
أي مستقبل لأطفال سوريا؟
يدخل الصراع السوري هذا العام عامه الخامس من التمزّق، وهذه الخطوة الرهيبة تشير إلى 4 سنوات من تصاعد أعمال العنف والمعاناة بلا أفق واضح. وقد خسر عشرات الآلاف من المدنيين حياتهم، وفرّ الملايين منهم؛ فالمساكن والمستشفيات والمدارس جميعها مستهدفة من الهجمات المباشرة، ووجدت مجتمعات بأسرها نفسها محرومة من الحصول على المساعدة الإنسانية ومن الماء والمواد الغذائية، وانتشر انعدام الإنسانية خارج الحدود كما لو كان مرضًا معديًا.
تخيّلوا هذا الرعب في عيون الأطفال الّذين يعيشون هذه المأساة؛ فمساكنهم قد قصفت أو أخليت، واختفى أقاربهم وأصدقاؤهم، وقطع مسارهم المدرسي أو لم يبدأ أبدًا، وطفولتهم قد سرقت.
وحسب تقديرات اليونيسيف، أصبح هذا الصراع أكبر أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، ويضرب نحو 14 طفلًا في سوريا والدول المجاورة، ولم يعرف الأصغر سنًّا من بين الفتيات والصبيان الحياة بشكل آخر؛ فنظرتهم للعالم تسودها الاشتباكات والحرمان. أمّا لدى المراهقين الّذين دخلوا سنّ التأكيد على شخصيتهم، فالعنف والمعاناة حدّدوا ماضيهم إلى الأبد وشكّلوا مستقبلهم أيضًا.
وفي حين أنّ الشباب من العمر نفسه بدأوا القيام بخياراتهم عن حياتهم المستقبلية، يعاني أطفال سوريا من أجل البقاء على قيد الحياة، وقد واجهت الأغلبية منهم الوحشية المتطرفة واضطروا إلى العمل لتلبية حاجيات أسرهم، ويتمّ إجبارهم أحيانًا على الزواج، أو يتمّ تجنيدهم من قبل الجماعات المسلّحة.
فأي خيارات سيقوم بها هؤلاء الأطفال؟ وأي خيارات تتوفّر أمامهم؟ هل يؤمنون بمستقبل أفضل؟ وهل سيتخلون عن فقدان الأمل؟ وهل سيتركون الأفق المحدود لمستقبلهم غير المستقرّ؟ والأسوأ من ذلك كله، هل سيتحوّلون إلى العنف الّذي أصبح أمرًا اعتياديًا بالنسبة إليهم؟
قبل عام، حذّر المسؤولون الإنسانيون من خطر خسارة جيل بأكمله من الشباب؛ بسبب الفظائع واليأس ورؤية فرص مستقبل أفضل لسوريا والمنطقة تتضاءل. ولا يزال الخطر قائمًا إلى اليوم. فبينما يدخل الصراع عامه الخامس، لا يزال هؤلاء الصغار معرضين لخطر البقاء في دائرة مفرغة من العنف، وإعادة ما عانوا منه من وحشية على الجيل القادم.
وأمام هذا الأفق المظلم، ردّ المجتمع الدولي من خلال السعي إلى مساعدة هؤلاء الأطفال عبر المساعدات الإنسانية وأجهزة الحماية والتربية والدعم، ولكن هذا ليس كافيًا.
لا يمكننا التخلّي عن هؤلاء الشباب؛ بل على العكس علينا أن نوفّر النجاة للعدد الأكبر من بينهم قبل أن يبقوا مكتوفي الأيدي ويتخلّون عن مستقبلهم. لا يزال الوقت ممكنًا للتحرّك فالأمل لا يزال موجودًا، وعلى رغم الجروح والظلم وعلى الرغم من العجز الواضح للكبار في وضع حدّ للصراع الوحشي؛ لا يزال لدى الفتيات والصبيان الشجاعة والإرادة الضروريتان لمتابعة حياة أفضل.
هناك صبيان مثل علاء البالغ من العمر 16 عامًا فرّ من مدينة حمص قبل سنتين وانقطع عن الدراسة، ولكنّه حظي بفرصة الالتحاق ببرنامج تكوين مهني، واليوم ينظّم دروسًا موجّهة لأطفال آخرين. وهناك فتيات مثل كريستينا البالغة من العمر 10 سنوات والّتي لجأت إلى الجانب الآخر من الحدود في شمال العراق، وتعيش في مسكن للعائلات النازحة وتساعد الأصغر منها على القيام بواجباتهم مجاهدة بذلك على متابعة تعليمها.
كيف لنا عند رؤية إرادتهم أن نرفض الذهاب لمساعدتهم؟ وعندما نعلم أنهم فقدوا الأمل كيف نستطيع تثبيطهم؟
إذا ما بقينا مكتوفي الأيدي؛ ستؤثّر النتائج على الأجيال القادمة وعلينا جميعًا.
وهذه الأزمة الرهيبة تمسّ ملايين الأطفال ولكنها لا تتوقّف عند هذا الحدّ، وعندما يصبحون كبارًا سيقوم هؤلاء الأطفال باختيارات ستؤثر على مستقبل ملايين آخرين في بلادهم وفي المنطقة بأسرها. فهل سيكون مستقبل أمل ومصالحة أو عنفًا ويأسًا؟
الخيار الثاني لا يستحقونه، وهو بلا شكّ ما لا نريده.