"نيس" رسالة اجبار أوربا لقبول اتفاق أمريكا – روسيا بشأن سوريا
قد يخطئ الإنسان أحياناً بتسليم ما يحدث على الساحة حالياً أنه يسير بشكل اعتباطي وغير مدروس وبأدق تفاصيله، والذي يتم افتعاله لتوظيفه في خدمة خطط تم تجهيزها لتطبق، لم تكن في الماضي أقل من ضرب من ضروب الخيال والجنون، وكفر في الانسانية غيرها من المشاعر البشرية البالية.
ففي الوقت الذي انتهى الاجتماع بين وزير الخارجية جون كيري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لرسم الخطوط العريضة لاتفاق التعاون بين روسيا وأمريكا عسكرياً وسياسياً في سوريا، سار أحد الأشخاص بشاحنته على أجساد أكثر من ٨٠ فرنسياً وأصاب أكثر من مئة ، في مشهد قد يبدو متباعد جغرافياً، لكنه يصب في ذات الإطار الذي يُعل عليه في سوريا، وفقاً لخطة أمريكية تقضي بتنسيق عالي المستوى ضد كل التنظيمات الإرهابية باستثناء الأسد وحلفاء أمريكا، مقابل انتقال سياسي تدريجي لم تتوضح آليته وطريقته ولكن على أقل تقدير لن يكون بشار الأسد خارج منه.
الاتفاق الذي تنسجه أمريكا وروسيا، يبدو أنه استبعد الكثيرين من حلفاء أمريكا، الأمر الذي يجعل تنفيذه محاط بمخاطر التمرد من البعض، ولاسيما صقور أوربا الذين لم يبق منهم في الواجهة إلا فرنسا بعد أن تركت بريطانيا الاتحاد (وقدوم حكومة ذات ميول مع روسيا والأسد) مع اتخاذ القرار بصب تركيزها على وضعها الخاص، وتبتعد عن سيناريو "تحقيقاتي" كما حدث لرئيس الوزراء الأسبق طوني بلير بشأن العراق.
فرنسا اليوم قد تعاند ولكنها سترضخ، ورضوخها لايعني رضوخ الجميع، و في الوقت ذاته استثارت فرنسا ورفع درجة الخوف لزيها لن يجعل الـ٢٧ دولة في الاتحاد الأوربي يشذون عن قاعدتها وبالتالي سيتقاطرون، للملمة الجروح الفرنسية ولو كان المستفيد الوحيد روسيا وأمريكا فحسب.
من يطلع على بنود الإتفاق الأمريكي – الروسي والذي نشر منه ثمان بنود، لا يخالجه أي شك أن هناك أمور مخفية وهي تشكل "لب" المصالح، لم يتم التطرق لها حتى على الورق وإنما هي في أذهان المهندسين المنفذين الذين يرأسهم كيري ولافروف ومن خلفهما المخابرات المشتركة بين البلدين، ومن الطبيعي أن تكون هناك حقيبة من الأمور من بينها العقوبات الأوربية على روسيا والقضية الأوكرانية في هذا الـ"لب المصلحاتي"، وعملية كـ"نيس" قد تكون خرق في جدار الرفض، فتح ثغرة لإعادة جريان العلاقات الروسية الأوربية من بوابة الإرهاب ومكافحته في سوريا.
وما يؤكد ما ذكر آنفاً، أن المباحثات التي بدأت بين كيري ولافروف استهلوها بالحديث عن "نيس" كحدث آني ضخم، ولكن الأخطر هو قول لافروف :" هجوم نيس يؤكد أهمية تفعيل جهودنا في مكافحة الإرهاب"، وتبعه كيري قائلاً: "سوريا باتت اليوم الحاضنة الأساسية للإرهابيين في العالم"
، في حين كان رئيس الوزراء الروسي ورئيس سويسرا يناقشا اَفاق إنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأورآسي (روسيا، وكازاخستان، وأرمينيا، وقيرغيزستان، وبيلاروس) ورابطة التجارة الحرة الأوروبية، وهي منظمة تجارة حرة بين أربعة بلدان أوروبية (آيسلندا، وليختنشتاين، والنرويج، وسويسرا)