الخدمات المصرفية في سوريا تائهة بين الطوابير والتقاعس والصرافات الآلية المعطلة
الخدمات المصرفية في سوريا تائهة بين الطوابير والتقاعس والصرافات الآلية المعطلة
● أخبار سورية ٢٣ مارس ٢٠٢٣

الخدمات المصرفية في سوريا تائهة بين الطوابير والتقاعس والصرافات الآلية المعطلة

عمل نظام الأسد طيلة سنوات مضت، على تجاهل (القطاع المصرفي) على الرغم من كونه أحد أبرز أركان الاقتصاد الحديث، وفي ظل التعّامي الرسمي عن تنمية الخدمات المالية، لم ينسَ النظام السوري استغلال هذا القطاع وتسخير كامل المؤسسات الاقتصادية المعنية به لتحقيق إيرادات مالية طائلة، أما المواطنين فلم يجدوا من هذه الخدمات الشحيحة ما يحسن الواقع المتردي.

ويكابد المواطنين السوريين عناء كبير في التعامل مع المؤسسات المالية التي من المفترض أنها تقدم خدماتها في مناطق سيطرة النظام، حيث تحوّل هذا القطاع إلى ذراع اقتصادي يصب في صالح نظام الأسد فحسب، وتسلّط شبكة شام الإخبارية، في هذا التقرير الضوء على واقع قطاع الخدمات المصرفية، ويتضح أن هذه الخدمات شبه غائبة، وفق خبراء مختصون.

 

مع نقص خدمات المصارف.. طوابير المنتظرين تتضاعف

يُعاني سكان مناطق سيطرة النظام لا سيّما ممن يضطرون للتعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية مثل فئات من الموظفين والمتقاعدين حيث ينتظرون لساعات طويلة، ناهيك عن تردي الخدمات المصرفية بكافة أشكالها حيث تستمر المعاناة أمام الصرافات الآلية التابعة لمصارف النظام دون أي مساعٍ لإيجاد حلول واقعية.

ورصدت شبكة "شام" الإخبارية، العديد من الشكاوى حول تعامل الجهات المصرفية بمناطق النظام، وسط خلل ومشاكل لا تجد سبيلاً لحلها مثل اقتطاع مبالغ مالية من الحسابات والرواتب، علاوة على عدم قدرة المواطن على سحب مبلغ يفوق 10 آلاف ليرة سورية، إذ يعجز المواطنين في كثير من الأحيان من قبض أكثر من 100 ألف ليرة، وفي حال نجاح الأمر يتم عبر عشر عمليات كل عملية 10 آلاف ليرة سورية.

 

من نعمة إلى نقمة.. النظام يبرر بالأعطال والكهرباء والعقوبات

قالت مصادر في مناطق النظام، إن البحث عن صراف يقدم الخدمة يتكرر مع بداية كل شهر حتى أصبحت هذه الخدمة نقمة بعد أن كانت نعمة، وسط خروج العديد من الصرافات الآلية عن الخدمة بشكل كامل، ما يسبب بتصاعد الازدحام على الصرافات الآلية العاملة التي لا تخلو من الأعطال المتكررة وأبرزها ابتلاع الطاقات والراتب دون وجود حلول.

ورغم غياب أعمال الصيانة التي تضمن ما يحسن تقديم بعض الخدمات المصرفية، يتذرع مسؤولين في حكومة نظام الأسد وبينهم مدراء مصارف حكومية بأن سبب تردي الخدمات يعود إلى العقوبات المفروضة على النظام، كما تشهد تلك الصرافات الآلية انقطاعاً متكرراً للكهرباء وشبكة الإنترنت، وسط تصاعد حالات الضجر والملل والاستفزاز التي تصيب المنتظرين نتيجة الازدحام.

وبات المواطن ينتظر ساعات وربما أيام للحصول على مثل هذه الخدمات، بسبب أعطال تقنية أو لعدم توفر الشبكة أو خالية من النقود، إذ تشهد مراكز المصارف العامة بمناطق النظام هذه الظواهر بشكل متكرر مع توافد المتقاعدين والعاملين في الجهات الحكومية التابعة لنظام الأسد لقبض رواتبهم التي تفقد القيمة الشرائية ولا تكفي لتأمين أدنى مقومات الحياة اليومية والمعيشية.

 

قروض وهميّة.. عقود لتسديدها..!!

أطلق نظام الأسد بشكل رسمي عشرات القروض المالية خلال السنوات الماضية، إلا أن الواقع يكشف عدم نجاعة مثل هذه القروض المزعومة، والتي كان أخرها حول ما يتعلق بكارثة الزلزال، حيث أكد الخبير المصرفي "عامر شهدا"، بأن هذه القروض عاجزة عن تأدية مهامها، لعدم قدرة المتضررين إيفاء أقساطها رغم تواضعها.

وتزعم وسائل إعلام النظام بأن المصارف العامة تتجه للتوسع في منح التسهيلات الائتمانية، وتمنح القروض، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتقدر مصادر مصرفية أن الفائدة في بعض القروض المعلنة تضل إلى 15 بالمئة، أو ما يعادل 700 ألف ليرة كفائدة على كل مليون ليرة سورية، ويحتاج المواطن سنوات لتسديدها.

ويرّوج النظام لوجود خدمات مصرفية عبر القروض إلا أن معظمها وهمية ودون جدوى اقتصادية، وعلى سبيل المثال، سبق أن أصدر النظام قراراً يقضي بمنح قرض فوري يبدأ من (250 ألف ليرة ويصل إلى مليون ليرة سورية)، ما اعتبره إعلام النظام مكرمة فيما ذكرت مصادر اقتصادية أن القرار لا يعدو كونه إجراء إعلامي فقط.

 

الدفع الذكي فشل ذريع بالتطبيق.. الضرائب أولاً

طالما تشدق نظام الأسد بحديثه عن الخدمات المصرفية رغم أنها غائبة بشكل ملحوظ، وصولاً إلى حديثه في هذا السياق عن "حكومة إلكترونية"، كما تطرق سابقا إلى تطبيقات الدفع الإلكتروني دون وجود أي مقومات لعمل مثل هذه التطبيقات، وتزعم حكومة النظام بأن الدفع الإلكتروني مكن المواطن من دفع أي مبلغ مهما كانت قيمته دون الحاجة للذهاب إلى المصرف مع إمكانية تسديد الرسوم على مدار الساعة دون التقيد بساعات الدوام الرسمي أو العطلة.

وأعلن مصرف التوفير، لدى نظام الأسد مؤخراً عن بدء العمل بخدمة الشراء من خلال نقاط البيع أجهزة الـ "بي أو إس"، لدى المؤسسة السورية للتجارة بدءاً من مجمع الأمويين في البرامكة بدمشق، ويذكر أنه في ظل انتشار مزاعم النظام حول تفعيل منظومة الدفع الإلكتروني يشهد قطاع الاتصالات والانترنت، انقطاعات متكررة نتيجة السرقات وصعوبة تأمين الوقود وغيرها.

أما للحوالات الخارجية قصة أخرى تعكس مدى استغلال النظام للقطاع المصرفي، حيث تعد الحوالات من أهم إيرادات النظام مالياً إذ يقاسم السوريين على أموالهم من خلال التلاعب بأسعار الصرف واعتماد أسعار مختلفة ولعل ذلك يلخص مدى استنزاف النظام للقطاع بشكل عام على حساب استمرار تدهور الاقتصاد السوري المُنهك.

 

مع انعدام الخدمات.. النظام يحقق أرباح مالية طائلة

وتحدث نظام الأسد مؤخراً عبر مدير الدفع الإلكتروني في المصرف العقاري "سامر سليمان"، عن توحيد شبكة صرافات جميع المصارف قريباً ضمن شبكة واحدة، مع سعي جميع المصارف على اختلافها للانضمام إلى تلك الشبكة، وصرح بأنه "على الرغم من الظروف، ورغم انتهاء العمر الافتراضي للصرافات، وقلة التغذية الكهربائية، لدينا شيء جديد".

وحسب المصرف العقاري لدى نظام الأسد فإنّ قدرته على الإقراض لعميل واحد تضاعفت بمقدار (25.3) مرة، بسبب الزيادة في مجموع الأرباح التراكمية الصافية للسنوات الخمس الماضي إلى 33,279 مليار ليرة سورية، وقال المصرف إن أرباحه عن الربع الأول بلغت 3 مليار ليرة سورية.

في حين بلغ مجموع صافي الأرباح المتحقق خلال السنوات الخمس في البنك، (33.279) مليار ليرة سورية، وذكر أنه تمكن من تحقيق هذه الأرباح عن طريق مجموعة من السياسات والإجراءات، أهمها تحصيل الديون من القروض المتعثرة، وإغلاق نسبة مرتفعة جداً من ملفات القروض المتعثرة عن طريق السداد الكامل، والاستمرار بعمليات الجدولة حسب المراسيم والقرارات النافذة.

وكان زعم مدير مديرية الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة والتخطيط في مصرف النظام المركزي "منهل جانم"، أن الإجراءات النقدية المتخذة من قبل المصرف عام 2022 ولا سيما قرار مجلس النقد والتسليف رقم 68، والمتضمن رفع أسعار الفائدة من 7 بالمئة إلى 11 بالمئة على الودائع لأجل شهر أسهم بشكل إيجابي في هيكلية السيولة على جانبي الميزانية الموحدة للمصارف العامة والخاصة.

 

الشمال السوري.. لا خدمات مصرفيّة

تواصلت شبكة "شام" الإخبارية، مع عدد من الخبراء المختصين بالشؤون المصرفية، للحديث حول واقع هذه الخدمات الغائبة كلياً بمعناها الحقيقي، في مناطق شمال غربي سوريا، ولفتت إلى وجود عدة عوامل وشروط تحول دون تقديم الخدمات المصرفية في مناطق الشمال السوري المحرر.

ومن بين شروط ومتطلبات كثيرة لافتتاح بنك في المناطق المحررة يتطلب جهود وإجراءات متعددة وتحديد آليات الإقراض وغيرها، وفي 2018 حولت "هيئة تحرير الشام"، شركة الوسيط للحوالات المالية في إدلب إلى بنك مالي أطلقت عليه اسم "بنك الشام" وموقعه في مدينة إدلب "البنك الصناعي سابقاً".

وأكدت مصادر مطلعة إلى أن البنك المشار إليه يعمل دون أن يرقى بخدماته إلى مستوى المصطلح الذي يحمله، بل لا يعدو كونه جهة مصرفية أكبر من مكتب الحوالات والصرافة فحسب، وتخلو إدلب من أي مركز لمؤسسة البريد والشحن التركية (PTT)، رغم وجود أكثر من 10 أفرع بمناطق ريف حلب، تقدم خدماتها المصرفية.

إلى ذلك قالت مصادر محلية في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، (قسد) إن الخدمات المصرفية في المنطقة معدومة بشكل كامل، وتحدثت عن مساعي عديدة بهذا الشأن لكن دون نتائج فعلية واعتبرت أن عدم الاستقرار يمنع إقامة بنوك ومصارف ومنشآت تعنى بالخدمات المالية عموماً، وأكدت المصادر وجود مكاتب وشركات صرافة مرخصة في مناطق شمال وشرق سوريا.

 

القطاع المصرفي في سوريا.. خسائر بمليارات الدولارات

يعتبر القطاع المصرفي من أشد القطاعات تأثراً بحرب النظام الشاملة ضد الشعب السوري منذ 2011، في حين لعبت القرارات المتقلبة والمتغيرات الاقتصادية مثل سعر الصرف والتضخم دوراً سلبياً على الأداء المصرفي، ويذكر أنّ بعض المصارف توقفت عن منح القروض بحجة إعادة تقويم للأداء، وبعضها الآخر يقوم بالإقراض في الحدود الدنيا بحجة عدم توفر السيولة، عدا عن المصارف الخاصة التي توقفت عن الإقراض بشكل تام ولأسباب غير مبررة.

وتشير تقديرات بوقوع خسائر غير مسبوقة في القطاع المصرفي وصلت وحسب الإحصائيات الغير رسمية إلى ما يزيد عن 9 مليارات دولار، وكان النظام السوري قد زعم ارتفاع إجمالي أصول القطاع المصرفي في سوريا بنسبة نمو سنوياً بلغت 105% مع نهاية 2020 مقارنة بنهاية 2019، ويوجد في سوريا 6 مصارف حكومية، تعمل إلى جانب 14 مصرفاً خاصاً.

وحسب البيانات الرسمية، وصل إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي إلى 7434 مليار ليرة سورية في نهاية 2020، مقارنةً مع 4361 مليار ليرة في نهاية 2019، بزيادة 3073 مليار ليرة، وتتضارب أرقام حجم الديون المتعثرة الصادرة عن المؤسسات المصرفية والمسؤولين بدمشق، ففي حين تقول بيانات مصرفية إن حجم تلك الديون يصل إلى نحو 350 مليار ليرة، كشف حاكم مصرف النظام المركزي السابق، "دريد درغام"، أن حجم الديون المتعثرة لدى المصارف الحكومية، يبلغ 280 مليار ليرة سورية.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ