في “رمقة” المغادرين .. هناك سكين تغرس في الروح
لا تخفي دموعك ، فهي من النوع الذي يجب أن يظهر و يتجلى أكثر من وجهك المغبر ، وجهك الذي لُطم و جُرح و تحول لعبارة عن مجرى دمٍ تارة على يتخذ لوناً أحمراً من عروقك و مرات شفافاً يعبر عن خلو روحك.
قد لا يكون من المؤثر أن ترى في رمقة تلك الراحلة في الحافلة أي شيء يدل على الانكسار ، فأنت تجلس بعيداً لحد النسيان لمشاعر انسان ، كل ذنبه أن بقي يدافع عن وجودك و كيانك و هويتك ، الأهم كرامتك التي من الممكن أن تعود لك في فترة ما ، و لكن في الحقيقة في تلك الحافلة التي لُوينت أخضر ، سيذهب معها الأوكسجين و خضرة الأرض إلى غير عودة ، فهنا لا تبدل للفصول ، و إنما هو رحيل بلا عودة ، هو عملية “التصحر” التي تضرب ذاوتنا.
رجلٌ يحمل في “كيس” أبيض اللون خارجياً ، آلاف القصص السوداء التي تجرعها من خذلان و تخلي و ترك ووحدة ، فقد، عزلة ، نسيان ، نتيجة حماقة، قلة كرامة يتقن لبسها من قبل الجميع ، دون استثناء الأقربون من حملوا السلاح دفاعاً عنه ، ووصولاً إلى كرة أرضية عبارة عن عجلة تدهس الروح قبل الجسد ، دون أي شعود بأي شيء ، فلا أشواك تحملها لتقض ما تحتويه من “هواء”.
في المعضمية اليوم يغادرها ثلاثمئة روح إلى مكان بعيد عن “المعبد” الذي خلقت لتطوف حوله ، بناء على اتفاق فُرض و وُقع و يُنفذ ، دون مشورة أو تنبيه، و حتى رفاهية العلم به غير متوفرة ، فأنت عنصر في دورة طبيعية لـ”السفالة” الفجور ، لا أكثر ….
تختنق الكلمات و يضيع ترتيبها في ازدحام مشاعر قد يُعرف منها الحنق و الاختناق و الرعب ، أي مستقبل ينتظر أؤلائك المغادرون و إلى أين و كيف سيكون الحال ليس في المستقبل البعيد ، وحتى في كل “انقلاب” العجلة لدورة كاملة … فهنا يكون البحث عن الاوكسجين هو جُلّ التركيز و منتهى الطموح، حتى تنسى الممسك بالرقبة و يمنع ولوج سبب الحياة الظاهري ، بعد موتها فعلياً.