"انجاز للمشروع الثوري"!! .. قراءة في إعلان "تحـ ـرير الشـ ـام" إنهاء "انقلاب القحطاني"
أعلن "جهاز الأمن العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في بيان رسمي، ما أسماه "إحباط مخطط أمني وتعزيز القوة والاستقرار في المناطق المحررة"، معتبراً أن إن إفشال هذا المخطط وكسره سيشكل "إنجازا جديدًا يضاف لإنجازات المشروع الثوري، في المناطق المحررة، وسيكون مال ذلك مجتمعًا آمنًا ومشروعًا متماسكا تتحطم آمال العدو على أسواره وتحت أقدامه".
وقال البيان: "في الأشهر القليلة الماضية، تمكنا مـن إحباط مخطط أمني تقف خلفه جهات معادية، يهدف إلى تجنيد بعض الأفراد والعمل من خلالهم على بث الفتنة وشق الصف وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطقنا المحررة، ومع إعلاننا استكمال التحقيقات واستيفاء أركان القضية وشواهدها، فإننا نطمئن الجميع بأننا شارفنا على إنهاء الأعمال الأمنية المتعلقة بها"، واعتبر بأن "الثورة اليوم هي أقوى من ذي قبل، وقادرة على مواجهة النوازل بصدق وأمانة وشفافية".
البيان - وفق متابعين - سرد رواية الهيئة التي تحاول تسويقها في أنها كانت معرضة لمخطط أمني من جهات خارجية، وأن من جرى اعتقالهم وتحييدهم متورطون بالتعامل لتلك الجهات سواء (التحالف أو روسيا أو أي جهة خارجية أخرى)، لكن حقيقة الأمر الذي تحاول الهيئة تغييبه هو أن المخطط كان "انقلاب على قيادتها" مرجعه لخصومات بنوية في هيكليتها القائمة على المناطقية وتملك النفوذ والسلطة من قبل تيارات متصارعة ضمن الهيئة.
وبنظر الخبراء، فإن اتهام " أبو ماريا القحطاني" بالعمالة لجهة خارجية، كان لصرف الأنظار على الحدث الحقيقي الذي واجهته الهيئة خلال الأشهر الماضية، والذي تمثل في كشف مخطط لـ "الانقلاب" على قيادتها "أبو محمد الجولاني" من قبل تيار يقوده "أبو ماريا القحطاني" وبمساندة "أبو أحمد زكور"، أحد أبرز قيادات وأذرع الهيئة سابقاً، بعد هيمنة تيارات أخرى على القرار، تبين أن "القحطاني" اخترقها جميعاً بشبكة من التابعين، اعتقلوا جميعاً على أنهم "عملاء".
وحمل البيان الصادر عن "جهاز الأمن العام" إشكاليات عدة، إذ أنه واصل تسويق "قضية العملاء" والتباهي بتفكيكها، والادعاء بأن الهيئة تمثل الثورة برمتها وأن إفشال انقلاب ضمن بينة الهيئة التي باتت تحت سيطرة "تيار بنش" حالياً يعتبر انجازاً للثورة، وأي انجاز بعد سنوات من التهجير والقتل وخسارة المناطق والبؤس الذي يعانيه الملايين في المنطقة وفق تعبير بعض المتابعين.
في تقرير سابق لشبكة "شام" جاء فيه أن الخصومات البينية في هيكلية "هيئة تحرير الشام"، بين تيارات عدة، يختلف مستوى الولاء فيها للقيادة ممثلة بـ "أبو محمد الجولاني"، أفضت إلى حالة انقلاب أمنية، نتج عنها تحييد تيارات كبيرة، في استثمار واضح لما تم تداوله عن اختراق أمني من قبل "التحالف الدولي" والذي كان الحجة الأكبر لتمكين سطوة تيارات على أخرى ضمن تشكيل الهيئة.
وأوضح التقرير أن إقرار "هيئة تحرير الشام"، بتورط أحد أكبر قياداتها "أبو ماريا القحطاني" بالعمالة للتحالف الدولي لم يكن بالشيء الجديد (فالقحطاني معروف منذ بداية دخوله لسوريا مع الجولاني، بالتواصل مع التحالف والتنسيق معه حتى)، لكن هذه التهمة كانت بمثابة الضربة القاضية التي وجهتها قيادة الهيئة لأكبر تيار مسيطر داخلها والذي يقوده "القحطاني" وكانت تلك التهمة حجة لإنهاء التيار بشكل كامل دون أي ردات فعل مقاومة.
وماإن تمكنت التيارات المقربة من "الجولاني" والتي يضمن ولائها حتى الآن، من تحييد "القحطاني" وكتلته العسكرية والأمنية، عبر عمليات اعتقال منظمة طالت العشرات من القيادات والشخصيات المحسوبة عليه بتهم جاهزة هي "العمالة"، حتى بدأت مرحلة ضرب تيار "أبو أحمد زكور" والذي بات هو الآخر خارج المنافسة رغم عدم تمكن الهيئة من اعتقاله، والسبب الرئيس طموح الشخصيتان في الانفصال عن "الجولاني" وبناء كيان جديدة شمال حلب.
وبين التقرير في وقت سابق أن استمرار الاعتقالات لقيادات من الصف الثاني والثالث، وشخصيات إعلامية وأخرى بمواقع عسكرية وأمنية، يرسم إشارة كبيرة لعملية الإنهاء المستمرة ضمن بنية التيارات للقيادات المُحاربة ضمن تيارات عدة أبرزها ( بنش - عندان - دمشق - ويس .... إلخ)، مع معلومات تشير إلى تملك تيار "بنش" المقرب من "الجولاني" للقرار، وهيمنته على الكتلة الأكبر في مفاصل التنظيم.
هذه السياسة في إنهاء الحلفاء ورفقاء الدرب والانقلاب عليهم، ليست جديدة، فهي سياسة اتبعها "الجولاني"، وفق مصلحة المرحلة التي تمر بها الهيئة منذ بداية تشكيلها "جبهة النصرة" وصولاً للوقت الحالي، إذ سبق له أن أنهى عشرات الشخصيات القيادية التي رافقته في حملات البغي والإنهاء لباقي المكونات.
وفي تقرير سابق لـ "شام"، كشفت مصادر داخل "هيئة تحرير الشام"، عن مساعي مستمرة، لطرد جميع الشخصيات القيادية المتورطة بدماء السوريين وحملات البغي والممارسات المختلفة ضمن تشكيلات الهيئة، في سياق المساعي لتعويم صورتها بالشكل الجديد، لتمكين التقارب من الغرب والخروج من التصنيف بالإرهاب.
وقالت المصادر، إن عدد لابأس به من الشخصيات الملوثة أيديها بالدماء، تم إقصاؤها وإبعادها عن مواضع القرار، وتصدير شخصيات وأوجه جديدة، في حين تحدثت المصادر عن خلافات عميقة ضمن بنية الهيئة القيادية، أفضت ايضاَ لإقصاء وإبعاد شخصيات أخرى لرفضها التوجه الجديد لـ "الجولاني" وسياسة التحول الجذري التي يتبعها.
ولم يكن إقصاء "المحيسنى وأبو اليقظان والتلي وأبو شعيب المصري والفرغلي....إلخ" وعشرات الشخصيات القيادية الأخرى من مواقعهم هو الوحيد، حيث تم إبعاد الكثير من الشخصيات من مواقعها، وأخرى تم إقصاؤها بشكل كامل من صفوف الهيئة، لما يشكل وجودها من خطر على المشروع الجديد لـ "الجولاني"، القائم على تغيير كامل في بنية وسياسة الهيئة للوصول للقبول الدولي به.