء العام الفائت أضراراً بـ 732 مخيماً 79% من العينة المدروسة، في حين لم يتعرض (197 مخيم، 21%) لأضرار خلال نفس الفترة وأرجع السبب إلى إنشاء الكثير من المخيمات العشوائية من قبل المهجرين أنفسهم دون أي تخطيط أو مرافق وبنى تحتية ودون دراسة حول طبيعة الأرض ما يجعل هذه المخيمات عرضة للكثير من المخاطر وهو ما يلقي بآثاره على فرق الدفاع المدني السوري ويجعلها في سباق دائم مع الزمن في محاولة اتخاذ الإجراءات والاحتياطات التي تمنع وقوع هذه الكوارث قبل حلول فصل الشتاء.
الصعوبات والمشاكل التي تعرضت لها المخيمات
استعرضت الدراسة أبرز الصعوبات التي تعرضت لها المخيمات المقيّمة، إذ تعرضت 68% من المخيمات لفيضانات وغرق الخيم، كما شهدت 61% من المخيمات تمزق وانقلاع الخيم نتيجة الرياح العاتية والأمطار، حيث برزت هذه المعاناة تحديداً بنسبة 100% ضمن مخيمات منطقة أريحا، وعانت 50% من المخيمات من عدم وجود وسائل تدفئة مناسبة، وعانت 50% من المخيمات كذلك من تشكل مستنقعات المياه والوحل نتيجة سوء حالة الطرق والأرصفة، كما تعرضت 26% من المخيمات لصعوبات نتيجة عدم قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول نتيجة سوء حالة الطرق المؤدية للمخيم.
عمليات الاستجابة ضمن المخيمات التي تعرضت لأضرار العام الماضي
وفق مصادر المعلومات المشاركة في الدراسة، تدخلت الجهات الإنسانية الفاعلة ضمن 373 مخيم أي 51% من المخيمات المقيّمة والتي تعرضت لحوادث وصعوبات خلال الشتاء الماضي في محاولة معالجة هذه الأضرار والصعوبات التي برزت ضمنها، في حين لم يتم التدخل ضمن 359 مخيم أي 49% من المخيمات.
وبالرجوع لمصادر المعلومات فقد تصدرت عمليات التطهير والتعقيم الأعمال الخدمية من خلال 11,405 عملية، كإجراءات احترازية للحد من انتشار وباء كوفيد –19 في شمال غربي سوريا، كما تضمنت الأعمال الخدمية 6,435 عملية فرش وتسهيل للأراضي، و2,150 عملية حفر خط صرف صحي، و1,740 عملية فتح طريق، و875 عملية فتح ممر مائي، و800 عملية ردم حفر، إضافةً لتجهيز 313 مخيم.
أثر الاستجابة في معالجة الصعوبات والمشاكل
وبحسب مصادر المعلومات فقد أسهم تدخل الجهات الإنسانية الفاعلة في حل المشكلة ضمن 55% من المخيمات التي تم التدخل فيها، في حين لم تحل المشكلة ضمن 45% من المخيمات رغم التدخل، بحيث ينبغي على الجهات الإنسانية الفاعلة التدخل المدروس لإيجاد حل فعلي للمشاكل والصعوبات التي تدخلت لحلها ضمن المخيمات.
الاحتياجات الأساسية للمخيمات
تناولت الدراسة الاحتياجات الأساسية للمخيمات وكانت 84% منها بحاجة لعوازل أرضية بالإضافة للحاجة إلى تبحيص الأرضيات في 76% من المخيمات المقيمة و71% منها بحاجة لإعادة تأهيل الطرقات المؤدية إليها.
في حين كانت الحاجة ماسةً لتوفير مياه الشرب في 17% من المخيمات، و47% منها بحاجة لصرف صحي، والنسبة ذاتها بحاجة لتوفر دورات المياه، إضافة للحاجة لأنظمة الصرف المطري في 75% من العيّنة، ونسبة 81% منها بحاجة لأنظمة الإنارة بالطاقة الشمسية.
واستعرضت الدراسة الخدمات التي نفذها متطوعو الخوذ البيضاء والتي بلغت 28,375 عملية خدمية ضمن المخيمات النظامية والعشوائية في شمال غرب سوريا خلال العامين الأخيرين أي منذ تشرين الأول 2020 حتى أيلول 2022، تضمنت عمليات خدمية تتعلق بالبنى التحتية لهذه المخيمات.
التوصيات
· رفع مستوى الخدمات المقدمة وتطوير الطرق المتبعة لمعالجة المشاكل ضمن المخيمات إذ أنه لم يتم حل المشاكل التي واجهت المهجرين رغم تدخل الجهات الإنسانية الفاعلة ضمن 45% من المخيمات رغم التدخل.
· ضرورة التوجه نحو المخيمات العشوائية وتنظيمها لأنها لا تزال الأكثر عرضة للكوارث والمخاطر خلال فصل الشتاء.
· تنظيم البنية التحتية في المخيمات من خلال توفير حفر الصرف الصحي وقنوات تصريف الأمطار والطرق المرصوفة للتخفيف من حدة المشاكل التي تواجه النازحين كل شتاء.
· تزويد المخيمات بمختلف أنواع العوازل، ومنها العوازل الأرضية، وعزل أرضية الخيم وفرشها بالحصى.
· تزويد المخيمات بالحمامات ودورات المياه، وصيانتها دورياً، حرصاً على تأمين النظافة العامة ومنع انتشار الأمراض والأوبئة خاصة في ظل ازدياد حالات الكوليرا في شمال غرب سوريا.
· زيادة كمية المياه المخصصة للمخيمات.
· مراعاة المعايير الإنسانية في تأمين متطلبات الفئات المستضعفة من النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة ضمن المخيمات من حيث توفير دورات المياه والحمامات الخاصة بهم.
· قياس أثر المشاريع المنفذة في المخيمات بغية تقييم مدى الاستفادة من هذه المشاريع، وتأثيرها الإيجابي على قاطني المخيمات ومعالجة المشاكل التي تواجههم.
النسب والإحصائيات التي استعرضتها الدراسة تشكل واقعاً حقيقياً ومؤلماً يعيشه المدنيون في مخيمات التهجير مع كل شتاء يمر عليهم وهم في هذه المخيمات التي باتت تشكل ثلث التعداد السكاني في شمال غربي سوريا، واستمرار بقائهم فيها يعني المزيد من تعميق الفجوة الإنسانية وغياب حقوقهم في العيش الآمن ومستقبل أطفالهم في الحياة والتعليم والمسكن في ظل تفاقم الوضع الإنساني في شمال غربي سوريا وانحسار الأمل بإنهاء هذه المأساة عبر الحل الأمثل لها بمحاسبة نظام الأسد وروسيا والعودة الآمنة للمهجرين إلى منازلهم وقراهم.