وزير الاقتصاد السوري يكشف ملامح إعادة البناء المقبلة في سوريا
وزير الاقتصاد السوري يكشف ملامح إعادة البناء المقبلة في سوريا
● أخبار سورية ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥

وزير الاقتصاد السوري يكشف ملامح إعادة البناء المقبلة في سوريا

أكد وزير الاقتصاد والصناعة السوري، الدكتور محمد نضال الشعار، أن سوريا تقف اليوم على “عتبة اقتصاد جديد وتاريخي”، يقوم على الشراكة بين الدولة والمواطن، وينفتح على نظام السوق الحر مع تدخل إيجابي للدولة لتصحيح التشوهات. تصريحات الشعار جاءت في حوار مع مجلة فوربس الشرق الأوسط، حيث عرض رؤية شاملة لإعادة بناء الاقتصاد السوري بعد 15 عاماً من الحرب التي شنها نظام الأسد ضد ثورة الشعب السوري، وإرث حكومي متراكم امتد لستة عقود.

ووصف الشعار الاقتصاد السوري بأنه “معقد”، نتيجة التدمير الممنهج الذي أصاب البنية التحتية، وفقدان سوريا لمهارات ومعرفة تراكمت في دول أخرى، إضافة إلى الحرمان من التطور التكنولوجي والعلاقات الدولية، وتهجير ما يزيد عن عشرة ملايين مواطن.

وأوضح أن النماذج الاقتصادية التقليدية مثل الألمانية أو الكورية أو السنغافورية لا تصلح للتطبيق الحرفي في سوريا، لأن البلاد فقدت مقوماتها الأساسية. لذلك فهي بحاجة إلى نموذج فريد يتلاءم مع واقعها المختلف.

المواطن المنتج ركيزة النهضة

يرى الوزير أن نقطة البداية لأي تعافٍ اقتصادي هي “الخلية الاقتصادية الأولى”، أي المواطن المنتج. ويتم ذلك عبر تمكين الأفراد في الورش، والمصانع، والأنشطة التجارية والزراعية. هذه المبادرات الصغيرة والمتناهية الصغر ستتطور تدريجياً إلى مشاريع متوسطة، وصولاً إلى استقطاب استثمارات كبيرة في الموانئ والمطارات.

وشدد الشعار على أن النهضة لن تنجح إلا عبر شراكة حقيقية بين الدولة والمواطن، مع إنهاء “العقلية الوصائية الأبوية” التي حكمت علاقة الحكومة بالاقتصاد لعقود.

الاقتصاد الحر ودور الدولة

أكد الوزير أن سوريا بدأت فعلاً بالانتقال إلى نظام السوق الحر، حيث أصبح الاستيراد والتصدير وإنشاء المصانع والمتاجر أمراً متاحاً من دون قيود كبيرة. لكنه أوضح أن الاقتصاد الحر “ليس مطلقاً”، بل له درجات. وهنا يبرز دور الدولة بالتدخل الإيجابي لتصحيح الانحرافات في العرض والطلب، وليس للتحكم في السوق.

وأشار إلى أن الدولة لن تدخل في الإنتاج الاستهلاكي، فهذا مجال يخص القطاع الخاص الأكثر كفاءة. أما ممتلكات الدولة فستُطرح للاستثمار والشراكة، لا للبيع، إلا إذا شكلت عبئاً.

إصلاحات تشريعية وبيئة استثمارية

كشف الشعار عن حزمة إصلاحات تشريعية مرتقبة يقرها البرلمان الجديد لتغيير النهج السابق، فيما تعتمد الوزارات حالياً على قرارات مرنة لتسهيل بيئة الأعمال.

وأشار إلى أن اللحظة الحالية تمثل “فرصة تاريخية لا تتكرر” لجذب الاستثمارات، إذ بدأت عقود بالفعل وبدأ العمل في مشاريع جديدة. ومع ذلك، أوضح أن بعض الشركات قد تكون غير مناسبة، لكن العقود تُلغى فوراً إذا تبين أي التباس.

وأكد أن سوريا لا تقدم حوافز ضريبية تفوق جيرانها، لكنها تتميز بكونها بلداً ناشئاً بحاجة إلى استثمارات، مع وجود طلب محلي كبير ووفرة في اليد العاملة منخفضة التكلفة مؤقتاً. كما يضمن قانون الاستثمار حماية الملكية الخاصة وحرية تحويل الأموال داخلياً وخارجياً، إضافة إلى اتفاقيات تشجيع الاستثمار مع دول مثل السعودية.

الشفافية ومكافحة الفساد

أوضح الشعار أن قانون الاستثمار الجديد يستند إلى مبادئ الشفافية والحوكمة، مع وجود تدقيق من شركات خارجية ورقابة من الحكومة والبرلمان والشعب. وقال: “سوريا لم تعد صندوقاً أسود”.

أما صندوق التنمية السوري، الذي جمع 60 مليون دولار، فأكد أنه “ملك للشعب، من الشعب وإلى الشعب”، وأن استمراره مرهون بالنتائج الملموسة مثل بناء المستشفيات والمشاريع التنموية.

شرق سوريا والعقوبات

فيما يخص شرق سوريا الغني بالموارد، شدد الوزير على أنها “منطقة سورية أصيلة” وليست بحاجة إلى “دمج”، بل إلى إزالة العوامل السياسية التي شوهت جغرافيتها ومواردها حتى تلتئم مع بقية البلاد.

أما بخصوص العقوبات، فأوضح أن سوريا خرجت “قانونياً” من الحصار، لكن النظام المعقد للعقوبات، المفروض منذ 1979، يحتاج إلى وقت للتفكيك قبل أن يلمس المواطن نتائجه. ومع ذلك، أكد أن التوجه الدولي يسير نحو استقرار سوريا.

مواجهة البيروقراطية

اعترف الشعار بأن البيروقراطية “إرث محزن” عمره 60 عاماً، ووصفها بأنها “متلازمة شائكة”. وأكد أن العلاج يكمن في تغيير العقليات، وتدريب الموظفين، ومنحهم “شعور الملكية” لأعمالهم. وأضاف أن تراجع الخوف من حياة المواطن يسهم تلقائياً في خفض البيروقراطية والفساد.

الطاقة الخضراء والرقمنة

أكد الوزير أن الحكومة تعتزم تبني الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، باعتبارها اتجاهاً عالمياً لا يمكن تجاوزه. كما أوضح أن التحول الرقمي أصبح واجباً حتمياً، مشيراً إلى تجربة “شام كاش” في الشمال السوري كخطوة ناجحة لحلول مالية رقمية. وكشف أن الوزارة أنشأت قسماً خاصاً بالاقتصاد الرقمي وتعمل على تطوير هذا القطاع.

النظام المصرفي والسوق المالي

انتقد الشعار النظام المصرفي الحالي واصفاً إياه بأنه مجرد “دكاكين مصرفية” بلا ثقة. ودعا إلى تمكين المصرف المركزي واستقلاليته، ومنحه أدوات نقدية مثل التحكم بأسعار الفائدة وإدارة السندات.

كما أكد أن الحكومة تركز على تأسيس سوق مالي أساسي منضبط، يتبعه سوق ثانوي (بورصة)، بهدف جذب استثمارات المغتربين وتشجيع الشركات المساهمة لتمكين المواطنين من المشاركة في عملية الإنتاج.

رؤية للمستقبل

كشف الوزير أن تجارب مثل كوريا الجنوبية ألهمته، لكنه شدد على أن “الدمار الممنهج” في سوريا يتطلب مقاربة مختلفة. ورغم “الحزن والغضب”، قال إنه يعيش “فرحاً وعزيمة” مستمدة من الرغبة في البناء بعد الخراب.

وفي ختام حديثه، توقع الشعار أن تشهد سوريا خلال خمس سنوات “عجائب” إذا سارت الأمور بلا ضغوط خارجية، مع ارتفاع مستوى المعيشة، وخلق صناعات جديدة، وتحول البلاد إلى مركز اقتصادي للمنطقة. وختم بالقول: “دور الحكومة هو التيسير والإدارة فقط، أما الاعتماد الحقيقي فعلى الشعب والمواطن”.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ