باراك في مقال مطوّل: العقوبات حققت غايتها والآن تعرقل نهوض سوريا
باراك في مقال مطوّل: العقوبات حققت غايتها والآن تعرقل نهوض سوريا
● أخبار سورية ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥

باراك في مقال مطوّل: العقوبات حققت غايتها والآن تعرقل نهوض سوريا

قال السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك إن الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025 سيُذكر بوصفه «لحظة فارقة في الدبلوماسية الحديثة للشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد احتفال بوقف إطلاق النار أو الإفراج عن الرهائن، بل كانت إعلاناً عن بداية حقبة جديدة يقودها الرئيس الأميركي السابق دونالد ج. ترامب عبر رؤيته ذات النقاط العشرين للسلام وإعادة الإعمار والازدهار المشترك في المنطقة.

وأوضح باراك، في مقال حمل عنوان «وجهة نظر شخصية – سوريا ولبنان القطعتان التاليتان لسلام المشرق»، أن قيادة ترامب «أعادت الغاية والأمل إلى منطقة كانت غارقة لعقود في الخوف والجمود»، مضيفاً أن «الدول العربية والإسلامية والغربية اجتمعت في مسعى واحد لاستبدال الشلل بالتقدم والعزلة بالاندماج».

وأشار السفير إلى أن ما بدأ بوقف إطلاق النار في غزة «تحوّل إلى ما هو أعظم: أولى لبنات فسيفساء التعاون الإقليمي الجديد»، معتبراً أن الاستقرار لم يعد يُفرض بالخوف، بل يُبنى على «رؤية الفرص المشتركة»، وأن السلام «لم يعد مجرد هدنة بين جولات العنف، بل أصبح منصة للرخاء».

ورغم إقراره بأن طريق غزة نحو الاستقرار لن يخلو من «العثرات وانتهاكات الثقة»، أكد باراك أن ما تحقق من إجماع عربي وإسلامي على «إدانة الممارسات الإرهابية داخل المنطقة» يشكل تحولاً نوعياً لم يشهد له مثيل منذ عقود.

سوريا: القطعة المفقودة في معمار السلام

واعتبر باراك أن «القطعتين التاليتين في هندسة السلام الجديد لم تكتمل بعد»، موضحاً أن الأولى هي سوريا التي وصفها بأنها «منهكة وممزقة بعد سنوات الحرب، لكنها تمثل الرمز والاختبار الحاسم لقدرة النظام الإقليمي الجديد على الصمود».

وأضاف أن «أي فسيفساء سلام في المشرق لن تكتمل بينما واحدة من أقدم حضارات العالم ما تزال ترزح تحت الركام»، داعياً إلى أن «تهبّ رياح المصالحة التي بدأت في غزة شمالاً نحو سوريا لتبعث الحياة في نهضتها».

وكشف السفير الأميركي أن مجلس الشيوخ الأميركي أبدى «رؤية استباقية» عندما صوّت لصالح إلغاء «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا»، موضحاً أن هذا القانون «أدى غايته الأخلاقية ضد النظام الأسدي السابق الخائن، لكنه اليوم يخنق أمةً تتطلع إلى إعادة البناء».
وطالب مجلس النواب الأميركي بأن «يسير على خطى الشيوخ، ويعيد للشعب السوري حقه في العمل والتجارة والأمل».

وأوضح باراك أن العقوبات التي فرضها الكونغرس عام 2019 جاءت «رداً على فظائع لا تُغتفر»، فجمّدت الأصول، وقطعت التمويل غير المشروع، وعزلت النظام القمعي. لكنه أضاف أن «سوريا بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، مع تنصيب الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لم تعد سوريا عام 2019، ولا النظام الذي حكمها من قبل».

وأشار إلى أن القيادة الجديدة في دمشق «انخرطت في مسار مصالحة حقيقية»، استعادت خلاله علاقاتها مع تركيا والسعودية والإمارات ومصر وأوروبا، وبدأت حتى «مناقشات حدودية مع إسرائيل».

وبيّن باراك أن الرئيس ترامب أعلن في الثالث عشر من أيار/مايو 2025 من الرياض عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، واعتبر ذلك «تحولاً تاريخياً من سياسة الإكراه إلى سياسة التعاون».
وتابع أن هذا الوعد أصبح واقعاً في الثلاثين من حزيران/يونيو عندما صدر الأمر التنفيذي بإلغاء معظم العقوبات السورية اعتباراً من الأول من تموز/يوليو، وهو ما وصفه السفير بأنه «تحوّل جذري من العقاب إلى الشراكة».

ورأى باراك أن رفع العقوبات «ليس صدقة بل إستراتيجية»، لأنه «يفتح الباب أمام الحلفاء والمستثمرين لبناء شبكات الكهرباء والمياه والمدارس والمستشفيات في سوريا»، ويمهّد لأكبر عملية إعادة إعمار منذ الحرب العالمية الثانية.

وشدّد على أن «الحيوية الاقتصادية هي الدواء الأنجع للتطرف، والتجارة هي الجسر بين الصراع والتعايش»، مضيفاً أن العقوبات المتبقية «لم تعد تعاقب الطغاة، بل تعاقب المعلمين والمزارعين وأصحاب المحال الذين يحملون عبء إعادة إعمار البلاد».

وأكد السفير أن إلغاء قانون قيصر «ليس استرضاءً بل واقعية سياسية»، وأنه «يوائم السياسة الأميركية مع الحقائق على الأرض وتطلعات الشعوب التي تريد طي صفحة الماضي».
وأشار إلى أن ستةً وعشرين من كبار رجال الدين المسيحيين في سوريا وجهوا نداءً إلى الكونغرس لإلغاء العقوبات، محذّرين من أنها «أصبحت سبباً رئيسياً لانكماش الوجود المسيحي في بلادهم»، واصفاً ذلك بأنه «صدى أخلاقي للتغيّر الجاري في المنطقة».

وختم هذه الفقرة قائلاً: «لقد أظهر الرئيس ترامب ومجلس الشيوخ شجاعةً سياسية. ويبقى على مجلس النواب أن يتمّم فعل الدولة الراشدة. فإلغاء قانون قيصر ليس نسياناً للتاريخ، بل إعادة صياغته، واستبدال قاموس الانتقام بلغة التجديد».

قمة شرم الشيخ وبداية «سيمفونية التعاون»

وأشاد باراك بنتائج قمة شرم الشيخ التي وصفها بأنها «ليست مسرحاً رمزياً، بل مقدمة لسيمفونية جديدة من التعاون»، ترتكز على «تكامل الطاقة، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والطموح الإنساني المشترك».
وأكد أن «إطلاق سراح الرهائن، ووقف القتال، والالتزامات التي أُعلنت في شرم الشيخ وضعت أساساً لعملية سلام تحتاج إلى مراقبة وتطوير دائمين، لأنها مسار طويل لا حدثاً عابراً».

وأضاف أن «إيقاع الحوار يجب أن يمتد شمالاً نحو سوريا ثم لبنان»، لأن «اتفاقات إبراهيم الموسّعة تمثل النجم القطبي الذي يهدي المنطقة نحو تكامل شامل».
وأوضح أن الإرادة السياسية والحاجة الاقتصادية والأمل الشعبي «متناغمة للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة»، وأن العقبة الوحيدة أمام التقدّم هي «قيادة الحرس الثوري الإيراني المعادية والغادرة ووكلاؤها الإقليميون».

وأكد أن ترامب «قدّم للمنطقة عهداً متجدداً يستبدل العداء بالانسجام واليأس بالتنمية والعزلة بالمصير المشترك»، مشيراً إلى أن قانون قيصر «أدى غايته، وحان الوقت الآن لإعطاء سوريا فرصة جديدة».

لبنان: الجبهة الثانية للسلام

وانتقل السفير باراك في مقاله إلى «القطعة الثانية» من معمار السلام وهي لبنان، مشيراً إلى أن «استعادة سوريا لاستقرارها مع جيرانها، بمن فيهم إسرائيل وتركيا، تشكّل الركيزة الأولى لإطار الأمن الشمالي لإسرائيل»، أما الركيزة الثانية فهي «نزع سلاح حزب الله في لبنان وبدء مفاوضات أمنية وحدودية مع إسرائيل».

وأوضح أن «اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعته إدارة الرئيس جو بايدن عام 2024 بوساطة أميركية وفرنسية وأممية فشل في تحقيق وقفٍ دائم للتصعيد»، لأن «لبنان لا يزال يعتبر التعامل المباشر مع إسرائيل جريمة، مما حال دون وجود آلية تنفيذ حقيقية».

وأشار إلى أن «استمرار إيران في تمويل ميليشيا حزب الله رغم العقوبات، وانقسام مجلس الوزراء اللبناني الذي يرسل إشارات متناقضة إلى الجيش اللبناني الفاقد للتمويل والسلطة، جعل من الهدوء القائم مجرد هدوء هش بلا سلام».
وقال إن «إسرائيل ما تزال تحتل خمس مواقع تكتيكية على طول الخط الأزرق، وتنفذ ضربات شبه يومية على مخازن حزب الله»، فيما يظل مبدأ «بلد واحد، جيش واحد» في لبنان «أمنية أكثر منه واقعاً»، بفعل هيمنة الحزب السياسية والخوف من الاضطرابات الداخلية.

وأشار باراك إلى أن الولايات المتحدة طرحت مطلع هذا العام خطة «محاولة أخيرة» تقوم على نزع سلاح تدريجي، وتحقق مرحلي تحت إشراف أميركي-فرنسي، مقابل حوافز اقتصادية. لكن لبنان «رفض الخطة بسبب نفوذ حزب الله داخل مجلس الوزراء»، مما جعل الحكومة «عاجزة في شلل طائفي» رغم محاولاتها تقديم بوادر حسن نية «قوبلت بتجاهل إسرائيلي كامل».

وبيّن أن «استقرار دمشق يجعل حزب الله أكثر عزلة، لأن سيطرته الخارجية تقوّض سيادة لبنان وتردع الاستثمارات وتضعف ثقة المواطنين وتشكل تهديداً دائماً لإسرائيل».
لكنه أضاف أن «حوافز التحرك الآن تفوق كلفته»، فالشركاء الإقليميون مستعدون للاستثمار شرط أن «يستعيد لبنان احتكار القوة الشرعية تحت لواء الجيش اللبناني وحده».
وحذر من أنه «إذا استمر التردد اللبناني، فقد تتصرف إسرائيل منفردة، وستكون العواقب وخيمة».

وأكد السفير أن «نزع سلاح حزب الله ليس مطلباً أمنياً إسرائيلياً فحسب، بل فرصة لبنانية للتجدد»، فهو بالنسبة لإسرائيل «يعني حدوداً شمالية آمنة»، وبالنسبة للبنان «يعني استعادة السيادة وفرصة للإنعاش الاقتصادي»، وبالنسبة للولايات المتحدة «يعني تحقيق السلام عبر الازدهار وتقليل الانخراط الأميركي الميداني»، وللمنطقة عامة «إنهاء أحد أهم أذرع النظام الإيراني وتسريع وتيرة التحديث العربي».

وأضاف أن واشنطن «سعت لدفع لبنان نحو حل سلمي مع إسرائيل عبر الحوافز لا الإكراه»، من خلال ربط المساعدات الخليجية بمؤشرات تقدم ملموسة، وضمان مراقبة أميركية-فرنسية-أممية من دون صلاحيات تنفيذية، وتقوية الجيش اللبناني بالتدريب والدعم، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «تعهدت هذا الشهر بأكثر من 200 مليون دولار إضافية للقوات المسلحة اللبنانية».

وأوضح أن واشنطن كانت مستعدة «لتوفير غطاء دبلوماسي لتحول حزب الله إلى فاعل سياسي سلمي، وتنسيق مواقف إقليمية تربط الاستثمار بالتقدم، ومساعدة بيروت على تقديم نزع السلاح كاستعادة للسيادة لا كاستسلام». لكنه قال إن «جميع هذه المبادرات توقفت بينما تتسارع المنطقة نحو طرد وكلاء الإرهاب الإيرانيين».

تحذيرات من تأجيل الانتخابات اللبنانية واحتمالات التصعيد

وأشار باراك إلى أن «التحركات الشجاعة لدمشق نحو اتفاق حدودي وتعاون محتمل تمثل الخطوة الأولى لتأمين الجبهة الشمالية لإسرائيل»، وأن «نزع سلاح حزب الله هو الخطوة الثانية».
وأضاف أن «لبنان يقف أمام خيار مصيري: إما انتهاج طريق التجدد الوطني أو البقاء في شلل وانحدار».

وأكد أن على الولايات المتحدة «دعم بيروت بسرعة لفك ارتباطها بالميليشيا الإيرانية وتحقيق التوافق مع إيقاع مكافحة الإرهاب في المنطقة، قبل أن تجرفها موجة الرفض الشامل للتنظيمات المسلحة».

وحذر السفير من أنه إذا «فشل لبنان في التحرك، فإن الجناح العسكري لحزب الله سيواجه حتماً مواجهة كبرى مع إسرائيل في لحظة قوة إسرائيل وضعف حزب الله وإيران».
وأوضح أن الجناح السياسي للحزب «سيواجه عزلة متزايدة مع اقتراب انتخابات أيار/مايو 2026»، وأن الحزب «قد يسعى إلى تأجيل الانتخابات إذا تعرض لهزيمة عسكرية أو سياسية أو معنوية».

وأشار باراك إلى أن الحزب قد «يبرر التأجيل بذريعة الأمن القومي وعدم الاستقرار الحربي، في محاولة للحفاظ على قاعدته الشعبية الشيعية وإعادة تنظيم صفوفه قبل مواجهة الناخبين»، مؤكداً أن مثل هذا التأجيل «سيؤدي إلى فوضى كبرى داخل لبنان، ويعمّق الانقسام الطائفي، ويعيد مشاهد احتجاجات 2019 لكن وسط توتر مسلح وانهيار اقتصادي».

وأضاف أن «إقدام ميليشيا واحدة على تعليق الديمقراطية سيقوّض ثقة الناس في الدولة، ويفتح الباب أمام التدخلات الإقليمية، ويهدد بانهيار مؤسساتي شامل».

باراك: الشرق الأوسط يدخل عهد التعاون بعد قرن من الصراع

وختم السفير الأميركي مقاله بالقول إن «زخم خطة الرئيس ترامب ذات النقاط العشرين جعل الطريق نحو توسيع اتفاقات إبراهيم أوضح من أي وقت مضى»، معتبراً أن «ما كان حلماً أصبح قريب المنال».

وأوضح أن «إيران أصبحت ضعيفة سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، بينما السعودية تقف على عتبة انضمام رسمي إلى الاتفاق»، مشيراً إلى أنه «مع تحرك الرياض ستتبعها دول أخرى، وسرعان ما سيجد المشرق نفسه منجذباً نحو هذا الاصطفاف الجديد لا تحت الضغط بل بدافع الازدهار».

ووصف باراك ذلك بأنه «إنجاز استثنائي، إذ نرى السلام يثمر رخاءً، والازدهار يترسخ بين دول كانت أعداء حتى وقت قريب»، مضيفاً أن «التاريخ سيتذكر هذا الأسبوع بوصفه اللحظة التي بدأ فيها قرنٌ من الصراع يفسح الطريق أمام جيلٍ من التعاون».

وختم قائلاً: «يجب ألا ننسى أن التعاون ليس غاية بل طريق نحو السلام والفهم المتبادل. علينا جميعاً أن نواصل العمل الدؤوب حتى تجد هذه القطع المعقدة من الفسيفساء مكانها جنباً إلى جنب».

وأعلن في الختام أن الرئيس ترامب «عيّن السفير الأميركي الجديد في لبنان، ميشيل عيسى، الذي سيصل إلى بيروت الشهر المقبل لقيادة الجهود الأميركية في مساعدة لبنان على تجاوز هذه المرحلة المعقدة».

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ