قبل أي توحد.. لابد من "تبييض السجون"
مما لاشك فيه أن التغيرات التي طرأت على الساحة العسكرية في الشمال السوري أبرزها فك الارتباط لجبهة النصرة بتنظيم القاعدة، وفتح صفحة جديدة تتطلع للتوحد والاندماج بين الفصائل، قد لاقت ترحيب كبير في الأوساط الشعبية والعسكرية على مستوى الفصائل، والتي يتطلع الجميع لبدء صفحة جديدة في الشمال السوري تطوى فيها جميع الخلافات والإشكالات التي حصلت طوال السنين الماضية، وتبدأ مرحلة تندمج فيها القوى العسكرية في كيان واحد لضمان استمرار الساحة، والتصدي لكل محاولات قوات الأسد وحلفائه لتطويق المنطقة والسيطرة عليها.
ومع بدء الإعلانات المتتالية عن اقتراب ظهور كيان جديد موحد يجمع العديد من الفصائل أبرزها جبهة فتح الشام، بدأت الصيحات في الداخل السوري تتعالي مطالبة باتخاذ خطوات تمهيدية لهذه العملية التوحدية، تقتضي إصلاح الأخطاء السابقة وعدم تكرارها، وذلك يتطلب أولاً كبادرة لحسن النية تجاه الشعب والثورة، أن تبيض السجون من الشباب الثائر المعتقل بتهم الانتماء لفصائل فسدت بعض قادتهم، فحولتهم لسجناء في ظلمات الأقبية التابعة للفصائل العسكرية في الساحة.
"تبييض السجون" لا يعني إطلاق سراح المجرمين والقتلة وكل من ارتكب الجرائم بحق الثورة، بل تبيضها يتم بإطلاق سراح المئات من المعتقلين ممن لا ذنب لهم إلا أنهم تبعوا لفصيل فسدت بعض قياداتهم، فعم العقاب على الجميع، وملئت السجون بالشباب الثائر، بعد أن جردوا من سلاحهم وأفرغت الساحة من كل من ينتسب لهذه الفصائل، أيضاَ أفرغت الساحة من عشرات العناصر والقادة والناشطين الشرفاء، ممن لوحقوا بذات التهم دون الرجوع لتاريخهم الثوري وعملهم في خدمة الثورة، فأخذو بأخطاء البعض ممن كانوا بينهم في فصيل واحد.
وهذه الدعوة لا تشمل جبهة فتح الشام فقط بل تطال جميع الفصائل الثورية في الساحة الشامية لتبييض سجونها من أبناء هذا الشعب، وإدخال البسمة والفرحة للمئات من العائلات ممن لا تعرف ما هو مصير ابنائها في سجون الفصائل، والتي كانت تخاف عليهم من اعتقالات الأفرع الأمنية للنظام، ليكون اعتقالهم على يد رفقاء السلاح والخندق، إما لتصفية حسابات شخصية أو بتهم متعددة.
وللمتابع لتطورات الأحداث في الساحة يعي جيداً كيف سعت بعض الدول الغربية لتفريغ الشمال السوري من الشباب وذلك من خلال فتح أبواب الهجرة باتجاه الدول الاوربية، أضف على ذلك التغيرات العسكرية في الشمال والاعتقالات التي طالت المئات من القادة والشباب الثائر وزجت بهم في السجون، إضافة لهجرة المئات خوفاً من الاعتقال، بل وتورطهم في كيانات جديدة بدعم وأوامر غربية جعلتهم لقمة سائغة لها، تديرهم وتحركهم كيفما تريد، بينما ينعم المفسدين في فنادق الدول المجاورة، وقد أفلتوا من الحساب والعقاب، بل منهم من غادر باتجاه تركيا تحت مرآى ومسمع قادة الفصائل ذاتها وربما بمساعدتهم، ليحاسب الصغير ويترك الكبير حراً طليقاً.
والساحة اليوم تتطلب تكاتف الجميع ووقوفهم في صف واحد ضد كل القوى الاستعمارية التي تحاول تطويق المنطقة والسيطرة عليها، بدعم وتحت غطاء دولي من كل دول العالم التي تآمرت على قضية الشعب السوري، فلتكن مبادرتنا اليوم ودعوتنا لتبييض السجون هي بادرة أولى لحسن النية والبدء بمرحلة التكاتف والتلاحم وكسب جميع الطاقات والشباب في السجون وأيضاَ من أجبروا على الخروج من مناطقهم لدول الجوال خوفاً من الاعتقال، فلتعد الطاقات لمواقعها وخنادقها، وتكن تحت الصرح الموحد الذي سيشكل عما قريب.