داعش وقسد وجهان لعملة واحدة
داعش وقسد وجهان لعملة واحدة
● مقالات رأي ١٧ أغسطس ٢٠١٦

داعش وقسد وجهان لعملة واحدة

في مؤتمر جنيف أصر وفد سلطة الأسد أن يدرج بند محاربة الإرهاب قبل الدخول في مناقشة أي بند آخر مع وفد المعارضة.

الحق أقول لكم أنا استسخفت هذا الطلب من وفد السلطة، وقلت لحالي: هذا الوفد يظن نفسه " صيّاد غُشُم ".. هل يُعقل أن توافق الأمم المتحدة الطاهرة العفيفة.!!، وهل يُعقل أن ترضى أميركا حاملة راية حقوق الإنسان، والمناصرة للشعوب المضطهدة على مثل هذا الطلب الخرافي.!؟.
ولكن الذي ظهر فيما بعد أنني أنا الذي كنت غشيماً حقاً، ولم أفهم كم هي حقيرة تلك اللعبة التي كانت تُلعب في تلك الأيام. فبعد سنوات من المماطلة والأخذ والرد ذاب الثلج وبانت الحقيقة المرة.
فاليوم لا أميركا ولا الأمم المتحدة أصبح يهمها مصير الشعب السوري ولا مآسيه التي تتراكم يوماً بعد يوم بفضل همجية الروس وحقد الأسد. كل ما يهم الجميع اليوم هو محاربة الإرهاب، وعلى رأسها داعش.
منهجية أميركا تكمن في شعارها المطروح " محاربة داعش دون الأسد ". وهدف روسيا هو محاربة الإرهاب، بأشكاله وألوانه من أجل حماية الأسد. والقصد أولاً وأخيراً هو تمزيق سورية كوطن وإبادة الشعب السوري قتلاً وتشريداً، لتخلو الساحة لفئتين، ولا ثالثة لهما، فئة الأسد وتابعيه، وفئة صالح مسلم وحزبه الديمقراطي الكردي، فهما الفئتان المؤهلتان لتمزيق سورية.
ولكي تنجح أميركا في نواياها غير الطيبة، توجهت لصناعة معارضة " عزّ الطلب "، بحيث تملك جيوشاً لا هم لها سوى محاربة الإرهاب.. ولا أريد هنا أن أذكر جيش أحمد الجربا ولا جيش جمال معروف أو غيرهما، وإنما أركز فقط على تصنيع صالح مسلم وقواته الكردية.
في بداية الثورة كان صالح مسلم واحداً من هيئة التنسيق السورية، وحينما لم يصنعوا له مركزاً مرموقاً بالهيئة يليق بمقامه العالي، غضب وانسحب وتوجه نحو الشمال السوري، حيث كان ينتظره دوره المرسوم والمقرر من قبل السياسة الأميركية. وهناك وضعت أميركا صالح مسلم على سرير الفحص السياسي وقامت بمعاينته، فوجدته مؤهلاً جسدياً وعقلياً لتنفيذ ما تريده تلك الــ أميركا من مخططات لتخريب الوطن السوري، وتغافلت عن أن حزبه الديمقراطي الكردي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردي، والمصف عالمياً في قائمة الإرهاب.
في تلك الأثناء بدأ الجيش الحر يفرض سيطرته على مناطق متعددة في الشمال السوري، وفجأة ظهر تنظيم الدولة الإسلامية قادماً من الشرق العراقي لإعلان الخلافة الإسلامية.!!، ولكنه لم يتوجه لمحاربة سلطة الأسد، وإنما راح يسلب الجيش الحر ما يملكه من أراض متحررة..
وفجأة ظهرت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني " البا يا دي " بقيادة صالح مسلم، وبدأت تفرض وجودها في أرض الشمال السوري، وتتحدث عن الإدارة الذاتية كمقدمة لتشكيل الدولة الكردية المنشودة، وهذا ما دعاها لفرض التجنيد الإجباري على الشباب الكردي، وأخذت بنصيحة الفكر الأميركي والغربي الذي يهوى الحديث عن المساوة بين الجنسين، فسارع إلى تجنيد البنات الكرديات كظاهرة حضارية، ولا بأس لو اختطفهن من بيوتهن وتجنيدهنّ غصباً عن عنهن وعن أهاليهن. كما أخذ بنصيحة علماء النفس الإعلاميين بإظهار الكرديات المجندات بمظهر حضاري رائع، حتى ولو كنّ في قلب المعركة، والمظهر هو في غاية الأناقة والنظافة والتهذيب والتصرف الحيادي التام تجاه الجنس الآخر، حتى ليظن المشاهد أن تلك المجندات الكرديات، وكذلك المجندين، ليس لهن أجهزة تناسلية.
ومثلما فعل الإعلام العالمي في تمويه وتحسين صورة مجندات البا يا دي، كذلك فعل العكس بــ " حريم " الإرهابيين اللواتي نشط الإعلام العالمي في تشويه صورتهن، وانتشر مصطلح " جهاد النكاح " كما تنتشر النار في الهشيم، حتى تحولت نساء أولئك " الإرهابيين " لمجرد جسد حيواني لإشباع غريزة أمراء الجماعة.
وقد نسج الإعلام آلاف الحكايات الكاذبة حول جهاد النكاح، حتى أن إحدى المراسلات الشهيرات بمواقفها الصادقة وأمانتها الإعلامية، وبعد تغطيتها لأحداث الثورة في بعض المناطق المحررة بصورة مهنية سليمة.. هذه المراسلة لم تسلم من ألسنة السوء، فقامت بتشويه صورتها الإعلامية، وادعت أنها قدمت جسدها الجنسي طائعة راضية لأمير إحدى الجماعات الإرهابية، إيماناً منها بمبدأ " نكاح الجهاد ".
ويبدو أن صالح مسلم قرأ التاريخ جيداً، وأدرك أن الأسلوب الدكتاتوري هو الأقدر على البقاء والنجاح، فقامت ميليشياته بتصفية معارضيها، كما فعلت حين اغتالت السياسي الكردي " مشعل تمو " الذي كان يسعى إلى حصول الأكراد على حقهم الطبيعي ضمن الدولة السورية الواحدة، كما قامت مؤخراً بنفي إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكردي في سورية.. ثم راحت هذه القوات ترتكب المجازر في المناطق والقرى العربية وتحرق وتدمر وتهجر سكانها العرب والتركمان وغيرهم، تمهيداً لقيام دولة ذات عرق كردي نقي.
كل ذلك كان بإشراف أميركا ورعايتها ومساندتها ومساعدتها ومد الميليشيا الكردية بالمال والسلاح، حتى أصبحت قوة ضاربة في الشمال السوري إلى جانب قوة تنظيم الدولة، لاسيما بعد هيمنتها على مدينتي عين العرب وتل أبيض، وطرد تنظيم الدولة منهما. أما قوة الجيش الحر فقد انطحنت في تلك المناطق برحى القوتين المذكورتين.
حين رفعت أميركا شعار محاربة داعش دون الأسد، تقدمت قوات البا يا دي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، ولا باس لو شاركها بالحملات العسكرية بعض العربان والسريان والتركمان الهامشيين، كنوع من التطعيم التعددي.!!. دون أن يكون لهم أي كلمة أو رأي، وقد أطلق على هذه القوة اسماً تمويهياً، هو " قوات سورية الديمقراطية " والتي عرفت فيما بعد باسم " قسد "، تيمّناً بتحويل اسم دولة العراق والشام الإسلامية إلى " داعش "..
وأخيراً جاء دور مدينة منبج لتخليصها من براثن داعش. ومن هو المؤهل لذلك غير " قسد ".!؟. وهكذا انطلقت قسد تحت سقف راية الحزب الديمقراطي الكردي، وتخلصت منبج بعملية أسطورية فاضحة، هي أشبه بسيناريو فيلم هندي من النوع البطولي الخارق.
هذا الانتصار الباهر طبّل له المطبّلون وزمّر له المزمّرون، ودبك له الدابكون، ومنهم الفرنسي " هوبير " الذي قاتل مع الميليشيا الكردية في منبج، وهو يعدّ نفسه من أهل البيت الكردي حين يقول: إنّ تحرير منبج بمثابة انتصار، والنقطة المقبلة ستكون مدينة عفرين في حلب ". كما أن أحد قادة الميليشيات الكردية أهدى النصر في منبج إلى عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني الإرهابي.
وفرح الكثيرون ممن يدعون الانتماء إلى المعارضة السورية بذلك، بعد أن استحمّت عقولهم بظاهرة " محاربة الإرهاب "، ولم يدركوا أن منبج تخلصت من براثن طير البوم لتقع في شباك ذئب ضار، وإن قوات سورية الديمقراطية تخطط لقيام دولة كردية تكتسح الشمال السوري كله.
وسواء نجح التخطيط أم لم ينجح، المهم هكذا يفكر صالح مسلم وحزبه، وإنه لو نجح فلسوف يبقى الصراع بين العرب والكرد إلى أبد الآبدين، وقد وعى هذه المسألة الشرفاء من الأكراد، ومنهم ´جيان عمر " الناطق باسم تيار المستقبل الكردي حيث يقول في برنامج تلفزيوني حواري: إن قوات سورية الديمقراطية مكونة، من ميليشيات كردية وأخرى تابعة للنظام، وهذه القوات ترتكب العديد من الانتهاكات ضد الآخرين، وقال أيضاً، وهنا بيت القصيد، أنا لست سعيداً في أن تحل قوات سورية الديمقراطية محل داعش، فكلاهما منظمتان إرهابيتان. ".
طبعاً تحرير.!!. منبج أفسعد بعض القنوات الغربية والعربية ومواقع التواصل الاجتماعي، فقوات سورية الديمقراطية هي المخلص من آلام داعش، وقد أظهرت هذه القنوات والمواقع صوراً تظهر بعض الناس وهم يحلقون ذقونهم في الشوارع، وصوراً أخرى لنساء يدخنّ السجائر، تعبيراً عن الحرية التي حصلنَ عليها في ظل قوات سورية الديمقراطية، وكلها سيناريوهات مفبركة وكاذبة.
وأخيراً أثبتُ منشوراً قصيراً كتبته على صفحتي في التواصل الاجتماعي، فهو يعدُ خلاصة لكل ما سبق:
" منذ عدة أيام تحررت.!! منبج من داعش.
رقص العالم بالمحْرَمتين، وانشغل بهذا الحدث التاريخي.
وشربت العجوز المنبجية السيكارة احتفالاً بهذه المناسبة العظيمة.
حتى وزير الدفاع الأميركي هنأ قوات صالح مسلم الكردية على هذا النصر العظيم.
ولكن المفارقة أن الجيش الحر استطاع البارحة أن يحرر بلدة " الراعي " على الحدود التركية، ويطرد داعش منها، لكن العالم صمت، كما لو أن هرّة جائعة أكلت لسانه.
من هنا أقول: لو أن الجيش الحر طرد داعش من منبج ، فإن العالم سوف يصمت بالتأكيد، وسوف يطنّش ويدعي أنه لا علم له بذلك.!. ".
سؤال أخير لا أريد جواباً عنه: لماذا ساهمت طائرات التحالف مع الميليشيا الكردية بضرب داعش في منبج، ولم تساهم مع ثوار الجيش الحر بضربه في بلدة الراعي.!؟.

 

الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ