"انتخابات المعارضة" ... مقارنة وتداعيات
"وكأن الثورة لم تلد سواهم ليتسلموا زمام المناصب في منصات المعارضة المتنوعة، حتى أنها باتت حكراً عليهم، لتتكرر أسمائهم في المواقع وفي كل انتخاب، يتبادلون الأدوار والكراسي، لتتغير الشخصية وتبقى عملية التدوير مستمرة"، هكذا يصف الشارع السوري الثائر، البعض القائمين على تمثيل منصات المعارضة السورية.
يقول آخرون أنه طيلة السنوات الماضية، ورغم كل ما مر فيه الحراك الثوري السوري في الداخل من مراحل قوة وضعف وانكسار، ورغم كل الظروف، لم تستطع مكونات المعارضة الخارجية ابتداءاً بـ "المجلس الوطني" وليس انتهاءاً بـ "الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية"، وغيرها، أن توحد جهودها لتخدم قضية ذلك الشعب.
بل كل ما أنتجته - وفق سياسيين - هو الخصومات والتكتلات والخلافات وبناء التيارات لتقاسم المناصب والسلطة، وتبادلها فيما بينهم، رغم كل المحاولات التي بذلت لتوحيد صفوف المعارضة سواء في "السعودية أو تركيا أو قطر" ودول أخرى كان لها دور في رعاية تلك المنصات، حتى وصل الحال للتهديد بالتخلي عنهم.
وقليلاً ما تخرج للعلن السجالات السياسية التي تدور في أروقة التفاوض أو ما يدور من مباحثات مع الدول التي تبنت منصات "المعارضة السورية"، والكثير من عموم الشعب يتهم تلك الدول بالتسبب في تشرذم المعارضة وتفريقها، عبر تمكين التيارات والشخصيات النافذة عبر الولاءات والانتماءات، لكن هذا غير صحيح وفق ما قال أحد الشخصيات التي حضرت بعض تلك الاجتماعات لشبكة "شام".
ويروى الشاهد الذي "فضل عدم ذكر اسمه" جزء من التفاصيل حول اجتماع المعارضة في "الرياض 2"، وكيف حاول مدير المؤتمر المكلف من السلطات السعودية، توجيه المعارضة لتشكيل فريق تفاوضي من مختصين سواء حقوقيين أو سياسيين كلاً حسب اختصاصه بما لايتجاوز 15 شخصاً، وتفريغ هذا الفريق للتفاوض مع تكفل المملكة بكل النفقات.
يقول الشاهد إن التيارات التي حضرت الاجتماع سواء من "الائتلاف وهيئة التفاوض" رفضت الطرح بشكل كللي، وفضلت تقاسم المواقع وفق التيارات والتكتلات لأن في الطرح السعودي تدمير لمشاريعهم واختصار للوقت والجهد، ويهدد مناصبهم ومحاصصاتهم، الأمر الذي دفع الوفد السعودي للانسحاب مستاءاً من هذا الموقف.
ولعل كثرة الأخطاء التي وقعت بها المعارضة المفككة، والتي وصل الحال بها لاتباع أساليب تبادل الأدوار في المناصب و "تبادل الطرابيش" كما يسميه البعض، بانتخابات شكلية صورية، تديرها شخصيات باتت حاضرة في كل كيان و "كأن الثورة لم تلد غيرهم" كما قال أحد الشخصيات المعارضة، لتشيع مؤخراً تشبيهات "انتخابات المعارضة بانتخابات النظام" واتباع ذات أسلوبه.
وأثار إعادة انتخاب "أنس العبدة" قبل أيام لرئاسة "هيئة التفاوض السورية، لدورة ثانية، موجة سخط وردود في أروقة السياسيين ونشطاء الحراك الثوري، والتي أثارت حفيظتهم واعتبروها التفافاً على الديمقراطية، لاسيما مع غياب أي دور للحراك الشعبي السوري سواء في الداخل أو الخارج في اختيار من يمثلهم بشكل حقيقي لا بالتلاعب والالتفاف والولاءات.
شبكة "شام" تواصلت مع عدد من السياسيين والشخصيات المعارضة، وطرحت سؤالاً واحداً من هذه الزاوية، في مدى الحالة التي وصلت إليها مكونات المعارضة في اختيار من يمثلها، و "هل باتت انتخابات المعارضة أشبه بانتخابات النظام في التمديد وتبادل الأدوار بين عدد من الشخصيات المدعومة من هذه الدولة أو تلك...?".
وكان التواصل بداية مع "الائتلاف الوطني" ممثلاً بالسيدة "ربا حبوش" الناطق الرسمي للائتلاف، والتي "اعتذرت عن الإجابة"، في وقت رد الأستاذ "زكريا ملاحفجي" وهو عضو الهيئة العامة بالائتلاف، نافياً وجود أي تشابه بين انتخابات المعارضة والنظام، لافتاً إلى أن الائتلاف كمؤسسة رسمية للمعارضة، مر على إدارته تسع شخصيات مختلفة منذ تأسيسه ورئاسة "معاذ الخطيب حتى نصر الحريري"، معتبراً أن هذا التشبيه وهذه الصورة غير دقيقة بالمطلق.
ورأى ملاحفجي في حديث لشبكة "شام" أن الائتلاف ينبغي أن يسعى لتحويل حالة القيادة للمعارضة رويداً رويداً لتأسيس حوكمة ما بحالة انتخابية، معتبراً أن هناك عقبات ولكن لابد أن يكون هناك هدف يستوجب تحقيقه، وتحدث عن وجود حالة من التغيير مع تبديل تسع شخصيات من أقصى اليمين لليسار بين القيادات التي ترأست الائتلاف، بينا نظام الأسد يدير سوريا من الأب للابن على مدار سنوات طويلة.
الأستاذ "وائل علوان" الباحث في مركز جسور للدراسات، اعتبر أن نظام الأسد نظام مجرم ولاتتوقف مشكلة السوريين بأنه يدعي الديمقراطية ولاينفذها، مؤكداً أنه لايمكن المقارنة بين "النظام" و "المعارضة" في هذا الشأن وأن "حذاء المعارضة في رأس النظام" وفق تعبيره.
ولفت علوان في حديث لشبكة "شام" إلى أن المشكلة في الأداء "المؤسف" للمعارضة والمتمثل في عدم ممارسة الديمقراطية والانتخابات وعدم الاتصال السليم والصحيح بالشكل الذي نادى به الشعب منذ بداية الثورة، مبيناً أن "الهامش الوطني" الباقي بعد التدخلات والضغوطات الدولية، لاتستغله مؤسسات المعارضة لإثبات نموذج وحالة وطنية صحيحة وسليمة طالما تتوق لها الشعب السوري وطلبها بشكل حقيقي وجاد.
من جهته، قال الكاتب والباحث السوري "أحمد أبازيد"، إن "نظام الأسد ليس له شبيه في التوحش والشر والإجرام، في حين تبقى هناك معضلة بالنسبة للمعارضة تتمثل في تضاؤل الثقة والمصداقية الشعبية، بشكل متزايد مع الوقت".
وأرجع "أبازيد" ذلك في حديث لشبكة "شام" إلى "الفشل في الإنجاز في الملف السياسي، ونتيجة ضعف الثقة بالأشخاص أنفسهم، وتبدل صدارة المعارضة منذ عدة سنوات بين مجموعة معدودة من الأشخاص، مع عدم اعتماد المعارضة على شرعية انتخاب شعبية، أو على انتخابات داخلية لمكونات الائتلاف وأجسام المعارضة، مثل المجالس المحلية وكتل الحراك الثوري وغيرها".
وتحضر المشكلة أيضاً - وفق أبازيد - في غياب الانتخابات عن معظم المؤسسات الرسمية للثورة، خاصة المجالس المحلية في الشمال، ما يعني أن هناك حالة تغييب للشرعية الشعبية على كافة المستويات، السياسية والإدارية والخدمية، ومع الوقت تتكرس في نظر الشعب نخبة حاكمة لديها امتيازات خاصة، دون تماس مع الناس، وهو ما يمهد لحالة أكبر من القطيعة بين المجتمع والمؤسسات، وما يدفع الناس لتشكيل مؤسساتهم الخاصة.
ووافق الأستاذ "زهير سالم" وهو مدير مركز الشرق العربي - لندن، على التوصيف بين "انتخابات المعارضة والنظام"، وقال "مع الأسف وبكل تأكيد ومنذ أمد ليس بالقريب" لافتاً إلى أن "المشكلة ليست فقط في الانتخابات، بل في كل أمر ذي بال".
ولفت "سالم" في حديث لشبكة "شام" إلى أنه ومنذ القبول بنتائج مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس، ثم القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف واحد مع إدارة الظهر للملفات الإنسانية المتقدمة على جميع الملفات السياسية وتخلت واجهات المعارضة السورية عن قرارها الوطني.
وذكر أن "بعض الناس يقولون إن جهة ما سلبت الواجهات المعارضة قرارها"، معتبراً أن "هذا توصيف غير دقيق، عن طواعية ورغبة دون رهبة تخلت المعارضة عن قرارها لوزير وسفير ثم لمن هو دون الوزير والسفير"، معتبراً أن التحدي الأول أمام المعارضة السورية أن تستعيد قرارها أو بعضا منه، مشيراً إلى أن واجهات المعارضة في مسيرة الثورة السورية منذ زمن فريق من الهواة والمسوقين والمشجعين"، وفق تعبيره.
ونختم حديثنا بتصريح من الأستاذ "برهان غليون" أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، وأول رئيس للمجلس الوطني السوري، والذي قال في حديثه لشبكة "شام" إنه من التفريط بحق الذين وقفوا ضد النظام القاتل وهم أغلبية الشعب السوري، وصار يطلق عليهم اسم معارضين للنظام، وهم كذلك بالفعل، أن يحملوا مسؤولية انحرافات مؤسسات ضعيفة وشكلية لم تستطع أن تقوم بشيء منذ تأسيسها، ومعظم من يحركونها أو يقودونها لم يكن لهم تاريخ ولا موقع في المعارضة الشعبية والمدنية الطويلة السابقة على الثورة، ولا حتى خلال الثورة.
وأكد غليون على ضرورة أن تُنتقد هذه المؤسسات لعجزها وعدم قدرتها على خدمة قضية المعارضة لا أن يستخدم عجزها وبؤس تفكير قادتها لإدانة المعارضة السورية كلية، مصححاً سؤال "شام" الذي وجهناه بأن يكون السؤال الصحيح هو: هل تختلف انتخابات الائتلاف وهيئة المفاوضات، خاصة في السنوات الأخيرة، عن انتخابات النظام؟.
رأى "غليون" أن الجواب طبعا تختلف، لأن الأولى أعني انتخابات مؤسسات المعارضة الهزيلة والمجهضة والمنزوعة القرار لا تمثل أحدا سوى نفسها، ولا يهم من تنتخبه، أما انتخابات النظام فهي تهدف الى تزوير إرادة الشعب كله وتكريس سلطة نظام قاد البلاد الى الخراب والشعب الى الهلاك وهو المسؤول الأول عن الحرب والمجازر وأعمال الإبادة الجماعية التي عرفتها سورية في العقد المنصرم.
ولفت في حديثه لشبكة "شام" إلى أن هذا لا يقلل من سوء الائتلاف والهيئة الذين لا يمثلان المعارضة وإنما أنفسهما ومن يعمل فيهما ولا من مسؤوليتهما في تمديد أجل المأساة السورية ولكنه لا يقدم هدية مجانية لنظام الأسد ويبرر بشكل مباشر استمراره.
واعتبر "غليون" أن أي اتهامات عمومية وإطلاقية لا تميز بين صاحب الخطأ أو الإساءة والجمهور البريء أو الذي لا مسؤولية له فيهما هو خلط للأوراق وتشويش للذهن وتمييع لمسألة المسؤولية التي هي أساسية في المراجعة في أي عمل وبالتالي في إغلاق أو القضاء على أي أمل في الخروج من المحنة والدوران في الحلقة المفرغة.
وختم "غليون" حديثه بالإشارة إلى أنه لو كان الائتلاف وجماعته يمثلون جمهور المعارضة الشعبي لما وصلت القضية الى الطريق المسدود الذي أوصلوها إليه، ولكننا قادرين اليوم كمعارضة شعبية أن نطرق باب الاجتماعات والمفاوضات الدولية بقوة من أجل الضغط لتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وليس هذا هو حالنا للأسف، لكن هذا لا يمنع أيضا أن هناك من بين النشطاء السوريين الكثر في العواصم الدولية من لايتوقف عن العمل من أجل متابعة القضية السورية واستغلال جميع الفرص الممكنة لإعادة وضعها على طاولة السياسة الدولية".
بالطرف الآخر، هناك من يرى أن المعارضة بكل مكوناتها لم تدخر جهداً في أي محفل أو اجتماع دولي لخدمة قضية الشعب السوري، ويٌرجع فشلها في تحقيق أي تقدم، لعدة أسباب على رأسها المصالح الدولية التي تتوافق وتتضارب وفق السياسات لكل دولة على حدة، والتي كانت أكبر عائق أمام تغليب دور المعارضة على النظام في سياق المباحثات الدولية حول الملف السوري طيلة السنوات العشر الماضية، وهذا برأيهم رجح كفة النظام، وأن مكونات المعارضة لاتتحمل ماوصل إليه حالها اليوم.