مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
المنطقة الآمنة: أمس غير اليوم

"المنطقة الآمنة"، الكلمة باتت متكرّرة كثيراً في الآونة الأخيرة، في ما يتعلق بالوضع السوري والحرب الدائرة هناك. هو حديث قديم متجدّد، لم يرَ النور في الأيام الأولى للثورة وبداية الانشقاقات عن جيش بشار الأسد. حينها، تم التدول في شأنه، وحيكت سيناريوهات كثيرة تربط وضع الأيام الأولى للثورة السورية بما كان حاصلاً قبل فترة وجيزة في ليبيا، لكن المشروع اصطدم بالاعتبارات الدولية والإقليمية التي عرقلته، وكانت من الأسباب الأساسية في وصول الأمور في سورية إلى ما هي عليه اليوم. إذ إنه غني عن القول إن تطبيق المنطقة الآمنة في ذلك الوقت، أي من أربع سنوات ونيّف، كان سيعصم البلاد من ويلاتٍ كثيرة تعيشها اليوم، وأهمها ظهور "داعش" على المسرح، وبثّه الرعب الذي بات يتخطى الحدود السورية إلى العالمية.
في ذلك الحين، كان يمكن للمنطقة الآمنة أن تكون حاضنة لأرتال الجنود الباحثين، أو الراغبين، في الانشقاق عن جيش النظام، وتكوين نواة جيش حقيقي من الممكن أن يتولى الدفاع عن المدنيين الكثر الذي قتلهم النظام، ولا يزال يقتلهم، إلا أن الأمور دخلت في المنحى الفوضوي، واسم "الجيش الحر" الذي ظهر على الساحة لم يكن إلا عنواناً عريضاً بلا أي مغزى، خصوصاً أن كل الفصائل التي انضوت تحت هذا المسمّى كانت تعمل بدون الحد الأدنى من التنسيق اللازم في العمل العسكري.
أيضاً أزمة اللاجئين التي أصبحت شأناً عالمياً، كان من الممكن للمنطقة الآمنة أن تحل جزءاً كبيراً منها، باعتبار أن هذه المنطقة ستكون محمية في إطار حظر جوي، يمنع النظام من إلقاء براميله على المدنيين الآمنيين، ما يعني أن مخيمات اللجوء للسوريين المتوزعة على دول الجوار، والتي وصلت، أخيراً، إلى أوروبا، كانت ستكون قرى سورية في هذه المنطقة التي كان لا بد أن تتوسّع، لاحقاً، بفعل التنسيق العسكري، الذي لم يحصل.
كان هذا كله ممكناً في الفترة الأولى للثورة السورية، ومع الإرهاصات الأولى للتسليح، وآثاره كانت ستغيّر مجرى الأمور الحاصلة حالياً، غير أن هذا كله لم يحصل، وانتظر الغرب، والأتراك، أكثر من أربع سنوات، ليعيدوا الحديث عن هذه المنطقة التي لا تزال تنتظر التطبيق غير المضمون. لكن، حتى لو تم الأمر حالياً، أيّ مكاسب ستحقّق للثورة السورية بعدما أصبحت البلاد ساحة حرب عالمية، وتحركت إليها الأساطيل الدولية، وباتت سماؤها مفتوحة للطائرات من كل حدب وصوب؟
بالتأكيد، الحديث عن المنطقة الآمنة، أو الخالية، والتي يجري ترويجها في إطار محاربة "داعش"، لن يحقق كل ما كان من الممكن أن يحققه للثورة السورية وأهدافها، بل على العكس، هو يأتي اليوم فقط لإراحة الدول التي تصنّف "راعية للثورة"، وتحديداً تركيا، من أعباء كثيرة، وفي مقدمتها اللاجئون، الذين يبحث الأتراك عن التوقف عن استقبالهم والتخفيف من هؤلاء الموجودين في الأراضي التركية. الأمر نفسه ربما بالنسبة إلى الدول الغربية التي أصبحت مؤيدة لإقامة هذه المنطقة، بعدما كانت معارضة بالمطلق، إذ ربما تدرس إعادة مئات أو آلاف من اللاجئين الذين وصلوا إليها بذريعة أن الأمن سيكون مكفولاً في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة من الأراضي السورية.
لكن، هل الزمن حقاً سيكون مكفولاً؟ بالتأكيد لا، فكل ما كان ممكناً تحقيقه بإقامة هذه المنطقة سابقاً، أصبح مستحيلاً، ومخاطره ستكون مفتوحة على اندلاع حربٍ أشمل في المحيط الإقليمي، وربما الدولي. فأي أمن ممكن تحقيقه بدون إقامة منطقة حظر للطيران، وأي حظر للطيران سيمنع المقاتلات الروسية من التحليق في الأجواء السورية كافة، واختراق الأجواء التركية أيضاً؟ وأي قوة ستأخذ على عاتقها منع القوات البرية السورية والإيرانية من الدخول إلى المنطقة الآمنة هذه من دون أن تكون سبباً في مواجهة إقليمية أوسع؟
أسئلة كثيرة تصب كل إجاباتها في خانة أن المنطقة الآمنة لن تكون مكسباً للثورة السورية، بل قد تزيد الأمور تعقيداً.

اقرأ المزيد
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥
صدمة جنون القوّة

لا يمكن اعتبار إسقاط الطائرة الروسية فوق سورية حدثاً عابراً في مسار الأحداث في المنطقة. هو حدث ستكون له تداعيات كثيرة لاحقة على التوازن العسكري والسياسي، خصوصاً أنه يأتي في خضمّ تحوّلات في موازين القوى العالمية، سيكون لإسقاط "السوخوي" تأثير مباشر فيها، وربما لذلك لا يزال الروس إلى اليوم غير مستوعبين الحدث الذي مثّل صدمة لكل ما يخطط له فلاديمير بوتين على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ومهما حاولت الدبلوماسية التركية، ومعها العالمية، التخفيف من أثر إسقاط الطائرة على العلاقات البينيّة بين معسكري الشرق والغرب، إلا أن الحادث سيبقى ماثلاً في المعطيات الاستراتيجية الجديدة، ليس في سورية وحسب، بل على الصعيد العالمي، لأكثر من اعتبار. لعلّ أبرز هذه الاعتبارات أن العملية تأتي في ذروة الصعود الروسي المتدرّج، والذي بدأ منذ مطلع الألفية الثالثة. صعود وصل، اليوم، إلى مرحلة تجعل من موسكو الوريثة الشرعية لإمبراطورية الاتحاد السوفييتي، وهو ما يريده فعلياً بوتين الذي يلعب، اليوم، على وتر تراجع النفوذ الأميركي، لينتقل إلى محاولة ملء الفراغ، وإنْ باتجاه سياسي معاكس.
على هذ الأساس، كان التدخل في سورية لمصلحة نظام بشار الأسد، وبذريعة محاربة داعش، الأمر الذي رضي به الغرب، عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، على مضض، غير أن مسار الأيام الخمسين، وهي عمر التدخل الروسي في سورية، كشفت عن معطيات أخرى لأهداف هذا التدخل، وفي مقدمتها ضرب المعارضة السورية، بغض النظر عن درجات اعتدالها أو تطرفها، في محاولة لقطع الطريق على تكوين أي خيار بديل ممكن لنظام الأسد.
إضافة إلى هذا المعطى السياسي في الأهداف العسكرية، أراد بوتين تحويل الساحة السورية إلى مسرح لاستعراض العضلات، ولتأكيد أن روسيا هي القوة المقبلة على الساحة العالمية. ووفق هذا المعطى، صالت الطائرات وجالت، وضربت ما شاءت من الأهداف، تحت أنظار العالم الذي اكتفى بالتنبيه والتحذير والإدانة، فيما كانت البوارج الروسية تطلق صواريخها "عن جنب وطرف"، حتى أنها قصفت أراضي الحليف الإيراني.
أمام التقاعس الغربي في مواجهة التمدّد الروسي، أصبح بوتين يعيش مرحلة غطرسة القوة، الأمر الذي جعل من إسقاط مقاتلة السوخوي ليس أمراً عابراً، بل بمثابة صدمة، أو صفعة، لحلم "روسيا العظمى" الذي يسعى إليه بوتين، خصوصاً أنه لم يأت من الولايات المتحدة التي يمكن أن تعتبراً روسيا نداً، بل من تركيا التي لا ترى فيها روسيا عملياً قوة عظمى، يمكن أن تكون موازية.
من هذا المنطلق، ينظر الروس بهذا الكم من القهر لعملية إسقاط الطائرة، فالحادث جاء عملياً بمثابة محاولة لدفع موسكو إلى استيعاب أنها ليست ولن تكون وحدها في المنطقة، وأن غطرسة القوة سيكون لها ثمن في المستقبل، سواء عبر عمليات من هذا النوع، أو ربما مواجهة أشمل قد تكون شرارة لحرب عالمية ثالثة، لا أحد يريدها، وروسيا في المقدمة. ما بعد استهداف "السوخوي" ليس كما قبله، وإذا حاول الروس، اليوم، قهراً، استيعاب الضربة التركية والرد عليها اقتصادياً وسياسياً، فإن أي حادث مماثل في المستقبل لن يكون من الممكن تمريره بدون رد على المستوى نفسه.
الصدمة استُتبعت بالمواقف الغربية، وخصوصاً الأميركية، والتي جاءت أيضاً لتذكير الروس بأن "الأطلسي" لم يمت بعد، وأن أسباب إنشائه منذ البداية عادت، اليوم، إلى الظهور، وإنْ بشكل مختلف، وهو ما سيعيد قريباً جداً صراع المعسكرين إبّان الحرب الباردة، لكن في ظل أجواء حامية حالياً.
لا نزال في الأيام الحالية نعيش التداعيات الأولى لإسقاط الطائرة الروسية، والتي لا بد أن تدفع موسكو إلى إعادة الحسابات، أو الإقدام على مزيد من جنون القوة.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
لك الله أيتها "الرقة" المظلومة ....

يتردد اسم "الرقة" في البرلمانات و الجلسات و المباحثات ، و على أجهزة التواصل بين الطائرات و البوارج ، وكذلك يرد الأسم في المقدمة في كل خطة عسكرية أم سياسية أو حتى اجتماعية ، فكل الأنزار تتجه لها ، و كل الجيوش تتحرك باتجاها ، و كل القذائف تسقط عليها .

مع كل تفجير أو عملية لداعش ، يأتي الرد سريعاً و غاضباً وجنونياً ، ليرمي بثقله فوق كاهل هذه المدينة ، التي لاذنب لها إلا وجودها بيد داعش ، واتخذها الأخير كمركز شكلي لإدارة خلافته .

اليوم في البرلمانات و رؤساء الدولة و الحكومات ، وفي قاعات الإجتماعات العسكرية ، لاحديث إلا أن الرقة و ضرورة إنهائها ، و إزالتها عن الخارطة مهما كل الأمر .

روسيا و أمريكا و خلفها 63 دولة ، الجميع لاهث ليصب جام حممه فوق المدينة لما تحويه من مدنيين ، لا ملاذ لهم ، فهو محاصرين بالنار ، وموجودون داخل النار ، فلا إمكانية للخروج منها ، ولا مجال للحياة فيها ، فالوقت يمضي فيها كمن يرى الموت قادماً ، ويقبض الأرواح ، فلا مناص إلا بالإنتظار .

في المقابل داعش تمارس غيّها ، وجنونها ، تبث صوراً للحياة الطبيعية ، (كحملة مناهضة ولو كاذبة) ، وتهدد عواصل العالم من داخل المدينة التي أخلوها من قياداتهم و مراكزهم ، و باتوا مع الجالسين يتابعون مع المتابعين ما يحصل مع المدنيين ، وكل ما هدء القصف ، يعيدون إشعاله بتسجيل أو بمفرقعة هنا أو هناك ، لينضم سرب جديد إلى الأسراب القاصفة ، لتبدء عمليات الصراخ "لك الله أيتها الدولة المظلومة" .

ففي الرقة سكان و مدنيين ، يعانون من كل أصناف و أنواع الإرهاب ، وكل أنواع الموت تحت ذرائع دينية و سياسية و إقتصادية ، و لا ذنب لهم إلا أنهم من الرقة و قرروا البقاء ، في مكان يسعى الجميع للتمدد و التقليص انطلاقاً منه ، لك الله أيتها "الرقة" المظلومة ....

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
17 ثانية غيرت قواعد المواجهة في سوريا

17 ثانية مجنونة أو ربما محسوبة وضعت العالم على شفير واحدة من أخطر الأزمات، إلى حد أن بعض الناس بدأوا يتحدثون عن مقدمات حرب عالمية ثالثة، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا حتى الآن. فوفقًا للرسالة التي بعثت بها تركيا إلى الأمم المتحدة لإبلاغها بتفاصيل واقعة إسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية – التركية فإن طائرتين روسيتين من طراز «سوخوي 24» دخلتا المجال الجوي التركي بعمق 1.36 ميل ولمدة 17 ثانية، وإن تركيا حذرت الطائرتين أكثر من عشر مرات قبل أن تقوم طائرة «إف 16» تركية بإطلاق صاروخ أسقط إحداهما في منطقة جبلية داخل الحدود السورية.
هذه الثواني القليلة ستكون لها تداعيات كبيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ خمسينات القرن الماضي التي يسقط فيها بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) طائرة روسية. كما أن إسقاط الطائرة الحربية جاء في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة تلبد الأجواء بين الغرب وموسكو، وبينما روسيا بوتين لا تزال تحت تأثير صدمة وضغوط إسقاط طائرة الركاب في سيناء نهاية الشهر الماضي نتيجة انفجار قنبلة وضعت داخلها وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدا غاضبًا أول من أمس وهو يحذر من أن روسيا لن تغمض عيونها «إزاء جرائم مثل تلك التي ارتكبت اليوم»، وذلك في إشارة إلى إسقاط الطائرة الحربية ومقتل طياريها أو أحدهما أثناء أو بعد هبوطهما بالمظلات إثر إصابة الطائرة بالصاروخ التركي. بوتين وصف الواقعة أيضًا بأنها «ضربة لنا من الخلف من قبل شركاء الإرهابيين»، موجهًا بذلك اتهامًا صريحًا إلى حكومة رجب طيب إردوغان بأنها داعم وشريك «للإرهابيين» في سوريا.
وعلى الرغم من إعلان حلف الناتو تضامنه مع أنقرة، وإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تركيا مثل كل الدول لها الحق في حماية أجوائها وحدودها، فإن اللهجة الطاغية من الدول الغربية كانت هي الدعوة لوقف التصعيد وانتهاج الوسائل الدبلوماسية لمعالجة الأزمة، وحث أنقرة على التواصل مع موسكو لتدارك الأمور ومنعها من التدهور إلى مواجهة عسكرية أكبر. فهناك توقعات واسعة بأن موسكو سترد بعمل ما ضد تركيا، ويبقى الأمر متوقفًا بعد ذلك على حجم هذا العمل وما إذا كانت حكومة إردوغان ستعتبر الأمر منتهيًا بذلك، أم أنها ستصعد مرة أخرى وتضع حلف الناتو أمام امتحان عصيب، والعالم على شفير مواجهة خطرة.
تركيا على ما يبدو كانت متربصة ومتأهبة منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية وبدء موسكو غارات جوية على مواقع تنظيمات سورية معارضة تدعمها أنقرة علنًا أو سرًا. فقبل يوم واحد من إسقاطها للطائرة الحربية الروسية طالبت حكومة إردوغان روسيا بوقف غاراتها على مواقع التركمان في سوريا الذين يشكلون أحد فصائل المعارضة السورية وتدعمهم تركيا معنويًا وعسكريًا وسياسيًا من منطلق الروابط الإثنية ومن واقع حساباتها الاستراتيجية في الأزمة السورية. وكانت أنقرة قد دعت أيضًا الأمم المتحدة لعقد اجتماع لبحث القصف الروسي «للمدنيين» في المناطق التركمانية السورية. فمثلما دعمت التركمان في العراق قبل ذلك، تقدم أنقرة دعمها اليوم لتركمان سوريا، وقد تفكر أنه إذا تفككت سوريا في إطار الصراع الداخلي، والطائفي، والإقليمي، والدولي، الدائر على أراضيها وحول مستقبلها، فإن التركمان السوريين سينسلخون بأراضيهم للانضمام إلى تركيا لتضيف بذلك أراضي جديدة إلى تبعيتها بعدما انتزعت في الماضي منطقة لواء الإسكندرون من سوريا.
فإذا كانت لروسيا حساباتها في الأزمة السورية، فإن أنقرة لديها أيضًا حساباتها وتلعب دورًا مباشرًا فيها، سواء على صعيد التركمان، أو في موضوع الأكراد، وقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، أو على صعيد المطالبة برحيل الأسد، ودعم تيارات معينة في المعارضة السورية. وبسبب ملابسات وتعقيدات دورها واستراتيجياتها في سوريا فقد تعرضت حكومة إردوغان لانتقادات حتى من «حلفائها» في الغرب الذين اتهموها بتسهيل مرور الملتحقين بـ«داعش»، أو بإغماض عينيها عن تهريب «الدولة الإسلامية» المزعومة للنفط من سوريا عبر أراضيها. الرئيس الروسي كرر هذه الاتهامات لتركيا أول من أمس عندما اعتبرها «شريكة للإرهابيين» وداعمًا لـ«داعش»، ملمحًا إلى أن استهداف أنقرة لطائرة «سوخوي» كان عملاً انتقاميًا بعد قيام الطائرات الروسية بشن غارات مكثفة على خطوط التهريب التي يستخدمها «داعش» لنقل النفط وبيعه عبر الأراضي التركية.
في ظل ازدحام الأجواء السورية بالمقاتلات والأجندة المتباينة، فإن وقوع حادثة أو مواجهة من نوع ما، ربما كان متوقعًا، لكن السؤال المقلق: إلى أين ستتجه الأمور من هنا؟ هناك مساعٍ محمومة لمنع انفلات الأمور بعد إسقاط المقاتلة الروسية، لكن قواعد اللعبة والمواجهة تغيرت حتمًا ودخلنا منعطفًا خطيرًا. وللأسف فإن اتفاق فيينا ومساعي الحل في سوريا، أول الضحايا، مما يعني استمرار المعاناة للسوريين.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥
سوريا: مرحلة خطرة

الحادث الأخير على الحدود بين سوريا وتركيا والذي أدى إلى إسقاط مقاتلة روسية لن يشكل الشرارة الأولى لحرب قد تقع بين روسيا وتركيا، ولن يكون مقدمة لمواجهة بالواسطة بين الشرق والغرب تستعيد فيها نموذج حرب الكوريتين في منتصف القرن الماضي، ولا تستعيد نموذج فيتنام. فالصوت الروسي العالي النبرة تعود جذوره الى تلك الصورة التي اجتهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبنائها على مر السنين الماضية. فقد عمل بجهد جهيد على محاولة استعادة صورة “الاتحاد السوفياتي” السابق وزرعها بلباس امبراطوري قيصري جديد بما ينسي الروس سنوات “المهانة” الوطنية والقومية التي عاشوها اثر سقوط الاتحاد السوفياتي بنهاية ثمانينات القرن الماضي. عمل فلاديمير بوتين بمنهجية عالية على بناء صورة روسيا “القوة العالمية” التي توازي الولايات المتحدة وتقارعها، وتقف أمامها أو بمواجهتها بندية شبيهة بما كان حاصلاً أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وقد نجح بوتين الى حد ما في رسم صورة جديدة لبلاده تظهرها كقوة دولية جدية توحي بالخوف في جوارها الاقليمي، وتؤخذ على محمل الجد عند نشوب ازمات تعنيها مباشرة، أو تعني أمنها القومي. حصل هذا في الحرب المحدودة التي نشبت بين روسيا وجورجيا سنة ٢٠٠٨ حول جمهورية ابخازيا القوقازية، وحصل أيضاً بشكل أكثر عنفاً وعدائية مع اوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم، ودخولها غير المباشر في حرب شرق اوكرانيا. في المرتين لم تواجه روسيا بردة فعل موازية من الغرب الذي تدخل في المرة الأولى كوسيط، واكتفى في المرة الثانية بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو.

في بداية شهر تشرين الأول المنصرم اقدمت روسيا للمرة الثالثة في عهد بوتين على خوض مغامرة عسكرية – ديبلوماسية في سوريا. وفي الأسابيع الأولى شكل تدخلها بالطيران العسكري، وبإنزال عدد محدود من القوات وذلك تحت عنوان محاربة تنظيم “داعش” والارهاب بشكل عام، صدمة على أرض المعركة في سوريا، واعاد خلط الأوراق بالنسبة الى مشاريع الحلول التي ركزت منذ ٢٠١٢ على كيفية إخراج بشار الأسد من المعادلة.
منذ بدء التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، يعمل بوتين بقوة لتغيير المعادلة على الأرض من خلال دعم محاولات استعادة قوات بشار الأسد والميليشيات الطائفية التابعة لايران الأرض التي خسروها، بما يعيد رسم مشهد جديد في سوريا يقوم على التسليم ببقاء الأسد، ومنع اقامة منطقة آمنة في الشمال مع تركيا، وضرب فصائل المعارضة المسلحة تمهيداً للجلوس إلى طاولة مفاوضات يكون فيها محور موسكو – طهران – بشار قادراً على فرض الحل الذي يراه مناسبا.
والسؤال كيف سترد انقرة، وهل تقدر أن تعتمد على حلفائها في حلف “الناتو” ولا سيما على الولايات المتحدة، وتحديداً إدارة الرئيس باراك أوباما الضعيفة تعريفا؟ إنها مرحلة محفوفة بالأخطار.

اقرأ المزيد
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
الجميع تبنى إخراج الطيار الروسي .. ولم يبق إلا إسرائيل لم تعلن !؟

ما إن أعلنت روسيا اليوم عن تمكنها من اعادة الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته أمس ، بصاروخ تركي من سلاح الجو ، حتى تسابق الجميع ليعلن أن عناصره هم من أنقذوا الطيار ، ولم يبق إلا إسرائيل لتعلن أنها شاركت في هذه العملية ، التي تمت في أراضي ملاصقة جداً للمناطق المحتلة من قبل قوات الأسد و حلفاؤها .

ففي البداية قالت وسائل إعلام نظام الأسد أن مجموعة من القوات الخاصة تولت الأمر إعادة الطيار المعجزة ، سرعان ما امتعض ما يسمى "القوات الرديفة" ، فتم زج إسمها إلى جانب أؤلائك .

إلا أن هذه الرواية دفعت بالروس للغضف فهم أصحاب الأولوية ، فتم إدراج مشاركة فعالة لمشاة البحرية الروسية في العملية الإسطورية ، برياً و في التغطية الجوية .

إلى هنا و الأمور كانت تسير بشكل جيد واستطاع الراوي أنه يرضي الجميع ، و لكن نسيان حزب الله الإرهابي ، دفع بالمتحدثين إلى مسح النقطة في أخر خبر الإنقاذ ، وفتح القوس من جديد لإدخال ست عناصر من الحزب كانوا ضمن الجوقة المشاركة ، و لكن الحرس الثوري الإيراني شعر بغيابه ، فتم من جديد تدارك هذه الهفوة ، ووضع مستشارين من الحرس الثوري ضمن القافلة .

ومن المنتظر أن يخرج الموساد في القريب العاجل ليعلن عن تقديمه معلومات استخباراتية ، و بالتالي سيكون هناك حضور لها ، و لكن خارج القوس طبعاً ، فقوس الممانعة لا يجمتع مع الصهاينة على العلن.

اقرأ المزيد
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
الخلافات و الحيرة جمعت القيصر الروسي بالمرشد خامنئي

دخلت الدبلوماسية الإيرانية على الخط لتحاول وبصفاقة ليس لها نظير، رسم سيناريوهات المستقبل السوري ،كما فعل ويفعل في كل فرصة تسنح له معاون وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان .

وجاءت الدبلوماسية الروسية بمنهجها العدواني المترافق مع الهمجية العسكرية العدوانية الروسية لتكمل الطوق، فوزير الخارجية الروسي لافروف لم يتردد أبداً عن رفض أي حلول تتضمن شرط رحيل بشار الأسد عن السلطة.

حيث يعيش الدب الروسي اليوم حالة من النشوة على الرغم من مرور شهرين على بدء العمليات الجوية الروسية في سوريا، و لا تبدو النتيجة منسجمة مع الأهداف المعلنة، ولا مع الزفة الضخمة التي رافقت الإعلان عن انطلاقها، والتي شارك فيها شبيحة إيران وبشار في كل مكان ، فهو ما فتئ يظهر عضلاته ويكشر عن أنيابه، ويبرز مخالبه، في محاولة يائسة لإرهاب الشعوب فضلا عن ممارسة الابتزاز في أقصى حالاته، فالرئيس الروسي (بوتين) وهو يستمر في جرائمه الموجهة ضد البشرية في أرض الشام، وفي التحول الفظ من الدعم السياسي للدعم العسكري المباشر في حرب النظام الإرهابي السوري ضد شعبه، قد غادر تماما حدود الحصافة والمسؤولية واحترام خيارات الشعوب، ودخل فعلا في مرحلة الحماقة واللجوء للقوة المفرطة ضد شعوب مقهورة، لا تمتلك سوى شرف الدفاع عن مبادئها ومقدساتها وحقها في العيش الكريم بعيدا عن الظلم والإقصاء.

فطهران وموسكو تقيمان علاقات متقلبة منذ الثورة الإيرانية في 1979، وكانت روسيا في إطار اتحاد الجمهوريات السوفياتية الشيوعية -إحدى أولى الدول التي اعترفت بإيران ، لكن موسكو قدمت بعد ذلك دعمها للعراق في ظل نظام صدام حسين في حربه ضد إيران بين 1980 و1988،وعلى الرغم أن المحادثات الروسية – الإيرانية طغى عليها الشق الإقتصادي لأهميته لكل من موسكو وطهران، بعد أن وافقت موسكو على منح حكومة طهران قرضا تقدر قيمته بنحو 7 مليارات دولار، لتنفيذ مشروعات إعادة تشييد البنية التحتية لقطاع الطاقة والكهرباء الإيرانية بمشاركة الشركات الروسية ،ولأن مساعي إيران لزيادة صادراتها النفطية ستؤثر سلباً على عائدات روسيا من تصدير النفط ، فبحسب البيانات الحكومية ستزيد طهران من إنتاج النفط خلال الشهور الستة القادمة ليصل إلى مليون برميل يومياً، وستعمل على تسويق منتجاتها في أسواق وسط آسيا، التي تعتبر الأسواق التقليدية لروسيا ، كما تناولت محادثات بوتين – روحاني التعاون في المجال العسكري لأن الجانبين قد اتفقا على أن تسحب إيران الشكوى المقدمة في محكمة التحكيم الدولية بجنيف، والتي تطالب فيها بتعويض من روسيا قيمته أربعة مليارات دولار بسبب عدم تنفيذها عقد توريد “أس-300” الموقع عام 2007، وأوقفت موسكو تنفيذه استناداً لقرار مجلس الأمن عام 2010 بحظر توريد الأسلحة إلى إيران.

إضافة إلى ذلك اعتبر في وقت سابق قائد القوات البحرية السابقً في «الحرس الثوري» حسين علائي أن إطلاق الروس صواريخ «كروز» من بحر قزوين نحو الأراضي السورية «خطأ استراتيجي» يجب ألّا يحصل بسبب تأثيره علی المصالح الإيرانية، علماً أن هذه الصواريخ لا بد أن تعبُر الأجواء الإيرانية قبل وصولها إلى سورية. كما أن تقارير أشارت سابقاً إلى أن بعضها سقط في إيران بعد إطلاقه من بوارج في بحر قزوين، ونفی مصدر مطلع في القوات المسلحة الإيرانية إطلاق الجيش الروسي خلال الأيام الأخيرة أي صاروخ «كروز» من «المياه الإقليمية الإيرانية» في بحر قزوين في اتجاه أهدافٍ في سورية عبر الأراضي الإيرانية، وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت إطلاق عدد من هذه الصواريخ من بحر قزوين على أهداف في سورية.

في ظل هذا الجو المشحون بين الطرفين وصفت أوساط إيرانية بوجود العديد من «المعطيات الإيجابية» للتدخّل الروسي في سورية وهناك من رأی أن الجانب الروسي لا يمكن الاعتماد عليه، على المدى الطويل، في ضوء ما تحتفظ به الذاكرة الإيرانية تاريخياً من سلبيات في شأن العلاقات بين موسكو وطهران.

وبحسب مصادر إيرانية أن بوتين سمع من خامنئي «كلاماً واضحاً» في شأن الأوضاع في سورية وضراوة المعارك ،والتصور الإيراني لطريقة حل أزمة هذا البلد، إضافة إلی موقف طهران من الأزمة اليمنية، وتعرب المصادر ذاتها عن أمل الإيرانيين بأن تكون زيارة بوتين قد بددت قلقهم في شأن الخطط الروسية حول مستقبل سورية.

خلاصة القول هي أن أفق الإنجاز الروسي في سوريا يبدو مسدودا، وهذا ما تعكسه تصريحات بوتين ومحللي بلاده السياسيين التي تشي بفشل مهامهم في سورية وتغطية إعلامية عليها ولا مجال لغير نزيف طويل، لهم وللإيرانيين، والحالة الإقتصادية المتأزمة لكلا البلدين مقابل طرف أقدر على احتمال النزيف منهما ، لم يعد يخفى ميل بوتين لتسوية تحفظ ماء الوجه له ولقوات بلاده ، مقابل تشدد إيراني قد يتراجع بمرور الوقت، ولا يُستبعد أن يكون تم التفاهم عليه في لقاء بوتين - خامنئي في طهران إن نجحا في تذويب خلافاتهما المزمنة ،إلا أن هذه الخلافات على ما يبدو لاتزال قائمة بدليل أن كل من الكرملين وبوتين أدليا بتصريحات ضبابية للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.. ليتلقى نبأ إسقاط طائرتين لقوات بلاده الجوية ويبدأ بتحليل كيفية سقوطهما ووعيد وتهديد لا يغني ولايسمن من جوع وهو بذلك يكون قد اختار نفس المصير الذي لاقاه الاتحاد السوفياتي سابقا .

بقلم النقيب رشيد حوراني

اقرأ المزيد
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
ضحك القيصر والمرشد كثيراً

ضحك القيصر الروسي، فلاديمير بوتين، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وطواقم وفديهما المشاركة في اجتماعهما في طهران، وقضوا النصف الأول منه يتبادلون المفارقات الطريفة التي حصلت في أثناء الشهر الفائت وما تلاه، في عالم الدبلوماسية الدولي. وفي النصف الثاني، اتفقوا على استراتيجية موحدّة لاستكمال الفصل الثاني من هذه الملهاة الممتعة، للمؤدين والمتلقين. وكانت مادة الضحك كيف استطاعا أن يمرّرا على العالم أفكاراً ساذجة، ليست مشغولة بحرفية، عن إمكانية تحقيق عملية سلام في سورية. ضحكا لأنهما فوجئا بأن العالم هو من أكمل سرد نصف الكذبة بنفسه، وزاد عليها تفاصيل، لو أنهما استعانا بالشيطان، لما استطاع إرشادهما عليها، فهنا وزير يثق بجدية روسيا في صناعة السلام في سورية، وهناك وزير آخر يبشر بعملية انتقال في سورية في الأسابيع المقبلة؟
ضحكوا أكثر، عندما تساءلوا: كيف أغرقناهم بالتفاصيل، وكم هم مشغولون بترتيباتٍ لن ترى النور، ولن نسمح لها بالتشكّل على أرض الواقع، فيما نحن ننجز مهمة تطهير سورية من شعبها، وما استطعنا من مقاتليها، وكيف أجبرناهم على كشف أوراقهم، وطلبنا منهم كشف براءة من تهمة الإرهاب، عندما فرضنا عليهم قائمة بالتنظيمات الجيدة، والأخرى السيئة، وراحوا يلهثون ويتوسطون، لكي نقبل استثناء بعضها، وأعطونا فرصة لتوبيخهم على السكوت عن التي سيقرّون بأنها إرهابية فعلاً. فعلنا ذلك كله، ولم يستطع الطرف المقابل سوى الامتثال لطلباتنا واشتراطاتنا.
ولعلّ الطرفة التي أشعلت قصر المرشد ضحكاً، إلى درجة أن جنرال فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، سقط مغشيّاً عليه من الضحك، واحتاج عملية إنعاش، عندما قال بوتين إنّه أقنع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما في أنطاليا، الأسبوع الماضي، بأنّه سيدعم عملية انتقالية بعيدة عن نظام الأسد. وهنا، سيعترف بوتين بأنه كاد يتلعثم وهو يخوض هذه المغامرة، وكان يعتقد أن يقاطعه أوباما ويطلب منه احترام عقله مستمعاً، لكن بوتين يتابع أنه، وعندما رأى الانشراح في ملامح أوباما، رفع عيار مغامرته بالقول إنّه أيضاً سيدعم أطراف المعارضة السورية بالضربات الجوية.
أما خامنئي الذي أراد إثبات براعته في المناورة أيضاً، وأنّه لا يقل عن بوتين ووزير خارجيته،
"ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً"
سيرغي لافروف، في الحنكة والظرافة، فاستشهد بمقال لوزير خارجيته، جواد ظريف، في صحيفة السفير اللبنانية، أشار فيه إلى احترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره. وهنا، لا بد أن بوتين سأله: هل وصلت حذاقتكم إلى هذه الدرجة؟ فيرد خامنئي: بل أكثر من ذلك، بدليل أننا طالبنا بعدم تدخل الدول الأجنبية في الشأن السوري. وعندما عقد بوتين حاجبيه اندهاشا من هذه القدرات الخارقة، زاده خامنئي من الشعر بيتاً، بأن أخبره بأننا أيضاً طالبنا بضرورة مساعدة اللاجئين السوريين.
ربما ذلك مجرد سيناريو متخيّل لأجندة لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر خامنئي. لكن، حسناً لو أرد المراقب أن يكون أكثر جدية، وينحو صوب التحليل الاستراتيجي الأعمق، سيجد نفسه أمام جملة من الوقائع غير منطقية، مطلوب منه إلباسها ثوباً مزركشاً برغبات وأحلام واحتمالاتٍ، نصفها غير واقعي، ونصفها الآخر مدسوس، بالاعتماد على ماكينة الدعاية الروسية الإيرانية عن إمكانية حصول خلاف بين الطرفين، بسبب وجود طلب كبير على التحليلات التي تستكشف مكامن الخلاف بين روسيا وإيران، ولا تتحدث عن سواها.
تتحدث الوقائع في التحالف الروسي الإيراني عن نفسها، ولا تحتاج إلى استخدام آليات تحليل الإشارات والتلميحات والتسريبات ولا حركات الجسد. تنطلق موسكو وطهران من قاعدة واحدة في التعامل مع الواقعة السورية، هي فرصة تتسع لكليهما، وتحقق طموحاتهما، كما تشكل الضلع الناقص في قوس مشاريعهما الاستراتيجية، وهي فرصة لابتزاز العرب والأوروبيين، حيث يشكلان المكوّن الأساسي لتصريف مصالحهما الدولية، وهي فرصة تتيح لهما تنظيف ملفاتهما الإشكالية مع البيئة الدولية، وأنهما سعداء، لأن أوباما يجلس على المدرجات، ينتظر غرقهما. حسناً، فلتبق، يا سيد أوباما، تنتظر، ودعنا نغرق أكثر في بحر الفرص.
ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً. إنه أكثر من فانتازيا إمكانية تصوّر وجود لروسيا وإيران في ظل نظام جديد لسورية؟ وهل هما بهذا القدر من السذاجة، ليتصورا ذلك؟ وهل هما حمائم سلام، حتى يجهزا سورية لغد لن يكونا فيه؟ وهل نظام الأسد قادر على التعايش مع سورية، بعد أن تستعيد لاجئيها؟ أليس ذلك نوعاً من الانتحار المجاني؟
في النصف الثاني من اجتماعهما، توقف القيصر والمرشد عند قضية ما إذا كانت هناك ضرورة لوضع استراتيجية محبوكة، لاستمرار نجاحهما المبهر في سورية، غير أن عضواً في الوفد كانت له التفاتة حاذقة، حيث قال إن من شأن أي تدخل التأثير في انسيابية الأحداث وسهولتها. وعليه، من الأفضل ترك الأمور تسير وفق ما كانت عليه، وذلك أكثر ضمانة. وكانت حجته أن مساهمات الأطراف تشكل إضافات رائعة، وتعطي للأمر حركة أكثر مما لو تعمد الروس والإيرانيون صبها في قوالب وخطط، خصوصاً أنه معروف عنهم الصلابة والجدية اللازمة، وميلهم إلى التراجيديا والكآبة.

اقرأ المزيد
٢٥ نوفمبر ٢٠١٥
الرابحون والخاسرون من حروب "داعش"

بعيداً عن نظريات المؤامرة التي تنسج سيناريوهات كثيرة حول من يقف وراء تنظيم داعش، ومن يدعمه ويموله ويحميه، لأن كل الفرضيات التي تُساق، اليوم، لا وجود لما يسندها على أرض الواقع، وقد يأتي اليوم الذي تنكشف فيه حقيقة هذا التنظيم. لكن، حتى قبل أن تنكشف حقيقة من يقف خلفه، ومن "خلقه"، ومن يموله، يمكن من الآن معرفة من يستفيد اليوم من وجوده، ومن خدماته، ومن أعماله الإرهابية، ومن هم ضحاياه، وهم في كلا الجانبين كثر.
المستفيدون من هذا التنظيم كثيرون، حتى وإن ادعوا معاداته وشن الحرب ضده. إنهم دولاً وأنظمة، يعادونه في العلن، وهم مرتاحون مما يدرّهم عليهم وجوده واستمراره من فوائد وأرباح سياسية، لا تعد ولا تحصى. أول هؤلاء المستفيدين سياسياً من وجود "داعش" هو نظام بشار الأسد الذي ظل يحمي معاقل التنظيم في الرقة، وجنّبها براميله المتفجرة، وتركه ينمو ويترعرع، لكي يخلط النظام المذكور الأوراق، ويقنع العالم بـ "أطروحته" أنه يشن حرباً لا هوادة فيها ضد ما يسميه هو "الإرهاب". لذلك، وبعد أن خرج الغول من القمقم، لا غرابة أن نسمع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تخطب ود الأسد، وتعتبر التحالف معه مهماً في محاربة إرهاب "داعش" الذي وصل إلى قلب عواصم أوروبا، وأغرق دولها بمئات آلاف من اللاجئين.
المستفيد الثاني من وجود "داعش" هو النظام الإيراني الذي نجح في أن يُجبر الغرب، بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية، على التوقيع على اتفاق نووي، يحفظ لإيران برنامجها النووي. فمباشرة بعد سقوط الموصل في يد "داعش"، ارتعب الغرب من المد الإرهابي "الداعشي"، وسعى إلى وضع يده في يد ملالي إيران، لوقف الخطر "الداعشي"، ووأده في معقله. وقد اتضح، الآن، بعد مرور أكثر من سنة، أن "الدعم" الإيراني في الحرب ضد "داعش" لم يغير كثيراً من المعطيات على أرض الواقع، وكل ما فعله هو حماية النظام الطائفي الشيعي في بغداد، وتبييض صفحة النظام الإيراني في الغرب الذي خفّض من سقف انتقاداته التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان في إيران.
المستفيد الثالث من الحرب العالمية ضد "داعش" هي روسيا، وقيصرها فلاديمير بوتين، الذي
"باسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد الأنظمة السلطوية إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب"
نجح في أن ينسي الغرب جرائم قواته في أوكرانيا، واغتصابه جزيرة القرم، وهو الآن بصدد تكسير الحصار الاقتصادي الغربي المضروب حول إمبراطوريته. وها هو اليوم يربح فرنسا، الدولة التي كانت متحمسة في فرض أقصى العقوبات ضده، بعد ما فعله في أوكرانيا، ورفضت إتمام صفقة بيع سفينة حربية له، تتوسل التنسيق معه في هجماته الجوية والصاروخية في العراق وسورية، والتي غالباً ما تستهدف المعارضة التي توصف بالمعتدلة، وأغلب ضحاياها من المدنيين، أما "الدواعش" فمازالوا أحراراً طلقاء، وأرض خلافتهم تتسع براً و"فكراً".
المستفيد الرابع من جرائم "داعش" إسرائيل التي استغلت اهتمام العالم ببشاعة جرائم هذا التنظيم لتطبيق مخططاتها الاستيطانية، وتنفيذ جرائمها التي لا تقل فظاعة عن جرائم "داعش" بعيداً عن أضواء الكاميرات. وحتى عندما انفجرت ثالث انتفاضة شعبية على أرض فلسطين، وشملت حتى الأراضي الواقعة داخل "إسرائيل"، جاءت تفجيرات باريس التي تبنتها "داعش"، لتحول الأنظار عنها، وتترك إسرائيل تنفذ جرائمها ضد الشعب والأرض الفلسطينية، بعيدا عن الأنظار، كما ألفت أن تفعل دائما.
المستفيد الخامس من وجود خطر داهم اسمه "داعش" هي الأنظمة السلطوية التي ما زالت تخنق أنفاس شعوبها في المنطقة العربية، فباسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد هذه من إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب الذي أرهبته جرائم "داعش"، بعدما وصلت إلى قلب عواصمه.
أما ضحايا جرائم "داعش" وحروبها العبثية فكثر، أولهم الأبرياء السوريون والعراقيون ممن يقعون تحت حكم أمراء هذا التنظيم الدموي، أو ممن يموتون يومياً تحت قصف كل الدول التي تكالبت عليهم لإنقاذهم (!). وضحايا هذا التنظيم، هم أيضاً الأبرياء المهجرون واللاجئون الذين يموتون في عرض البحار، أو يقاسون من البرد والجوع وقوفاً على معابر الحدود المغلقة في وجوههم. إنهم أيضا الضحايا الذين يموتون يومياً بعيداً عن أعين العالم في فلسطين المحتلة، وفي سجون الاحتلال. وهم، أخيراً وليس آخراً، الضحايا الأبرياء الذي قتلوا في شوارع باريس ومقاهيها ومسارحها. وهم أيضا الملايين من المهاجرين العرب في بلاد الغربة الذين بات يُنظر إليهم إرهابيين مفترضين، ومشتبهاً بهم، إلى أن يثبتوا براءتهم، بعودتهم من حيث أتوا، كما تدعوهم إلى ذلك أصوات المتطرفين اليمينيين في الغرب.

اقرأ المزيد
٢٤ نوفمبر ٢٠١٥
بوتين يتلقى الصفعات ولا إمكانية للرد إلا بـ"الجعجعة" السياسية

شكلت صفعة اسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي ، اليوم ، منحى جديد تدخل فيه معارك الدول على الأرض السورية ، و التي لن يكون فيها اي رد مباشر على بعضهم إلا من خلال الأرض السورية و داخلها وفي نطاقها لا أكثر ، و أي حديث غير هذا يعتبر كـ"دق المياه لتشتعل ناراً".

ومع إشتعال الطائرة في الأجواء و سقوطها على الأرض السورية ، إشتعلت المنابر السياسية في العالم ، بين غاضبٍ ، وسعيدٍ ، ومتسائلٍ ، ومصر ومصمم ، و لكن هذه المشاعر لم تتجاوز حدود الشاشات و الكلام في الفضاء الإعلامي ، و إن رافقه حركة في الأروقة السياسية .

هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا بكل عنجهية و بشكل "وقح" و توعد و أزبد ، و لكن هل سيكون لهذا الوعيد ، إنعكاساته الجدية التي تصل لحد الإشتباك ..!؟

بالطبع تركيا ليست من هواة السياسة أو العابثين فيها ، و هي تعرف تماماً ما قامت به و قد احتسبت للأمر جيداً ، و حراكها المكثف خلال الأيام القليلة الماضية يدل على أن هكذا الأمر سيحدث لامحال ، وأن مواجهة تبعياته سيكون من ضمن المسيطر عليه .

فقد دأبت الآلة السياسية التركية على حشد الآراء ، و التحشيد الشعبي ، لما يحدث في "جبل التركمان" ، و أبلغت الأمم المتحدة و الإتحاد الأوربي و الناتو و أمريكا و حتى روسيا ذاتها ، أنها لن تصمت أكثر ، فالتركمان في تلك المنطقة يعتبرون جسراً تركياً ، و الأهم فاصلاً مهماً بين العلويين في جبال اللاذقية و أصحاب ذات المذهب في لواء اسكندرون ، وأن التهجير و الدخول إلى أراضي التركمان السنة ، يعني أن الفاصل "السني" بين العلوين سينتهي ، و بالتالي ستكون المنطقة بؤرة مشاكل مستقبلية لتركيا .

العزف الروسي على هذا الوتر ، ضرب كل هدوء مارسته تركيا طوال السنين السابقة ، وجاء في وقت أعلن حزب العدالة و التنمية السيطرة الكاملة على مفاصل القرار في تركيا ، فجاءت الضربة كصفعة محكمة ، وجهت لـ "دب أخرق" سيقف عاجزاً عن الرد .

روسيا ستكتفي بالتصريحات و الكلام السياسي ، و لن يكون لها اي رد مباشرعلى تركيا ، التي تتحصن بالناتو ، ومابين روسيا و الناتو يوجد من الملفات الكثيرة التي تجعل أي تصرف روسي إلى إشتعال حرب واسعة تنطلق في سوريا ، و تستمر إلى اوكرانيا وما بعدها لن يكون هناك حدود للنيران .

اقرأ المزيد
٢٤ نوفمبر ٢٠١٥
مشكلة روسيا مع سورية

يبدو الموقف الروسي من سورية مرتبكاً أحياناً، وحاسماً أخرى، حيث يصرّ على دور بشار الأسد، ومن ثم يناور من أجل الوصول إلى حل. إن متابعة الموقف الروسي تميل إلى التأكيد على أنه ينطلق من التمسك ببشار الأسد، ويناور من أجل الوصول إلى حل يبقيه في السلطة. ولا شك في أن الخيار الأساسي لروسيا هو بقاء الأسد، فهو "الشرعية" التي حصلت عبره على أكثر من مصلحة، وهو الذي كان وراء كل دورها السوري، على الرغم من أن بشار الأسد نفسه هو الذي أبعد كل "مداخلها" إلى الدولة، وكل الضباط الذين تدربوا في الاتحاد السوفييتي، وأهمل كل علاقة معها، ليصل التبادل التجاري إلى أقلّ من مليار دولار، قبيل بدء الثورة.
لكن، اختلف الأمر بعد الثورة السورية، حيث كان النظام بحاجة إلى "حماية دولية"، انطلاقاً من الخوف من أن تكون الثورة مدخلاً لتدخل أميركي، كما جرى في ليبيا أو في العراق سابقاً. وكانت هذه الفكرة رائجة، بعد سياسة أميركية قامت على التدخل والاحتلال، بعد أحداث "11سبتمبر" سنة 2001. وهي الفكرة التي حكمت، أيضاً، تركيا وأحزاباً عربية "ممانعة"، على الرغم من أن أزمة سنة 2008 فرضت تحولاً كبيراً قام على "الانسحاب" من الحروب، في "الشرق الأوسط" خصوصاً. وكما ظهر، إلى الآن، إن تدخلها اعتمد على القصف الجوي، كما قررت الإستراتيجية التي صيغت سنة 2012.
فرض هذا التوهم على النظام عقد "صفقة" مع روسيا، كما فعلت إيران قبل ذلك.
لهذا، عقدت موسكو صفقة تقوم على "حماية" النظام في المحافل الدولية، ومنع صدور قرارات من مجلس الأمن، تفرض التدخل العسكري في سورية، ومن ثم دعمه عسكرياً بعد ذلك، في مقابل الحصول على مصالح اقتصادية، تعلقت بالنفط والغاز ومشاريع أخرى من جهة، والحصول على توسيع القاعدة البحرية في طرطوس التي كانت قد جرت إعادة العمل فيها سنة 2010. وقد جرى التوقيع على الاتفاقات الاقتصادية في أغسطس/آب سنة 2012 من نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قدري جميل. والصفقة هي مع بشار الأسد. لذا، يظل هو الضامن لها في كل الأحوال. وقد ظل السؤال الأساسي لروسيا، في المفاوضات والحوارات الماضية، يتعلق بالموافقة على هذه المصالح.
ثم، بعد ضعف وضع النظام، وفشل تدخل إيران بأدواتها المتعددة في إنقاذه، تدخلت عسكرياً، وأقامت قاعدة جوية في اللاذقية، وأرسلت قوات برية، قالت إنها بناء على دعوة بشار الأسد. والروس يتعللون بهذه الشرعية، في وجودهم العسكري في سورية. بالتالي، هي تنطلق من شرعية مصالحها ووجودها العسكري، بالضبط لأنها حصلت عليه بـ "قرار" من بشار الأسد. وروسيا تعتقد أنها تلتزم الشرعية الدولية، بعكس أميركا التي تتدخل من دون قرار من مجلس الأمن. ولهذا، تعتقد أن كل ما قامت به في سورية شرعي، لأنه جاء "بطلب من رئيس الدولة" بشار الأسد. بالتالي، تنطلق من أن بشار الأسد شرعي، بغض النظر عن رفض الشعب له، وعن الثورة التي أفقدته شرعيته، فهي لا تعترف بالثورة، أصلاً، حتى وإنْ كان هذا يناقض موقف الشعب. لهذا، وقفت مع حسني مبارك، لأنه "رئيس منتخب"، أي "شرعي"، وكذلك في تونس. وتتمسك بأن النظام لا يزال ممثلاً في الأمم المتحدة، على الرغم من اعتراف أغلبية الأعضاء بالمعارضة، لتقول إنه، وفق القانون الدولي، ما زال شرعياً.
"روسيا تتمسك بشرعية شكلية، لكي تطمئن إلى أنها ستحصل على مصالحها، على الرغم من أنها فرضت، بحكم الأمر الواقع، توسيع قاعدة طرطوس، وإقامة قاعدة أخرى، وربما قواعد جديدة"

هذه الرؤية التي تحكم روسيا التي تتمسك بـ "رئيس شرعي"، وقّع معها اتفاقات هي شرعية، نتيجة ذلك، هي التي تجعلها تتمسك ببشار الأسد، وتخاف من سلطة أخرى، حتى وإنْ كانت قد أتت من داخل النظام نفسه. بالتالي، هي تتمسك بشرعية شكلية، لكي تطمئن إلى أنها ستحصل على مصالحها، على الرغم من أنها فرضت، بحكم الأمر الواقع، توسيع قاعدة طرطوس، وإقامة قاعدة أخرى، وربما قواعد جديدة، ليس في الساحل فقط. إنها تمارس عملية احتلال كاملة، وربما تفكّر في أن يسحق جيشها الثورة، للحفاظ على الوضع القائم، من دون حاجة إلى مساوماتٍ، لا مع أميركا، ولا مع السعودية وتركيا، ولا مع المعارضة. أظن أن هذا هو الخيار الرئيسي لروسيا، والتي لا زالت تحاول تغيير ميزان القوى على الأرض، حتى بعد الاتفاق في فيينا 3. وتعلن، الآن، أنها سترسل قوات برية إلى سورية، بعد أن توضّح أن لديها قوات برية، قدّرتها أميركا بأربعة آلاف جندي، وبعد أن طُرح هذا الأمر على مجلس الدوما لإقراره، يمكن أن ترسل قوات أكبر. بالتالي، ربما نشهد، قبل بدء المفاوضات، من أجل الحل محاولة كبيرة، لتغيير ميزان القوى، لكي تُفرض الحكومة الانتقالية، حكومة يديرها بشار الأسد التي لم ينص اتفاق فيننا على تنحيته، على الرغم من أنه نص على أن تمارس الحكومة الانتقالية كل الصلاحيات التنفيذية، ليبقى "الرئيس الشرعي".
لكن تعقيد الوضع بوجود تدخلات إقليمية ودولية كبيرة، ومن دول تحاول روسيا تطوير العلاقات معها، مثل تركيا والسعودية، لها مصالح مباشرة في سورية، وتدعم أطرافاً في المعارضة المسلحة، وهو ما يمكن أن يخيف روسيا من التورط في "مستنقع أفغاني"، يجعلها تدخل في مسار الحل السياسي.
وفي هذا المسار، يظهر أنهم يريدون الإبقاء على ورقة بشار الأسد ضمن الحل، على أمل أنه إذا لم ينجح الحل العسكري، يمكن أن تظل الورقة قائمة في مسار الحل، لكي تستخدم في اللحظة التي ترى روسيا أن النتيجة ليست في صالحها. لهذا، ظلت المساومات على وضع بشار الأسد في الحل، وسعت روسيا إلى أن تتجاوز مبادئ جنيف1 التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ما يعني القطع مع الحكم الحالي، وبالتالي، نهاية حكم بشار الأسد.
وسنجد أن بيان فيينا يلغي هذه الصيغة، لمصلحة حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية. وكما نشر الروس، لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها، ويكون من حقه الترشّح في الانتخابات التي ستنجزها هذه الحكومة، بعد إقرار دستور جديد. وفي هذه الوضعية، يبقى شبح بشار الأسد "رئيساً" قائماً، ويظل ورقة بيد الروس الذين يعملون على أن تكون الحكومة الانتقالية منفذاً لسياساتهم، ومقرّرة لكل الاتفاقات التي وُقِّعت مع النظام الحالي.
في حال تحقق لهم أن يصوغوا "النظام الجديد" وفق مصالحهم، سيلقون بشار الأسد خارجاً، أو سيعاد "رئيساً شرعياً" في حال خرج الأمر من يدهم، واختطت الحكومة الانتقالية سياسة أخرى، بدعم من أميركا، أو من دول إقليمية. لهذا، ستبقى تلعب بورقة "الشرعية"، على الرغم من أن الثورة أسقطت شرعية الرئيس.
في هذا المجال، يمكن الحديث عن فوبيا الخوف لدى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يتصرّف وكأن مؤامرة دولية تحاك ضده. لهذا يميل إلى القوة لفرض سياسة روسيا. ولم يقتنع بعد أن أميركا سلمته سورية منذ ما يقارب الثلاث سنوات، لكي تُخرج إيران منها، وضمن تقاسم العالم الذي بدأ من جديد. هذه الفوبيا هي التي تجعله يتمسك، أولاً، بخيار بقاء بشار الأسد، ثم، في حال فرض تحقيق حل سياسي، أن تبقى كل الأوراق بيده، هذه هي قيمة وجوده العسكري في سورية الذي مثّل حالة احتلال، كما فعلت أميركا في أفغانستان والعراق.
وهذا تعبير شديد الوضوح عن سياسة إمبريالية، تمارسها روسيا، حيث باتت تفرض بالقوة مصالحها، وأخذت تقيم قواعد عسكرية. ولسوف تسعى إلى التوسع في ذلك، كأي إمبريالية، تريد السيطرة والنهب، لكي تراكم الثروة.
في كل الأحوال، لم يعد ممكناً استمرار السيطرة الإمبريالية بمجملها، حيث فتحت الأزمة المالية على انهيارات مستمرة، وضعف متزايد لكل الإمبرياليات.
بالتالي، لا إمكانية لسيطرة روسيا على سورية، فقد أتت في وقت متأخر جداً في عالمٍ ينزع إلى تجاوز الرأسمالية. وإذا كانت السياسة الروسية هذه سوف توقعها في "مستنقع أفغاني" آخر، في ظل تصارع قوى دولية، للسيطرة على سورية، كذلك فإن الثورة سوف تستمر، وليس من الممكن أن يستطيع الروس فرض استمرار بشار الأسد، على الرغم من كل تدخلهم العسكري. ولن ينجح تكتيكهم في اللعب بالحل السياسي، وهم يطوّرون دورهم العسكري ضد الثورة، فقد انتهى بشار الأسد

اقرأ المزيد
٢٤ نوفمبر ٢٠١٥
حملة عنصرية ضد اللاجئين السوريين

يتعرّض الشعب السوري لظلم مضاعف، محلي ودولي، فموجة اللاجئين السوريين جاءت نتيجة الحرب العبثية في الداخل، المسؤول الأول عن هذه الحالة المفجعة، والمرشحة لأن تصبح كارثة إنسانية ووطنية. وقد كبرت بحكم استمرار الأزمة، واستعصاء حلها، بحكم تداخل عواملها المحلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي أدى إلى استفحال نزيف النزوح والهجرة الذي تفجر في أوروبا.
ثم جاء مسلسل العمليات الإرهابية الذي بدأ في بيروت، ثم في شرم الشيخ، وقبل أكثر من أسبوع في باريس، وأخيراً في مالي. بذلك، دخلت الهجمات الإرهابية طور المباغتة التي أربكت الدول المعنية، بل المجتمع الدولي بكامله. وكان من نتائج هذه الهجمة، وما آلت إليه من أجواء متوترة، أن بدأ يتراجع الترحيب باللاجئين الذي كان قد بدأ في ألمانيا خصوصاً، وأوروبا عموماً، ليحل مكانه تيار مضاد، يحمل مسحة عنصرية، ويرفض الانفتاح على هذه المشكلة.
ففي أميركا مثلاً، بدت هذه النزعة بأبشع صورها في خطاب عدائي، ليس فقط ضد اللاجئين السوريين، بل أيضاً معاد للمسلمين والعرب. المرشح الجمهوري دونالد ترامب دعا إلى إقفال المساجد في أميركا، أو وضعها تحت المراقبة؛ كما دعا إلى وجوب تزويد المسلمين ببطاقات خاصة لتمييزهم، وبما يشير إلى أنهم "متهمون" حتى تثبت براءتهم. أما المرشح الجمهوري، بان كارسون، فقد تحدث عن اللاجئين بلغةٍ فاقعة بعنصريتها، عندما قارنهم "بالكلاب المسعورة". وما هو مقلق بشدة أن هذين المرشحين لا يزالان يتربعان على رأس قائمة المرشحين الجمهوريين، فيما يزداد تهميش المرشحين المحسوبين على الخط التقليدي المحافظ، أمثال المرشح جيب بوش، وحاكم ولاية أوهايو جون كاسيك، ما يشير إلى أن قواعد الحزب الجمهوري تتجه نحو اختيار مرشح متطرف.
ولم يقتصر هذا الخطاب على المرشحين الجمهوريين، بل شمل الغالبية الجمهورية في الكونغرس، فقبل أيام، صوت مجلس النواب بأكثرية واسعة على مشروع قانونٍ، يضع من القيود ما يكفي، لمنع دخول اللاجئين السوريين بالطريقة المعتمدة لدخول اللاجئين، مع أن الرئيس باراك أوباما هدد باستخدام النقض "الفيتو" لو تحول هذا المشروع إلى قانون، وقد هاجم الجمهوريين بقوة، من باب أن مثل هذا الإجراء لا يتفق والقيم الأميركية في الانفتاح، واستقبال اللاجئين، فبمقدار ما صار هناك من جنون في الحالة السياسية الأميركية، صارت عقلانيته اقتحامية، وبما ينسجم مع الحقوق المدنية والقيم الإنسانية التي ميزت تفهم الشعب الأميركي وممارسته المدنية.
في هذا الخصوص، يلتقي الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، اليوم الثلاثاء، مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، للتشاور ووضع خطة تجعل من قرار مجلس الأمن الذي اتخذ، في أواخر الأسبوع، قابلاً للتنفيذ، وبما يحول دون استفحال خطر العنف العبثي، وإيجاد الوسائل الناجعة للتصدي له.
في كل حال، يبقى على مجلس الأمن، والدول الخمس الكبرى خصوصاً، اتخاذ قرارات رادعة ضد منطق وموجة العنف وتفعيلها من خلال الآليات والصلاحيات التي ينص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما أن من المطلوب معالجة جذور الانحرافات التي تتكاثر، لأسباب ودواع متنوعة ومعقدة، منها ما يأتي بتأثير البيئة، وما عانته من كبت وإحباط وفقدان البوصلة المستنيرة التي تضمن صوابية المعالجة، وقطع الطريق على الشطط الذي بلغ درجة غير معقولة، ولا بالطبع مقبولة، بل إنها باتت ترسخ اليأس، وما يولده من ممارسات كثيراً ما تكون مدمرة.
أما الآن، وقد واجهنا فقدان المسؤوليات الإنسانية والقومية، فقد بات لزاماً، وقبل فوات الأوان، الإسراع في استعادة الفاعلية لوحدة المصير العربي، ليبقى هناك ما نؤسس عليه، بعد الخروج من هذه المحنة المتوالية فصولها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
رسائل "الشرع" من قمة كونكورديا: خطاب يفتح أبواب سوريا على العالم
أحمد نور الرسلان
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني