
هل هناك منطق وراء همجية "داعش"؟
لماذا فعلوا ذلك؟ ما النتائج التي كان تنظيم داعش يعتقد أنه سيجنيها من خلال إعدامه لطيار أردني أسير بالحرق حيًّا؟
لن أستخف بغياب المنطق والتشويق المنحط الهائل لطائفة ظافرة تكشف عن همجيتها. لكنني لن أبالغ في تقدير ذلك أيضاً. إنك لا تستطيع اجتياح الكثير من أراضي سوريا والعراق دون أن تنشر تفكير تكتيكي واستراتيجي متحمس.
إذن ما هو الهدف من هذه الهمجية؟ أعتقد أن داعش تريد زعزعة استقرار الأردن بجرّها إلى عمق الصراع.
تبدو هذه الفرضية غير قابلة للتصديق للوهلة الأولى. لكن الإعدام الوحشي قد أدى إلى حشد الأردن ضد تنظيم داعش ومنحها التضامن ووحدة الهدف.
نعم هو كذلك، في الوقت الراهن. ولكن ماذا بعد ستة أشهر من الآن؟ سيتلاشى التضامن ووحدة الهدف بسرعة. فكّر كيف تبدد الحماس الأمريكي بعد أحداث 9/11 خلال سنوات من الصراع غير المحسوم، مما أسفر عن إرهاق حربي اليوم. وكيف أدى ذبح الصحافيين الأمريكيين إلى إثارة البلاد ضد تنظيم داعش، ولكن بعد أقل من خمسة أشهر، أدت الطبيعة المحبِطة لتلك المعركة إلى خلق انقسامات داخلية.
تعتبر الأردن هدفًا أكثر بعداً لأن استقرارها يمكن أن يتأثر على عكس الولايات المتحدة. منذ ما يقرب من قرن من الزمان، لكن من المهم الإشارة إلى وجود جماعة الإخوان المسلمين التي تتمتع بتواجد قوي فضلاً عن وجود عناصر جهادية أكثر تطرفًا، والذي يتعاطف بعضهم تنظيم داعش. وقد انضم ما يقدر بنحو 1500 أردني بالفعل إلى تنظيم داعش. ولا تزال عناصر أخرى في الداخل، لكنها على استعداد إلى الظهور عندما يحين الوقت المناسب.
إن توقيت ظهور هذه العناصر اليوم غير مناسب. فهناك غضب عارم يسود الشارع الأردني. لكن يكمن الخطر في أن أي هجوم للأردنيين- اليوم جوًّا، وغدًا برًّا- يمكن أن يؤدي إلى مشاركة مطولة قد تستنزف النظام وتضعفه، وهو النظام الذي يُعد أحد الحصون الكبرى ضد التطرف في المنطقة بأسرها.
ينبغي أن نكون حذرين فيما نتمناه. يتمسك الأمريكيون بالتعددية. وتقضي استراتيجية الرئيس أوباما تجاه الدولة الإسلامية بخلق تحالف واسع تكون الطليعة فيه للجيوش العربية/الكردية وتقوده أمريكا من الخلف بالقوة الجوية.
تفيد التقارير بأن هذا التحالف مكون من 60 دولة قوية. (ولكنهم ماذا يفعلون؟). برغم تفاخر الإدارة الأمريكية بذلك، كانت المشاركة العربية في الخطوط الأمامية ضئيلة جداً ورمزية.
لم تحقق استراتيجية أوباما النجاح المأمول. فمنذ إطلاق هذه الاستراتيجية، تضاعف نطاق الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا تقريبًا. ومن الصعب أن نرى نجاحًا للقوات الأردنية السعودية فيما فشلت في تحقيقه حتى الآن الميليشيات العراقية الشيعية والجيش العراقي والأكراد والقوات الجوية الأمريكية.
ما نفتقده بالطبع هو وجود قوات على الأرض، مثل متمردي سوريا غير الجهاديين، والذين رفض أوباما مساعدتهم بازدراء وتركهم ليتلاشوا. يبدي الأكراد استعدادهم وقدرتهم على القتال، لكنهم يعانون من نقص الإمدادات من قِبَل هذه الإدارة بصورة فاضحة.
والأهم من ذلك كله هو خسارة تركيا. فهي وحدها تمتلك الحجم والقوة التي تمكّنها من الحمل على تنظيم داعش. لكن القيام بذلك من شأنه أن يعزز، وفي الواقع ينقذ، عدو تركيا الرئيسي، وهو نظام بشار الأسد المدعوم من ايران في دمشق.
شرط تركيا للتدخل هو أن تلتزم أمريكا بالمساعدة في إسقاط الأسد. وقد رفض أوباما هذا الشرط. لذا تجلس تركيا في وضع المتفرج.
لماذا لا يوافق أوباما؟ ألم يقل أن الأسد يجب أن يرحل؟ يعود السبب إلى عدم جرأة أوباما على إغضاب رعاة الأسد، وهم رجال الدين الإيرانيين، الذين يحلم الرئيس الأمريكي بعقد صفقة تقارب كبيرة معهم.
بالنسبة لأوباما، هذه هي تذكرته إلى جبل رشمور ليحتل مكانًا بين رؤساء أمريكا الخالدين. ولذا في إطار مساعيه للتقارب مع إيران على غرار رحلة نيكسون إلى الصين التاريخية، يقوم أوباما بتجنب مطلب تركيا، التي تعتبر الحليف المحتمل الأكثر شراسة لدينا ضد كل من الدولة الإسلامية والأسد.
ماذا بقي مع أوباما؟ دول عربية في خط المواجهة، مثل الأردن.
ومع ذلك، فإن هذه الدول متأثرة بشدة من سعي أوباما الأعمى لإحداث انفراجة مع طهران، وهو ما سيجعل الملالي يسعون للهيمنة على الشرق الأوسط العربي. ولذا، فإن العرب، وبخاصة السعوديين، يتراجعون عن أي التزام عسكري كبير معنا. من الممكن للأردن، التي تألمت لمقتل طائرها الآن، أن تبدي شجاعة وتتقدم للمعركة من تلقاء نفسها، ولكنها خطوة محاطة بخطر عظيم وفرص ضئيلة للنجاح في نهاية المطاف.