الوقوع في الذاكرة المثقوبة
الوقوع في الذاكرة المثقوبة
● مقالات رأي ٤ فبراير ٢٠١٥

الوقوع في الذاكرة المثقوبة

 للمقاربة، ماذا لو أمسكت عصابات الأسد أو إحدى الميليشيات المقاتلة معه مقاتلاً وأحرقته لأنه أتى للقتال ضدها، ثم أنتجت فيلماً عالي الجودة (تقنياً).

أعتقد بأنه سيقعُ الكثيرون ممن يدعوننا الآن للتضامن مع الكساسبة في حيرة ـ بأحسن الأحوال ـ  أو أنهم لن ينبسوا ببنت شفة.

بعد الإعلان عن البدء بعمليات التحالف ضد تنظيم الدولة بدأت الاضطرابات في المواقف تنتشر بين صفوف من يقفون ضد النظام بشكلٍ أو بآخر، فمعظم المطّلعين يعلمون بأن هذه العمليات لا تحقق الأهداف التي تبنتها ومعظم المتابعين يعلمون أن التحالف لو عناه أمر الإنسانية والإرهاب في سورية لتدخل للتخلص من رأس الإرهاب المتجاوز لكل القوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقات المتمثل بعصابة الأسد والميليشيات المقاتلة معه، بينما التزم معظم موالي النظام (كعادتهم) بموقف قيادتهم المستعدة للتنسيق مع التحالف ضد كل المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد أو المتحالفين معه.

وبعد استهداف المدنيين جهاراً نهاراً من قبل طيران التحالف وارتقاء أكثر من (60) ضحية سوريّة واعتراف الإدارة الأمريكية الوسطى بقتلى مدنيين ـ يمكن الحصول على صور لكثيرٍ من الجثث المتفحّمة أو أشلائهم تحت الأنقاض ـ ، وبعد استهداف صوامع القمح (إحدى أساسيات الأمن الغذائي) لم تَعُد هالة الضوء موجهة إلى ما يقوم به التحالف الدولي والموقف منه، فبكل مرحلةٍ هناك ما يعنينا.

وبعد إسقاط الطائرة الأردنية وأسر طيارها ظهرت صورة تنظيم الدولة الذي يفاوض الأردن على أحد رعاياه منفصلةً عمّا سبقها، وبقيَ إعلام تنظيم الدولة يعرض القضية حسب ارتباطها مع طيران التحالف وقام باستفتاء ومفاوضات، وبقي الإعلام المضاد يعرض القضية مبتعداً عن طيران التحالف ومستخدماً مناشدات الأهل وسعي الحكومة.

وأخيرًا استعرض تنظيم الدولة (كالعادة) قدراته الإخراجية مروِّجاً لأسلوبه الوحشي، وقدّم مقطعاً هوليودياً ولكن هذه المرة (بطله) قُتِل.

وكأن بشاعةَ التنفيذ وجودة الإنتاج وشدة الانتشار ثَقَبَتِ الذاكرة من عدة أماكن، الذاكرة التي لا بد أن تحتفظ بأسماء السوريين الذين استهدفهم التحالف وصورهم المتفحّمة وصور أشلاء بعضهم تحت الأنقاض منتشرة، الذاكرة التي لا بد أن تحتفظ بإجرام نظام الأسد وعصاباته والميليشيات المتحالفة معه وإحراقها وقصفها للسوريين ومنها مجازر في درعا وحماه وغيرهما الكثير من عمليات الحرق، الذاكرة التي لا بد أن تحتفظ بمن ماتوا جوعاً ومَرضاً وبرداً تحت حصار قوات الأسد، الذاكرة التي لم تحتفظ بخبرٍ نُشر بذات يوم مقتل الكساسبة ويتحدث عن مقتل عائلة كاملة في بلدة الهول بريف الحسكة جراء غارة لطيران التحالف الدولي، الذاكرة التي تحتفظ بإرهاب الأسد ومن والاه والتي تحتفظ بإرهاب تنظيم الدولة أيضاً، ثم تنتفض للتضامن مع ضحيةٍ كانت جلاداً في أول المشهد وتنسى أو تتناسى  أن تُكرِّسَ هذه الجهود وهذا الوقت وهذه الأفكار وهذا العمل وهذا التضامن للعدو الأول الذي أحرَقنا وأحرق بلادنا ألف مرة قبل الكساسبة وقبل تنظيم الدولة.

          ولابد من القولِ أيضاً أنَّ قتلَ التنظيم بهذه الطريقة لـ الكساسبة ما هو إلا مستحضراتُ تجميلٍ توضع على وجه التحالف المُشوّه علّه يصبح مقبولاً، فإن لم يكن هذا التنظيم استخباراتياً بالصناعة لحاز بهذه التصرفات جائزة العمالة لكل من له غاية في إجهاض الجهود الثورية وحصرها واستنزافها، ولابد من القول أن التحالف وطيّاريه لم يرشّوا ماء الورد من طيّاراتهم على أراضينا وأهلنا.

          ولابد من القول لمن يتضامن مع الكساسبة بدعوى أن الإسلام هو أَنْعَمُ من ذلك ملمساً وأكثر أناقةً، ولم تسعفه ذاكرته بحرق المسلمين وقتلهم في كثير مناطق العالم والمجازر الحديثة التي افتُعِلَتْ بهم، والتاريخ الحديث جيدٌ بذلك، ولم يقرأ القنابل الموقتة التي زُرعَتْ وتُزْرَعُ بهذه التصرفات لتنفجرَ لاحقاً في مكانٍ ما، والمجازر المُرتكبة في سورية خيرُ دليل.

سأستغرب ممن يظن أن ما سبق تبريراً لإجرام تنظيم الدولة، أو دعماً لموقفها، أو قَبولاً بالقتل حرقاً، وأدعوه للقراءة مرةً أخرى.

وسأستغرب أكثر ممن يجيب أو يسأل عن حكم القتل حرقاً في الإسلام، وأسأله عن أي إسلامٍ تتحدث؟.

وكما قالت إحداهن (بئس القاتل والمقتول) وبئس القَتْلَة.

مجرمٌ قَتَلَ مجرماً.. لا أستطيع الانتصار لأحدهما أو لأقلهما إجراماً، كلاهما عندي سواء، ونظامُ الأسد في مقدمة الأعداء.

الكاتب: محمود الطويل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ