تحرير الشام تنقلب على نفسها ... تصريحات تناقض أفعالها واعتدال فاق الوصف
تنتاب القارئ لأول تصريحات إعلامية لـ "الدكتور يوسف الهجر" مدير المكتب السياسي المحدث مؤخراً في هيئة تحرير الشام، حالة من الذهول للوهلة الأولى بعد قراءتها، كونها تحمل في طياتها تناقضات كبيرة، وتبرز بشكل واضح حالة الانقلاب على النفس مع الحفاظ على عقلية العسكر والقوي والفصيل القويم وحده.
تصريحات "الهجر" في كل كلمة قالها تعكس ذات العقلية العسكرية التي عودتنا هيئة تحرير الشام عليها في انهم الفصيل القوي والوحيد القادر على حماية ثورة السوريين، وأنها هي وحدها الوصية على الشمال السوري، وجه من خلاله رسائل عدة أبرزها أن حل الهيئة ضرب من الخيال وأنها ستبقى القوة المسيطرة ولكن بالشكل الجديد القائم على الانفتاح أكثر على ماكانت تحاربه سابقاً.
حرص الهيئة على ثوابت الشعب السوري هي السمة البارزة، والهيئة لم تفاوض ولم تقبل بأي من مخرجات أستانة أو اتفاقيات الدول المعنية بالشأن السوري ولكنه أغفل أن يعترف أنها هي من نفذت الانسحاب من شرقي السكة وسلمت أرضاَ واسعة تقدر بربع مساحة إدلب تطبيقاً لهذه المخرجات، يعكس في كلامه ذات التبريرات التي ساقها "الجولاني" إبان حديثه عن قضية شرقي السكة.
العلاقة بين الهيئة وتركيا متوازنة ومستمرة بحسب كلام "الهجر" أما الحرب الإعلامية والتجييش العسكري واستعراض الأرتال على الحدود السورية التركية وتعزيز مواقع الهيئة لأشهر وأعوام طويلة، وإنهاء فصائل عديدة باسم التعاون مع الغرب وتركيا ليس بأخرها أحرار الشام هو مانسي "الهجر" استعراضه في تاريخ الهيئة مع تركيا.
واعتبر "الهجر" أن نشر النقاط التركية في شمال إدلب ليس تطبيقاً لمخرجات أستانة بل هو موقف يطابق موقف الثورة السورية لتحقيق مصالح عليا، في وقت ليس ببعيد وحتى اليم لاتزال قيادات وعناصر الهيئة وفي جل أحاديثها بين العوام تعتبر دخول تركيا "احتلال" وتنكر حتى أن تنسيق دخولها كان بالتنسيق معها لاسيما أنها كانت تدخل وفود الاستطلاع والأرتال تحت جنح الظلام وتؤمن حمايتها.
ولم ينس "الهجر" التأكيد من جديد على أن الهيئة هي شعب الله المختار وهي صمام الأمان والاستمرار للثورة السورية وجهاد أهل الشام، وعن توقف العمليات العسكرية ضد النظام منذ اكثر من عام والالتزام بمخرجات الاتفاقيات الدولية حول وقف العمليات هذه استدرك الهجر بالقول إن انتشار النقاط التركية لن يمنع من إسقاط الطاغية وأن السلاح لازال موجود.
مواكبة عمليات التهجير يستلزم وضع خطة من قبل الهيئة نفسها لإنقاذ الحواضن الثورية وحماية شعب الثورة المهجر للشمال السوري، كيف لا وهي من قامت باعتقال خيرة قادة الثورة الذين قدموا التضحيات أبرزهم "النقيب سعيد نقرش" وعشرات النشطاء الخارجين من حصار النظام لسنوات بعد كل مابذلوه، وهي من حاولت إخضاع ثوار الزبداني وقيادات داريا وثوارها.
وعن الصراع الدولي ونقله للداخل السوري كان جواب "الهجر" بالرفض المطلق له، متناسياً ماقامت به الهيئة من تصفية حسابات الدول العربية والغربية من خلال إنهاء عشرات المكونات الثورة من فصائل الجيش السوري الحر وغيرها من الفصائل تبعاً للمتغيرات الدولية والمصلحة الرئيسية للهيئة في التسلط وبناء الكيان على حساب الجميع حتى اصتدمت مؤخراً بمواجهة كبيرة من قبل صقور الشام وجبهة تحرير سوريا وضعت لتمردها ضد الجميع حداً فاصلاً.
تحقيق المصلحة العليا بحسب "الهجر" وتحقيق الأمن المفقود منذ سنوات وبناء الدولة هي ماتقوم عليه تحرير الشام من خلال تمكين سلطتها في المحرر وبناء كيانها المدني والعسكري على حساب المدنيين وأرزاقهم وعذاباتهم باسم نصرة الشعب وحمايته.
هذا الانقلاب الواضح والاعتدال الذي فاق الوصف بحسب مراقبين يرسم معالم مشهد جديد من مشاهد عمليات الالتفاف التي ينتهجها الجولاني وجماعته لتحقيق مصالحهم ولو على حساب أبناء الثورة، تخلت الهيئة على جل مبادئها وشعاراتها التي رفعتها اليوم في سبيل الاستمرار ضمن المرحلة القادمة، لاتغير إلا بالشعارات والتقرب أكثر للثورة فمتى سيرفع الجولاني علم الثورة ويقول هذه كانت رايتنا...!؟