قوافل العودة: دروب الكرامة إلى الوطن المحرر
قوافل العودة: دروب الكرامة إلى الوطن المحرر
● أخبار سورية ٢٨ يونيو ٢٠٢٥

قوافل العودة: دروب الكرامة إلى الوطن المحرر

من مشاهد الشوق المتدفقة إلى تفاصيل الحنين العائد، يشهد الشمال السوري هذه الأيام لحظات استثنائية مع توافد السوريين إلى قراهم ومدنهم التي تحررت من قبضة النظام بعد سقوطه في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024. فالعودة لم تكن مجرّد قرار، بل فعلٌ جمعيّ يعيد الروح إلى الأرض ويكسر سنوات طويلة من النفي والقمع.

خلال الأسابيع والأشهر الماضية، انطلقت قوافل متتالية من مخيمات النزوح ومدن الشمال باتجاه الأراضي المحررة، محمّلة بأكثر من الأمتعة: بالذاكرة، بالأمل، وبالإصرار على البدء من جديد. كانت آخر هذه القوافل يوم الأربعاء 25 حزيران/يونيو، حيث غادرت أكثر من 200 عائلة سورية إلى بلدة **التريمسة** في ريف حماة، عائدة إلى بيوت طال هجرها، وأحياء غيّبها الدمار.

ابتسامات الأطفال، وأياديهم الصغيرة وهي تلوّح للكاميرات، شكّلت لوحة وطنية تختصر ما تعنيه العودة: ليست مجرّد رجوع إلى منزل، بل استعادة لحقّ مسلوب، وكرامة مُهانة، ومكانة ترفض الذوبان في المنافي والمخيمات.

ورغم ما يعانيه الواقع الخدمي في هذه المناطق من تدهور شبه شامل — فالكهرباء والماء غائبتان، والمدارس والمستشفيات مدمّرة أو شبه معطّلة، والبيوت ليست سوى أطلال — قرر السكان أن العودة تستحق التحدي. فضلوا العيش بين الركام على استمرار التشتت، وبدأوا بأنفسهم عبر حملات تطوعية لترميم المدارس وتنظيف الطرقات.

ومع تعقيدات المشهد من انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة، والمصاعب الاقتصادية الحادة، لم يتراجع الناس، بل واجهوا الواقع بإصرار واضح على أن من حرر الأرض لن يُهزَم أمام تفاصيل الحياة اليومية.

عودة أهالي التريمسة، وأمثالهم في إدلب وحلب وريف حماة، ليست مجرد تحرك سكاني، بل موقف وطني وموقف إنساني في آنٍ معًا. إنها مواجهة مفتوحة مع التهجير، مع الخوف، مع مشاريع التغيير الديموغرافي التي طالما سعى النظام لترسيخها. وهي في الوقت نفسه، تعبير عن إيمان السوريين العميق بأنهم أصحاب الحق في الأرض والقرار والمستقبل.

قوافل العودة ليست فقط شاحنات تقل عائلات إلى بيوت قديمة، بل هي عربات محمّلة بالتاريخ، بالوجدان، وبالكرامة. هي امتداد لصوتٍ انطلق عام 2011 يطالب بالحرية، ثم قُمِع بالحديد والنار، لكنه لم يصمت، وإنها عودة من المنفى إلى الوطن، لكنها ليست عودة أفراد فحسب، بل عودة شعب بأكمله إلى ذاته. مشهد لا تسجّله فقط الكاميرات، بل تكتبه الأجيال القادمة في دفاتر الذاكرة الوطنية.

لقد أثبت السوريون، بهذه العودة، أنهم شعب لا يُكسر ويتحلّى بروح الصمود، وأن محاولات النظام البائد في إذلالهم وترهيبهم باءت بالفشل، فقوافل العودة ليست مجرد سيارات تنقل أشخاصاً إلى بيوت قديمة، بل هي حموع الكرامة، تحمل حلماً جماعياً بوطن حرّ، تسوده العدالة والكرامة.

ولعلّ هذا المشهد، بكل بساطته وعمقه، يختصر ملحمة شعب نزل إلى الشوارع مطالباَ بحريته، فحُورب بوحشية، لكنه لم يرضَ الخضوع، وبقي على العهد حتى استعاد أرضه، التاريخ لن ينسى هذا الطريق، طريق العودة من المنفى إلى الوطن.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ