عن إنهاء الوجود الإيراني في سورية
يبدو أن تقليم مخالب نظام الملالي الإيراني في سورية قد بدأ بالفعل، انطلاقاً من الجنوب السوري، حيث جرت أخيرا تفاهمات دولية وإقليمية على ذلك، خصوصا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي لم تكن بعيدة عن غطاء أميركي، وأسفرت عن ترتيبات لسحب قوات إيران والمليشيات التابعة لها من مناطق جنوبي سورية، بما يعني إنهاء تغلغله بالقرب من حدود الكيان الإسرائيلي والحدود مع الأردن.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، إنما طاول مليشيات حزب الله في ريف القنيطرة، والتي انسحبت إلى ريف دمشق، وتحاول الالتفاف على التفاهمات، بدمجها بوحدات من بقايا مليشيات النظام والحرس الجمهوري. كما طاولت التفاهمات الروسية التركية قوات نظام الملالي الإيراني ومليشياته في الشمال السوري، وتحديدا في مدينة تل رفعت وما حولها، حيث اضطرت إلى الانسحاب مكرهة منها، تمهيداً لتسليمها للقوات التركية، حسب تفاهمات الساسة الروس والأتراك التي أبرمت عبر مسار أستانة.
ويبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية الخائضة في الدم السوري تحاول ترتيب صفقات من أجل التحديد النهائي لمناطق نفوذها في سورية، لكن ذلك سيتم فيما يبدو على حساب إنهاء وجود إيران، إذ ستفضي صفقة الجنوب السوري، بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن، حسبما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى "انسحاب كل القوات غير السورية من منطقة الحدود الجنوبية لسورية مع إسرائيل، في أسرع وقت".
والواقع هو أن تمادي ساسة إيران في مشروعهم التوسعي في المنطقة العربية بدأ بالأفول، والبداية من جنوب سورية، وتحديدا من القنيطرة ودرعا، حيث انتهى الزمن الذي كانت فيه سورية الساحة الأهم والأوسع لممارسة نفوذ هذا النظام، والذي أراده أن يصل إلى درجة احتلال البلد واستباحتها برمتها، كون هذا النفوذ وصل إلى الخط الأحمر بالنسبة إلى ساسة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، عندما شرع بالوصول إلى الحدود السوريّة "الإسرائيليّة".
وقد وجد ساسة موسكو الفرصة سانحة تماماً أمامهم للتخلص من الشريك والمنافس الحقيقي لهم في سورية، كونه يمتلك مشروعاً توسعياً احتلالياً، لم يخفه ساسة نظام الملالي، حين تخطوا دورهم في سورية، ولم يكتفوا بمجرد الوجود المليشياوي المتعدد الجنسيات. وشكل العامل الإسرائيلي عنصراً مساعداً وهاماً لدى ساسة الكرملين، وهو ما يفسّر الصمت الروسي حيال الضربات والهجمات الإسرائيلية الجوية لأماكن وجود مليشيات نظام الملالي وقواعده العسكرية، حيث لا تريد إسرائيل، بوصفها مشروعا احتلالياً استيطانياً، مشروعا توسعياً احتلالياً آخر منافساً لها، فاعتبرت تغلغل إيران في سورية خطراً يهدد أمنها، ووجهت ضربات عسكرية موجعة لمواقعه وقواعده فيها، من دون أي رد فعل من منظومات الصواريخ الروسية، ما يعيد إلى الأذهان وضع سورية بالنسبة إلى الساسة الروس إبّان الحرب الباردة، ويفسّر رغبتهم في التخلص من التغلغل الإيراني، أو على الأقل تحجيمه، ضمن تفاهمات روسية أميركية إسرائيلية بشأن الوضع السوري.
وظهرت إلى العلن التفاهمات ما بين الساسة الروس والإسرائيليين من خلال الزيارات المتكرّرة التي قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى موسكو، إذ تعهد الروس للإسرائيليين بإنهاء تغلغل إيران في الجنوب السوري، وما بعده، في مقابل أن يسمح ساسة إسرائيل لبشار الأسد البقاء في كرسي الرئاسة، بوصفه أفضل من حافظ على أمن إسرائيل، وحرس حدودها من الطرف السوري، منذ ورث السلطة من أبيه، الذي قام بالدور نفسه طوال فترة جثومه على صدور السوريين.
وليس ساسة الولايات المتّحدة، ومعهم الاتحاد الأوروبي، بعيدين عن هذه الصفقات والتفاهمات الروسية الإسرائيلية، بل هم رعاتها وشركاء فيها، حيث يريد الأميركيون مقايضة تفكيك قاعدة التنف العسكرية الأميركية، في مثلث الحدود السورية - العراقية – الأردنية، في مقابل إبعاد قوات إيران ومليشياتها عن الجنوب السوري، في صفقة تُوضع الترتيبات النهائية لها، وخصوصا بشأن الجدول الزمني لتنفيذ بنودها.
وفي الشمال السوري، أنجزت التفاهمات الروسية التركية انسحاباً لمليشيات نظام الملالي من مدينة تل رفعت، ودخول قوات تركية وفصائل معارضة سورية إليها، في مقابل انسحاب فصائل سورية معارضة من مناطق في محافظة اللاذقية، في محاولة من الروس تعزيز وتأمين قاعدتهم العسكرية في مطار حميميم التي سبق وأن تعرّضت إلى هجمات عديدة أخيرا، بطائرات من دون طيار (درون)، وهذا ما يؤكد اتساع الهوة بين ساسة روسيا وساسة النظام الإيراني في سورية.
إذا، في هذه الصفقات والتفاهمات ما بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية، لن يجد نظام الملالي من يدعم مشروعه التوسعي، لا في سورية، ولا في سائر المنطقة، وإذا أضفنا ما تمخضت عنه الانتخابات العراقية، والدعوات إلى عدم تدخل إيران بالشأن العراقي والحدّ من نفوذها، فإن على ساستها أن يتعودوا على اللطم بقوة في طهران وقم ومشهد وسواها من المدن الإيرانية، والانكفاء نحو الداخل الذي يدفع ضريبة تدخلاتهم الأخطبوطية في المنطقة، فهم غير قادرين على مواجهة هذا التحالف الدولي الإقليمي في وجه تدخلاتهم.