حكمة حسني.. وما يجري في حلب
أصدق جملة أو حكمة قيلت خلال القرن العشرين المنصرم، هي تلك العبارة التي قالها الممثل نهاد قلعي ولقبه حسني البورظان، والعبارة هي: «إذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا يحصل في البرازيل».
يومها كانت العبارة تحمل احتمالين؛ إما أن كاتبها أوردها لأجل الضحك والكوميديا المجردة من كل النوايا، وإما أن الغطاء مكشوف عن بصيرته للدرجة التي أصبحت العبارة في القرن التالي أي الحادي والعشرين، من أساسيات حياتنا.
ومثال على ذلك، فإذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل اليوم في حلب السورية، فعلينا أن نعرف ماذا حصل في اجتماع الرئيسين أردوغان وبوتين، بعيداً عن التصريحات الإعلامية المعدة سلفاً، مثل عبارات: «التعاون المشترك والعلاقات الاستراتيجية والمصير الواحد وتحسين العلاقات بين البلدين والرؤية المشتركة».. كل هذه العبارات لا تسمن ولا تغني من جوع الأطفال في حلب، بل نريد أن نعرف إلامَ توصل الجانبان بعد أن يتم إخراج الصحافيين من القاعة وترضيتهم بكم صورة يأخذونها للرئيسين وهما يبتسمان ويتصافحان؟
على أغلب الظن أن هناك قراراً واحداً مصيرياً سيحدد الوضع، ليس في حلب وحدها، بل وفي كل سوريا، هذا القرار يفسره كل طرف من طرفي الصراع السوري لمصلحته، فالموالون للنظام سيرون فيه خيراً لهم لاعتقادهم بأن حلفاءهم الروس لن يخذولهم، وبالتالي سيرسون بمركب الحل في مينائهم، بينما سيعتقد المعارضون بأن القرار سيكون لمصلحتهم ثقةً منهم بموقف تركيا من المعارضة التي تتخذ من الأراضي التركية ملاذاً آمناً.
وهذا القرار المصيري سيكون معقداً للغاية و«مشربكاً» أكثر من شربكة سماعات هاتف بيد سائق سيارة رن هاتفه فجأة بوجود شرطي مرور أمامه، وسبب تعقيد هذا القرار أنه حتى لو اتفق الرئيسان المجتمعان عليه فلن يكون من السهل تطبيقه، لأن الأمر اليوم بسوريا لم يعد بيد أحد، وهذه حقيقة، هو نوع من أنواع «توازن الخراب»، أي لا تمنح الفرصة لطرف أن ينتصر على طرف آخر، ولا أحد يريد لطرف أن يتغلب على الثاني، ومن باب الفلسفة العسكرية يسمونه «كرّاً وفرّاً»، ولكن في الواقع هو دعم متوازن لكل طرف من الأطراف، كي يبقى الوضع كما هو عليه.
بكل الأحوال، فحلب هي نصف المعركة، وأي طرف يكسبها سيكون كسب نصف سوريا، إلا إذا صحت التصريحات المتعلقة بتقسيم سوريا.
فاتني أن أخبركم بان عبارة حسني البورظان قالها في مسلسل اسمه.. «صح النوم».