بماذا يبتز بوتين ترمب؟
رغم كل تصريحاته النارية والمثيرة للجدل إلا أن الرئيس الأميركي ترمب يعرف كيف يقف على حافة الهاوية. كان ذلك صحيحاً حتى قبل ثلاثة أيام فقط حين انزلقت قدمه في المؤتمر الصحافي مع الرئيس الروسي بوتين.
ولأول مرة أيضا منذ أن أصبح رئيساً يتراجع سريعاً ويعزو السبب إلى إساءة في التعبير وبأنه لم ينوِ التقليل من أهمية النتائج التي كشفتها المخابرات الأميركية بتدخل الروس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. عذر مختلق ولكن ترمب العنيد لم يتحمل حرارة النيران العدوة والصديقة أيضا، خصوصاً من زملائه الجمهوريين ومن الذكاء أنه تراجع سريعاً وسحب الزخم العدائي الهائل من خصومه الذي سيوظف لإضعاف شعبيته وإظهاره بصورة الضعيف والخائن والمتواطئ.
ترمب أقر بالتدخل وقد صرح بذلك في السابق بلا حماسة ولكنه يرفض اتهامين مهمين يريد الديمقراطيون أن يثيروا حولهما الغبار. الأول أنه يرفض أن التدخل كان له تأثير على النتائج النهائية، أي لم يتم تلاعب في النظام وحساب أصوات مزيفة له. وهذا صحيح ولا يوجد أي دليل حول ذلك. وسبب الرفض المكرر أن أي اعتراف منه يعني نزع شرعيته كرئيس وتقليل من أهمية انتصاره ويزيد من الدعوات المستمرة للإطاحة به. الاتهام الثاني هو أن هناك تواطؤا بينه وبين الروس، وهي تهمة تتردد منذ وصوله إلى البيت الأبيض ولم تثبت حتى الآن وغالبا لن تحدث. وكل الأحاديث عن أن بوتين والاستخبارات الروسية تمسك على ترمب مستندات خطيرة تبتزه بها وتجعله لين الجانب معها أو يتصرف كفتاة مراهقة عاشقة مع بوتين، هي مجرد سيناريوهات مؤامراتية تصلح لأفلام المغامرات والجاسوسية ولم يثبت منها شيء. وقد تم الترويج سابقا لتقرير يقول إن ترمب نام مع عاهرات في روسيا حينما كان ينظم مسابقات الجمال ولكن تم اكتشاف أنه تقرير مفبرك بالكامل.
ولكن لماذا يُظهر ترمب هذا السلوك المهادن مع الرئيس الروسي بوتين؟ في الغالب لأسباب سياسية واقتصادية بحتة، وقد وبخ قبل سنوات الرئيس باراك أوباما على طريقة الأستاذ والتلميذ في مقطع شهير منافسه على الرئاسة الجمهوري ميت رومني عندما قال إن روسيا أكبر خصوم أميركا. وفي ذلك الوقت كان الديمقراطيون من أكبر الداعين لمشروع الحوار والتقارب مع روسيا. ومن المرجح أن هيلاري كلينتون ستفعل ذات الشيء الذي يفعله ترمب بمد الجسور مع روسيا والتعاون قدر الإمكان لحلحلة المشاكل العالقة من كوريا الشمالية وحتى سوريا. وهكذا فعل غالبية الرؤساء السابقين لترمب بفتح قنوات دبلوماسية مع موسكو منذ روزفلت، وحتى في عز أزمة الصواريخ الكوبية لم تنقطع الرسائل المتبادلة بين كينيدي وخروتشوف. كل الهجوم الديمقراطي الذكي على ترمب بعد الهفوة التي ارتكبها سينعكس مديحا لو كان الرئيس ينتمي لحزبهم. في النهاية هي ملاكمة سياسية حزبية عنيفة وخشنة ولكن في حدود المسموح.
لكن الجديد في حالة ترمب هو أن هناك عداءً واضحاً وصريحاً من شخصيات نافذة كانت حتى وقت قريب تعمل في الاستخبارات الأميركية أو الـ"ف بي آي" وقام ترمب بإبعادها مثل جيمس كومي الذي نشر كتابا كاملا عن ترمب بعد مغادرته ووصفه بغير الكفء أخلاقيا لمنصبه، ومع الأزمة الأخيرة نشر تغريدة يطالب فيها بصراحة بالاصطفاف حول الديمقراطيين. وكذلك بيتر سترزوك أحد كبار المسؤولين عن تحقيقات التدخل الروسي كشفت رسائل له قال فيها إنهم سيوقفون ترمب من أن يكون رئيسا ردا على عشيقته المرتاعة، وفي رسالة أخرى يسخر من مناصري ترمب ويتحدث عن رائحتهم النتنة. ورئيس الاستخبارات السابق جون برينان لا يتوقف عن مهاجمة ترمب ويدعو للإطاحة به واتهمه بعد لقاء هلسنكي مؤخرا بالخيانة العظمى.
وهناك عدد آخر من شخصيات مهمة ناقمة تجعل ترمب يدخل في حالة الشكوك والارتياب بهذه الأجهزة السرية معتقدا أنها تتعقبه. أضف إلى ذلك الموقف الإعلامي منه وستكون الصورة أوضح: رئيس يستخف به لم يعتقد أحد أنه سينتصر يواجه شخصيات قوية ومؤثرة في المؤسسات المترسخة في واشنطن تعلن صراحة أنها تكرهه وتسعى للتخلص منه. من المؤكد سيخلق حالة من العداء المرير بين الطرفين. وعندما ارتكب غلطته بجانب بوتين لم يترددوا وسلوا سكاكينهم، ولكنها ستجرحه هذه المرة ولن تقتله كما يأملون.