٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
بعد يومين فقط من حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، ظهرت ملامح “الانتقام” الذي يخطط له القيصر الروسي الجريح في ظهره بعد “الطعنة” التركية المفاجئة. ما لم يتضح حتى الآن هو المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في ردة فعلها، وما إذا كانت التطورات الأخيرة قد عرقلت مسار التسوية السياسية في سوريا.
حدث التصعيد بين تركيا وروسيا قبل إسقاط الطائرة الحربية، وذلك عندما طلبت تركيا من مجلس الأمن مناقشة الهجوم الروسي على جبل التركمان وتهجير الآلاف من المدنيين من المنطقة المحاذية لحدودها، واستدعت السفير الروسي لتبلغه غضبها. لكن أنقرة، وبعد يوم واحد، استغلت انتهاكا قامت به طائرة حربية روسية لمجالها الجوي دام أقل من دقيقة واحدة لتعبر عن غضبها بطريقة فريدة وخطيرة وذلك عبر إسقاط الطائرة.
لا يقتصر الأمر إذن على اختراق السيادة التركية الذي تكرر مرارا من قبل الطائرات الروسية وبات يخضع لاتفاقيات عسكرية بين الجانبين، بل إن للأمر علاقة أكثر بردة فعل تركية على التصعيد العسكري الروسي في سوريا، وخصوصا محاولة قلب ميزان القوى لصالح الأسد بالتعاون مع الآلاف من المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني.
حالة الصدمة والغضب دفعت المسؤولين الروس خلال الأيام الماضية إلى الحديث عن رد متعدد المستويات يشمل الجانب الاقتصادي فضلا عن الدبلوماسي والعسكري. ليست الحرب مع تركيا من ضمن الخيارات المطروحة كما صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ولكن توسيع وتكثيف الحرب الباردة معها يبدو أنه سيشكل رأس الحربة في الرد الروسي.
أعلنت موسكو عن سلسلة قرارات اقتصادية سوف تتخذها لمعاقبة أنقرة من بينها حظر استيراد الخضار والسلع الغذائية وتقييد أعداد السياح الروس الذين بلغ عددهم العام الماضي 4.5 مليون سائح. في حال طبقت موسكو ما تلوّحُ به من عقوبات اقتصادية فسيلحق ذلك خسائر معتبرة بتركيا التي تصدر إلى روسيا ما قيمته 6 مليارات دولار تضعها في المرتبة السابعة للدول المصدرة، كما تبلغ قيمة استثمارات شركاتها في روسيا نحو 4 مليارات دولار.
ولكن الحرب الاقتصادية الروسية تعتبر سلاحا ذا حدين، إذ قد تفتح الباب لرد فعل تركي وهو ما لا يرغب القيصر الروسي في رؤيته في الوقت الحاضر. ذلك أن تركيا هي الحريف الثاني لشركة “غاز بروم” المملوكة من قبل الدولة الروسية والتي تمول جزءا كبيرا من مغامرات بوتين الحربية في سوريا وأوكرانيا حاليا. كما أنه من المتوقع أن تزداد حاجة تركيا لاستيراد الغاز الروسي في السنوات القادمة بما يجعلها الشريك الأول لروسيا.
ضيق مساحة المناورة على المستوى الاقتصادي قد يدفع موسكو إلى التركيز على الجانب العسكري، وذلك باستخدام إسقاط طائرتها كذريعة لتوسيع تواجدها العسكري في سوريا وتكثيف عملياتها الحربية ضد المعارضة السورية وهو ما باشرت بفعله منذ يومين.
استغلت موسكو حقيقة أن مختلف دول العالم، وخصوصا تركيا، باتت مهيئة لتلقي ردة الفعل الروسية ومتفهمة لها باعتبارها خطوة “مشروعة”، فأعلنت عن تصعيد عملياتها العسكرية في سوريا وعن تشغيل منظومة صواريخ حديثة هي “إس 400” والتي كانت قد نقلتها إلى الساحل السوري قبل إسقاط الطائرة بكل تأكيد.
كما كثفت الطائرات الحربية الروسية استهدافها لبلدات جبل التركمان وواصلت عمليات التهجير للمدنيين من ريف اللاذقية عموما في محاولة لتحقيق أكبر قدر من التصعيد قبل أن يستفيق العالم من صدمة إسقاط الطائرة الروسية ويطفئ الضوء الأخضر للرد الروسي.
إطفاء الضوء الأخضر سوف يعني انطلاق جولة خطيرة من التصعيد العسكري في الشمال السوري ستشارك فيها جميع الأطراف: روسيا وتركيا وأميركا، بالاعتماد على مقاتلي المعارضة السورية والمقاتلين الأكراد وقوات الأسد. وهو ما بات يهدد بعرقلة مسار فيينا التفاوضي كما عبرت بوضوح وزيرة الخارجية الألمانية أنجيلا ميركل.
يبدو مسار التسوية الذي انطلق من محادثات فينا معقدا وهشا للغاية ولكن محركات إنعاش ذلك المسار ودفعه إلى الأمام لا تزال قائمة، وهي أزمة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا والتدخل الروسي الذي سلط الضوء على الصراع في سوريا بصورة أكبر. من الممكن أن تعمل حادثة إسقاط الطائرة الروسية والتوتر بين أنقرة وموسكو كمحرك إضافي لتحفيز المحادثات السياسية وخصوصا أن جذور ذلك التوتر لا تتصل بإسقاط الطائرة الروسية بل بالحرب الباردة المندلعة بين الجانبين في سوريا والتي لا يمكن إنهاؤها إلا بوقف الصراع في سوريا.
هكذا، فليس وقوع حوادث من قبيل إسقاط الطائرة الروسية ومقتل جنديين روسيين وإصابة محتملة لقاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني هي ما يعرقل الحل السياسي في سوريا، بل على العكس من ذلك، هي ما يعزز حظوظ التسوية السياسية ويسرع خطوات تحقيقها.
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
ثمّة معادلة دولية، تمت بلورتها خلال لقائي فيينا بشأن سورية، تقوم على منح الحل السياسي الأولوية في سياسات الدول التي شاركت فيه، بالحفاظ على التوازن بين طرفيه: النظام وجيشه من جهة، والمعارضة والجيش الحر من جهة أخرى، وتركيز الجهود الحربية على "داعش" وجبهة النصرة وتنظيمات الإرهاب الأخرى.
هذه المعادلة كان يجب أن تلزم روسيا بحل سياسي، طرفه الآخر المعارضة وجيشها الحر الذي لا يجوز أن يتعرّض لجهود عسكرية روسية، تخل نتائجها بالتوازن الضروري للحل. المشكلة أن موسكو أرسلت جيشها إلى سورية، لتغيير معادلات القوة بين طرفي الحل، وأن عملياتها تقوّض فرص السلام، وتعزّز مواقع الإرهاب الذي قرّر العالم محاربته، لكن روسيا خالفت معادلة فيينا في جانبيها، واختارت القضاء على الجيش الحر، وتطبيق حلٍّ مغاير لما وافقت عليه، يشطب الحر من معادلات الحل، ويجبر العالم على القبول بالنظام، لأن بديله الإرهاب وتنظيماته.
بحربه ضد الجيش الحر، يرفع الكرملين غطاء فيينا الدولي عن سياساته تجاه الحل السياسي السوري، ويفرض شكل هذا الحل ونتائجه، قبل وربما من دون أي تفاوض، بجعله عسكري المدخل والطابع، أسدي النتيجة. مثلما يرفع "شرعية فيينا" عن غزو الجيش الموسكوفي سورية الذي افترض أنه لن يخل بشرط الحل الرئيس: توازن القوى بين طرفيه الداخليين المتصارعين، الذي يضمنه الروس عبر جيشهم المرابط فيها والذي دخلها بعد أن أوشك النظام على الانهيار، فأنقذه.
يقوم الروس بكل ما من شأنه إفشال الحل السياسي، وها هم يصعّدون سوريّاً وإقليمياً، وينسفون معادلة فيينا وما أنتجته من تفاهمات وأسس للحل، ويضعون العالم أمام ابتزاز خطير أساسه عسكرة علاقات القوى الدولية بالصراع السوري، وشحنه بمخاطر انفجار إقليمي/ ودولي واسع، تدفع إليه سياسات حافة الهاوية التي ينتهجونها بتصعيدٍ مفعمٍ بتحدّي الآخرين.
باختلال موازين القوى لصالح النظام، المتمسك بحلٍّ عسكري يقضي على الثورة، يدخل الوضع السوري إلى حقبة جديدة من صراع متفجر، يحمل مخاطر تدويل متفاقم، وقتل مزيد من السوريين، وتدمير ما بقي من وطنهم، يتباعد بسببها الحل، وتتلاشى فرصه بتقدم منطق قوة ابتزازي يشحن البيئة الدولية بجميع عناصر التوتر والانفجار.
هذا التناقض الصارخ بين تعهدات روسيا السلمية في فيينا وسلوكها الحربي الذي يقوّض أي أمل في السلام، لا يبقى أمام الكرملين من خيار غير ضروب من التصعيد، تدفع بمزيد من قواته إلى سورية التي تتحوّل إلى ساحة استعراض دولي يومي لأحدث الأسلحة والذخائر، وميدان لتصفية حسابات مرتفعة الكلفة من الدم السوري ودماء شعوب الشرق الأوسط، وإنْ لم تقرر واشنطن الرد على تحدٍّ تملي آلياته الذاتية الرغبة في استخدام مزيد من القوة العسكرية، للحصول على مكاسب استراتيجية، تمس بمصالح قوى دولية وإقليمية لن تستسلم لهم، بما يضمره ذلك من احتمالات شديدة الخطورة ستشهدها العلاقات الدولية في فترة مقبلة، سيزيح التوتر والتسعير فيها فرص الحل السياسي والسلام.
بردّه على إسقاط تركيا طائرته الحربية، يجد فلاديمير بوتين نفسه أسير حساباتٍ توهمه أن أميركا ضعيفة، والدول الإقليمية عاجزة عن مواجهة القوة، وأن السوريين سينصاعون لحل تمليه قنابله وصواريخه. وبدل أن يلزمه إسقاط الطائرة بمعادلة فيينا، طفق يقوم بخطوات تصعيدية، متهوّرة وغير مسبوقة، تضعه خارج ما تفاهم عليه بالأمس القريب في فيينا، وتقوّض فرص البديل الذي وافق عليه في لقائها الثاني، وترفض حق الشعب السوري في الحرية، ومطالبته برحيل الأسد وسقوط نظامه، والعيش بسلام في بلاد تخلو من القتل والدمار.
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
"المنطقة الآمنة"، الكلمة باتت متكرّرة كثيراً في الآونة الأخيرة، في ما يتعلق بالوضع السوري والحرب الدائرة هناك. هو حديث قديم متجدّد، لم يرَ النور في الأيام الأولى للثورة وبداية الانشقاقات عن جيش بشار الأسد. حينها، تم التدول في شأنه، وحيكت سيناريوهات كثيرة تربط وضع الأيام الأولى للثورة السورية بما كان حاصلاً قبل فترة وجيزة في ليبيا، لكن المشروع اصطدم بالاعتبارات الدولية والإقليمية التي عرقلته، وكانت من الأسباب الأساسية في وصول الأمور في سورية إلى ما هي عليه اليوم. إذ إنه غني عن القول إن تطبيق المنطقة الآمنة في ذلك الوقت، أي من أربع سنوات ونيّف، كان سيعصم البلاد من ويلاتٍ كثيرة تعيشها اليوم، وأهمها ظهور "داعش" على المسرح، وبثّه الرعب الذي بات يتخطى الحدود السورية إلى العالمية.
في ذلك الحين، كان يمكن للمنطقة الآمنة أن تكون حاضنة لأرتال الجنود الباحثين، أو الراغبين، في الانشقاق عن جيش النظام، وتكوين نواة جيش حقيقي من الممكن أن يتولى الدفاع عن المدنيين الكثر الذي قتلهم النظام، ولا يزال يقتلهم، إلا أن الأمور دخلت في المنحى الفوضوي، واسم "الجيش الحر" الذي ظهر على الساحة لم يكن إلا عنواناً عريضاً بلا أي مغزى، خصوصاً أن كل الفصائل التي انضوت تحت هذا المسمّى كانت تعمل بدون الحد الأدنى من التنسيق اللازم في العمل العسكري.
أيضاً أزمة اللاجئين التي أصبحت شأناً عالمياً، كان من الممكن للمنطقة الآمنة أن تحل جزءاً كبيراً منها، باعتبار أن هذه المنطقة ستكون محمية في إطار حظر جوي، يمنع النظام من إلقاء براميله على المدنيين الآمنيين، ما يعني أن مخيمات اللجوء للسوريين المتوزعة على دول الجوار، والتي وصلت، أخيراً، إلى أوروبا، كانت ستكون قرى سورية في هذه المنطقة التي كان لا بد أن تتوسّع، لاحقاً، بفعل التنسيق العسكري، الذي لم يحصل.
كان هذا كله ممكناً في الفترة الأولى للثورة السورية، ومع الإرهاصات الأولى للتسليح، وآثاره كانت ستغيّر مجرى الأمور الحاصلة حالياً، غير أن هذا كله لم يحصل، وانتظر الغرب، والأتراك، أكثر من أربع سنوات، ليعيدوا الحديث عن هذه المنطقة التي لا تزال تنتظر التطبيق غير المضمون. لكن، حتى لو تم الأمر حالياً، أيّ مكاسب ستحقّق للثورة السورية بعدما أصبحت البلاد ساحة حرب عالمية، وتحركت إليها الأساطيل الدولية، وباتت سماؤها مفتوحة للطائرات من كل حدب وصوب؟
بالتأكيد، الحديث عن المنطقة الآمنة، أو الخالية، والتي يجري ترويجها في إطار محاربة "داعش"، لن يحقق كل ما كان من الممكن أن يحققه للثورة السورية وأهدافها، بل على العكس، هو يأتي اليوم فقط لإراحة الدول التي تصنّف "راعية للثورة"، وتحديداً تركيا، من أعباء كثيرة، وفي مقدمتها اللاجئون، الذين يبحث الأتراك عن التوقف عن استقبالهم والتخفيف من هؤلاء الموجودين في الأراضي التركية. الأمر نفسه ربما بالنسبة إلى الدول الغربية التي أصبحت مؤيدة لإقامة هذه المنطقة، بعدما كانت معارضة بالمطلق، إذ ربما تدرس إعادة مئات أو آلاف من اللاجئين الذين وصلوا إليها بذريعة أن الأمن سيكون مكفولاً في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة من الأراضي السورية.
لكن، هل الزمن حقاً سيكون مكفولاً؟ بالتأكيد لا، فكل ما كان ممكناً تحقيقه بإقامة هذه المنطقة سابقاً، أصبح مستحيلاً، ومخاطره ستكون مفتوحة على اندلاع حربٍ أشمل في المحيط الإقليمي، وربما الدولي. فأي أمن ممكن تحقيقه بدون إقامة منطقة حظر للطيران، وأي حظر للطيران سيمنع المقاتلات الروسية من التحليق في الأجواء السورية كافة، واختراق الأجواء التركية أيضاً؟ وأي قوة ستأخذ على عاتقها منع القوات البرية السورية والإيرانية من الدخول إلى المنطقة الآمنة هذه من دون أن تكون سبباً في مواجهة إقليمية أوسع؟
أسئلة كثيرة تصب كل إجاباتها في خانة أن المنطقة الآمنة لن تكون مكسباً للثورة السورية، بل قد تزيد الأمور تعقيداً.
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
لا يمكن اعتبار إسقاط الطائرة الروسية فوق سورية حدثاً عابراً في مسار الأحداث في المنطقة. هو حدث ستكون له تداعيات كثيرة لاحقة على التوازن العسكري والسياسي، خصوصاً أنه يأتي في خضمّ تحوّلات في موازين القوى العالمية، سيكون لإسقاط "السوخوي" تأثير مباشر فيها، وربما لذلك لا يزال الروس إلى اليوم غير مستوعبين الحدث الذي مثّل صدمة لكل ما يخطط له فلاديمير بوتين على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ومهما حاولت الدبلوماسية التركية، ومعها العالمية، التخفيف من أثر إسقاط الطائرة على العلاقات البينيّة بين معسكري الشرق والغرب، إلا أن الحادث سيبقى ماثلاً في المعطيات الاستراتيجية الجديدة، ليس في سورية وحسب، بل على الصعيد العالمي، لأكثر من اعتبار. لعلّ أبرز هذه الاعتبارات أن العملية تأتي في ذروة الصعود الروسي المتدرّج، والذي بدأ منذ مطلع الألفية الثالثة. صعود وصل، اليوم، إلى مرحلة تجعل من موسكو الوريثة الشرعية لإمبراطورية الاتحاد السوفييتي، وهو ما يريده فعلياً بوتين الذي يلعب، اليوم، على وتر تراجع النفوذ الأميركي، لينتقل إلى محاولة ملء الفراغ، وإنْ باتجاه سياسي معاكس.
على هذ الأساس، كان التدخل في سورية لمصلحة نظام بشار الأسد، وبذريعة محاربة داعش، الأمر الذي رضي به الغرب، عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، على مضض، غير أن مسار الأيام الخمسين، وهي عمر التدخل الروسي في سورية، كشفت عن معطيات أخرى لأهداف هذا التدخل، وفي مقدمتها ضرب المعارضة السورية، بغض النظر عن درجات اعتدالها أو تطرفها، في محاولة لقطع الطريق على تكوين أي خيار بديل ممكن لنظام الأسد.
إضافة إلى هذا المعطى السياسي في الأهداف العسكرية، أراد بوتين تحويل الساحة السورية إلى مسرح لاستعراض العضلات، ولتأكيد أن روسيا هي القوة المقبلة على الساحة العالمية. ووفق هذا المعطى، صالت الطائرات وجالت، وضربت ما شاءت من الأهداف، تحت أنظار العالم الذي اكتفى بالتنبيه والتحذير والإدانة، فيما كانت البوارج الروسية تطلق صواريخها "عن جنب وطرف"، حتى أنها قصفت أراضي الحليف الإيراني.
أمام التقاعس الغربي في مواجهة التمدّد الروسي، أصبح بوتين يعيش مرحلة غطرسة القوة، الأمر الذي جعل من إسقاط مقاتلة السوخوي ليس أمراً عابراً، بل بمثابة صدمة، أو صفعة، لحلم "روسيا العظمى" الذي يسعى إليه بوتين، خصوصاً أنه لم يأت من الولايات المتحدة التي يمكن أن تعتبراً روسيا نداً، بل من تركيا التي لا ترى فيها روسيا عملياً قوة عظمى، يمكن أن تكون موازية.
من هذا المنطلق، ينظر الروس بهذا الكم من القهر لعملية إسقاط الطائرة، فالحادث جاء عملياً بمثابة محاولة لدفع موسكو إلى استيعاب أنها ليست ولن تكون وحدها في المنطقة، وأن غطرسة القوة سيكون لها ثمن في المستقبل، سواء عبر عمليات من هذا النوع، أو ربما مواجهة أشمل قد تكون شرارة لحرب عالمية ثالثة، لا أحد يريدها، وروسيا في المقدمة. ما بعد استهداف "السوخوي" ليس كما قبله، وإذا حاول الروس، اليوم، قهراً، استيعاب الضربة التركية والرد عليها اقتصادياً وسياسياً، فإن أي حادث مماثل في المستقبل لن يكون من الممكن تمريره بدون رد على المستوى نفسه.
الصدمة استُتبعت بالمواقف الغربية، وخصوصاً الأميركية، والتي جاءت أيضاً لتذكير الروس بأن "الأطلسي" لم يمت بعد، وأن أسباب إنشائه منذ البداية عادت، اليوم، إلى الظهور، وإنْ بشكل مختلف، وهو ما سيعيد قريباً جداً صراع المعسكرين إبّان الحرب الباردة، لكن في ظل أجواء حامية حالياً.
لا نزال في الأيام الحالية نعيش التداعيات الأولى لإسقاط الطائرة الروسية، والتي لا بد أن تدفع موسكو إلى إعادة الحسابات، أو الإقدام على مزيد من جنون القوة.
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
يتردد اسم "الرقة" في البرلمانات و الجلسات و المباحثات ، و على أجهزة التواصل بين الطائرات و البوارج ، وكذلك يرد الأسم في المقدمة في كل خطة عسكرية أم سياسية أو حتى اجتماعية ، فكل الأنزار تتجه لها ، و كل الجيوش تتحرك باتجاها ، و كل القذائف تسقط عليها .
مع كل تفجير أو عملية لداعش ، يأتي الرد سريعاً و غاضباً وجنونياً ، ليرمي بثقله فوق كاهل هذه المدينة ، التي لاذنب لها إلا وجودها بيد داعش ، واتخذها الأخير كمركز شكلي لإدارة خلافته .
اليوم في البرلمانات و رؤساء الدولة و الحكومات ، وفي قاعات الإجتماعات العسكرية ، لاحديث إلا أن الرقة و ضرورة إنهائها ، و إزالتها عن الخارطة مهما كل الأمر .
روسيا و أمريكا و خلفها 63 دولة ، الجميع لاهث ليصب جام حممه فوق المدينة لما تحويه من مدنيين ، لا ملاذ لهم ، فهو محاصرين بالنار ، وموجودون داخل النار ، فلا إمكانية للخروج منها ، ولا مجال للحياة فيها ، فالوقت يمضي فيها كمن يرى الموت قادماً ، ويقبض الأرواح ، فلا مناص إلا بالإنتظار .
في المقابل داعش تمارس غيّها ، وجنونها ، تبث صوراً للحياة الطبيعية ، (كحملة مناهضة ولو كاذبة) ، وتهدد عواصل العالم من داخل المدينة التي أخلوها من قياداتهم و مراكزهم ، و باتوا مع الجالسين يتابعون مع المتابعين ما يحصل مع المدنيين ، وكل ما هدء القصف ، يعيدون إشعاله بتسجيل أو بمفرقعة هنا أو هناك ، لينضم سرب جديد إلى الأسراب القاصفة ، لتبدء عمليات الصراخ "لك الله أيتها الدولة المظلومة" .
ففي الرقة سكان و مدنيين ، يعانون من كل أصناف و أنواع الإرهاب ، وكل أنواع الموت تحت ذرائع دينية و سياسية و إقتصادية ، و لا ذنب لهم إلا أنهم من الرقة و قرروا البقاء ، في مكان يسعى الجميع للتمدد و التقليص انطلاقاً منه ، لك الله أيتها "الرقة" المظلومة ....
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
17 ثانية مجنونة أو ربما محسوبة وضعت العالم على شفير واحدة من أخطر الأزمات، إلى حد أن بعض الناس بدأوا يتحدثون عن مقدمات حرب عالمية ثالثة، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا حتى الآن. فوفقًا للرسالة التي بعثت بها تركيا إلى الأمم المتحدة لإبلاغها بتفاصيل واقعة إسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية – التركية فإن طائرتين روسيتين من طراز «سوخوي 24» دخلتا المجال الجوي التركي بعمق 1.36 ميل ولمدة 17 ثانية، وإن تركيا حذرت الطائرتين أكثر من عشر مرات قبل أن تقوم طائرة «إف 16» تركية بإطلاق صاروخ أسقط إحداهما في منطقة جبلية داخل الحدود السورية.
هذه الثواني القليلة ستكون لها تداعيات كبيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ خمسينات القرن الماضي التي يسقط فيها بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) طائرة روسية. كما أن إسقاط الطائرة الحربية جاء في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة تلبد الأجواء بين الغرب وموسكو، وبينما روسيا بوتين لا تزال تحت تأثير صدمة وضغوط إسقاط طائرة الركاب في سيناء نهاية الشهر الماضي نتيجة انفجار قنبلة وضعت داخلها وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدا غاضبًا أول من أمس وهو يحذر من أن روسيا لن تغمض عيونها «إزاء جرائم مثل تلك التي ارتكبت اليوم»، وذلك في إشارة إلى إسقاط الطائرة الحربية ومقتل طياريها أو أحدهما أثناء أو بعد هبوطهما بالمظلات إثر إصابة الطائرة بالصاروخ التركي. بوتين وصف الواقعة أيضًا بأنها «ضربة لنا من الخلف من قبل شركاء الإرهابيين»، موجهًا بذلك اتهامًا صريحًا إلى حكومة رجب طيب إردوغان بأنها داعم وشريك «للإرهابيين» في سوريا.
وعلى الرغم من إعلان حلف الناتو تضامنه مع أنقرة، وإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تركيا مثل كل الدول لها الحق في حماية أجوائها وحدودها، فإن اللهجة الطاغية من الدول الغربية كانت هي الدعوة لوقف التصعيد وانتهاج الوسائل الدبلوماسية لمعالجة الأزمة، وحث أنقرة على التواصل مع موسكو لتدارك الأمور ومنعها من التدهور إلى مواجهة عسكرية أكبر. فهناك توقعات واسعة بأن موسكو سترد بعمل ما ضد تركيا، ويبقى الأمر متوقفًا بعد ذلك على حجم هذا العمل وما إذا كانت حكومة إردوغان ستعتبر الأمر منتهيًا بذلك، أم أنها ستصعد مرة أخرى وتضع حلف الناتو أمام امتحان عصيب، والعالم على شفير مواجهة خطرة.
تركيا على ما يبدو كانت متربصة ومتأهبة منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية وبدء موسكو غارات جوية على مواقع تنظيمات سورية معارضة تدعمها أنقرة علنًا أو سرًا. فقبل يوم واحد من إسقاطها للطائرة الحربية الروسية طالبت حكومة إردوغان روسيا بوقف غاراتها على مواقع التركمان في سوريا الذين يشكلون أحد فصائل المعارضة السورية وتدعمهم تركيا معنويًا وعسكريًا وسياسيًا من منطلق الروابط الإثنية ومن واقع حساباتها الاستراتيجية في الأزمة السورية. وكانت أنقرة قد دعت أيضًا الأمم المتحدة لعقد اجتماع لبحث القصف الروسي «للمدنيين» في المناطق التركمانية السورية. فمثلما دعمت التركمان في العراق قبل ذلك، تقدم أنقرة دعمها اليوم لتركمان سوريا، وقد تفكر أنه إذا تفككت سوريا في إطار الصراع الداخلي، والطائفي، والإقليمي، والدولي، الدائر على أراضيها وحول مستقبلها، فإن التركمان السوريين سينسلخون بأراضيهم للانضمام إلى تركيا لتضيف بذلك أراضي جديدة إلى تبعيتها بعدما انتزعت في الماضي منطقة لواء الإسكندرون من سوريا.
فإذا كانت لروسيا حساباتها في الأزمة السورية، فإن أنقرة لديها أيضًا حساباتها وتلعب دورًا مباشرًا فيها، سواء على صعيد التركمان، أو في موضوع الأكراد، وقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، أو على صعيد المطالبة برحيل الأسد، ودعم تيارات معينة في المعارضة السورية. وبسبب ملابسات وتعقيدات دورها واستراتيجياتها في سوريا فقد تعرضت حكومة إردوغان لانتقادات حتى من «حلفائها» في الغرب الذين اتهموها بتسهيل مرور الملتحقين بـ«داعش»، أو بإغماض عينيها عن تهريب «الدولة الإسلامية» المزعومة للنفط من سوريا عبر أراضيها. الرئيس الروسي كرر هذه الاتهامات لتركيا أول من أمس عندما اعتبرها «شريكة للإرهابيين» وداعمًا لـ«داعش»، ملمحًا إلى أن استهداف أنقرة لطائرة «سوخوي» كان عملاً انتقاميًا بعد قيام الطائرات الروسية بشن غارات مكثفة على خطوط التهريب التي يستخدمها «داعش» لنقل النفط وبيعه عبر الأراضي التركية.
في ظل ازدحام الأجواء السورية بالمقاتلات والأجندة المتباينة، فإن وقوع حادثة أو مواجهة من نوع ما، ربما كان متوقعًا، لكن السؤال المقلق: إلى أين ستتجه الأمور من هنا؟ هناك مساعٍ محمومة لمنع انفلات الأمور بعد إسقاط المقاتلة الروسية، لكن قواعد اللعبة والمواجهة تغيرت حتمًا ودخلنا منعطفًا خطيرًا. وللأسف فإن اتفاق فيينا ومساعي الحل في سوريا، أول الضحايا، مما يعني استمرار المعاناة للسوريين.
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
الحادث الأخير على الحدود بين سوريا وتركيا والذي أدى إلى إسقاط مقاتلة روسية لن يشكل الشرارة الأولى لحرب قد تقع بين روسيا وتركيا، ولن يكون مقدمة لمواجهة بالواسطة بين الشرق والغرب تستعيد فيها نموذج حرب الكوريتين في منتصف القرن الماضي، ولا تستعيد نموذج فيتنام. فالصوت الروسي العالي النبرة تعود جذوره الى تلك الصورة التي اجتهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبنائها على مر السنين الماضية. فقد عمل بجهد جهيد على محاولة استعادة صورة “الاتحاد السوفياتي” السابق وزرعها بلباس امبراطوري قيصري جديد بما ينسي الروس سنوات “المهانة” الوطنية والقومية التي عاشوها اثر سقوط الاتحاد السوفياتي بنهاية ثمانينات القرن الماضي. عمل فلاديمير بوتين بمنهجية عالية على بناء صورة روسيا “القوة العالمية” التي توازي الولايات المتحدة وتقارعها، وتقف أمامها أو بمواجهتها بندية شبيهة بما كان حاصلاً أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وقد نجح بوتين الى حد ما في رسم صورة جديدة لبلاده تظهرها كقوة دولية جدية توحي بالخوف في جوارها الاقليمي، وتؤخذ على محمل الجد عند نشوب ازمات تعنيها مباشرة، أو تعني أمنها القومي. حصل هذا في الحرب المحدودة التي نشبت بين روسيا وجورجيا سنة ٢٠٠٨ حول جمهورية ابخازيا القوقازية، وحصل أيضاً بشكل أكثر عنفاً وعدائية مع اوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم، ودخولها غير المباشر في حرب شرق اوكرانيا. في المرتين لم تواجه روسيا بردة فعل موازية من الغرب الذي تدخل في المرة الأولى كوسيط، واكتفى في المرة الثانية بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو.
في بداية شهر تشرين الأول المنصرم اقدمت روسيا للمرة الثالثة في عهد بوتين على خوض مغامرة عسكرية – ديبلوماسية في سوريا. وفي الأسابيع الأولى شكل تدخلها بالطيران العسكري، وبإنزال عدد محدود من القوات وذلك تحت عنوان محاربة تنظيم “داعش” والارهاب بشكل عام، صدمة على أرض المعركة في سوريا، واعاد خلط الأوراق بالنسبة الى مشاريع الحلول التي ركزت منذ ٢٠١٢ على كيفية إخراج بشار الأسد من المعادلة.
منذ بدء التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، يعمل بوتين بقوة لتغيير المعادلة على الأرض من خلال دعم محاولات استعادة قوات بشار الأسد والميليشيات الطائفية التابعة لايران الأرض التي خسروها، بما يعيد رسم مشهد جديد في سوريا يقوم على التسليم ببقاء الأسد، ومنع اقامة منطقة آمنة في الشمال مع تركيا، وضرب فصائل المعارضة المسلحة تمهيداً للجلوس إلى طاولة مفاوضات يكون فيها محور موسكو – طهران – بشار قادراً على فرض الحل الذي يراه مناسبا.
والسؤال كيف سترد انقرة، وهل تقدر أن تعتمد على حلفائها في حلف “الناتو” ولا سيما على الولايات المتحدة، وتحديداً إدارة الرئيس باراك أوباما الضعيفة تعريفا؟ إنها مرحلة محفوفة بالأخطار.
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
ما إن أعلنت روسيا اليوم عن تمكنها من اعادة الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته أمس ، بصاروخ تركي من سلاح الجو ، حتى تسابق الجميع ليعلن أن عناصره هم من أنقذوا الطيار ، ولم يبق إلا إسرائيل لتعلن أنها شاركت في هذه العملية ، التي تمت في أراضي ملاصقة جداً للمناطق المحتلة من قبل قوات الأسد و حلفاؤها .
ففي البداية قالت وسائل إعلام نظام الأسد أن مجموعة من القوات الخاصة تولت الأمر إعادة الطيار المعجزة ، سرعان ما امتعض ما يسمى "القوات الرديفة" ، فتم زج إسمها إلى جانب أؤلائك .
إلا أن هذه الرواية دفعت بالروس للغضف فهم أصحاب الأولوية ، فتم إدراج مشاركة فعالة لمشاة البحرية الروسية في العملية الإسطورية ، برياً و في التغطية الجوية .
إلى هنا و الأمور كانت تسير بشكل جيد واستطاع الراوي أنه يرضي الجميع ، و لكن نسيان حزب الله الإرهابي ، دفع بالمتحدثين إلى مسح النقطة في أخر خبر الإنقاذ ، وفتح القوس من جديد لإدخال ست عناصر من الحزب كانوا ضمن الجوقة المشاركة ، و لكن الحرس الثوري الإيراني شعر بغيابه ، فتم من جديد تدارك هذه الهفوة ، ووضع مستشارين من الحرس الثوري ضمن القافلة .
ومن المنتظر أن يخرج الموساد في القريب العاجل ليعلن عن تقديمه معلومات استخباراتية ، و بالتالي سيكون هناك حضور لها ، و لكن خارج القوس طبعاً ، فقوس الممانعة لا يجمتع مع الصهاينة على العلن.
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
دخلت الدبلوماسية الإيرانية على الخط لتحاول وبصفاقة ليس لها نظير، رسم سيناريوهات المستقبل السوري ،كما فعل ويفعل في كل فرصة تسنح له معاون وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان .
وجاءت الدبلوماسية الروسية بمنهجها العدواني المترافق مع الهمجية العسكرية العدوانية الروسية لتكمل الطوق، فوزير الخارجية الروسي لافروف لم يتردد أبداً عن رفض أي حلول تتضمن شرط رحيل بشار الأسد عن السلطة.
حيث يعيش الدب الروسي اليوم حالة من النشوة على الرغم من مرور شهرين على بدء العمليات الجوية الروسية في سوريا، و لا تبدو النتيجة منسجمة مع الأهداف المعلنة، ولا مع الزفة الضخمة التي رافقت الإعلان عن انطلاقها، والتي شارك فيها شبيحة إيران وبشار في كل مكان ، فهو ما فتئ يظهر عضلاته ويكشر عن أنيابه، ويبرز مخالبه، في محاولة يائسة لإرهاب الشعوب فضلا عن ممارسة الابتزاز في أقصى حالاته، فالرئيس الروسي (بوتين) وهو يستمر في جرائمه الموجهة ضد البشرية في أرض الشام، وفي التحول الفظ من الدعم السياسي للدعم العسكري المباشر في حرب النظام الإرهابي السوري ضد شعبه، قد غادر تماما حدود الحصافة والمسؤولية واحترام خيارات الشعوب، ودخل فعلا في مرحلة الحماقة واللجوء للقوة المفرطة ضد شعوب مقهورة، لا تمتلك سوى شرف الدفاع عن مبادئها ومقدساتها وحقها في العيش الكريم بعيدا عن الظلم والإقصاء.
فطهران وموسكو تقيمان علاقات متقلبة منذ الثورة الإيرانية في 1979، وكانت روسيا في إطار اتحاد الجمهوريات السوفياتية الشيوعية -إحدى أولى الدول التي اعترفت بإيران ، لكن موسكو قدمت بعد ذلك دعمها للعراق في ظل نظام صدام حسين في حربه ضد إيران بين 1980 و1988،وعلى الرغم أن المحادثات الروسية – الإيرانية طغى عليها الشق الإقتصادي لأهميته لكل من موسكو وطهران، بعد أن وافقت موسكو على منح حكومة طهران قرضا تقدر قيمته بنحو 7 مليارات دولار، لتنفيذ مشروعات إعادة تشييد البنية التحتية لقطاع الطاقة والكهرباء الإيرانية بمشاركة الشركات الروسية ،ولأن مساعي إيران لزيادة صادراتها النفطية ستؤثر سلباً على عائدات روسيا من تصدير النفط ، فبحسب البيانات الحكومية ستزيد طهران من إنتاج النفط خلال الشهور الستة القادمة ليصل إلى مليون برميل يومياً، وستعمل على تسويق منتجاتها في أسواق وسط آسيا، التي تعتبر الأسواق التقليدية لروسيا ، كما تناولت محادثات بوتين – روحاني التعاون في المجال العسكري لأن الجانبين قد اتفقا على أن تسحب إيران الشكوى المقدمة في محكمة التحكيم الدولية بجنيف، والتي تطالب فيها بتعويض من روسيا قيمته أربعة مليارات دولار بسبب عدم تنفيذها عقد توريد “أس-300” الموقع عام 2007، وأوقفت موسكو تنفيذه استناداً لقرار مجلس الأمن عام 2010 بحظر توريد الأسلحة إلى إيران.
إضافة إلى ذلك اعتبر في وقت سابق قائد القوات البحرية السابقً في «الحرس الثوري» حسين علائي أن إطلاق الروس صواريخ «كروز» من بحر قزوين نحو الأراضي السورية «خطأ استراتيجي» يجب ألّا يحصل بسبب تأثيره علی المصالح الإيرانية، علماً أن هذه الصواريخ لا بد أن تعبُر الأجواء الإيرانية قبل وصولها إلى سورية. كما أن تقارير أشارت سابقاً إلى أن بعضها سقط في إيران بعد إطلاقه من بوارج في بحر قزوين، ونفی مصدر مطلع في القوات المسلحة الإيرانية إطلاق الجيش الروسي خلال الأيام الأخيرة أي صاروخ «كروز» من «المياه الإقليمية الإيرانية» في بحر قزوين في اتجاه أهدافٍ في سورية عبر الأراضي الإيرانية، وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت إطلاق عدد من هذه الصواريخ من بحر قزوين على أهداف في سورية.
في ظل هذا الجو المشحون بين الطرفين وصفت أوساط إيرانية بوجود العديد من «المعطيات الإيجابية» للتدخّل الروسي في سورية وهناك من رأی أن الجانب الروسي لا يمكن الاعتماد عليه، على المدى الطويل، في ضوء ما تحتفظ به الذاكرة الإيرانية تاريخياً من سلبيات في شأن العلاقات بين موسكو وطهران.
وبحسب مصادر إيرانية أن بوتين سمع من خامنئي «كلاماً واضحاً» في شأن الأوضاع في سورية وضراوة المعارك ،والتصور الإيراني لطريقة حل أزمة هذا البلد، إضافة إلی موقف طهران من الأزمة اليمنية، وتعرب المصادر ذاتها عن أمل الإيرانيين بأن تكون زيارة بوتين قد بددت قلقهم في شأن الخطط الروسية حول مستقبل سورية.
خلاصة القول هي أن أفق الإنجاز الروسي في سوريا يبدو مسدودا، وهذا ما تعكسه تصريحات بوتين ومحللي بلاده السياسيين التي تشي بفشل مهامهم في سورية وتغطية إعلامية عليها ولا مجال لغير نزيف طويل، لهم وللإيرانيين، والحالة الإقتصادية المتأزمة لكلا البلدين مقابل طرف أقدر على احتمال النزيف منهما ، لم يعد يخفى ميل بوتين لتسوية تحفظ ماء الوجه له ولقوات بلاده ، مقابل تشدد إيراني قد يتراجع بمرور الوقت، ولا يُستبعد أن يكون تم التفاهم عليه في لقاء بوتين - خامنئي في طهران إن نجحا في تذويب خلافاتهما المزمنة ،إلا أن هذه الخلافات على ما يبدو لاتزال قائمة بدليل أن كل من الكرملين وبوتين أدليا بتصريحات ضبابية للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.. ليتلقى نبأ إسقاط طائرتين لقوات بلاده الجوية ويبدأ بتحليل كيفية سقوطهما ووعيد وتهديد لا يغني ولايسمن من جوع وهو بذلك يكون قد اختار نفس المصير الذي لاقاه الاتحاد السوفياتي سابقا .
بقلم النقيب رشيد حوراني
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
ضحك القيصر الروسي، فلاديمير بوتين، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وطواقم وفديهما المشاركة في اجتماعهما في طهران، وقضوا النصف الأول منه يتبادلون المفارقات الطريفة التي حصلت في أثناء الشهر الفائت وما تلاه، في عالم الدبلوماسية الدولي. وفي النصف الثاني، اتفقوا على استراتيجية موحدّة لاستكمال الفصل الثاني من هذه الملهاة الممتعة، للمؤدين والمتلقين. وكانت مادة الضحك كيف استطاعا أن يمرّرا على العالم أفكاراً ساذجة، ليست مشغولة بحرفية، عن إمكانية تحقيق عملية سلام في سورية. ضحكا لأنهما فوجئا بأن العالم هو من أكمل سرد نصف الكذبة بنفسه، وزاد عليها تفاصيل، لو أنهما استعانا بالشيطان، لما استطاع إرشادهما عليها، فهنا وزير يثق بجدية روسيا في صناعة السلام في سورية، وهناك وزير آخر يبشر بعملية انتقال في سورية في الأسابيع المقبلة؟
ضحكوا أكثر، عندما تساءلوا: كيف أغرقناهم بالتفاصيل، وكم هم مشغولون بترتيباتٍ لن ترى النور، ولن نسمح لها بالتشكّل على أرض الواقع، فيما نحن ننجز مهمة تطهير سورية من شعبها، وما استطعنا من مقاتليها، وكيف أجبرناهم على كشف أوراقهم، وطلبنا منهم كشف براءة من تهمة الإرهاب، عندما فرضنا عليهم قائمة بالتنظيمات الجيدة، والأخرى السيئة، وراحوا يلهثون ويتوسطون، لكي نقبل استثناء بعضها، وأعطونا فرصة لتوبيخهم على السكوت عن التي سيقرّون بأنها إرهابية فعلاً. فعلنا ذلك كله، ولم يستطع الطرف المقابل سوى الامتثال لطلباتنا واشتراطاتنا.
ولعلّ الطرفة التي أشعلت قصر المرشد ضحكاً، إلى درجة أن جنرال فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، سقط مغشيّاً عليه من الضحك، واحتاج عملية إنعاش، عندما قال بوتين إنّه أقنع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما في أنطاليا، الأسبوع الماضي، بأنّه سيدعم عملية انتقالية بعيدة عن نظام الأسد. وهنا، سيعترف بوتين بأنه كاد يتلعثم وهو يخوض هذه المغامرة، وكان يعتقد أن يقاطعه أوباما ويطلب منه احترام عقله مستمعاً، لكن بوتين يتابع أنه، وعندما رأى الانشراح في ملامح أوباما، رفع عيار مغامرته بالقول إنّه أيضاً سيدعم أطراف المعارضة السورية بالضربات الجوية.
أما خامنئي الذي أراد إثبات براعته في المناورة أيضاً، وأنّه لا يقل عن بوتين ووزير خارجيته،
"ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً"
سيرغي لافروف، في الحنكة والظرافة، فاستشهد بمقال لوزير خارجيته، جواد ظريف، في صحيفة السفير اللبنانية، أشار فيه إلى احترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره. وهنا، لا بد أن بوتين سأله: هل وصلت حذاقتكم إلى هذه الدرجة؟ فيرد خامنئي: بل أكثر من ذلك، بدليل أننا طالبنا بعدم تدخل الدول الأجنبية في الشأن السوري. وعندما عقد بوتين حاجبيه اندهاشا من هذه القدرات الخارقة، زاده خامنئي من الشعر بيتاً، بأن أخبره بأننا أيضاً طالبنا بضرورة مساعدة اللاجئين السوريين.
ربما ذلك مجرد سيناريو متخيّل لأجندة لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر خامنئي. لكن، حسناً لو أرد المراقب أن يكون أكثر جدية، وينحو صوب التحليل الاستراتيجي الأعمق، سيجد نفسه أمام جملة من الوقائع غير منطقية، مطلوب منه إلباسها ثوباً مزركشاً برغبات وأحلام واحتمالاتٍ، نصفها غير واقعي، ونصفها الآخر مدسوس، بالاعتماد على ماكينة الدعاية الروسية الإيرانية عن إمكانية حصول خلاف بين الطرفين، بسبب وجود طلب كبير على التحليلات التي تستكشف مكامن الخلاف بين روسيا وإيران، ولا تتحدث عن سواها.
تتحدث الوقائع في التحالف الروسي الإيراني عن نفسها، ولا تحتاج إلى استخدام آليات تحليل الإشارات والتلميحات والتسريبات ولا حركات الجسد. تنطلق موسكو وطهران من قاعدة واحدة في التعامل مع الواقعة السورية، هي فرصة تتسع لكليهما، وتحقق طموحاتهما، كما تشكل الضلع الناقص في قوس مشاريعهما الاستراتيجية، وهي فرصة لابتزاز العرب والأوروبيين، حيث يشكلان المكوّن الأساسي لتصريف مصالحهما الدولية، وهي فرصة تتيح لهما تنظيف ملفاتهما الإشكالية مع البيئة الدولية، وأنهما سعداء، لأن أوباما يجلس على المدرجات، ينتظر غرقهما. حسناً، فلتبق، يا سيد أوباما، تنتظر، ودعنا نغرق أكثر في بحر الفرص.
ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً. إنه أكثر من فانتازيا إمكانية تصوّر وجود لروسيا وإيران في ظل نظام جديد لسورية؟ وهل هما بهذا القدر من السذاجة، ليتصورا ذلك؟ وهل هما حمائم سلام، حتى يجهزا سورية لغد لن يكونا فيه؟ وهل نظام الأسد قادر على التعايش مع سورية، بعد أن تستعيد لاجئيها؟ أليس ذلك نوعاً من الانتحار المجاني؟
في النصف الثاني من اجتماعهما، توقف القيصر والمرشد عند قضية ما إذا كانت هناك ضرورة لوضع استراتيجية محبوكة، لاستمرار نجاحهما المبهر في سورية، غير أن عضواً في الوفد كانت له التفاتة حاذقة، حيث قال إن من شأن أي تدخل التأثير في انسيابية الأحداث وسهولتها. وعليه، من الأفضل ترك الأمور تسير وفق ما كانت عليه، وذلك أكثر ضمانة. وكانت حجته أن مساهمات الأطراف تشكل إضافات رائعة، وتعطي للأمر حركة أكثر مما لو تعمد الروس والإيرانيون صبها في قوالب وخطط، خصوصاً أنه معروف عنهم الصلابة والجدية اللازمة، وميلهم إلى التراجيديا والكآبة.
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
بعيداً عن نظريات المؤامرة التي تنسج سيناريوهات كثيرة حول من يقف وراء تنظيم داعش، ومن يدعمه ويموله ويحميه، لأن كل الفرضيات التي تُساق، اليوم، لا وجود لما يسندها على أرض الواقع، وقد يأتي اليوم الذي تنكشف فيه حقيقة هذا التنظيم. لكن، حتى قبل أن تنكشف حقيقة من يقف خلفه، ومن "خلقه"، ومن يموله، يمكن من الآن معرفة من يستفيد اليوم من وجوده، ومن خدماته، ومن أعماله الإرهابية، ومن هم ضحاياه، وهم في كلا الجانبين كثر.
المستفيدون من هذا التنظيم كثيرون، حتى وإن ادعوا معاداته وشن الحرب ضده. إنهم دولاً وأنظمة، يعادونه في العلن، وهم مرتاحون مما يدرّهم عليهم وجوده واستمراره من فوائد وأرباح سياسية، لا تعد ولا تحصى. أول هؤلاء المستفيدين سياسياً من وجود "داعش" هو نظام بشار الأسد الذي ظل يحمي معاقل التنظيم في الرقة، وجنّبها براميله المتفجرة، وتركه ينمو ويترعرع، لكي يخلط النظام المذكور الأوراق، ويقنع العالم بـ "أطروحته" أنه يشن حرباً لا هوادة فيها ضد ما يسميه هو "الإرهاب". لذلك، وبعد أن خرج الغول من القمقم، لا غرابة أن نسمع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تخطب ود الأسد، وتعتبر التحالف معه مهماً في محاربة إرهاب "داعش" الذي وصل إلى قلب عواصم أوروبا، وأغرق دولها بمئات آلاف من اللاجئين.
المستفيد الثاني من وجود "داعش" هو النظام الإيراني الذي نجح في أن يُجبر الغرب، بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية، على التوقيع على اتفاق نووي، يحفظ لإيران برنامجها النووي. فمباشرة بعد سقوط الموصل في يد "داعش"، ارتعب الغرب من المد الإرهابي "الداعشي"، وسعى إلى وضع يده في يد ملالي إيران، لوقف الخطر "الداعشي"، ووأده في معقله. وقد اتضح، الآن، بعد مرور أكثر من سنة، أن "الدعم" الإيراني في الحرب ضد "داعش" لم يغير كثيراً من المعطيات على أرض الواقع، وكل ما فعله هو حماية النظام الطائفي الشيعي في بغداد، وتبييض صفحة النظام الإيراني في الغرب الذي خفّض من سقف انتقاداته التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان في إيران.
المستفيد الثالث من الحرب العالمية ضد "داعش" هي روسيا، وقيصرها فلاديمير بوتين، الذي
"باسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد الأنظمة السلطوية إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب"
نجح في أن ينسي الغرب جرائم قواته في أوكرانيا، واغتصابه جزيرة القرم، وهو الآن بصدد تكسير الحصار الاقتصادي الغربي المضروب حول إمبراطوريته. وها هو اليوم يربح فرنسا، الدولة التي كانت متحمسة في فرض أقصى العقوبات ضده، بعد ما فعله في أوكرانيا، ورفضت إتمام صفقة بيع سفينة حربية له، تتوسل التنسيق معه في هجماته الجوية والصاروخية في العراق وسورية، والتي غالباً ما تستهدف المعارضة التي توصف بالمعتدلة، وأغلب ضحاياها من المدنيين، أما "الدواعش" فمازالوا أحراراً طلقاء، وأرض خلافتهم تتسع براً و"فكراً".
المستفيد الرابع من جرائم "داعش" إسرائيل التي استغلت اهتمام العالم ببشاعة جرائم هذا التنظيم لتطبيق مخططاتها الاستيطانية، وتنفيذ جرائمها التي لا تقل فظاعة عن جرائم "داعش" بعيداً عن أضواء الكاميرات. وحتى عندما انفجرت ثالث انتفاضة شعبية على أرض فلسطين، وشملت حتى الأراضي الواقعة داخل "إسرائيل"، جاءت تفجيرات باريس التي تبنتها "داعش"، لتحول الأنظار عنها، وتترك إسرائيل تنفذ جرائمها ضد الشعب والأرض الفلسطينية، بعيدا عن الأنظار، كما ألفت أن تفعل دائما.
المستفيد الخامس من وجود خطر داهم اسمه "داعش" هي الأنظمة السلطوية التي ما زالت تخنق أنفاس شعوبها في المنطقة العربية، فباسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد هذه من إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب الذي أرهبته جرائم "داعش"، بعدما وصلت إلى قلب عواصمه.
أما ضحايا جرائم "داعش" وحروبها العبثية فكثر، أولهم الأبرياء السوريون والعراقيون ممن يقعون تحت حكم أمراء هذا التنظيم الدموي، أو ممن يموتون يومياً تحت قصف كل الدول التي تكالبت عليهم لإنقاذهم (!). وضحايا هذا التنظيم، هم أيضاً الأبرياء المهجرون واللاجئون الذين يموتون في عرض البحار، أو يقاسون من البرد والجوع وقوفاً على معابر الحدود المغلقة في وجوههم. إنهم أيضا الضحايا الذين يموتون يومياً بعيداً عن أعين العالم في فلسطين المحتلة، وفي سجون الاحتلال. وهم، أخيراً وليس آخراً، الضحايا الأبرياء الذي قتلوا في شوارع باريس ومقاهيها ومسارحها. وهم أيضا الملايين من المهاجرين العرب في بلاد الغربة الذين بات يُنظر إليهم إرهابيين مفترضين، ومشتبهاً بهم، إلى أن يثبتوا براءتهم، بعودتهم من حيث أتوا، كما تدعوهم إلى ذلك أصوات المتطرفين اليمينيين في الغرب.
٢٤ نوفمبر ٢٠١٥
شكلت صفعة اسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي ، اليوم ، منحى جديد تدخل فيه معارك الدول على الأرض السورية ، و التي لن يكون فيها اي رد مباشر على بعضهم إلا من خلال الأرض السورية و داخلها وفي نطاقها لا أكثر ، و أي حديث غير هذا يعتبر كـ"دق المياه لتشتعل ناراً".
ومع إشتعال الطائرة في الأجواء و سقوطها على الأرض السورية ، إشتعلت المنابر السياسية في العالم ، بين غاضبٍ ، وسعيدٍ ، ومتسائلٍ ، ومصر ومصمم ، و لكن هذه المشاعر لم تتجاوز حدود الشاشات و الكلام في الفضاء الإعلامي ، و إن رافقه حركة في الأروقة السياسية .
هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا بكل عنجهية و بشكل "وقح" و توعد و أزبد ، و لكن هل سيكون لهذا الوعيد ، إنعكاساته الجدية التي تصل لحد الإشتباك ..!؟
بالطبع تركيا ليست من هواة السياسة أو العابثين فيها ، و هي تعرف تماماً ما قامت به و قد احتسبت للأمر جيداً ، و حراكها المكثف خلال الأيام القليلة الماضية يدل على أن هكذا الأمر سيحدث لامحال ، وأن مواجهة تبعياته سيكون من ضمن المسيطر عليه .
فقد دأبت الآلة السياسية التركية على حشد الآراء ، و التحشيد الشعبي ، لما يحدث في "جبل التركمان" ، و أبلغت الأمم المتحدة و الإتحاد الأوربي و الناتو و أمريكا و حتى روسيا ذاتها ، أنها لن تصمت أكثر ، فالتركمان في تلك المنطقة يعتبرون جسراً تركياً ، و الأهم فاصلاً مهماً بين العلويين في جبال اللاذقية و أصحاب ذات المذهب في لواء اسكندرون ، وأن التهجير و الدخول إلى أراضي التركمان السنة ، يعني أن الفاصل "السني" بين العلوين سينتهي ، و بالتالي ستكون المنطقة بؤرة مشاكل مستقبلية لتركيا .
العزف الروسي على هذا الوتر ، ضرب كل هدوء مارسته تركيا طوال السنين السابقة ، وجاء في وقت أعلن حزب العدالة و التنمية السيطرة الكاملة على مفاصل القرار في تركيا ، فجاءت الضربة كصفعة محكمة ، وجهت لـ "دب أخرق" سيقف عاجزاً عن الرد .
روسيا ستكتفي بالتصريحات و الكلام السياسي ، و لن يكون لها اي رد مباشرعلى تركيا ، التي تتحصن بالناتو ، ومابين روسيا و الناتو يوجد من الملفات الكثيرة التي تجعل أي تصرف روسي إلى إشتعال حرب واسعة تنطلق في سوريا ، و تستمر إلى اوكرانيا وما بعدها لن يكون هناك حدود للنيران .