
مجزرة الحدود في طريقها للاختفاء بعد إخفاء البيانات وإخفاء الحادثة
"حسناً فعلناها .. قطفنا الثمرة و انسحبنا".. "ظهروا على حقيقتهم الاستعمارية" .. "اليوم تنكشف الوجوه الحقيقية للجميع أنصار و ائتلاف"... سجال دائر و عنيف حالياً على مختلف الأصعدة بعد التداولات الإعلامية التي أتبعت المجزرة بحق مواطنين حاولوا الهروب من الموت عن طريق الموت ، فناهم الموت على ذلك الطريق، و أقسى ما يؤلم هو تضارب الأنباء حتي اللحظة حولهم ، و الأهم الرفض بتحمل المسؤولية أو تحميلها لأحد، و يبدو الانسحاب خير وسيلة للبقاء.
فمنذ أمس الأول و النيران مشتعلة و تأتي على كل شيء ، و الشتائم تصل عنان السماء، و أنزل السلطان و صعد نجم البعض مع الإدانة و المطالبة بالتحقيق، لكن لا هذا استمر و لا ذلك حافظ على الموقف.
تركيا التي ارتكب جيشها المجزرة ليس بغريب أن يحاول النفي المطلق ، ثم الاعتراف التدريجي، و لكن دون أن يصل إلى الاعتراف الكامل بجريمة متكاملة، فأحسن ما يمكن الحصول عليه هو تحقيق شكلي، يظهر في الختام أن ما حدث عبارة عن خطئ فردي غير مقصود، و يغلب عليه طابع الحس الوطني الخائف على الأمن القومي.
في مقابل لعب الائتلاف لأول مرة دور القوي و الندي مع الحكومة التركية، فبيان افتتاحي من نائب رئيس الائتلاف سميرة مسالمة، التي يبدو أنها لازالت مندفعة نتيجة حداثة عهدها بالمنصب، تلاه بيان من كامل الائتلاف يؤكد رفض الجريمة و يطالب بالتحقيق و عدم التكرار، بيانات أتت في وقت ضائع بالنسبة للحكومة التركية التي استكملت الملف لديها و أطلقت الحملة المضادة، فخرج المتحدث الرسمي للخارجية التركية لينفي صفة العمد بالمجزرة، مع وجود ترجمات للتصريح بأن شيء لم يحدث أو ما نقل لا يعكس الواقع، فاختلاف فقهاء الترجمة هو اختلاف بالمصطلحات على أي حال، و لكن أفضل مكا يمكن استخلاصه هو نفي القصد الجرمي و بالتالي العقابي.
رد الفعل التركي دفع بالائتلاف بالانسحاب من "السجال"، الذي ظننته أنه حاصل لا محال يوم أمس، و أن الائتلاف سيكون صامداً، لكن ظني الخاطئ انعكس سلباً فانسحب الائتلاف بشكل كامل من المعركة و محى آثارها عن معرفاته، فيما يبدو أن المسالمة قد تلقت الأمر كصفعة، اذ تصر وفق أحاديث غرف الاعلام على تصريحها السابق، رغم أن الائتلاف قد تبرئ من كل شيء، حتى الاسم يمكن التنصل منه إن لزم فتبريرات رجال السياسة حاضرة و جاهزة، و خروج عضو بارز بالائتلاف على احدى المحطات يمجد الدولة التركية و يبحث عن مبرر للقتل ، هو جزء من إعطاء الملك ملوكية إضافية، وإن كان الأجدى بالائتلاف التموضع ضمن كهف مؤقتاً، كما كانت العادة تجري.
ولكن هذا التطور ينذر بأن الملف باتجاه أن يطوى ويرمى في الأدراج كما حدث بمئات الحالات السابقة، العديد من التقارير الانسانية والحقوقية حلو هذه القضية المتصاعدة بشكل غير مضبوط ضد شعب لا يملك أحداً أن يقول لا لقاتليه.
و لكن في ظل هذه المماحكات يقف على أطلال المعارك الكلامية، أشخاص يتشفون بكل شيء بالشعب بالثورة بتركيا بالإسلام بالسنة بالحجر ، يستهزؤون بشعارات الأنصار و المهاجرين، و ينتقدون لون حذاء عباس بن فرناس عندما حاول الطيران، فلا قيمة هنا لأي شيء أو انسان.