
باحث سوري ينتقد الاندفاع في التقارب مع موسكو ويصف روسيا بـ“دولة احتلال وإجرام”
اعتبر الكاتب والباحث السوري "أحمد أبازيد" أن روسيا تبقى، في الذاكرة الوطنية السورية، دولة احتلال ومسؤولة عن المجازر والحصار والتهجير التي شهدتها البلاد خلال سنوات الحرب، مؤكداً أن “لا شيء يمكن أن يمحو تلك الجرائم أو يبدّل حقيقة الدور الروسي في دعم نظام الأسد البائد”.
وقال أبازيد، في منشور على حسابه في "فيسبوك"، إن الصوت الشعبي السوري لا يمكن أن يتنازل عن حقه التاريخي والوطني تجاه الاستبداد أو الاحتلال، مشدداً على أن “حق الضحايا يجب أن يبقى أولوية وذاكرة حية تنادي بعدالة منصفة”.
وأوضح أن الخطاب الثوري والوطني الحقيقي يبدأ من الإقرار بهذه الثوابت، التي لا يمكن تجاوزها أو تبريرها تحت أي ظرف سياسي أو دبلوماسي.
وأشار الباحث إلى أن الاندفاع نحو إعادة العلاقة السريعة مع روسيا، وتبادل الزيارات العسكرية، ثم الزيارة الرئاسية الأخيرة إلى موسكو، يثير تساؤلات عديدة، معتبراً أن “هذا التوجه غير مفهوم تماماً، ولا ينسجم مع السياق السياسي الراهن”.
وأوضح أن روسيا لا تمتلك اليوم أوراقاً فاعلة في ملفات التهديد الأمني الأهم في سوريا، مثل ملفي (قسد) وإسرائيل، مشيراً إلى أن الورقة الوحيدة بيد موسكو كانت تتعلق بضباط النظام السابقين ومنع إعادة تحركهم العسكري، وهو ما يرتبط بحماية قاعدة حميميم واستمرار وجودها العسكري فحسب.
ولفت أبازيد إلى أن رئيس الأركان السوري زار روسيا قبل أسبوعين، تبعتها زيارة وفد عسكري روسي إلى دمشق، ثم الزيارة الرئاسية بحضور وزير الدفاع السوري، متسائلاً عن جدوى الحديث عن “مساهمة روسيا في إعادة بناء الجيش السوري”.
وقال: “هل هذا ممكن فعلاً؟”، مضيفاً أن التجربة التركية مثال واضح على صعوبة التوازن بين المحاور المتنافسة، رغم ما تمتلكه أنقرة من قدرات اقتصادية وعسكرية واستقرار سياسي.
وأوضح أبازيد أن تركيا، رغم قوتها واستقرارها، واجهت اضطرابات سياسية واقتصادية بسبب محاولتها التوفيق بين المعسكرين الشرقي والغربي، فكيف يمكن لسوريا – التي ما تزال دولة ناشئة، منقوصة السيادة، بلا جيش موحد ولا اقتصاد مستقر – أن تحقق توازناً مماثلاً؟
وأضاف: “التفكير بأن سوريا تستطيع أن تضحك مع بوتين وزيلينسكي وترامب معاً ليس مضحكاً فحسب، بل خطير سياسياً”، مؤكداً أن تسليح الجيش السوري الجديد مرهون بقرار أمريكي، وكذلك إعادة ترميم الاقتصاد تعتمد على الانفتاح الغربي لا الروسي.
وأشار أبازيد إلى أن ميزان القوة لا يبرر التناسي السريع لدور روسيا في الحرب السورية، مبيناً أنها كانت قوة احتلال مباشر ساهمت في بقاء نظام الأسد تسع سنوات إضافية بعد أن كان على وشك السقوط عام 2015.
وأكد أن كل المناطق التي دُمّرت وهُجّرت تقع مسؤوليتها على الطيران الروسي الذي نفّذ حملات مركّزة أحدثت دماراً واسعاً يتجاوز ما ارتكبه طيران النظام نفسه.
وشبّه الباحث الموقف السوري المتوقع بالمواقف الأفريقية والعربية من القوى الاستعمارية، مشيراً إلى أن الدول الإفريقية لا تزال تطالب أوروبا بالاعتذار عن ماضيها الاستعماري، وأن الجدل بين الجزائر وفرنسا حول الاعتذار والتعويض لا يزال قائماً حتى اليوم.
وقال إن الاعتراف بالجرائم والاعتذار عنها أصبح جزءاً من الثقافة السياسية العالمية الحديثة، مشدداً على أن المطالبة باعتذار روسي وإيراني وتعويض الضحايا والدمار هي خطوة طبيعية ومتوقعة بعد انتصار الثورة على نظام مدعوم من هاتين الدولتين، وبين أن هذا المطلب “لا يعني إعلان الحرب أو قطع العلاقات، بل هو تأكيد على الذاكرة الوطنية والرؤية الأخلاقية للسلطة الجديدة".
وختم أبازيد حديثه بالتأكيد على أن سوريا قد تكون مضطرة للتهدئة مع روسيا، لكن دون اندفاع أو تسرّع في إعادة بناء العلاقة، داعياً إلى مراجعة شاملة للخطاب الرسمي، وإعادة تقييم موقع سوريا السياسي بين الدول الكبرى، بحيث تقوم العلاقة على الندية والمصلحة الوطنية لا على النسيان والمجاملة السياسية.
وفي تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بمناسبة الذكرى العاشرة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، طالبت الشبكة موسكو بتقديم اعتذار رسمي ودفع تعويضات للضحايا وتسليم بشار الأسد إلى العدالة الدولية.
وأكدت الشبكة في ختام تقريرها أن أي انفتاح سياسي جديد بين سوريا وروسيا يجب أن يبدأ باعتراف رسمي من موسكو بمسؤوليتها عن الجرائم المرتكبة، وتسليم الأسد إلى العدالة، وإطلاق برنامج شامل لجبر الضرر وتعويض الضحايا، بما يضمن تحقيق العدالة الانتقالية الحقيقية التي تضع حقوق الضحايا في صميم عملية إعادة الإعمار.
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو لم تمرّ كحدث بروتوكولي عادي، بل أشعلت موجة من الغضب الشعبي والرفض العميق في أوساط واسعة من السوريين، خصوصًا أولئك الذين ذاقوا ويلات القصف الروسي، أو فقدوا أحبّاءهم تحت أنقاض منازلهم التي سوّاها الطيران الروسي بالأرض.