ماذا بعد الضربة؟
يتفاءل بعض المحللين بأن يكون التفاهم الروسي الأميركي على تخفيف حجم وفاعلية الضربات الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لأهداف تتعلق بتصنيع الأسلحة الكيماوية في سوريا، قد تم بصفقة سرية تخلت فيها روسيا عن تشبثها بالنظام، وربما تكون وافقت على بقائه مع تغيير جذري في قياداته، ولا أستبعد أن تكون الأطراف جميعاً قد اتفقت على حفظ ماء الوجه للولايات المتحدة بعد سيل التغريدات والتهديدات من خلال تضييق حجم الضربات، والتحديد الدقيق للأهداف، واختيار ساعة من الفجر في دمشق موعداً لها، حيث الناس نيام، وقد تم تفريغ المنشآت وضمان عدم إصابة أحد.. ما يجعل الضربة استعراض قوة أكثر من كونها عقاباً يؤلم النظام، أو يوقع خسائر بشرية عند المدنيين.
وقد فهم الروس أن الضربة كانت موجهة لهم، واعتبرها مندوبهم في مجلس الأمن إهانة لبوتين، بينما اعتبرها أنصار النظام نصراً مبيناً، وأقاموا الأفراح والاحتفالات تعبيراً عن النشوة بكونها لم تستهدف النظام حتى لو هدمت بنى ومنشآت، وقد فهموا أن النظام باق، وأن الغضب الدولي كان بسبب استهتار النظام بقوانين حظر الأسلحة الكيماوية فقط، وذلك يعني إطلاق يده باستخدام ما يشاء من أسلحة أخرى دون مساءلة.
وبوصفي مواطناً سورياً، أعلن أنني أتمنى ألا أرى جندياً أجنبياً في بلادي، وطالما وددت أن يبقى الصراع السوري شأناً سورياً داخلياً، ومهما أسرف النظام في العنف وفي قتل الشعب، فإنه لن يقوى على إبادته، ولو حدث واستولى على سوريا كلها، بافتراض خروج روسيا وإيران والمليشيات الطائفية، فإن بقاء النظام سيكون محالاً، ولن تستطيع التنظيمات الدينية المتطرفة بمختلف ولاءاتها، طمس أهداف الشعب في الحرية والكرامة وبناء دولة مدنية ديمقراطية.
لقد كان التهديد قبل شن الضربات الأخيرة موجهاً لروسيا وإيران، لكن الضربات تحاشت هذا الصدام الذي كان مرشحاً لتصعيد يشمل المنطقة كلها، وربما كان سيضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة.
لكن السؤال المهم: ما الذي حققته الضربات على الصعيد السياسي للقضية السورية؟ وهل فهم الروس أنهم لا يستطيعون تغيير النظام الدولي الأحادي القطب، وليس بوسعهم التفرد بسوريا والمنطقة، وأن الولايات المتحدة هي القوة الأعظم عسكرياً في العالم؟ وهل فهمت الدول العظمى الأخرى أن أي استهتار بمكانة أميركا سيعرضها لمثل الإهانة التي تلقتها روسيا؟ وهل فهمت إيران أنها تحت السيطرة الأميركية، ولن تكون قوة إقليمية تتفرد بأي بلد خارج القواعد الأساسية للحراك الدولي؟
لقد كسب ترامب حضوراً أقوى أمام ناخبيه، وحاول ماكرون إعادة حضور ما لفرنسا في منطقة كانت على مدى القرن العشرين تعتبرها ساحة نفوذها السياسي، وتمكنت ماي من أن تبرز كزعيمة حازمة في بريطانيا وقوة أوربية لا يستهان بها رغم خروجها من الاتحاد الأوربي.
لكن الذين غابوا عن الحدث الكبير هم الثوار السوريون، ولئن كان النظام يحتفل بالنصر لنجاته من التهديد مرحلياً، فإن المعارضة التي تنتظر مسعى دولياً حاسماً لإيجاد حل، لا ترى أفقاً واضحاً ما لم يتم سحب أوراق رعاية المفاوضات من روسيا المنحازة للنظام، وما لم تقم الدول التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري بمهمة إدارة التفاوض بنفسها للوصول به إلى حل مقبول.
ولا يمكن الوصول إلى حل يقبل به الشعب ويعود من خلاله المهجرون إلى وطنهم، وينتهي معه الاقتتال، إلا بوقف كل التدخلات الخارجية، وإنهاء الأحلام الانفصالية، وإقامة هيئة حكم انتقالي تشارك فيها كل الأطياف والمكونات الوطنية، لإنهاء الديكتاتورية التي قادت سوريا إلى الجحيم والدمار الشامل.