دأب تنظيم الدولة الإسلاميّة على اقتحام المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وانتزاعها من فصائل المعارضة، واتباعها بدولته المزعومة، بعد تصفية جميع خصومه، بما فيهم الأقرب إليه فكرياً، وإجبارهم على بيعته أو الانسحاب منها، بعد ترك أسلحتهم وعتادهم الثقيل. ما جرى أخيراً في مخيم اليرموك كان مخالفا للتوقعات، فبعد سيطرته على المخيم، وتصفية خصومه هناك، انسحب تنظيم الدولة عائداً إلى مربعه الأمني في حي الحجر الأسود، وسلّم الحواجز والمقرات لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام، وهما فصيلان عدوان له، يصنّفهما مرتدين، ويقاتلهما ويفجر مقراتهما في مناطق مختلفة من سورية. الأمر الذي أثار زوبعة من التفسيرات والتحليلات عن مغزى الخطوة وأهدافها، ولا سيما أنها خلطت الأوراق، وتصنيفات الأعداء والأصدقاء، وأفرزت تحالفات جديدة غير مألوفة.
بداية، لا تشكل السيطرة على مخيم اليرموك قيمة مضافة لأي فصيل مسلح، بما فيه تنظيم الدولة، بل تمثل عبئاً ثقيلاً في ظل الحصار المطبق، والأوضاع المزرية التي يعيشها سكان المخيم، السوريون والفلسطينيون. كما أنه، وفي ظل الموازين العسكريّة القائمة، يصعب على أي طرف خرق الستاتيكو العسكري القائم، واتخاذ المخيم قاعدة للانطلاق باتجاه وسط دمشق. عدا عن ذلك، فإن دعاية بعض "شبيحة" الثورة عن أن دخول التنظيم المخيم جاء لقطع الطريق على مصالحة وشيكة تنسجها الفصائل مع النظام، على غرار ما جرى في بعض أحياء جنوب دمشق، واهية. فالمتابع للمصالحات وسيرورتها، يجد أن تنظيم الدولة كان من أبرز عرابيها، ففي يلدا المحاذية للمخيم، رعى أبو صياح فرامة، أمير التنظيم في جنوب دمشق، المصالحة مع النظام، وحافظ على التهدئة، على الرغم من الإخلال ببنودها، واعتقاله عشرات العائلات الخارجة من البلدة.
ولد تنظيم الدولة في الغوطتين وجنوب دمشق غريباً، وبقي غريباً ومعزولاً، وفشل على الرغم من نهج الترغيب والترهيب في جذب الأنصار، أو تجنيد المقاتلين، لأسباب عدة لا يمكن الإحاطة بها في مقال واحد، ولعلّ أبرزها وجود خصوم أقوياء، كجيش الإسلام المتحدّر من السلفية العلمية، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وأنماط التديُّن السائدة في المنطقة التي مثّلت عقبة أمام مسعى التنظيم استمالة شرائح اجتماعية لاحتضان مقاتليه وتبني أفكاره. وبناءً عليه، لم يكن استئصال التنظيم في الغوطتين صعباً، وكذلك الحال في جنوب دمشق، على الرغم من أن التنظيم حقق اختراقات مهمة في هذه المنطقة، واستغل التناقضات بين عشائر الجولان (البحاترة والهوادجة)، للانتشار والتوسّع. لكن تكاتف جيش الإسلام وأجناد الشام مع باقي فصائل الجيش الحر في جنوب دمشق، ساهم في طرد التنظيم من يلدا وببيلا وبيت سحم ومخيم اليرموك والتضامن. ولم يبق للتنظيم بعد توقيعه (12 سبتمبر/ أيلول 2014) هدنة مع الفصائل السابقة، سوى مربع أمني محاصر في الحجر الأسود، ويوجد فيه نحو 300 عنصر.
اقتحم تنظيم الدولة مخيم اليرموك من الحجر الأسود، بتسهيل ودعم من جبهة النصرة التي منعت، بدورها، الفصائل الأخرى من مساندة أكناف بيت المقدس للتصدي له، وهو ما يقود إلى التساؤل الأهم عن مغزى سلوك النصرة التي عانت، قبل غيرها، من اعتداءات تنظيم الدولة في الشمال والشمال الشرقيّ. ويقودنا تقديم إجابة وافية ومنطقية عن التساؤل السابق إلى توسيع الرؤية خارج المخيم، والذي تحوّل إلى ساحة للتنافس والصراع على النفوذ بين القوى المسلحة في محيط دمشق.
"تنبّه جيش الإسلام، مع فصائل أخرى، لإمكانية تكرار سيناريو المخيم في أماكن أخرى، فبدأ حملة واسعة استهدفت خلايا التنظيم في أحياء في دمشق"
في 26 يونيو/ حزيران 2014، أعلن في الغوطة الشرقية عن تأسيس القضاء الموحّد، وضم معظم التشكيلات العسكريّة، بما فيها جبهة النصرة وأحرار الشام، بهدف القضاء على تنظيم الدولة، وإدارة المناطق المحررة وفض النزاعات. لكن القضاء الموحد تحوّل، بعد طرد تنظيم الدولة من الغوطتين، وإضعافه في جنوب دمشق، إلى هيئة حاكمة، تسعى الفصائل، كل على حدة، للاستئثار والتحكّم فيه. وقد نجح زهران علوش، قائد جيش الإسلام، المعروف بنزوعه للقيادة والسلطة، في الهيمنة على القضاء الموحد، وتوجيه مخرجاته بما يعزز من نفوذه وحليفه (الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام)، على حساب فصائل أخرى، كجبهة النصرة، وأحرار الشام تطمح لترسيخ وجودها ونفوذها في منطقة استراتيجية. وبرزت أحداث طارئة، كالمواجهة في بيت سحم بين جبهة النصرة ولواء الأبابيل وشام الرسول، وبين أحرار الشام وفيلق الرحمن، لتعمّق التوتر القائم، وتنذر بمواجهة مسلحة، لا سيما بعد انسحاب النصرة من القضاء الموحد، ورفض الأحرار قراره باعتقال قائدها العسكري، ومساندة زهران علوش الفصائل المناوئة لكل من النصرة والأحرار.
ومع ميل الأحرار إلى تسوية النزاع القائم بطرق سلمية، فإن النصرة اختارت، في ما يبدو، طرقاً أخرى لتحجيم نفوذ جيش الإسلام (العدو اللدود لتنظيم الدولة)، في محيط دمشق، فسهّلت، أو نسّقت، اقتحام التنظيم مخيم اليرموك، والذي يعد خاصرة رخوة لأحياء جنوب دمشق وبلداته، بهدف إيجاد مواجهة مسلحة بين التنظيم والفصائل، تضعف الطرفين، وتستنزف قدراتهم على المدى المتوسط، بينما تقف هي على الحياد، لقطف ثمار التسويات بينهما، وتوسيع نفوذها لتصبح قوة عسكرية قادرة على فرض إرادتها وتوجهاتها. وقد تنبّه جيش الإسلام، مع فصائل أخرى، لإمكانية تكرار سيناريو المخيم في أماكن أخرى، فبدأ حملة واسعة استهدفت خلايا التنظيم في أحياء في دمشق.
في المحصّلة، وقع مخيم اليرموك المنكوب ضحية استهتار الفصائل السورية، ولامسؤوليتها، واندفاعها إلى السلطة، والتفرّد بالحكم في مناطق حوّلتها براميل النظام إلى أنقاض، وشردت سكانها، وحرمت من تبقى منهم من أدنى مقومات الحياة. وبناءً عليه، تقع المسؤولية الأخلاقية على عاتق الفصائل المسلحة، كونها تجاهلت معاناة الأهالي، وركزت على التنافس على كعكة فاسدة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
لم تنجح ثورة التغيير، حتى الآن، في إنشاء كيان سياسيّ منظّم يمتلك هوية خاصّة، ويقوم على أساس الفرز المحكم للتوجهات الفكرية التي تكوّن سوريّا. فلم تتمكن التنظيمات السياسية الناتجة بعد الحراك الشعبي، عند الشروع في صناعة ذاتها أو إنشاء علاقات سياسية مع تنظيمات أخرى، أن تفرز الفئات الفكرية التي يتكون منها الواقع السياسي، لتضعها في الخانة المناسبة لها، فوضعت العدو في خانة الصديق، ووضعت الصديق في خانة العدو، ووضعت الحليف في خانة فريقها الذي يتكون منه التنظيم السياسي التابع لها.
تجاوز هذه التنظيمات السياسية مرحلة الفرز الفكري في تنظيم ذاتها لتقفز مباشرة إلى إنشاء علاقات مع التنظيمات السياسية الأخرى، من دون الأخذ أيضا في عين الاعتبار ضرورة فرز التنظيمات التي تتعامل معها بشكل دقيق وخالٍ من المحاباة، جعلها عرضة للتلاشي والذوبان في الكيانات الأخرى.
مشكلة هذا المنهج الحالي لهذه التكتلات السياسية الخالية من التنظيم القائم على أساس فكريّ معيّن، أنّها تذوب كالسكر الأبيض في فناجين قهوة أي تنظيم آخر، ليس لقوته، ولكن لعدم وجود أطر سياسية متناغمة تقود هذه التنظيمات السياسية. ما يعني أنّ العلاقات السياسية التي شرعت التنظيمات لخلقها مع الآخرين لا معنى لها، ولا تعدو كونها مجرد أضغاث أحلام سياسية، وذلك لافتقارها وجود» الأنا الفكري» الخاص بها، لأنّه عندما يريد تنظيم ما مخاطبة تنظيمات سياسية أخرى، لا بدّ لهذا التنظيم كي ينجح، أن يمتلك» الأنا السياسية» الخاصّة به؛ لأنّ مخاطبة أي تنظيم سياسي لا يكون إلّا من خلال تنظيم مقابل، له كيانه الخاص. وضرب الواقع السياسي، الائتلاف الوطني السوري لنا مثلاً، فأحد لا يخفى عليه اليوم، أنّ الهيكلية الميكانيكية لهذا التنظيم السياسي، هي التي تحمل المسؤوليّة الأكبر في فشل قيادة الائتلاف الوطني لمرحلة الثورة، فرغم امتلاك هذا الكيان السياسي للعديد من الشخصيات المخلصة والوطنية التي تسعى لإنقاذ سوريا، إلّا أنّه لم يستطع القيام بمهمته التي يريد، لأنّ المشكلة ليست في الشخصيات التي تكوّن هذا التنظيم السياسي، بل بوجود تكتلات غير متناغمة، بل ومتنافرة يقوم أساس الائتلاف الوطني عليها في تكوينه، أي أن عدم قيام هذا التنظيم السياسي بفرز نفسه بشكل دقيق أثناء تشكيله منذ البداية، جعله غير قادر على أن يتعامل بقوة وفاعلية مع التنظيمات السياسية الأخرى، دولية كانت أو إقليمية أو حتى المحلية منها. وبذلك تحوّل الائتلاف الوطني من خلال صورته التي فطره الغرب عليها وصنعه على عينه، بحجة الدعم السياسي، إلى كيان وظيفيّ يخدم المصالح الميكافيلية – الشخصية – للآخرين من حيث لا يدري البنية الاستقطابية التي فطرت عليها هيكلية الائتلاف الوطني، خدمت من حيث لا تدري مصالح الآخر أكثر من مصالح الثورة، أو حتى مصالح الائتلاف الذاتية، بل جعلت من هذا التنظيم «هولوكوست سياسي» يهدد أفضل الشخصيات الوطنية والسياسية والفكرية من السوريين بالإحراق، ففشل الائتلاف ليس بسبب أشخاصه، بل لأن الاستقطابية السياسية التي يقوم كيانه عليها، جديرة بإفشال أكبر السياسيين في العالم، فحتى لو جاء زعيم السياسة معاوية بن أبي سفيان ووضع مكان الرئيس الحالي، ستكون النتيجة السياسية هي ذاتها، لأنّ المشكلة ليست بأشخاص، ولكن بالأساس الذي يقوم هذا التنظيم عليه.
لم تع التنظيمات السياسية التي تتكلم باسم الشعب السوري حتى الآن، أنّ المرحلة الثورية لا يمكن أن يقودها الجميع، ولا بد لفريق متناغم من قيادتها، والقول بأن الجميع يجب أن يقودوا المرحلة، هو كلام إنشائي لا يقترب من الواقعية، بل هو دفع بالحراك الشعبي نحو الفشل والتشتت واللا قيادة. لذا لا يمكن للائتلاف الوطني اليوم، أن يقود المرحلة، إلا إذا غير تركيبته الائتلافية وجعل من ذاته تكتلاً سياسيّاً يحتوي على أشخاص توافقيين يؤمنون بالتوجه والأهداف ذاتهما، لأنّ التشكيل غير المتناغم داخل الائتلاف حوله لأداة معطِّلة ومُعطَلة، إضافة إلى ذلك عليه كي ينجح في مهامه التي يريد وليس التي تريد – الدول العرابة وذات المصالح الميكافيلية – أن يتقن عملية الفرز في التعامل مع التنظيمات السياسية الأخرى، والقدرة على تصنيفها باحترافية وحيادية مطلقة في الخانات الثلاث (الصديق، العدو، الحليف)، ولا يعني فرز الذات السياسية وتحديد هوية التنظيم ومن ثم السعي لجعلة قائد المرحلة الثورية بالضرورة إلغاء الآخر، لأنّ قيادة المرحلة الثورية هي قيادة مؤقتة، وستكون صناديق الاقتراع القائمة بعد إنهاء الثورة، هي الفيصل الوحيد في اختيار من يحكم وكيف يحكم
إنّ التنظيمات السياسية الوحيدة التي أتقنت لعبة الفرز وتحقيق «الأنا السياسية» في مرحلة الثورة السورية، اقتصرت للأسف على التنظيمات المتطرفة، المتمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الـ»pyd» وتنظيم «داعش» ونظام الأسد والنظام الإيراني وحزب الله في لبنان، حيث استطاعت هذه الأنظمة عن طريق فرز ذاتها السياسية وتصنيف الآخرين بشكل صحيح بالنسبة لما تسعى له من أهداف، أن تتجنب عملية الاستنزاف الذاتي التي عانى الائتلاف منها طيلة الفترة الماضية، نتيجة احتوائه على كافة التكتلات المتناقضة وغير المتناغمة، خاصة بعد التوسعة السياسية الأخيرة التي تعرّض لها وأعاقت حركته كفريق سياسي موحد قادر على اتخاذ القرارات وقيادة مرحلة الثورة، فعلى سبيل المثال، جعل الائتلاف الوطني بعض الحركات الكردية السياسية جزءاً من فريقه السياسي، في حين اتخذته تلك الحركات – التي نجحت في فرز ذاتها – كحليف ومركوب سياسيّ تحقق من خلاله أجنداتها السياسية الخاصة بها.
في النهاية، إنّ الحديث اليوم عن مؤتمر وطني شامل لقيادة الحراك الشعبي السوري هو مضيعة للوقت، وضرب من الخيال لا يمكن تحقيقه، فلا مكان لأدوات الفرز والتصنيف الفكري والسياسي في مثل هذه المشاريع السياسية على الإطلاق. فالحل لن يكون إلّا بتنظيم سياسي بعيد عن فكرة «الائتلافية»، وقائم على مبادئ وأهداف متفق عليها من قبل أعضاء التنظيم المراد صناعته، وليس ببعيد أن يكون هذا التنظيم السياسي هو الائتلاف الوطني، بشرط تغيير منهجه وبنيته السياسية، وإلا ستقود المرحلة المقبلة تكتلات سياسية وعسكرية منظمة لا تمثل ثورة الشعب السوري لا من قريب ولا من بعيد.
القمة الأميركية - الخليجية منتصف الشهر المقبل يفترض أن تكون الوجه الآخر للمفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووي. هي اعتراف من واشنطن بأن «تفاهم لوزان» لن يكون وحده الأساس لبناء نظام في الشرق الأوسط يقتصر رسمه على الدول الست الكبرى والجمهورية الإسلامية. «عاصفة الحزم» فرضت على جميع اللاعبين أن يأخذوا القرار العربي في الاعتبار. وهذا ما توقف عنده الرئيس باراك أوباما داعماً ومباركاً، وداعياً أيضاً إلى تحرك عربي حيال سورية. ولم يفته بالطبع حضور أهل العاصفة في التحالف الدولي الذي يخوض الحرب على «الدولة الإسلامية». استعاضت المملكة العربية السعودية عن الوهن العربي بالتوجه نحو باكستان وتركيا، أكبر قوتين سنيتين في المنطقة، لتعديل أو ترجيح كفة ميزان القوى مع إيران التي لم تكف طوال سنوات عن طرح نفسها قوة إقليمية كبرى. بل كان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ينذر خصومه بقيام «أمم متحدة» جديدة مع حلفاء بلاده. وسعى على الأقل عبر تمجيده «حلف الممانعة» إلى ترسيخ حلمه بقيادة العالم الإسلامي. لم تنتبه القيادة الإيرانية إلى أن حضورها في الوسط الإسلامي السني الواسع يمر حكماً عبر البوابة السعودية.
القمة المقبلة في كمب ديفيد ستطرح على بساط البحث سبل تفكيك خريطة الهيمنة الإيرانية وانتشارها في العالم العربي. تماماً كما تتقدم المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى نحو تفكيك البرنامج النووي لطهران، وإن لمرحلة ستمتد لنيف وعشر سنوات. راهنت إدارة الرئيس أوباما على أن التوصل إلى اتفاق في هذا المجال سيترك انعكاسات وتداعيات على الوضع الداخلي الإيراني. وربما أدى إلى تغييرات جذرية تدفع «أهل الثورة الإسلامية» إلى التخلي عن طموحاتهم في السيطرة. والسعي إلى استعادة دور بلادهم كدولة في المنظومة الإقليمية والدولية. لكن هناك من يشكك في مثل هذه التغييرات. ويعتقد أن ثمة مبالغة في التفاؤل بإمكان تحولات جذرية في هذا الميدان. والدلالات والمؤشرات إلى ذلك كثيرة. لم ترضخ إيران للتحدي الذي طرحته «الدولة الإسلامية» بوجه حضورها في كل من العراق وسورية. تجربة «التعاون غير المباشر» بينها وبين التحالف الدولي - العربي في مواجهة «داعش» في تكريت وغيرها، لم تشكل منعطفاً أو تؤسس لنموذج تفاهمات مقبلة في أكثر من أزمة إقليمية. لم توح بأن القيادة في طهران مستعدة، على وقع التقدم في المفاوضات النووية، أن تبدل في سياساتها. بخلاف ذلك أوحى الانخراط الإيراني الميداني في معركة تكريت أن «الحرس الثوري» يجهد لإكمال ما توقفت عنده حملة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. أي اختراق المحافظات السنية. وهو ما عده أهل هذه المناطق سعياً إلى تغيير الخريطة الديموغرافية للبلاد. ولذلك تعالت أصوات ترفض مشاركة قوات «الحشد الشعبي» في حرب الأنبار.
أخطأت إيران في رفع مستوى المواجهة مع دول الخليج العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية. لم توقف تقدمها في الشرق الأوسط. استغلت فشل الحروب الأميركية الاستباقية، وتعقيدات الحرب على الإرهاب. وتعثر التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم جدوى الضغوط على بنيامين نتانياهو. توسلت القضية الفلسطينية والتوكؤ على المكونات الشيعية في المنطقة من أجل شرعنة حضورها في العواصم الأربع وغيرها من المناطق. فكلما اتسعت هيمنتها عبر «جيوش الميليشيات» التي أنشأتها من لبنان إلى سورية العراق واليمن وعبر خلايا في مناطق خليجية، باتت أقدر على تعويض ما ستقدم من تنازلات في البرنامج النووي. وكان من نتائج مواصلة هذا النهج أن الحرب الباردة تحولت إلى مواجهة مباشرة بلا أقنعة في اليمن. وأبعد من ذلك توسع إطار الصراع مع طهران ليشمل إسلام آباد وأنقرة، بعد مصر والأردن والمغرب وحتى السودان. لم تعتبر الجمهورية الإسلامية من التاريخ القريب: عندما شعرت السعودية بأن غزو صدام حسين الكويت بات يشكل تهديداً لأمنها وسيادتها وحرية قرارها، لم تتوان في طلب الأمن من أصدقائها الأميركيين والأوروبيين الذين انضووا في أكبر تجمع عسكري دولي منذ الحرب الكونية. لم تسمح لصدام بأن يلعب في الوقت الضائع لفرض نفسه نداً أو محاوراً أساسياً وحيداً لأميركا والغرب عموماً في المنطقة. وهي اليوم لم تحشد قوى عشر دول زادت أو نقصت لمواجهة الهيمنة الإيرانية في اليمن، بل حازت تأييداً دولياً واسعاً يشبه ما قام عشية تحرير الكويت، وإن اختلف السيناريو. القرار 2216 منح تحالف «عاصفة الحزم» غطاء شرعياً واسعاً من أعلى سلطة أممية. والمناورات المصرية – السعودية الموعودة تبعث برسالة واضحة إلى طهران تترجم خطاب القاهرة أن أمن دول الخليج جزء من الأمن القومي المصري. ومثلها رسالة باكستان التي أكدت استعدادها لبدء تطبيق بنود القرار الدولي الأخير في مجال المراقبة الجوية والبحرية لمنع شحنات السلاح إلى الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
بعد هذه «العاصفة» لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء. لن يكون بمقدور إيران أن تقايض الاتفاق النووي بالسكوت الدولي عن تمددها في العالم العربي. ربطت على نحو مباشر بين الملفين. وأطلقت العنان لطموحاتها مستغلة التركيز الدولي على البرنامج النووي، ومستغلة أيضاً ضعف العرب وانشغالهم بلملمة شتات ما بقي من مؤسسات في هذا البلد وذاك. ولكن بعد قيام التحالف الجديد في شبه الجزيرة العربية بات عليها أن تعيد النظر في سياستها كاملة من أجل إطفاء نار الحرب المذهبية التي تتوسع في الشرق الكبير، والابتعاد عن حافة الهاوية والمجازفة في مواقف غير محسوبة النتائج. وبدل سياسة الصوت العالي والخطابات النارية، ربما عليها العمل مع تركيا، أو مع سلطنة عمان وباكستان من أجل إطلاق حوار تتخلى فيه عن لغة الإملاء والطموحات المثيرة للمخاوف. وستجد نفسها قريباً مضطرة إلى البحث عن مخرج يفتح لها باب التعامل بإيجابية مع شركائها في المقلب الثاني من الخليج تمهيداً لقيام نظام أمني يحفظ مصالح الجميع. إنها تدرك بالطبع أن الولايات المتحدة لن تسمح لأي قوة إقليمية أو دولية بتهديد مصالحها الاستراتيجية في الإقليم، أو امتلاك القدرة على التحكم بمنابع النفط وطرق إمداده، مهما قيل عن انسحابها من الشرق الأوسط من أجل التركيز على احتواء النفوذ الصيني في المحيط الهادي. ولا ننسى أن سياسة الرئيس أوباما بالابتعاد عن أي مواجهة ميدانية جديدة أحلّ مكانها الدفع بالشركاء الإقليميين إلى تولي هذه المهمة بدعم أميركي واضح. وهذا ما يحصل حيال «عاصفة الحزم». إضافة إلى «الدرع» الصاروخية والقواعد الأميركية... والأوروبية المنشورة في المنطقة.
الأهم من كل ذلك أن الحلف الجديد الذي أطلقته «عاصفة الحزم» بدأ يجني ثماره ليس في اليمن فحسب، بل في ساحات أخرى. ففي العراق لم يألف العالم سماع رئيس الوزراء في بغداد حيدر العبادي ينتقد التركيز على دور «الحرس الثوري» وقاسم سليماني، لأن ذلك في رأيه تقليل من دور القوات العراقية. ومع تكرار شكره لإيران ومساعدتها في مواجهة الإرهاب، إلا أنه طلب منها احترام سيادة العراق. ولا شك في أن إصراره في واشنطن على استعجال تسليح القوات النظامية يشي بمخاوف من اشتداد قبضة «الحشد الشعبي» الذي قد يتحول مع الوقت إلى جيش رديف أقوى وأخطر من المؤسسة العسكرية الرسمية. بالطبع لن يتحول العبادي معادياً لطهران، لكنه يتظلل بمواقف المرجع الأعلى في النجف السيد علي السيستاني الذي يفترق عن الجمهورية الإسلامية في كثير من المواقف. كما أن إصرار أهل المحافظات السنية على رفض إشراك «الحشد الشعبي» في حرب الأنبار، على رغم غلبة كفة «داعش»، دليل آخر على المعارضة التي يلقاها التدخل الإيراني.
وإذا كانت إيران مطمئنة إلى حدود ما قد يطرأ على هيمنتها في العراق، فإن ما يحصل في سورية سيؤدي تطوره إلى تعريض حضورها. فليس مفاجئاً أن تحقق فصائل المعارضة إنجازات كبيرة في الجنوب، من بصرى الشام إلى معبر نصيب إلى منطقة السويداء. وفي الشمال من إدلب وريفها إلى حدود ريف حلب، وفي محيط العاصمة دمشق. مثل هذه الإنجازات لم يكن ليتحقق لولا دعم قوى إقليمية هي جزء من تحالف «العاصفة». فهل الهدف إعداد الساحة لتسوية؟ يمكن التكهن بأن عناصر التسوية السياسية في اليمن يمكن سحبها على التسوية في سورية. بمعنى أن ما سيحصل عليه الحوثيون في صنعاء يحصل على مرادفه علويو سورية. خلاصة القول إن إيران ليست تلك القوة التي لا تقهر. بدأت تدرك أن لقوتها وشهوة الاستئثار حدوداً لا يمكن تجاوزها. لذلك كان لا بد من قرار عربي - إسلامي واسع يواكب المفاوضات الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني بحملات ميدانية لوقف الهيمنة وتقليصها.
يحتدم الجدل في الشارع السوري حول "النصرة و القاعدة" ، هل هذا الارتباط اساسي و مهم أو أنه ثانوي و مضاره أكثر من منافعه ، و هل هناك فائدة من حل الارتباط ام الأهمية تكمن في استمراره .
أحاديث كثيرة و طويلة ، حجج و أدلة ، استعراض تاريخي و استشراق مستقبلي ، صدامات في المناهج ، و خلافات في الأفكار ، كل طرف يسوّق لما يراه صحيحاً بأدلة و براهين ترى فيها الحقيقة .
فداعمي استمرار الإرتباط العضوي و التنظيمي و الهيكلي ، يجدون أنها أفضل وسيلة لضمان استمرار آلية صوابية الإدارة و عدم الإنجرار وراء مخططات يدعمها الغرب الساعي لمصالحه الجيوسياسية و لنقل "الدينية" الهادفة طبعاً لإبقاء السنة بعيدين كل البعد عن مراكز القرار .
كما و يرى داعمو الحفاظ على الرباط أن الإنفكاك منه لن يعود على الثوار بشيء ، فالنصرة لم تؤثر على الدعم لأنه بالأساس كان دعماً مقطراً و هادفاً لرؤية الداعم ، و الإنفصال سيجعل النصرة مثلها مثل كل الفصائل السورية معرضة لضغط النقص و التسيس.
قائمة المبررات تطول و تطول معها الأدلة و القراءات للتفسيرات الدينية و الشرعية ، في حين يرى الطرف المقابل الداعي لإنفصال جبهة النصرة عن القاعدة و دخولها مع الفصائل السورية في المعركة ضد نظام الأسد أو كما يقال ضد الاحتلال الإيراني لأرض الشام الذي تشكل سوريا عين هذه الأرض المباركة.
و يستعرض مؤيدي الإنفصال أن الغاية من دخول النصرة إلى سوريا هي نصرة لأهل الشام و للدفاع عنهم ، و ليس لحكمهم أو وضعهم تحت سلطة جديدة لا يعترفون بها ، و يمضي داعمو الإنفصال أن العمل العسكري يتطلب الحنكة السياسية و القدرة على قراءة الواقع و استشراق المستقبل و العمل بما يناسب ذلك ، و أن متطلبات الواقع الحالي و بعد ما شكله تنظيم الدولة "داعش" من انتكاسه في العمل الجهادي القاعدي ، فإن الأمر يتطلب الإبتعاد عن القاعدة و عن التبعية لها ، بغية تلافي السمعة و الصيت الذي لحق بالقاعدة من جهة ، و لتأكيد ان النصرة بات جزء من الثورة تحمل ذات الهموم و تهدف لرفع الظلم ، دون أن يكون هناك هذف سياسي أو مستقبلي .
كنا قد أشرنا غير مرة و قبل أشهر إلى أن "النصرة قد تخلع ثوب القاعدة" وقتها اتهمني الجميع بالجنون و الخروج عن الملة و الهوس ، في حين كان الأمر مناقش بشكل جدي و على أعلى المستويات و القرار كان يتجه بهدوء صوب "خلع الثوب" ، و أكده الجولاني أكثر من مرة خلال لقاءاته الأخيرة مع أعضاء النصرة في عدة مناطق في اطار سلسلة التشاور التي قادها للوصول إلى قرار مناسب و مقبول من الجميع خشيةً من ردة فعل قد تجعل النصرة تخسر عناصر و قيادات لصالح "داعش".
إلى الآن لا قرار و لا بوادر بأي اتجاه بشكل حاسم و كل ما يدور عبارة عن فقاعات هوائية داخل بركة عميقة تشهد في باطنها حراكاً ، سيخرج للملئ خلال أيام قليلة فإما أن يكون بركان يلتهم طرف دون الآخر أو زلزال يأتي على كل شيء ، فالبحث حالياً عن " عن ثنائية بين النصرة و القاعدة و الثورة " .
غالباً ما كان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يتمتع بحجّة قوية تزيده قوة لدى الرأي العام المحلي والعربي، لكنه بدأ يفقد تلك الحجّة في الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ العام 2008 عندما غطّى "انقلاباً" في بيروت، فأُنزلت صوره من شرفات العالم العربي، وزادت حدة المشهد في العام 2011 مع قراره المنفرد من دون الجيش والشعب اللبنانيين باقتحام الصراع السوري مشكّلاً "قوات ردع" للشعب السوري في رفضه النظام القائم، فأقحم معه لبنان، وأسقط ثلاثيته الشهيرة "الجيش والشعب والمقاومة".
أما قمة عدم الإقناع، فجاءت من البوابة اليمنية، ذلك أن إقحام الحزب نفسه في اليمن غير مبرّر لبنانيّاً على الإطلاق. فليس من خطر حدودي كما تدعي الحجة للتدخل في سوريا، وليس من حماية للمقدسات الشيعية كما كان التبرير السوري أولا، وليس من مصالح مشتركة مع اليمن غير السعيد، بل على النقيض من ذلك، فإن مصالح لبنان التي باتت معرّضة للخطر، تقوم مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ولو كان غير ذلك لكنّا شاهدنا آلافاً من شباب لبنان يسافرون باستمرار الى ايران للعمل، أو يبادرون الى فتح مصالح هناك. لكن الواقع مختلف تماماً، فلا مصالح لبنانية حقيقية مع اليمن أو مع ايران.
أما حجّة الشعب المظلوم، فتسقط من تلقائها، لأن الحزب ليس وكالة أممية لحقوق الانسان، ولم تكلفه دولة أو جهة للدفاع عن حقوق الشعوب المقهورة، وهذه لها مثيلات على امتداد العالم العربي، وفي كل العالم. وثمة مظلومون أيضاً في لبنان، وبعضهم يلحقه ظلم من سياسات "حزب الله" نفسه، إذ يعطّل الحزب انتخاب رئاسة الجمهورية وتعيينات كثيرة وغيرها من الامور التي تطول لائحتها.
أما الحق، فلم يكن مرادفاً لإيران على حساب الدول الأخرى الحليفة والصديقة، وعبثاً يحاول البعض إقناع اللبنانيين بصوابية خيار الحزب الى جانب الحوثيين، فإن الجواب الأكثر شيوعاً اننا غير معنيين بالامر، إلا من باب دعم خيارات الدول التي تساعد لبنان وتقف الى جانبه، وعدم دعم تعريضها للخطر، كما يحصل حالياً من إيران وعبر أكثر من بوابة أبرزها البوابة اليمنية.
وأخيراً، إذا قيّض لنا أن نقف مع العربي الشقيق في وجه كل محاولات التتريك والفرسنة وغيرها من محاولات قتل الهوية العربية، فإن ذلك يكون مشرّفاً أكثر من التخفّي وراء شعار الحقوق وممارسة أسوأ أنواع المذهبية الضيقة.
في دمشق يجتمع اتحاد كتاب فلسطين بغياب قائده حمزة برقاوي، ويصدر جملة من القرارات، يطالب بتسليح من تبقى من المدنيين الفلسطينيين في سوريا وزجهم في الحرب، وتوجيه الفلسطينيين بفصائلهم ذات الوجود السياسي لحمل السلاح، والتوجه لمقاتلة «تنظيم الدولة»؟.
وهكذا نحل مشكلة فلسطينيي سوريا بضم مخيم اليرموك للتحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة» والتوجه إلى الرقة. هذا الاتحاد ومعظم الجالسين في تلك الندوة، التي أصدرت القرارات، وبعضهم مهجرٌ من مخيمي الحسينية وسبينه، وهي مخيمات تحت سيطرة النظام، وليس فيها معارضة، ولكن الكاتب الفلسطيني لا يستطيع ان يطالب النظام بإعادته إلى بيته، لأنه ليس أحمد الزعتر، وليس مظفر النواب، في زمن تميل فيه الكفة لصالح السلاطين، وتصبح فيه الثورات بثوارها أدوات المرحلة فحسب.
هو الكاتب الفلسطيني في الضفة المحتلة، وبعض اولئك الكتاب الذين تحاورت معهم، من المناضلين السابقين، ومن خريجي السجون الاسرائيلية، ولما سألتهم عن مبرر قتل 400 فلسطيني من سكان مخيم اليرموك قبل دخول المعارضة إليه، ومنهم165 في قصف الطائرة الشهير، كانت الاجابة صامتة بحجم الممانعة، وكان الفعل مختلفاً فهناك على شاشات التلفزيونات المقاومة والممانعة، والصحافة الرسمية أصوات فلسطينية من الضفة، تقوم بالحديث عن العصابات التكفيرية التي تجتاح المنطقة العربية، وتريد تعطيل مشروع المقاومة النبيل، والطاهر والذي يمتد من الشرق حتى فلسطين، ويمكن من بوابة اليمن أيضاً.
المثقف الفلسطيني أيضا في غزة، هو مهتم كثيراً بالحصار الظالم على غزة، ومع ان غزة يوجد فيها بسكويت وشيبس وكوكا كولا، وشكولاتة فرنسية ايضا، لكن غزة هذه لا تعلم ان مخيم اليرموك منذ سنتين يحلم اطفاله بالخبز، ولا يعلم سكان غزة ان كلمة فاكهة لا يعرفها اطفال المخيم، ولا تعلم غزة، ان مخيم اليرموك بلا دواء ولا اطباء، ولا شيء من هذا القبيل.
وأما الكاتب الفلسطيني في لبنان، فهو مهتم أيضا باهتمامات بقية الكتاب من الضفة، إلى غزة وسوريا وغيرها من دول الشتات، وهو أيضا المفكر الفلسطيني البارز، الذي عليه اكتشاف ان تنظيم الدولة هو إرهابي، وهكذا تنشغل الفضائيات المقاومة والممانعة، بتقديم المفكرين الفلسطينيين، كمحللين استراتيجيين يتحدثون عن كوكب المريخ، أو حروب ما قبل التاريخ، وضرورات تصحيح المستقبل، وحرمان الإرهابيين من الذهاب اليه.
بالفعل هو ليس زمن أحمد الزعتر، واذا اردنا فقط أن نكتشف حجم العجز فينا، يمكن لنا فقط أن نقول، أين هم 2000كاتب فلسطيني فقط هم مسجلون في نقابة الكتاب في سوريا، وأمثالهم في الضفة وغزة وغيرها. بالضبط هذه هي المأساة، وباختصار فالجميع هم كتاب ومفكرون يجلسون في الصف الخلفي للفصائل الفلسطينية، وهذه الفصائل بالطبع هي صاحبة صندوق المال الذي يطعم المثقف الفلسطيني الجائع، وهنا يحق لنا أن نترحم على أب الفلسطينيين ياسر عرفات، الذي في زمنه كان حتى اولاد العملاء يتم انصافهم واطعامهم من صندوق الثورة، وأما فصائل اليوم فهي تطلق النار عليك وتحارب اطفالك بلقمة العيش اذا فقط فكرت لمرة واحدة وكتبت مقالاً واحدا خارج السرب.
وأما في عالم السلطة والسياسة، فالأخ أبو الوليد يحقق معجزة كونية فقد اكتشف وجود المكان الذي يقع فيه مخيم اليرموك، وبحسب أحمد جبريل، والذي يقول ان أبو الوليد اتصل به لأجل 75 عنصرا من مقاتلي ما يعرف بأكناف بيت المقدس، وهم من طردهم تنظيم الدولة من المخيم في الصراع الاخير، وبالطبع خطوة أبو الوليد مهمة للغاية، خصوصاً أنه نجح باكتشاف مكان مخيم اليرموك، وهكذا تم اجلاء عائلات الاكناف من مخيم اليرموك إلى مكان آمن، وأما بقية الفلسطينيين فقد هربوا إلى شوارع ومساجد بلدة يلدا المجاورة بانتظار اتصال تلفوني آخر يسمح لهم بموجبه بالخروج من معتقل المخيم، كما سُمح لعائلات الاكناف.
بالطبع الفصائل الفلسطينية اليوم المسؤولة عن الفلسطينيين هي يهمها أبناؤها فقط، وهي تمارس سلوك الفصيل، أو مختار القرية، ولم تصل بعد إلى مستوى ياسر عرفات الذي قدم نفسه قائد شعب، وليس قائد فصيل. واما المثقف أو المفكر الفلسطيني، فهو ابن الفصيل والناطق باسمه، والمدافع عنه حتى قيام الساعة، وأما بقية الشعب، فلهم الله، الله وحده يعلم بحالهم.
ما أقوله للضفة، إن دم عشرة آلاف فلسطيني سوري قضوا هو في رقابكم إلى يوم الدين، وما أقوله لغزة، ان مخيم اليرموك اليوم هو من سيحاصر غزة فعندما يفكر العقل الاخواني في غزة باقتحام مسجد وقتل كل من فيه لأغراض سياسية، هو نفسه العقل الذي يعيش أوهام تحرير مخيم اليرموك وقتال المجموعات السلفية التي نحن بغنى عن قتالها، فماذا تعني لنا مسألة تحرير مخيم اليرموك من تنظيم الدولة، هي جملة واحدة فقط، هناك مشروع لضرب الاخوان المسلمين مع التيارات السلفية، وعندما غدا يحاربنا التيار السلفي من سيناء وفي قلب غزة، علينا أن نتذكر مخيم اليرموك، وعلينا ان نتذكر قصة الصمت على 300 شخص في غزة، هم مجموعة تسمي نفسها الصابرين، وذلك لأجل هدف سياسي رخيص، وبنفس الوقت يمكن تدمير مسجد سلفي فيه عشرة اشخاص هم الخطر الأكبر على فلسطين بحسب البعض.
أخيراً لك الله يا مخيم اليرموك، فكلهم خانوك، فلا تنتظر أحمد الزعتر، فزمن العمالقة ولىّ. نحن بزمن مختلف، الزمن الذي يجلس على بوابته الاقزام لا يولد فيه عمالقة، فارحل ايها المخيم، ارحل أونت صامت، لأن حجم الفضيحة والخيانة مرّ للغاية.
قدم النظام الإيراني للأمم المتحدة خطة من أربع نقاط بشأن اليمن، تستهدف وقفًا فوريًا لإطلاق النار، وإنهاءً للهجمات العسكرية الأجنبية، وتقديم المساعدات الإنسانية، واستئناف حوار وطني واسع، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة. والحقيقة أن الأحق بهذه الخطة الإيرانية هي سوريا، وليس اليمن.
عاصفة الحزم السعودية لم تتم في اليمن إلا بدعوة من الشرعية، أي الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهي شرعية معترف بها دوليًا، وقبلها عربيًا، وإسلاميًا، والأهم أن عملية عاصفة الحزم تتم وفق تحالف عربي، وإسلامي، ودولي لا يتمثل فقط بمواقف فردية وإنما وفق قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، وتحت بند الفصل السابع القاضي باستخدام القوة التي لم تفرط بها السعودية، حيث تتم عاصفة الحزم وفق انضباط عسكري مميز، مع تسهيل واضح للمساعدات الإنسانية.
ولم تأتِ عاصفة الحزم السعودية إلا بعد تجربة كل فرص الحوار الوطني باليمن، والذي كان يمثل مضمارًا للمناورة، والاحتيال، من قبل الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، بحيث كانت كل جلسة حوار تمثل سقوطًا لمدينة يمنية بغدر من الحوثيين وصالح. ولم تأتِ عاصفة الحزم إلا بعد أن انقلب الحوثيون، وصالح، على الشرعية المعترف بها عربيًا ودوليًا، بالسلاح، وبدعم إيراني، وبعد أن قام الحوثيون وصالح باحتجاز الرئيس هادي رهينة، وإجباره على توقيع ما يخالف المبادرة الخليجية، والأدهى من كل ذلك أن الحوثيين وصالح قاموا بمحاصرة عدن بالسلاح الذي قوض كل فرص الحوار الوطني الذي دعت له السعودية، ورفضه الحوثيون.
بينما الأمر مختلف تمامًا في سوريا التي قام النظام فيها بقتل قرابة الربع مليون سوري، وبعد ثورة سلمية لم يرفع فيها السوريون السلاح إلا بعد أن بطش بهم نظام الأسد الإجرامي، وبدعم من إيران التي هبت لنجدة مجرم قاتل. دعمته بالسلاح، والمال، والرجال، وبحجة طائفية، ومنعت عن السوريين - أي إيران - المساعدات الإنسانية، ولم توفر هدنة إنسانية، ولا خلافه هناك، خصوصا أن إيران تتدخل في سوريا إنقاذًا لنظام طائفي إجرامي وليس له حدود مع إيران. بينما نجد أن السعودية تتدخل في اليمن إنقاذًا للشرعية، وبدعوة من هادي الذي انقلب عليه الحوثيون، وصالح، بقوة السلاح، وباتوا يستبيحون المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى.
ولذا فإن الأحق، والألزم، هو أن تقدم المبادرة الإيرانية لسوريا، وليس اليمن، وذلك حقنًا للدماء، مع ضمان رحيل المجرم بشار الأسد، مثلما أخرجت السعودية من قبل صالح الذي ثار ضده اليمنيون. ومعلوم أن الرئيس اليمني الشرعي هادي، والذي تدعي إيران، والشبيح حسن نصر الله، أن لا مستقبل له بحكم اليمن، لم يقم بقتل شعبه، ولم يستدعِ قوة طائفية، ولا ميليشيات إرهابية لليمن كما يفعل المجرم الأسد. وعليه فإن الأولى هو أن تقدم المبادرة الإيرانية باليمن لإنهاء الأزمة السورية، لنعرف إن كان الإيرانيون صادقين، وهو ما لم يعرف عنهم طوال الأربعة عقود الماضية!
"المقاومة والممانعة" سلعتان تتحرّك عن طريقهما بورصة النظام السوري، على مر أربعة عقود، ورقة رابحة، يتفاوض على أساسها في المحافل الدولية، مدّعياً نفسه ولي أمر القضايا العربية، بعدما جعل من القضية الفلسطينية قضيته المركزية الأولى، على حد ادعائه، لكسب الشارع العربي، عبر شعاراتٍ لا تمت بصلة للحقيقة، مثل "الأرض مقابل السلام"، حيث كان يرفض التفاوض مع دولة إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية، كما لو أنه ممثل شرعيّ ووحيد للشعب الفلسطيني!
لكن، وفي الوقت نفسه، وافق على إخراج الرئيس الفلسطيني، ياسرعرفات، في بدايات الثمانينيات من لبنان. وبالتالي، تمكنت منظمة التحرير من استعادة هذه الورقة من يد النظام السوري، بعد مؤتمر مدريد الذي انعقد عام 1990 بضغط دولي، وإصرار المنظمة على أنها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني.
وبقي النظام السوري على علاقة جيدة مع أحزاب وفصائل فلسطينية عديدة، ليلعب دوراً بارزاً في التحكم بالقرار الفلسطيني الداخلي، من خلال تلك الفصائل، حيث لا تزال قائمة منها، وهي تؤثر على القرار الفلسطيني، في هذه اللحظات العصيبة من الوضع الفلسطيني في سورية، بدءاً من الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية الساحلية، مروراَ بمخيم حندرات في حلب، شمالي البلاد، وانتهاءً بمخيم اليرموك في أطراف العاصمة دمشق، حيث يلعب النظام، مرة أخرى، على الورقة الفلسطينية، من خلال التنسيق والتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بعدما سمح له النظام بالدخول إلى المخيم، بحجة مواجهة الإرهاب، لكسب مزيد من الوقت، لكي يبقى في سدّة الحكم، وصرف أنظار العالم عن جرائمه اليومية بحق الشعب السوري.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن للفصائل الفلسطينية التي تدّعي تمثيلها للشعب الفلسطيني أن تضع حداً لمأساة الفلسطينيين في سورية بشكل عام، وخصوصاً في مخيم اليرموك الذي يقع بين فكي الكماشة، حيث براميل النظام السوري ومدافعه من جهة، وفرض طوقٍ محكم من داعش على عشرين ألف فلسطيني هناك، من جهة أخرى؟ في المحصلة، نجد أن النظام السوري، على مر أربعة عقود، لعب على الورقة الفلسطينية، من دون أي حلٍ يذكر، لكي يستمر في ادعاءاته أنه يواجه العدو الخارجي، ممثلاً بإسرائيل، لصرف نظر المواطن السوري عن الوضع الداخلي، كحال الانتفاضة الكردية التي قمعها في عام 2004، وهي تطالب بالحقوق المشروعة للكُرد، وكذلك باقي مكونات الشعب السوري من الآشوريين والتُركمان وكذلك الأرمن، والطائفة السنيّة التي قُمِعت بوحشية كبيرة، إثر أحداث مدينة حماه بدايات الثمانينيات. وبالتالي، استمرار القضية من دون حلٍ، كان من أهم منطلقات النظام السوري بتناوبٍ بين الأسد الأب والأسد الابن حتى يومنا هذا، حيث لا يزال يدخل تلك البورصة من أوسع أبوابها، لكسب أهدافٍ خاصة به على حساب الدم الفلسطيني!
تشيع قناعة في معظم أوساط المعارضة السورية، بل هي شائعة أكثر في معظم أوساط السوريين، أن المجتمع الدولي صامت عما جرى ويجري في سورية، من عنف وحرب أدت إلى دمار البلد وقتل مئات الألوف، وتهجير ونزوح، بشكل يشكل أكبر كارثة إنسانية معاصرة. غير أن المجتمع الدولي، بما يشمله من رأي عام وإعلام ومنظمات دولية وحكومات، كان متعاطفاً مع الحدث السوري في أشهره الأولى، وكانت له، في المجمل، مواقف قوية، وصلت إلى حد نزع الشرعية عن النظام والاعتراف بمؤسسة المعارضة السورية الأولى، أي المجلس الوطني، وصولا إلى انعقاد مؤتمرات أصدقاء سورية وتعهداتها. واتضح، منذ تلك الفترة، أن المجتمع الدولي لم يكن مستعدا لمواقف أعلى، لا لفرض حظر جوي، ولا لإقامة مناطق أو ممرات آمنة لحماية المدنيين، أو إغاثتهم. وقد تبين ذلك بوضوح، في سبتمبر/أيلول 2013، عندما تراجعت دول غربية، في مقدمتها أميركا، عن خطوطها الحمر، وتهديدها بتوجيه ضربة لسورية، عشية افتضاح جريمة استخدام النظام للسلاح الكيماوي في إبادة حوالى 1500 مدني في غوطة دمشق، ثم استبدلت ذلك بتسليم النظام مخزونه من تلك الأسلحة الكيماوية، على خلفية اتفاق روسي أميركي تم ترتيبه بين يوم وليلة. وذلك بالإضافة إلى
ما ساد من أجواء إعلامية، بعد أن نجح النظام في فتح أبواب السجون والحدود أمام المنظمات الإرهابية وتكفيرييها، مما جعل سورية ميداناً خصباً للإرهاب الدولي، وأطلق الفوبيات الغربية مجدداً من عقالها ضد الشرق والإسلام.
في المحصلة، تكشف الصمت الدولي، وما توارى خلفه من مصالح وتوازنات دولية، عن سياسات رسمية، فتراجعت أخبار الحدث السوري أو غابت، وتوقفت مؤتمرات أصدقاء سورية، وفشلت مؤتمرات جنيف1 و2، وانتهت مساعي اثنين من المبعوثين الدوليين إلى الاستقالة، وما زال الثالث يتعثر. وبين طلب التدخل، على الطريقة العراقية أو الليبية، ثم التباكي على الصمت الدولي وإدانته، تهرب السوريون من فهم السياسة الدولية الجديدة التي سيطرت على المسرح الغربي، وخصوصا في مركزه الأميركي، بعد تراجع سياسة المحافظين الجدد، وتقدم سياسة باراك أوباما لمعالجة آثار الأزمة المالية، وتغليب سياسات الرفاه والتعاضد الاجتماعي داخلياً، والانسحاب خارجياً من معارك الآخرين، ثم إدارتها عن بعد، وبدون الاستعداد مبدئياً لخسارة الجندي والمواطن الأميركي.
وقد تم التعبير عن هذه السياسة بوضوح شديد، في حديث أوباما الصريح إلى الصحافي توماس فريدمان، ونشرته "نيويورك تايمز"، أخيراً، عندما وجه كلامه إلى حلفاء أميركا من القادة العرب: الإدارة الأميركية لم تعد مستعدة لخوض حروب الآخرين، ولن تضحي بعد بأبنائها من أجل طمأنتهم، والقضاء على أعدائهم، طالما أنهم لا يريدون خوض هذه الحرب بأنفسهم، والوقوف بموقف المتفرج أو الممول عن بعد فقط.
ولا تنفع، هنا، الهواجس والشكوك بشأن نتائج التفاوض الإيراني الغربي في الملف النووي، فذلك مجال صراع ومصالح وتوازنات دولية، لا تنفي، ولا تمنع، المبادرات الإقليمية والمحلية. ومن ذلك ما حدث، عندما تحركت السعودية وحلفاؤها، كما فعلوا في "عاصفة الحزم"، فالإدارة الأميركية وجدت نفسها مضطرة لتأييدهم ودعمهم. لكنها، في الوقت نفسه، بدأت تطالبهم بتولي باقي أمورهم بأنفسهم. وذلك ما أشارت إليه تساؤلات الرئيس الأميركي: لماذا لا يمكننا رؤية عرب يحاربون ضد الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، أو يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس بشار الأسد في سورية؟
هذا هو، إذن، واقع السياسة الدولية اليوم، فلم تعد المسألة مسألة صمت المجتمع الدولي أو تقاعسه، أو انصرافه عن دول فاشلة، أو حساباته مع الحليف الاستراتيجي الوحيد، إسرائيل. وحسنٌ أن القيادة السعودية الجديدة أدركت ذلك أخيراً. وهي لم تدركه حقاً، إلا بعد أن وصل تهديد امتداد النفوذ الإيراني إلى رابع عاصمة عربية، بعد بيروت وبغداد ودمشق، وبعد أن تهددت خاصرتها اليمنية بالتمزق. فبادرت إلى القيام بـ "عاصفة الحزم" التي تأسست على استنهاض حلف عربي وإقليمي عريض، استشعاراً بأخطار باتت تهدد الجميع.
تلك هي المسألة، وهذا هو الجو الذي تلوح فيه إمكانيات مضي مبادرة "عاصفة الحزم" إلى مبادرات حزم عربية أخرى، أشار إليها المشروع الذي طرح في مؤتمر القمة العربية السادسة والعشرين، والمتضمن إنشاء قوة تدخل عربية، لكنه سرعان ما خبا وتوارى في ظل الخلافات والهواجس العربية المعهودة. وهو يعود، اليوم، عبر آمال بإنشاء تحالف عربي تركي، يضع في مقدمة جدول أعماله مهمة معالجة المشكلة السورية.
"تأسست "عاصفة الحزم" على استنهاض حلف عربي وإقليمي عريض، استشعاراً بأخطار باتت تهدد الجميع"
وعلى القاعدة نفسها، التي كشفها حديث أوباما، وبغضّ النظر عمّا إذا صحت الآمال المشار إليها، أو لم تصح. المسألة ترتب مسؤولية أخرى، تقع على عاتق المعارضة وقوى الثورة السورية، بل على عاتق جميع الوطنيين السوريين، أولاً وأخيراً. وتتطلب هذه المسؤولية القيام بمبادرة أخرى، على المستوى نفسه، من مبادرة "عاصفة الحزم"، بعد طول ترهل وتعفن واستنقاع، ساد في الساحة السورية، كما كان سائدا في الساحة العربية. وعلى هذه المبادرة أن تسعى إلى حزم سوري وطني جديد، يلاقي التحالفات الإقليمية المقبلة، أو يساهم في الدعوة إليها، خصوصا بعد الآمال التي بعثها تحرير إدلب، وتقدم الجيش الحر في الجنوب. وإذ تبدو هذه الدعوة أضغاث أحلام في الواقع المشهود، فمن ينفي أن "عاصفة الحزم" كانت تبدو قبل قيامها مثل ذلك وأكثر، بل من ينفي أن شروط الحزم السوري المطلوب ليست كثيرة على شعب قدم من التضحيات والمبادرات ما فاق كل توقع، حتى اليوم.
فشل، كما كان متوقعا، لقاء موسكو2، فشلاً ذريعا بالنسبة لتوقعات المعارضة والشعب السوري المنكوب، لكنه نجح نجاحاً باهراً بالنسبة لتوقعات النظام وموسكو اللذيْن صاغا بيانات الختام، حسب مطالبهما تماما، وما كانا يحلمان بإظهار ضعف المعارضة وتهلهلها وانقسامها وعدم تجانسها، ليبرروا تمسكهم بنظام القتل والديكتاتورية، كما بدت عليه بالفعل. وليس للمشاركين في لقاء موسكو2، بين ما سميت شخصيات من المعارضة ووفد النظام برئاسة بشار الجعفري الذي لم يتصرف في أي وقت، حتى في جلسات الأمم المتحدة، إلا كشبيح، في هذا الفشل الذريع أي عذر.
فقد قبلوا، أولاً، من دون نقاش، بأن يشاركوا في حوار ليست المعارضة هي التي تقرر وتعين من يمثلها فيه، وإنما طرف آخر. وبالتالي، هو الطرف الذي يحدد نوع العناصر والشخصيات المدعوة. وبالتالي، طبيعة الاجتماع والحوار الذي يمكن أن يُجرى فيه. وهذه إهانة للمعارضة بأكملها، وعار على من قبل به، كائناً من كان هذا الطرف.
وراهنوا ثانياً، من دون وعي، على وساطة طرفٍ ليس لديه أي درجة من الحياد، بل لم يخفِ، لحظةً، دعمه الكامل العسكري والقانوني والسياسي لنظام الأسد، ولا يكف عن تأكيد ذلك، وافتخاره بموقفه الذي يعتبره دعماً للشرعية ضد الإرهاب. وكان قد أعلن، قبل أيام من اللقاء، أنه لا يزال يورد الأسلحة والذخائر للأسد، وسوف يستمر في التزاماته.
جلسوا ثالثاً على طاولة "حوار" مع نظامٍ لا يزال يقتل ويدمر ويهجر ويعذب، ويرفض حتى الإفراج عن معتقليهم، بل يعتقل، في يوم افتتاح الحوار نفسه، أحد أعضاء مكتبهم السياسي، صالح النبواني، من دون أن يكون لديهم ما يعتمدون عليه من قوة سوى سراويلهم، وحاجة موسكو لهم لتأهيل نظامها، بعد أن قطعوا علاقتهم ببقية أطراف المعارضة، وخانوها، وتبرأوا من الكتائب المقاتلة على الأرض، التي لا يوجد من دون ما تمثله من تحد وضغط أي إمكانية لانتزاع شيء من نظام تربى في الجريمة والكذب والخداع. كان من الطبيعي، في ظل ميزان القوى هذا، ألا يظهر الجعفري سوى العجرفة والصلف والسخرية، وأن يرفض استلام أي قائمة بأسماء معتقلين ومخطوفين، كما كان من الطبيعي والمنتظر، في هذا الوضع، أن يقبل ما سميت شخصيات المعارضة الاستمرار في "حوار" هو، في الحقيقة، تسوّل واستجداء، بدل الاحتجاج والانسحاب الفوري ووقف المحادثات.
قبول المشاركين بكل هذه التنازلات ينفي عنهم أي نية حسنة، ويدين كفاءتهم السياسية، ويذكّر السوريين بالطريقة المريرة نفسها التي كان نظام الأسد يعامل بها المعارضة، أو الأطراف الخانعة منها، في العقود الطويلة الماضية، ويظهر أن أكثر المعارضين لم يستيقظوا بعد على الحدث الكبير الذي شكلته الانتفاضة الشعبية، ولا يعيشون فيه، ولا يزالون يتصرفون كما كانوا يفعلون في السابق، يداهنون للقوة، ويحنون ظهورهم لها ويعتبرون النظام صاحب الصولة والجولة، وأنفسهم الضعفاء الأذلاء، مع إضافة أن هذا النظام لم يعد نظام الأسد، وإنما نظام بوتين.
ارتكب المشاركون في لقاء موسكو، بوعي أو من دون وعي، وبصرف النظر عن كونهم شخصياتٍ، أو أحزابا، ثلاث جرائم سياسية، من وجهة نظر الانتفاضة الديمقراطية الوطنية التي ضحى فيها الشعب بأغلى ما يملك، أي بأرواح أبنائه، شباباً وبناتاً، وبحاضره كله، وأهم ما راكمه، خلال قرن من التمدن والتقدم المادي والسياسي والقانوني، ودمرت خلالها أكثر مدنه وبلداته، وتم محو معظم تراثه التاريخي والإنساني، ثلاثة أخطاء سياسية لا تغتفر: القبول بتزوير إرادة المعارضة السورية والشعب الذي يفترض أنها تمثله. المشاركة في تقسيم المعارضة، والدخول في لعبة الأسد لضرب بعضها ببعض، وتمزيقها بين معتدلة ووطنية وداخلية ومتطرفة وعملية وخارجية، وإظهار تهافتها، وعدم وحدتها وانسجامها، وفي النهاية نزع الصدقية عن أطرافها جميعا، وإظهارها على أنها غير ذات كفاءة لممارسة السلطة، أو حتى المشاركة فيها بجدية، أمام الرأي العام السوري والدولي. وهذا كان الهدف الواضح لموسكو من دعوة شخصياتٍ لا علاقة لها بالمعارضة، ولا بالسياسة أصلاً، وزجها بين صفوفها وتتويجها شخصيات سياسية معارضة، واختلاق أحزاب وهمية تمثلها، لاستخدامها ورقة للضغط على المعارضة، أو للتلاعب والوقيعة بين صفوفها، تماماً كما فعلت أجهزة الأمن السورية في عقود طويلة سابقة.
الخطأ السياسي الثالث، إضفاء الشرعية على مسرحية موسكو، لتأهيل النظام بتخليق معارضة له على مقاس قدميه، تقبل به وتتحاور معه، وتراهن على ما تسميه حواراً، وهو ليس أكثر من دورة في الاستذلال، يخضع فيها المعارضون الذين تم انتقاؤهم فرداً فرداً، لوابل من غطرسة بشار الجعفري، وشتائمه وسعاره، لا تختلف كثيراً عن جلسات "الحوار" التي كان ينظمها ضباط الأمن والمخابرات السوريين مع ضحاياهم من المعارضين، في مراكز الأمن والاحتجاز والاختطاف، بهدف التدجين والتهديد والابتزاز، واستخدام ذلك كله جداراً دخانياً، تستمر من ورائه، من دون ضجة أو سؤال أو اعتراض، حرب الإبادة الجماعية والتهجير والاستيطان، وعمليات القتل والذبح وإلقاء البراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية ومدفعية الميدان على رؤوس السوريين.
ليس هناك شيء يمكن أن يبرر لأبطال لقاء موسكو2 خطأهم، حتى لا أقول سقطتهم الكبيرة، لا المشاعر الإنسانية واللهفة على القتلى واليتامى واللاجئين والمحرومين، كما يدعي بعضهم، ولا الدوافع الوطنية والرغبة المشروعة في الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، كما يتمنى بعض آخر، هذا إن بقيت هناك دولة ومؤسسات، ولا السعي إلى الشهرة والبروز وتعزيز دور الأحزاب والتشكيلات التي يمثلها المشاركون، وكلها أحزاب وتشكيلات وهيئات كرتونية، وكيانات هوائية، تنقسم بمقدار ما تفكر ولا تفكر إلا لتنقسم، ولا حتى اليأس من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتهافت أدائه.
"لا يكون العمل الوطني، ولا يتحقق، من دون أداة فاعلة ومتسقة وموحدة"
ما حصل ويحصل من جرجرة معارضين من مؤتمر إلى آخر، ومن عاصمة إلى أخرى، على طلبٍ، ولخدمة أجندات ليست صادرة عن حوار جدي داخل المعارضة نفسها وعن تفاهمها، هو إهانة للمعارضة بأكملها، وتجريح لصدقيتها، وتعميق للشرخ الذي يفصلها عن القادة والمقاتلين الميدانيين. والنتيجة، كما هو واضح، تفريغ المعارضة السياسية من محتواها، بفصلها عن القوة المقاتلة الرئيسية التي تعمل دفاعاً عن قضيتها، وإفقادها أي وزن في معركة طابعها الرئيسي، منذ أربع سنوات متتالية، المواجهة المسلحة وكسر العظم، من جهة، وترك الكتائب المقاتلة على الأرض، في هذه الحرب الضارية، من دون قيادة سياسية وعنوان وطني موحد، ومن دون أداة لتنسيق العلاقات الدولية. وبالتالي، ضحية لضغوط الأجهزة والأجندات الدولية.
تقع المسؤولية الرئيسية في ذلك، بالتأكيد، على عاتق الائتلاف الذي نجح في انتزاع الحق بتمثيل قوى الثورة والمعارضة، ولم يقم بما يلزم لتجسيده، وتقاعس عن القيام بالدور المطلوب، لتقريب وجهات نظر المعارضة وتوحيد صفوفها، وهو ما حالت دونه العقلية العصبوية الضيقة، الموروثة عن الحقبة السابقة، وفي ما وراء ذلك، خضوع كثيرين من أعضائه، أو ضعفهم أمام ضغوط الدول والحكومات، وتشوش الوعي الوطني، بل تحييده بعد نصف قرن من التعقيم الفكري والاغتيال السياسي والإعدام الأخلاقي لشعب كامل، الشعب السوري. لكن، مهما كان الأمر، لا يكون العمل الوطني، ولا يتحقق، من دون أداة فاعلة ومتسقة وموحدة. وللوصول إلى ذلك، فإن كل الأفراد، المقاتلين والناشطين، مسؤولون، ومن واجبهم الضغط في هذا الاتجاه. وإلا فإن أحداً لن يغير ما في سلوكه، من المسؤولين عن الوضع الراهن، ولن يغير في هذا الوضع، ما لم يغير كل واحد منا، في أي مكان وجد فيه، من سلوكه، ويتغلب على روح الفردية والتسليم بالواقع، وما لم يؤمن بقدرته على المساهمة في التغيير، وبمسؤوليته في إحداثه، بالتعاون مع الآخرين، أي ما لم نقضِ، مرة واحدة وإلى الأبد، على ثقافة العجز والاتكالية واليأس والاستسلام، ورمي المسؤولية على الآخرين.
لا تبدو «عاصفة الحزم» قادرة حتى الآن على تغيير مناخ السيطرة الحوثية على اليمن، قد تنجح في اضعافه، ربما منعه من السيطرة على عدن، لكن لا شيء يوحي بان صنعاء ستعود إلى ما قبل الحادي والعشرين من كانون الثاني/يناير يوم سقوط القصر الرئاسي في يد الحوثيين.
على الأغلب، فان أطراف الصراع نفسها ستعود لطاولة المفاوضات، لكن بدل ان تكون في فندق موفنبيك في صنعاء تحت حراب الحوثيين، فانها قد تكون في فندق كيمبنيسكي جيبوتي أو ربما ريتز كارلتون مسقط!
فابو بكر القربي وزير خارجية اليمن السابق المقرب من علي عبد الله صالح زار جيبوتي للإعداد لحل تفاوضي، ونشرت تقارير تتحدث عن قبول الأطراف في اليمن العودة للحوار بشرط وقف تقدم الحوثيين نحو عدن، وهذا ربما التغيير الطفيف الوحيد الذي سيطرأ، قد يقبل الحوثيون بوقف اطلاق النار المؤقت، رغم انهم لم يكونوا متقدمين بهذا الشكل داخل أحياء عدن قبل بدء حملة القصف الجوي!
ففي السابق كانت جلسات حوار جمال بن عمر تجري تحت حراب الحوثيين الذين كانوا يقاتلون ويتحاورون في الوقت نفسه.
بالطبع فان السعودية تعارض حتى الآن وقف عمليات «عاصفة الحزم» والعودة للحوار، ببساطة لانها لم تحقق تغييرات جوهرية في موازين القوى ولم تفقد الحوثيين سيطرتهم على المواقع الرمزية لسلطتهم.
لكن ماذا لو تواصلت «عاصفة الحزم» وتعطلت جهود التسوية السلمية؟!
في هذه الحالة فان اليمن سيكون مقبلا على خيارين، أما السورنة أو التقسيم.
فمن الواضح ان كلا من طرفي النزاع يمتلك دعما اقليميا، سيتواصل ليتحول اليمن كما سوريا حلبة معركة اقليمية ومذهبية كبرى من خلال أطراف محلية، وان كنت لا أفضل تسمية الحرب بالوكالة لان أصل التقاتل هو محلي أهلي واستقوى بأطراف خارجية جغرافيا، وان كانت هذه التحالفات الاقليمية هي داخلية مذهبيا وسياسيا في منطقة لا قيمة فيها لحدود الجغرافيا والدول المتظاهرة بالحداثة أمام انتماءات مجتمعات بدائية.
في حال استمرار النزاع المسلح فان الحالة السورية تنبئنا بان الحلف الإيراني أكثر قدرة على دعم حلفائه بكفاءة عالية، وان التماسك العقائدي الذي يطبع هذا الحلف الذي تواصل بناؤه من عقود طويلة يجعله أكثر تصميما من تحالف الأنظمة العربية التي يبدو انها صحت متأخرة جدا لمواجهة إيران .. بعد ان أوشك ان يفوتها القطار.
فإيران استطاعت ابقاء أقلية علوية حاكمة في دمشق لا تتجاوز نسبتها العشرة في المئة من السكان أمام تمرد مسلح سني يمثل أكثر من ثلثي السكان تمرد سني مدعوم أيضا بالقوى الاقليمية العربية نفسها التي أطلقت اليوم «عاصفة الحزم».
فما بالكم بحلفاء إيران في اليمن من الحوثيين الذين قد تتجاوز نسبتهم ثلث السكان، ثلث أكثر تسلحا وتدريبا وانسجاما عقديا تقوده منظومة منضبطة، إضافة إلى الجماعات الموالية لعلي عبد الله صالح، والفرق العسكرية التابعة له. إذا حلفاء إيران في اليمن من المفترض انهم سيكونون أكثر قدرة على المواجهة من نظرائهم العلويين الاقلويين في سوريا وان تحالف معهم أقلية من السنة المعارضين للثورة، وفي المقابل فان حلف «عاصفة الحزم» يدعم قبائل ومجموعات من حزب الاصلاح الإخواني كان على خلاف معهم فقط قبل أشهر، ورغم ان القبائل المسلحة في اليمن حققت نتائج هامة في توجيه ضربات للحوثيين وقوات صالح واستعادت بعض المناطق، إلا ان حروبا كهذه تتوازى فيها قوة طرفي المواجهة تطول لسنوات بين كر وفر تماما كما حدث في سوريا وقبلها حرب لبنان الأهلية.
واذا تمكنت القبائل من تجميع قواتها والتنسيق مع مجموعات القاعدة المؤثرة في اليمن فانها قد تحقق تقدما ما لكنه سيقود في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد. لهذا فان مشكلة بعض العواصف غير الموسمية انها تأتي فجأة وتغادر فجأة ولا تغير المناخ إلا اذا كنا أمام أجواء طقس اقليمي جديد!
الغريب، لا بل المضحك في الأمر، أنه ما إن انتهى الغرب من استثمار مصطلح «الإسلاموفوبيا» لأغراضه الخاصة، حتى راح العرب يعيدون اجترار المصطلح، لكن هذه المرة ضد بعضهم البعض.
كيف لا وأننا نحن العرب لا نمانع حتى في تقليد الغالب الغربي فيما يسيء لنا. قد يتفهم المرء تصنيع الغرب لمصطلح «الإسلاموفوبيا» لتحقيق أغراض سياسية وعسكرية وثقافية معينة، لكن من الصعب أن يتفهم قيام ضحايا المصطلح أنفسهم ألا وهم العرب باستغلال المصطلح للإساءة لبعضهم البعض، وبالتالي للإسلام نفسه.
لقد عادت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» إلى الحياة من جديد بقوة رهيبة، خاصة بعد الربيع العربي الذي كان من أبرز نتائجه فوز الإسلاميين في الانتخابات التي جرت في بعض الدول العربية. فقد فاز حزب في تونس. ولحقه الإخوان المسلمون والسلفيون في مصر، ناهيك عن أن الإسلاميين تصدروا المشهد في ليبيا في البداية. بعبارة أخرى، فإن بروز الإسلاميين على المشهد السياسي بقوة انتخابية غير مسبوقة جعل خصومهم، خاصة اليساريين والليبراليين والعلمانيين وأيتام الحكام الساقطين والمتساقطين، يتهافتون على التحذير من الخطر الإسلامي على الديمقراطيات الوليدة في المنطقة العربية في أعقاب الربيع العربي.
لا شك أن الإسلاميين لم يبلوا بلاء حسناً بعد وصولهم إلى السلطة في تونس ومصر. وقد صوت غالبية التونسيين ضدهم في الانتخابات الأخيرة بسبب فشلهم في إدارة البلاد بعد الثورة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي.
وصحيح أن الأشهر الأولى من حكم الإخوان في مصر لم تكن مشجعة جداً. لكن هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال شيطنة الإسلاميين وتصويرهم على أنهم خطر ساحق ماحق على بلاد الثورات. وهنا يجب أن نذكر أن أي حزب يصل إلى السلطة بعد ثورة شعبية سيلاقي مصير الأحزاب الإسلامية التي استلمت السلطة بعد الثورات في مصر وتونس وليبيا. كيف لا وتطلعات الشعوب تكون عادة عالية جداً، ناهيك عن أن تركة الأنظمة الساقطة تكون غالباً في غاية السوء. وبالتالي لا يمكن لأي قوة مهما امتلكت من مواهب السلطة أن تصلح الأوضاع بعصا سحرية. ولا ننسى أن الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة ليس لديهم تجربة عريقة في الحكم، لا سيما وأنهم أمضوا معظم وقتهم في السجون بسبب الملاحقات والتضييق الدائم على نشاطهم السياسي. وبالتالي، لا يجب استغلال فشلهم في السلطة بعد الثورات لسحقهم وإخراجهم من الحياة السياسية إلى غير رجعة.
ولو تابعت الحملات الإعلامية التي يشنها خصوم الإسلاميين عليهم لرأيت العجب العجاب، فهذا يحذر من أسلمة الحياة العامة بكاملها، وذاك يحذر من الاستبداد الإسلامي.
لا بل إن كثيرين يجادلون بأن بعض الدول العربية لا تريد إسقاط النظام في سوريا خشية وصول الإسلاميين إلى السلطة بعده. لقد حاول العلمانيون وأذناب الأنظمة المتساقطة كل ما بوسعهم لتخويف الشعوب من الصعود الإسلامي الجديد بطريقة تفوق بشاعة الطريقة الغربية التي سادت على مدى العقدين الماضيين، وكأن الإسلاميين الجدد بعبع مرعب.
لا أدري لماذا كل هذا التخويف من الإسلاميين وشيطنتهم. أليس من الأفضل أن نقبل بنتائج صناديق الاقتراع التي تعتبر أس الديمقراطية بدل شيطنة الإسلاميين بالطريقة المستهلكة البائدة؟
أليس التخويف من الإسلاميين اعتداء فاضحا على الديمقراطية وعلى أتباع الإسلاميين الذين يعدون بالملايين؟ ألا تعبر شيطنة الإسلاميين عن عجز مقيم لدى خصومهم؟ أليس حرياً بأعداء الإسلاميين أن يجتذبوا الشارع ببرامجهم الانتخابية والسياسية بدل تشويه سمعة الخصوم؟
من الواضح أن الذين يخوفون المجتمعات العربية من المد الإسلامي لم يتعلموا من الدرس الغربي، فرغم الحملات الشعواء التي شنها الإعلام الغربي على الإسلاميين على مدى العشرين عاماً الماضية، إلا أن الإسلاميين ظلوا يحققون النصر تلو الآخر في الشارع العربي. ولما أتيحت لهم فرصة ديمقراطية حقيقية حصدوا الأخضر واليابس في الانتخابات. لهذا بدل إعادة تصنيع العجلة، على التيارات السياسية المناهضة للإسلاميين أن تبحث عن طرق جديدة لمنافستهم بدل أن تجتر الأساليب الغربية البائسة التي لم تفشل فقط في تشويه سمعة التيار الإسلامي، بل جعلت منها أكثر قوة. والأخطر من ذلك الآن وفي ظل هذه الحملات الشعواء ضد الإسلاميين في العديد من البلدان، يُخشى أن تتدعشن الأحزاب الإسلامية المعتدلة التي قبلت باللعبة السياسية بعد أن استخدم خصومها ضدها أقذر الأساليب لإخراجها من اللعبة السياسية.
أين تذهب التيارات الإسلامية الديمقراطية عندما ترى أن كل الأبواب أصبحت مغلقة في وجوهها؟ ألا تصبح الجماعات المتطرفة التي باتت تشكل صداعاً كبيراً للداخل والخارج الوجهة المفضلة للقوى الإسلامية المعتدلة؟