النظام السوري وتجيير الطوائف
مع اشتعال ثورات الربيع العربي، نهض الشعب السوري بثورته، مطالبًا بتحقيق الكرامة والعدالة، ورفع الظلم، الذي امتد عقودًا، عن كاهله، ولكن بدلًا من أن يستجيب نظام الأسد لمطالب الشعب ويعيد له حقه القانوني والدستوري والشرعي بالاختيار السياسي مارس سياسة القتل الجماعي والتهجير القسري والاعتقال التعسفي، وأظهر كل أنواع الحقد والقسوة ضد شعبه حتى على من يظنون أن النظام يدافع عنهم، ومنهم الطائفة العلوية التي يشكل أبناؤها عماد الجيش والمخابرات في تركيبة النظام السوري، فلم يتوانى الأسد الابن "القاصر" عن توريط الطائفة العلوية والطوائف التي تشكل جزءًا مهمًا من الشعب السوري، في حربه رغبًا ورهبًا.
أما من حيث الهواجس، فقد أوهم الطوائف أن التسلح هو الحصن الوحيد لهم، وعمد خلال حكمه الطويل على تنسيب معظم أبناء الطائفة العلوية لقوى الدولة المسلحة من حرس جمهوري وقوات خاصة، التي ارتبكت عدد من المجازر الطائفية في ثمانينات القرن العشرين في حماة وإدلب وغيرها.
وأما المطامع والمغريات، فقد حوَّل آل الأسد سورية إلى مزرعة وإقطاعات لأقربائهم وحاشيتهم، ومن يلوذ بها. لقد تسلط هؤلاء على مقدرات الدولة وأخذوا ما يحلوا لهم من الامتيازات والخصخصات، وتعدوا ذلك لمال الشعب وموارده، حتى بنوا إمبراطورية ثرية، زادت مدخراتها عمليات التهريب والتشبيح والسطو على الآثار والبنوك والموانئ العامة.
وبذلك، استطاع النظام الأسدي ربط الطوائف بخيار وحيد هو الدفاع عن النظام والموت في سبيله وخوض الحرب، ولو أدى ذلك لمقتلة كبيرة فيهم، وهذا ما رأيناه من استسهالهم لقتل الأبرياء عبر الصواريخ والبراميل، وخنقًا بالغازات السامة، ومن ثم استقدام الدول المحتلة وأساطيلها الجوية والميلشياوية الحاقدة. إذًا، شكل هاجس الخوف من الانتقام عن مجازر الثمانينات في تدمر وصيدنايا وإدلب، وحافز الطمع للحفاظ على الامتيازات الهائلة، ودور الماكينة الإعلامية التي عملت بجانب النظام منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة، وما تخلله من خطاب التفزيع وشعارات طائفية "العلوي في التابوت والمسيحي على بيروت" مثلًا، تمكن نظام الأسد من استقطاب جلَّ طوائف سورية (20 % من سكان سورية) إلى جانبه عامًا بعد عام، خاصة مع انتشار الجماعات التكفيرية في مناطق سيطرة الثورة "داعش والنصرة."، التي زادت الطينة بلة.
ولذلك من منطلق المبدأ الأخلاقي بأن لا يؤخذ أحدٌ بجريرة غيره، ومن منطلق مصلحي ألا نساعد النظام الأسدي على تكثير جنده وزج الرماديين من طائفته في المعركة ومنعًا لتوارث الأحقاد الهدامة لكل عيشٍ مشترك محتمل، نقول: إن أعظم هدية لأنظمة الظلم والاستبداد أن نجاري روايتها، بأننا نخوض معركة سنة مع شيعة، وذلك لأنها أنظمة فاشلة لا تملك أي مشروع أخلاقي إلا الاعتياش على الطائفية وتجنيد الدين لخدمة الشهوة والسلطة. وكذلك لا بد من تقييد وحش الطائفية وخير وسيلة لذلك هو التعريف الصحيح للثورات وحركات التغيير.
إن الثورة ليست ثورة إسلام على طوائف ومذاهب واثنيات، وإن كان المسلمون حملة رايتها وحاضنيها، فهذا شرف لنا نتفاخر به ولا نحتكره، لأننا نقوم بواجبنا السماوي وهو تحرير العباد من عبودية الظالمين.. إنها ثورة الشعب المظلوم على حكام مستبد ظالم، وثورة العلم على الجهل، والحرية على الاستبداد، وهي ثورة امرأة حرة على نخاس يقايض بكرامتها على ملذاته ومصالح زبانيته ...
ثورة الشعب السوري كبقية ثورات الشعوب الحرة، تعتبر موقف أخلاقي عنوانها الكرامة والعدالة والشرف والمروءة واجتناب للظلم والفساد والاستكبار مهما حشد له من مشايخ يفتون ويباركون تسلطه وظلمه وممارساته الإجرامية.
ومن منظور فقه الثورة السورية السلمية، نقول: إن ثورة سورية هي ثورة المظلوم السني والشيعي والمسيحي والدرزي والإسماعيلي والآشوري والكردي على الظالم العلوي والشيعي والسني والإسلام لا يعطي حصانة للمجرمين كما أن الكفر ليس من أسباب سقوط الحق والعدل بل العدل مع المخالف لديننا أشد وجوبًا. وبالتالي: إنها ثورة ليست لإنهاء الوجود الدرزي أو الشيعي أو المسيحي أو العلوي وإنما ثورة لإنهاء نظام عاهر فاجر يجيير كل الطوائف ويوظف كل المكونات في حماية أركانه وجلاوذته وفجاره.
ووفق هذا المنطلق في تعريف الثورة يجب أن تبقى يدنا ممدودة إلى كل حر بغض النظر عن موقعه المكاني أو انتماءه المذهبي في سبيل بلوغ العدالة وحكم القانون، بما في ذلك الطائفة العلوية، والعمل على إخراج الميليشيات الطائفية التي ساقتها إيران لتكمل سيرة ومنهجية التطييف التي بدأها الأسد الابن لسنوات. فمن هو الطائفي يا ترى؟ الشعب الذي نادى بالحرية أم النظام الذي خط مشاريعه الطائفية كل عام بدواة صلبة وحِبر أسود وأحمر قاتم؟