
لبنان يعرقل المباحثات حول المعتقلين السوريين ويمنع الوفد السوري من زيارة سجن رومية
كشفت مصادر خاصة لـ"شبكة شام" أن المفاوضات بين الوفد السوري ونظيره اللبناني في بيروت حول ملف المعتقلين السوريين تواجه تعثّراً كبيراً، رغم التصريحات الدبلوماسية التي تحدثت عن "أجواء إيجابية" سادت الاجتماعات الأخيرة بين الجانبين.
وأوضحت المصادر أن ما يجري خلف الكواليس يختلف تماماً عمّا يُروَّج في الإعلام، إذ يواصل الجانب اللبناني اتباع سياسة المماطلة وفرض الشروط التي تعرقل أي تقدم فعلي في هذا الملف الإنساني.
وأفادت المصادر أن السلطات اللبنانية ما تزال تُبدي تشدداً واضحاً في المفاوضات، إذ تصر على استثناء عدد كبير من السوريين الموقوفين في لبنان من أي اتفاق مرتقب، بحجة تورطهم في قضايا تتعلق بـ"قتال الجيش اللبناني" أو "القتل والمخدرات"، رغم أن الكثير من هؤلاء أُجبروا على الإدلاء باعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وتعرضوا لاعتقالات تعسفية ومحاكمات جائرة على خلفية انتمائهم أو آرائهم السياسية.
وأضافت المصادر أن أكثر من 80% من المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية لم يُقدَّموا إلى المحاكمة منذ سنوات طويلة، ويعيشون في ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، وسط غياب شبه تام لأي رقابة قضائية مستقلة.
وفي خطوة أثارت استياء الوفد السوري، منعت السلطات اللبنانية أعضاءه من التوقف في بلدة مجدل عنجر الحدودية، حيث كان في انتظارهم وفد من الأهالي والفعاليات المحلية وممثلون عن عائلات المعتقلين لتسليمهم رسالة خطية بشأن أبنائهم، إلا أن الجانب اللبناني حال دون ذلك، في مؤشر على توتر الأجواء المحيطة بالزيارة.
كما أكدت المصادر أن الوفد السوري مُنع من زيارة سجن رومية المركزي رغم أن الزيارة كانت مدرجة مسبقاً على جدول أعماله، إذ كان من المفترض أن يلتقي عدداً من المعتقلين السوريين ويطّلع على أوضاعهم المعيشية والصحية داخل السجن، في خطوة كانت ستُعدّ الأولى من نوعها منذ سقوط نظام الأسد البائد.
وبعد الزيارة، تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن نية الحكومة اللبنانية توقيع اتفاق قضائي مع سوريا، إلا أن المشروع المطروح يتضمن استثناءات واسعة، ما يجعله – وفق وصف المصادر – اتفاقاً "شكلياً وضعيفاً"، يعمّق معاناة مئات المعتقلين السوريين ويُبقيهم رهائن خلف القضبان دون أمل بالإفراج أو تسوية أوضاعهم.
وأضافت المصادر لشبكة "شام" أن بعض القوى السياسية اللبنانية تمارس ضغوطاً لتعطيل الاتفاق، إما لدوافع طائفية أو لاستغلال الملف في الحملات الانتخابية المقبلة، مشيرة إلى أن هذه المواقف لا تعبّر عن موقف رسمي موحّد، لكنها تؤثر عملياً في مسار المفاوضات.
كما اتهمت المصادر الجانب اللبناني بافتعال عقبات جديدة في كل جولة تفاوض، كان آخرها طرح تسليم شخصيات سورية يُزعم تورطها في الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان خلال حكم الأسدين، في حين أن عدداً من هؤلاء المطلوبين يقيمون داخل مناطق نفوذ حزب الله في بيروت، ما يكشف ازدواجية الموقف اللبناني.
وأبدت المصادر استغرابها من ربط الحكومة اللبنانية بين ملف المعتقلين السوريين وملف المفقودين اللبنانيين في سوريا، مؤكدة أن هذا الربط غير منطقي ويعقّد المسألة أكثر، لأن الملف الأخير يحتاج إلى جهد تقني طويل الأمد ولا علاقة له بالمعتقلين الموقوفين حالياً.
وفي السياق ذاته، أشارت المصادر إلى تصريحات وزير العدل اللبناني عادل نصار التي أدلى بها لقناة "الجديد"، حين تحدث عن ضرورة استعادة لبنان لمقاتلي حزب الله المسجونين في سوريا، وهو ما اعتبرته دليلاً إضافياً على الذهنية الانتقائية التي يتعامل بها بعض المسؤولين اللبنانيين مع ملف الموقوفين السوريين، وحرصهم على رفع سقف الشروط كلما اقتربت المفاوضات من تحقيق تقدم.
ووفق بيانات منظمات حقوقية لبنانية وسورية، يتجاوز عدد المعتقلين السوريين في لبنان 2300 شخص، بينهم مئات المحتجزين منذ أكثر من عشر سنوات، ويعاني معظمهم من أوضاع إنسانية مأساوية، بينما سُجّلت حالات وفاة متكررة تحت التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الطبية، إلى جانب تزايد حالات الانتحار في صفوفهم نتيجة الظروف القاسية وطول فترة الاحتجاز دون محاكمة.
وتشير المصادر إلى أن استمرار التعنت اللبناني وعدم السماح بالزيارات الإنسانية أو القضائية للمعتقلين يبعث برسالة سلبية تمس جوهر العلاقات بين البلدين، وتنسف الجهود الرامية إلى بناء تعاون حقيقي قائم على العدالة واحترام حقوق الإنسان.