الشارع الثوري يستنكر تصريحات تركيا بشأن اللقاء مع "الأسد" وقادة المعارضة "صم بكم لايسمعون"
عبر الشارع الثوري السوري بمختلف تياراته من نشطاء وفعاليات مدنية، عن استنكارهم لتصاعد حدة التصريحات التركية من رأس الهرم في السلطة، حول التقارب مع نظام الأسد، لاسيما التصريح الأخير للرئيس التركي "أردوغان" بشأن طرحه فكرة لقاء الإرهابي "بشار"، في ظل حالة صمت مطبق تسود على قوى المعارضة جميعاً دون حراك أو تصريح.
وكانت علت نبرة التصريحات السياسية التركية من رأس الهرم ممثلاً بالرئيس التركي "أردوغان" ووزير خارجيته، وبعض مسؤولي الأحزاب المتحالفة معه، والتي تتحدث عن تقارب "غير واضح المعالم" مع نظام القتل في سوريا، بعد قرابة عشر سنوات من القطيعة والعداء إلا على الصعيد الاستخباراتي.
ورغم النفي المتكرر لإمكانية حصول التقارب على مستوى عالي أو التطبيع، لما هناك من عقبات كبيرة تعترض ذلك، إلا أن تلك التصريحات باتت أمراً مكرراً لاسيما مع إعلان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، أن لقاءه مع بشار الأسد، "سيكون ممكنا عندما يحين الوقت المناسب"، ومن ثم تصريحه أنه عرض على روسيا إمكانية عقد قمة ثلاثية مع بوتين والأسد.
ورغم كل التصريحات السياسية التركية، والتي تتضارب بين الحين والآخر، ورغم نفي كثير من الشخصيات، إمكانية حصور تقارب فعلي بين أنقرة ودمشق، إلا أن قوى المعارضة من رأس الهرم المفترض "الائتلاف" وقادة المكونات السياسية وقادة الجيش الوطني السوري والمؤسسات التابعة لها، لم تصدر أي بيان حقيقي واضح يعبر عن موقفها من تلك التصريحات.
واستنكر نشطاء في الحراك الثوري بشكل واسع، تصاعد التصريحات التركية التي تتحدث عن إمكانية عودة التقارب بين النظام التركي ونظام الأسد، في ظل صمت مطبق من القوى الممثلة للمعارضة في الداخل السوري والخارج، وكأن الأمر لايعنيهم، مؤكدين رفضهم أي تصالح مع نظام الأسد، وأن الأمر لايعني النظام التركي فحسب بل يعني ملايين السوريين المهجرين إلى تركيا وفي الشمال السوري، والمرتبط مصيرهم بشكل كامل بالموقف التركي.
وكان استبعد "روبرت فورد" السفير الأمريكي السابق في دمشق، إمكانية حصول لقاء بين "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، والإرهابي "بشار الأسد"، في الوقت القريب في موسكو، رغم المساعي الروسية الحثيثة لتمكين الوسطاطة وإتمام اللقاء.
وقال فورد في مقالة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط"، إن "أردوغان والأسد" يتفقان على قضية واحدة، وهي رفض حكم ذاتي كردي في سوريا، لافتاً إلى أن أنقرة تشترط لاستئناف المحادثات السياسية مع دمشق، ضمان عودة آمنة للاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، لكن النظام لا يثق باللاجئين، ولا يريد عودتهم، ولن يقدم ضمانات بشأن سلامتهم.
أيضاً استبعد الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك، حصول أي تقارب بين تركيا ونظام الأسد، بعد سلسلة التصريحات التركية الرسمية التي تتحدث عن إمكانية تغيير الموقف الحالي، معتبراً أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمسؤولين الأتراك المتكررة تجاه دمشق، لم تغير السياسة التركية على الأرض.
وقال أوزكيزيلجيك، إن التصريحات حول علاقة تركيا بالنظام السوري الجديدة لا تخرج عن إطار "الانتخابات" ومسارات "سحب الأوراق"، في حين تعتبر مصادر أخرى أن التصريحات التركية هي من باب قطع الطريق على قوى المعارضة التي حاولت استثمار قضية اللاجئين لإعلان نيتها التواصل مع نظام الأسد.
وكانت سلطت صحيفة "الغارديان" في تقرير لها، الضوء على التصريحات التركية الأخيرة الصادرة عن الرئيس التركي "أردوغان" وعدد من مسؤولي الدولة بينهم وزير الخارجية، ومسؤولي قوى المعارضة، لاسيما ماطرأ عليها من تغير في لهجة الخطاب تجاه إمكانية التواصل مع نظام الأسد بعد قطيعة سنوات طويلة.
واعتبرت الصحيفة في تقرير لمراسها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، أن التقارب التركي-السوري الوشيك يثير مخاوف اللاجئين السوريين بالمنطقة، لافتاً إلى أن المعارضين في شمال سوريا ومناطق الأكراد رفضوا عمليات التطبيع الجارية بين أنقرة ودمشق وسط حديث عن أن التقارب قد يقود إلى تبادل سكاني كبير وعودة قسرية لملايين اللاجئين.
ورأى الكاتب أن تصريحات الرئيس هي أوضح إشارة حول السياسة الجديدة التي باتت تركيا تنتهجها من نظام الأسد بعدما كانت تركيا القائد الأبرز للإطاحة به قبل عقد من الزمن، وتقول الصحيفة إن الاتصالات المباشرة مع الأسد ليست محتملة في الوقت الحالي، إلا أنه من المتوقع استئناف الاتصالات بين المسؤولين الأمنيين.
وسابقاً، كانت أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو"، وحديثه عن مصالحة بين "النظام والمعارضة"، موجة استنكار ورفض كبيرة في الشارع الثوري السوري، وأصدر "المجلس الإسلامي السوري"، بياناً اليوم، معبراً عن انزعاجه من توالي التصريحات التي تتحدث عن ضرورة المصالحة مع العصابة المجرمة الحاكمة في سوريا.
واعتبر المجلس أن "الدعوة للمصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة مما يهدد أمن دول الجوار وشعوبها، وتعني مكافأة للمجرم وشرعنته ليستمر في إجرامه، وتناقض كل القرارات الدولية التي صدرت بهذا الشأن".
ولفت إلى أن "المصالحة مع هذا النظام بنظر الشعب السوري لا تقل عن المصالحة مع المنظمات الإرهابية التي تعاني منها شعوب المنطقة كداعش وقسد والبكك وأمثالها، فهل يجرؤ أحد على المطالبة بالمصالحة مع هذه المنظمات".
وأصدرت "وزارة الدفاع" في "الحكومة السورية المؤقتة"، بياناً، أكدت فيه أن "الجيش الوطني" مستمر في تقديم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهداف الثورة، ولفت إلى أن "الدولة التركية" ما زالت الحليف الرئيسي للثورة السورية تسير معا خطوة بخطوة نحو دحر إرهاب النظام والمنظمات الانفصالية ولم يتغير هذا الموقف.
وأكد "الائتلاف الوطني السوري"، في بيان له، أنه ملتزم بالحل السياسي وتخليص البلاد من النظام المجرم ومحاسبته وتحقيق تطلعات الشعب السوري، وثباته على مبادئ الثورة واستمراره في العمل حتى إسقاط نظام الأسد، داعياً المجتمع الدولي إلى إنصاف السوريين ودفع عجلة الحل السياسي إلى الأمام، بما يضمن الانتقال السياسي الشامل، و إنهاء المأساة الإنسانية والسياسية الطويلة.
من جهته، قال "فضل عبد الغني" مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن المصالحة مع النظام الأسدي الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب السوري، وثبت استخدامه للأسلحة الكيميائية، تعني باختصار تبريراً ومسامحة وفتح صفحة جديدة، ونسيان الماضي البربري.
ونظم نشطاء وفعاليات مدنية وأهلية، تظاهرات حاشدة في جميع المدن والبلدات ضمن المناطق المحررة، أعلنت بمظاهرات كبيرة بصوت واحد رفضها لأي تحرك من شأنه قبول التفاوض أو الاتفاق أو المصالحة مع نظام الأسد الذي دمر وقتل وشرد الملايين من السوريين خلال أكثر من عقد من الزمن.
وبالعودة لسنوات ماضية، كانت شهدت العلاقات السورية التركية قطيعة كبيرة، وتصريحات هجومية بين الرئيس أردوغان والإرهابي "بشار الأسد"، وكانت لتركيا دور ريادي في دعم الحراك الشعبي السوري وقوى المعارضة ولايزال مستمراً، رغم تخلي كثير من الدول عن الشعب السوري الثائر ضد النظام، تعدى ذلك للصدام المباشر مع دخول تركيا بقوات عسكرية كبيرة لمناطق شمال غرب سوريا منذ عام 2016.
وفي شباط 2019، كان شن الإرهابي "بشار الأسد" هجوما لاذعا ضد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ووصف حينها أردوغان بأنه "إخوانجي" (إخواني) ومجرد أجير صغير للأميركيين، وقال "بشار" عنه إنه لا يمكنه القيام بأي دور لم تكلفه به واشنطن.
كما قال "بشار الأسد" حينها إنه "بغض النظر عن الاستعراضات المسرحية للإخوانجي أردوغان الذي يحاول أن يظهر بمظهر صانع الأحداث، فهو تارة يغضب، وتارة يثور ويهدد، ومؤخرا بدأ ينفذ صبر أردوغان، هذه مشكلة كبيرة في الحقيقة".
ووفق الأسد فإن أردوغان يستجدي الأميركيين لكي يسمحوا له بالدخول "إلى المنطقة الشمالية في سوريا والمنطقة الشرقية وكان الأميركي يقول إبق جانبا دورك لم يأت بعد"، واعتبر أن الدور التركي أصبح ضروريا الآن من أجل خلط الأوراق لصالح الولايات المتحدة في المناطق التي ما تزال خاضعة للمعارضة السورية.
ولو عدنا لتصريحات سابقة للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي رفض عام 2018، دعوات للتواصل مع "بشار الأسد"، وقال "في أي شأن سنتحدث مع قاتل تسبب بموت مليون سوري؟"، وانتقد أردوغان حينها دعوة زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض "كمال قليجدار أوغلو" بهذا الخصوص، وكانت أحزاب تركية معارضة دعت الحكومة إلى تغيير نهجها مع الأسد في تلك الأثناء.
وفي حزيران 2016، قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، خلال زيارته متحف محمد علي كلاي، في مدينة لويفيل، بولاية كنتاكي الأمريكية، إن على البشرية جمعاء أن تُقصي "بشار الأسد"، معربًا عن اعتقاده أن جميع من يقدمون المساعدة له، شركاء في المذابح التي يقوم بها في سوريا.
وفي عام 2017، وصف الرئيس التركي "رجب طيب إردوغان"، بشار الأسد بأنه "إرهابي" وقال إن من المستحيل مواصلة مساعي السلام السورية بوجوده، وفي شهر نوفمبر 2016، قال أردوغان، إن القوات التركية دخلت الأراضي السورية ضمن عملية "درع الفرات" لتحقيق العدالة، وأضاف "نحن هناك لإنهاء حكم الأسد الوحشي الذي ينشر إرهاب الدولة"، وكان نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء أكد قبل ذلك أن موقف تركيا من الأسد لم يتغير.
وفي عام 2013، نشر الرئيس التركي تغريدة على حسابه الشخصي على "تويتر" لاتزال موجودة، قال فيها متوعداً: "أقول للأسد: لقد اقترب عدد الضحايا الذين قتلوا في سوريا من 100 ألف إنسان، قسما بربي ستدفع الثمن غاليا".
وكثيرة هي التصريحات التركية الصادرة عن رأس هرم السلطة، أو وزارات الخارجية والدفاع وغيرها من مؤسسات الدولة التركية التي تهاجم نظام الأسد وإرهابه وقتله وتشريده لملايين السوريين، حيث تحتضن تركيا قرابة 4 مليون سوريا على أراضيها، وتشرف على مناطق يتواجد فيها ذات العدد شمال غرب سوريا، وهذا ماجعل الفجوة كبيرة بين النظامين.
وفي سياق حملات التطبيع التي قادتها بعض الدول العربية مؤخراً مع نظام الأسد، لم يكن للجانب التركي أي دور أو اسم على قائمة الدول التي يمكن أن تقبل التعاون مع الأسد، أو حتى التواصل معه، لاسيما أن نظام الأسد متورط بجرائم كبيرة في الداخل التركي حتى، ومتورط بقصف النقاط التركية وقتل جنود أتراك، علاوة عن دعم الميليشيات الانفصالية الكردية ضد تركيا.
ولم يعد مفهوماً فحوى الخطاب التركي الأخير، في الوقت الذي تمر فيه تركيا - التي لم تتوقع طول الأزمة السورية لهذا الحد- تمر بمخاض عسير داخلياً مع اقتراب الانتخابات البلدية والرئاسية عام 2023 والتي ستكون مصيرية لتركيا والمنطقة، في ظل عراقيل كبيرة تواجه الحزب الحاكم بملفات شائكة تستغلها قوى المعارضة أبرزها ملف اللاجئين السوريين.