بين "الواقع والخِداع" .. ما حقيقة عودة الخدمات الأساسية في سوريا ..؟
دأب نظام الأسد خلال عقد من الزمن على تصدير المزاعم والوعود حول عودة الخدمات الأساسية ولم يمر أي مؤتمر أو تصريح رسمي دون تكرار دعوات اللاجئين السوريين بالعودة مع مزاعم تأمين الخدمات لهم، لكن الواقع يبين عكس ذلك تماماً، إذ تغيب أدنى مقومات الحياة الطبيعية عن مناطق نفوذ النظام، وسط لجوء السكان إلى طرق بدائية في بعض الحالات دون تعويض الخدمات التي تغيب بشكل كبير وعلى كافة الأصعدة.
الكهرباء.. عصب الحياة المفقود بـ "سوريا الأسد"
ولعل أبرز هذه الخدمات الغائبة رغم الادعاء المتكرر بالعمل على تحسينها وتأهيل المحطات، هي خدمة التيار الكهربائي، وفي هذا السياق، قالت مصادر محلية في محافظة حمص وسط سوريا، طلبت عدم كشف هويتها، لشبكة "شام"، إن التقنين الكهربائي يتزايد بشكل يومي، حتى وصل الحال إلى وصل التيار لمدة 45 دقيقة يومياً، وليس هذا فحسب حيث يتخلل هذه المدة القصيرة، قطع متكرر الأمر الذي يحرمهم من إنجاز أي عمل يتطلب وجود الكهرباء لا سيّما تعبئة المياه واستخدام الغسالات ناهيك عن تلف الأطعمة بشكل سريع نتيجة عدم تبريدها.
وفي حماة وسط البلاد أيضاً، تزايدت حدة التقنين الكهربائي بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة، وذكر مواطنون في مدينة السقيلبية أن الكهرباء قطعت في منطقتهم لأكثر من 11 ساعة متواصلة، تخللها نحو 10 دقائق وصل فقط.
ومع عجز الأهالي في عموم مناطق سيطرة النظام عن تأمين بديل للتيار الكهربائي تتعقد مهمة تأمين الشحن اللازم للهواتف والمدخرات التي تستخدم في الإنارة ليلاً، مع قلة المولدات وغلاء المحروقات، وكل ذلك وسط تخبط وتناقض التصريحات الرسمية حول ملف الكهرباء الذي يخضع لنفوذ شركات إيرانية وروسية دون أن ينعكس ذلك على تحسن التغذية الكهربائية.
بدائل ربحية برعاية مؤسسات الأسد
مع اشتداد أزمة انقطاع التيار الكهربائي، يطرح نظام الأسد ما يسمى بـ "الخطوط الذهبية"، التي تغذي منشآت صناعية وسياحية لكن بأسعار تفوق قدرة المواطنين الشرائية، علاوة على صعوبة الحصول على خط بحال عدم دفع رشاوى لتسهيل الإجراءات، يُضاف إلى هذه الحلول صعبة المنال، حل ليس أخف وطأة على جيوب السكان إذ تقدم شركات مرخصة لدى النظام السوري، وتديرها مجموعة قاطرجي القابضة في حلب، ما يسمى بـ "الأمبيرات" التي وصفتها جريدة تابعة لإعلام النظام الرسمي بأنها "الجرح النازف"
و تعرض شركات الكهرباء التابعة للنظام خدمات الصيانة وتقديم المحولات وغيرها بمقابل مالي يفرض على الأهالي يتخللها عمليات نصب وتنصل من المسؤولية بعد جمع الأموال حيث لم يكتفي النظام بتحولها من جهات خدمية إلى جهات ربحية بل أشبعها بالفساد والاحتيال العلني.
وتقدر تكلفة الأمبير الواحد 25 ألف ليرة سورية مقابل 6 ساعات تشغيل، وقال الموظف المتقاعد "أحمد قرعوش" وهو أحد سكان حي السكري بمدينة حلب، إنه يضطر لدفع معظم راتبه التقاعدي لأصحاب الأمبير كون الحي لا يصل إليه التيار الكهربائي نهائيا، وسط تداعيات لاستخدام هذا الحل البديل ومنها التلوث الكبير نتيجة انبعاثات المولدات.
يضاف لذلك الضجيج المزعج والمعاملة السيئة والتلاعب من بعض أصحاب المولدات دون أي رقابة فعلية من النظام السوري الذي يعقد شراكة مربحة حول ملف الأمبيرات رغم مزاعم مكافحتها وسط تقديرات إلى تحقيق مبلغ 700 مليون ليرة كمعدل شهري عائد المولدة الواحدة.
غلاء المحروقات وتداعياتها على انعدام الخدمات
وتلقي أزمة المشتقات النفطية بظلالها على الواقع الخدمي والتنموي في مناطق سيطرة النظام السوري، ورغم مزاعم وصول توريدات من إيران، يواصل النظام سياسة خفض المخصصات ورفع الأسعار بما يؤثر بشكل مباشر على خدمة النقل والمواصلات التي تؤرق المواطنين وتصيب حركة المدن والأسواق بشلل شبه كامل، وسط ارتفاع تكاليف النقل ولجوء السكان إلى بدائل لا تؤدي بالغرض كما يجب مثل الدراجات النارية والهوائية، ولا يقتصر ضعف الخدمات الأساسية على الكهرباء والنقل إذ تطال المعاناة المستمرة مياه الشرب المعدنية التي باتت تباع عبر "الذكية".
كذبة رفع الأنقاض وطرق متهالكة تؤدي إلى الموت
وروج إعلام النظام الرسمي ووسائل تتبع لحلفائه الروسي والإيراني مرارا وتكرارا أعمال رفع الأنقاض وإزالة السواتر الترابية في مناطق عدة منها حلب الشرقية والغوطة بدمشق وعدة أحياء بحمص لكن الواقع يبين ما يفند هذه الكذبة المفضوحة إذ لا تزال الأنقاض وحالة الدمار وسط عمليات ترحيل تكاد لا تذكر مقارنة بترويج النظام الإعلامي لها.
وفي سياق موازٍ لا تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى تقلص حجم الدمار، وفي آب/ أغسطس 2022 الحالي، كشفت دراسة مسحية أعدها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) إلى تحليل صور الأقمار الصناعية، وعرض خرائط تبين توزع الدمار وكثافته في 16 مدينة ومنطقة سورية، شهدت أكبر نسبة دمار.
وعلاوة على عدم جدية رفع الأنقاض تشكل حالة الطرق العامة واقعاً مأساوياً تعيشه مناطق سيطرة النظام حيث بلغ متوسط عدد حوادث المرور في مناطق سيطرة النظام 31 حادثاً مرورياً بشكل يومي، فيما يروج إعلام النظام إلى أسباب بعيدة عن السبب الأهم وهو تهالك الطرقات وتجاهل إجراءات تعبيدها فضلاً عن عدم تأهيلها وتجهيزها بالإنارة اللازم رغم المشاريع الوهمية التي يعلن عنها بين الحين والآخر، وطالما تكون بتمويل منظمات وجهود محلية.
وتعاني الشوارع الرئيسية في غالبية المدن الخاضعة لسيطرة النظام من تكدس النفايات والروائح التي تزكم الأنوف بشكل مقزز وعلى مسافة كبيرة، وما تنشره من ذباب وحشرات وقوارض تغزو كتل القمامة التي طافت بها الحاويات لترمى وتتناثر في الأرجاء، وسط مشكلات خدمية وبيئية يعاني منها الأهالي لا سيّما تجاهل النظام السوري لصيانة شبكات الصرف الصحي مع تكرار حوادث وصول المياه الآسنة شديدة التلوث إلى منازل المواطنين، وعلى غرار الكهرباء يدفع المواطنين مبالغ مالية طائلة مقابل صيانة الصرف الصحي ولكن النتيجة لا تختلف عن واقع خدمة التيار الكهربائي نهائياً.
الاتصالات غائبة دون بدائل.. تسديد فواتير بلا مقابل!
تتزايد شكاوى السكان في مناطق سيطرة النظام من تدني جودة الاتصالات وشبكة الإنترنت، وذلك دون بديل عن هذه الخدمات الغائبة حيث تقع مناطق واسعة دون تغطية بشكل نهائي فيما تتمتع بعض المناطق بجودة متوسطة ومساحات محدودة باتصالات جيدة وجميع هذه الحالات تخضع لضعف شديد في حال انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة الأمر الذي يجعل خدمة الاتصالات شبه معدومة ورغم ارتفاع أسعار فواتير الاتصالات لم يلقي ذلك على تحسن وضع هذه الخدمة الضرورية دون بدائل، وتتبع شركات الاتصالات طرق احتيالية مثل سحب الرصيد من المشتركين ضمن حالات متكررة، وتشكل هذه الطرق الملتوية إضافة إلى فرض فواتير بلا خدمة موردا ماليا لصالح خزينة النظام.
تدهور الرعاية الطبية تفضح كذبة مجانية العلاج
وتصاعدت حالة تدهور الأوضاع الصحية وغياب الخدمات والرعاية الطبية، ويأتي ذلك دون الحاجة إلى إعادة ذكر مبررات النظام السوري بما يخص القطاع الصحي التي يكررها معلقاً فشله على شماعة العقوبات الاقتصادية، على الرغم من أنها لا تشمل القطاع الطبي.
وفي أحدث صيحات البدائل التي يقدمها النظام السوري لمواجهة العجز الطبي بات يطلب من المرضى شراء المستلزمات الطبية الأساسية من الصيدليات بما في ذلك مواد يحتاجون إليها في العمليات الجراحية مثل المعقمات ومواد التخدير وغيرها.
سوء في الإدارة وترتيب الاحتياجات شمالي سوريا
وفي مناطق الشمال السوري، التي تشهد عودة خجولة للخدمات الضرورية حيث بات التيار الكهربائي يغطي معظم المناطق إلا أن وجود الشركات الربحية الراعية لهذه القطاع حولها إلى خدمة مكلفة نظرا لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وقلة فرص العمل وغيرها من العوامل، وسط صعوبات جمة بالحصول على الخدمات الأساسية مع تقاعس السلطات المحلية في تأمين كافة الاحتياجات اللازمة، وسط سوء إدارة واضح.
وفي المقابل تسعى بعض الجهات الفاعلة إعادة بعض الخدمات، وسط انتقادات من حيث ترتيب الأولويات حيث جرى الاتجاه نحو تأهيل دوارات وشوارع وسط تضخيم إعلامي لوجود حالة نهضة عمرانية واستثمارية ضمن مشاريع تكون بتمويل محلي فيما تتبنى سلطات الأمر الواقع هذه الخدمات التي يقول بعض السكان إنها ليست أولوية لهم.
وتعاني مناطق شمالي غربي سوريا ضعفاً في الخدمات الأساسية وتحاول المنظمات الإنسانية المساعدة ضمن الإمكانيات المتوفرة، ولكنها لا تغطي إلا جزءاً من احتياجات المدنيين، في ظل استمرار قوات النظام وروسيا بعمليات القصف وتدمير البنية التحتية والمباني العامة والخاصة.
الشرق السوري تحت مجهر واقع الخدمات
وقال الصحفي "عهد الصليبي"، من "شبكة نهر ميديا" المعنية بنقل أخبار المنطقة الشرقية، لشبكة "شام"، إن الخدمات الأساسية ضعيفة جدا، في عموم مناطق شمال شرق سوريا، وكذلك بالنسبة لمحافظة دير الزور التي تقسم إلى قسمين إذ تخضع بعضها لنفوذ نظام الأسد وأخرى لقوات قسد، مشيرا إلى استمرار المعاناة من الجانب الخدمي لا سيّما في مناطق سيطرة النظام رغم مزاعم الأخير عودة المؤسسات الحكومية للعمل.
ولفت "صليبي" إلى وجود فرق من حيث تقديم الخدمات بين مناطق النفوذ في المحافظة، وتتفوق مناطق "قسد" على نظيرتها، مرجعا ذلك إلى وجود منظمات فاعلة على كافة الأصعدة ومنها خدمات إنارة الطرقات بعدة مدن وبلدات وإعادة تأهيل محطات المياه وسط وجود حالات سرقة ونهب تحصل أحيانا عقب عمليات التأهيل وتسجل ضد مجهول.
منظمات تقدم خدماتها وقسد تتبنى
وذكر مواطنون في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، طلبوا عدم كشف هويتهم لأسباب أمنية، أن معظم الخدمات الأساسية لم تعود إلى المنطقة واقتصرت على مشاريع منظمات محلية ومنها "إعادة تأهيل جمعيات فلاحية - مشاريع دعم سبل عيش وغيرها"، أما بالنسبة للبنى التحتية تعمل بعض المنظمات على تأهيل محطات مياه وسط نشاطات محدودة فعليا على الصعيد الخدمي من قبل الإدارة الذاتية وذراعها العسكري "قسد"، إذ يقتصر على تبني هذه الخدمات فحسب.
وأوضحت المصادر في حديثها لشبكة "شام"، إلى أن بعض مناطق شمال وشرق سوريا، وبالأخص دير الزور تعاني من قلة فرص العمل وانعدام الخدمات، ما يشكل دافع لشباب المنطقة للهجرة، كما أكدت أن المنظمات العاملة بالمنطقة لا تؤثر على تحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية وسط عدة عوامل تزيد من تدهور الخدمات الأساسية في شمال شرق سوريا.
هذا وفي ظل استمرار الحرب التي يقودها النظام ضد الشعب السوري، تبقى سمة التدمير والقتل هي الرائجة، مع غياب الحلول لاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرته، في وقت يحاول جاهداً وعبر وسائل عدة منها الإعلام الرسمي وعبر متصدري مواقع التواصل الاجتماعي "اليوتيوبرز"، إعطاء صورة مغايرة للواقع من خلال سلسلة مسرحيات مفضوحة للغرب، لإظهار مناطق سيطرته وكأن الحياة عادت إليها بشكل كامل، خلافاً للواقع المرير والصورة المظلمة فيها.