بالعودة إلى الديار… الحزن يرافق العائدين إلى الوطن وهم يودّعون قبور أحبتهم
بالعودة إلى الديار… الحزن يرافق العائدين إلى الوطن وهم يودّعون قبور أحبتهم
● تقارير إنسانية ٢١ أبريل ٢٠٢٥

بالعودة إلى الديار… الحزن يرافق العائدين إلى الوطن وهم يودّعون قبور أحبتهم

في مشهد يختزل وجع الذاكرة السورية، وقف "أبو محمد" بصمتٍ مهيب أمام قبرَي جدته وشقيقه في مقبرة مشهد روحين شمالي إدلب، يتأمل المكان كما لو كان يهمس لغياب لا يُجاب. يعود إليه مرارًا، وكأن الفراق لم يُستوعب بعد. فبعد أن قرر العودة إلى قريته في ريف إدلب الجنوبي، باتت زيارته لهذه القبور أشبه بوداع أخير، إذ يدرك أن انشغالات الحياة والمسافة ستجعل لقاءه بالمكان نادرًا.

فراق القبور... وجع يتجدد مع العودة
تحقق حلم آلاف النازحين بالعودة إلى قراهم بعد سنوات من التهجير القسري في عهد النظام السابق، عقب سقوط الأسد وفراره في ديسمبر 2024. وبينما يعيش العائدون لحظة طالما انتظروها، إلا أن شعورًا موازياً بالمرارة يخالط فرحتهم: فراق قبور الأحبة الذين وُوروا الثرى بعيدًا عن مسقط الرأس، في مخيمات النزوح أو بلاد اللجوء، تاركين وراءهم شواهد حنين لا تُنقل.

 ندم لا يموت: "تركتها هنا.. ولم أُدفن معها"
يروي سمير، وهو شاب نازح من ريف إدلب يقيم في مدينة كهرمان مرعش التركية، قصته التي تسكنها الندامة: "زوجتي توفيت تحت الأنقاض خلال الزلزال. رفضت إرسال جثمانها إلى سوريا، ودفنتها هنا لأبقى قربها. اليوم مع الحديث عن العودة، لا أستطيع تقبّل فكرة أني سأبتعد عنها للأبد. لا يمكنني حتى التفكير بنقل الجثمان. الأمر يفوق قدرتي".

موت بلا وداع... وغصة في قلوب الأمهات
أمّا من فقدوا أبناءهم دون أن يتمكنوا من دفنهم أو معرفة مصيرهم، فيعيشون قلقًا بلا نهاية. منار، شابة من ريف حماة، تقول إن شقيقها اختفى مع بدايات الثورة: "اعتقلوه ولم نعرف أي شيء عنه حتى بعد فتح السجون، لا وثيقة وفاة، لا جثمان، لا اسم. أمي لا تزال تنتظره... تدعو له وكأنه سيعود غدًا".

نقل الجثامين... وصية تُنجز بعد التحرير
في المقابل، أصرّ بعض العائدين على تنفيذ وصايا ذويهم. أبو عمار من ريف إدلب، قرر نقل جثمان والده من كفرلوسين إلى قريته الأصلية بعد التحرير. يقول: "أمي كانت تزور قبره كل خميس، والمسافة ستتعبها، ووصيته كانت أن يُدفن في القرية، واليوم نحقق له ما تمنى".

رموز غابت في المهجر... وجثامين تنتظر العودة
لا يقتصر الحنين على الأقارب فحسب، بل يشمل أيضًا رموزًا وطنية وثورية ارتبطت بذاكرة السوريين. عبد الباسط الساروت، الذي أحبته الثورة واحتضنته الجماهير، دُفن في الدانا لأن مدينته حمص كانت تحت قبضة النظام آنذاك. وكذلك مي سكاف وفدوى سليمان، اللتان نفيتا وماتتا في المنافي، دون أن تعودا إلى الوطن الذي حلمتا به حرًا.

 النهاية: وطنٌ يُستعاد... وأحبة يُفارقون
تجسّد هذه القصص مشاعر متشابكة يعيشها السوريون العائدون، بين بهجة العودة إلى الوطن، ووجع ترك قبور الأحبة خلفهم. إنها حكاية ألم ووعد لم يكتمل، وتذكير بأن للغربة وجوهًا متعددة، أخطرها تلك التي تُدفن في القلب، لا في القبر.

 

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ