وزارة الداخلية تكشف تفاصيل من عملية القبض على المجرم "وسيم الأسد"
وزارة الداخلية تكشف تفاصيل من عملية القبض على المجرم "وسيم الأسد"
● أخبار سورية ٢٢ يونيو ٢٠٢٥

وزارة الداخلية تكشف تفاصيل من عملية القبض على المجرم "وسيم الأسد"

كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، "نور الدين البابا"، عن تفاصيل حول العملية الأمنية التي أفضت إلى توقيف "وسيم بديع الأسد"، أحد أبرز رموز النظام البائد والمتهم بتهم جسيمة تتعلق بتجارة المخدرات والفساد وارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، مؤكدًا أن العملية جرت بعد 6 من المتابعة والرصد ضمن خطة متعددة المسارات.

وأوضح "البابا"في لقاء متلفز أن توقيف "وسيم الأسد"، جاء بعد تنسيق دقيق بين أجهزة وزارة الداخلية والاستخبارات العامة، واعتماد تقنيات متقدمة في الرصد والهندسة الاجتماعية والمتابعة الحقوقية والقانونية، وصولًا إلى لحظة الاستدراج والتنفيذ الميداني.

وأكد أن "وسيم" أوقف بعملية رسمية منظمة، وتم اقتياده إلى السجن، بانتظار محاكمة علنية وعادلة، ووصف المتحدث "وسيم الأسد"، بأنه الرأس الأكبر لشبكة زراعة وتصنيع وتجارة الكبتاغون في سوريا.

مشيرًا إلى أنه حقق مئات ملايين الدولارات من هذه التجارة، ومن عمليات ابتزاز واحتجاز طالت معتقلين ومدنيين، لا سيما في مناطق الساحل ودمشق، وأضاف أن سلوكه كان معروفًا بالعنف والبطش، وسجله مليء بالجرائم التي ترتقي لمستوى الجرائم ضد الإنسانية.

وقال "البابا" إن الأجهزة المختصة تمتلك تسجيلات موثقة تُدين "وسيم الأسد"، بالمشاركة في قتل وإخفاء عشرات آلاف المعتقلين، خاصة في سجن صيدنايا، وأنه مارس دورًا قياديًا في التحريض على العنف والانخراط في عمليات القتال إلى جانب ميليشيات النظام البائد.

وشدد المتحدث على أن توقيف "وسيم الأسد"، ليس اعتقالًا سياسيًا أو إجراءًا تعسفيًا، بل عملية قانونية كاملة تستند إلى معايير العدالة، مؤكدًا أن الدولة الجديدة لا تسمح بوجود أي شخص فوق القانون، مهما كانت خلفيته أو ارتباطاته السابقة.

وفي ما يتعلق بالأموال التي جمعها وسيم، قال البابا إن جزءًا كبيرًا منها موجود داخل سوريا، بينما القسم الآخر تم تهريبه إلى الخارج، لافتًا إلى أن الحكومة السورية، عبر وزارات العدل والداخلية والخارجية، بدأت تحركات رسمية لاسترداد هذه الأموال من الدول التي جمّدتها بناء على تقارير دولية سابقة.

كما أشار إلى أن أحد إخوة وسيم متورط في قضايا فساد واستيلاء على شركة الهرم، وقد سُجن سابقًا قبل أن يختفي عن الأنظار، في إشارة إلى اتساع شبكة الفساد داخل العائلة، وأكد أن هناك قوائم إضافية لشخصيات بارزة من النظام البائد تُعد حالياً لتوقيفها، في ظل حرص أمني على تنفيذ الخطوات تباعاً وبما يتناسب مع أولويات العدالة والظروف الميدانية.

ورداً على الجدل بشأن انعكاس توقيف وسيم على ملف المصالحة الوطنية، شدد "البابا" على أن ما جرى يعزز مصداقية الدولة، ويبعث برسالة طمأنة للسوريين بأن لا حصانة لأي مجرم، حتى وإن كان من بيئة مؤيدة أو محسوبة على النظام السابق. ولفت إلى أن كثيرًا من أهالي الساحل السوري، الذين كان وسيم يزعم تمثيلهم، شعروا بالارتياح بعد توقيفه، معتبرين أنه ألحق ضررًا كبيرًا بسمعتهم ومناطقهم.

ونوه المتحدث باسم الداخلية السورية أن "وسيم الأسد"، ليس نهاية المطاف، بل هو بداية حقيقية لمسار العدالة الانتقالية، والقطع مع مرحلة الحصانة والفساد والقتل، مضيفًا: "نحو سوريا جديدة… لن يكون هناك مكان لرموز الفساد والبطش، وسنفتح كل الملفات مهما كانت حساسة".

وشكل خبر إلقاء القبض على المدعو "وسيم بديع الأسد" ابن عم الهارب "بشار الأسد" حدث استثنائي كونه أول شخص من عائلة الأسد المجرم يلقى القبض عليه، وليس ذلك بحسب بل أنه من أركان حكم النظام البائد وأحد أبرز المجرمين القتلة ممن أوغلوا بدماء الشعب السوري.

وجاء ذلك عقب عملية أمنية محكمة نفذها جهاز الاستخبارات العامة بالتعاون مع وزارة الداخلية، وسط إشادة واسعة من الأوساط القانونية والشعبية باعتبار هذه الخطوة بداية جدية لمسار المساءلة في خطوة تُعدّ فارقة في مسار العدالة الانتقالية بسوريا ما بعد سقوط النظام البائد.

ويُعتبر وسيم أول شخصية من عائلة الأسد المتورطة في جرائم الحرب والفساد يتم اعتقالها رسمياً، في تحوّل يُنهي لعقود طويلة من الحصانة التي تمتّع بها أبناء العائلة المجرمة في سوريا، ويضع حدًا لواحد من أبرز وجوه الجريمة المنظمة خلال عهد الأسد البائد.

من "رمز الولاء" إلى تاجر مخدرات وقاتل مدنيين
على مدى سنوات، قدّم وسيم نفسه بوصفه "ابن الدولة"، متباهياً بولائه المفرط للنظام المنهار، ومُستخدماً أدواته الإعلامية وصفحاته الشخصية كمنابر لترويج خطاب التخوين، والتحريض ضد المعارضين، والتمجيد بالقوة الأمنية والعسكرية. لكن خلف هذه الصورة، كان وسيم أحد أبرز أذرع النظام في ملف المخدرات، والسلاح، وتصفية الحسابات.

ارتبط اسمه بتأسيس ميليشيات موالية في اللاذقية وقاد مجموعات مسلحة مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات مروعة بحق المدنيين في الساحل السوري وريف دمشق. وقد ظهر مراراً في مقاطع فيديو مسلحة، مرتديًا الزي العسكري، وهو يطلق النار في مشاهد استعراضية خالية من أي بُعد ميداني، محاولاً ترسيخ صورته كـ"مقاتل" لا يغيب عن الجبهات، رغم أن معظم تلك المشاهد كانت مُفبركة أو لأغراض دعائية.

تهديد إدلب و"الظهور الأخير" قبل سقوط النظام

قبل أيام قليلة من سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر، ظهر وسيم في بث مباشر عبر فيسبوك متوعداً الثوار، معلناً تجهيز ما وصفه بـ"مجموعات إسناد خاصة" لمحافظة اللاذقية وريفها، ومتحدثاً بثقة عن "صمود الجيش" في وجه ما أسماه "العدوان".

وكان نشر صورة تحمل عبارة "إدلب قريباً إلى حضن الوطن"، في تهديد مباشر لأهالي المدينة التي صمدت طويلاً بوجه الحملات العسكرية للنظام وميليشياته. لكن المآل كان عكسياً؛ فبدلاً من اجتياح إدلب، انهار النظام، وبدأت مفاتيح الولاء تنهار مع أولى موجات السقوط.

ملف الكبتاغون والفساد العابر للحدود

وسيم الأسد لم يكن مجرد بلطجي صغير في محيط العائلة الحاكمة، بل كان ركيزة أساسية في شبكة تهريب الكبتاغون التي اعتمد عليها النظام لتمويل آلته الحربية، وارتبط اسمه بشكل مباشر بقادة الفرقة الرابعة وميليشيات مدعومة إيرانياً، كما التُقطت له صور في لقاءات مع تجار مخدرات إقليميين، أبرزهم اللبناني نوح زعيتر.

وقد فرضت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عقوبات على وسيم في العام 2023 ضمن حملة دولية ضد شبكات تهريب الكبتاغون التي وصفتها التقارير بأنها "مصدر تمويل أساسي للنظام البائد".

حياة البذخ و"النجومية المشوّهة"

خلال السنوات الأخيرة، عاش وسيم حياة مترفة ومستفزة حتى لأنصار النظام أنفسهم. تنقّل بين الساحل ودمشق بسيارات فارهة من نوع "همر"، ونظّم مواكب دعائية ومسيرات على أوتوستراد المزة، ونصب خيام تأييد مزودة بالطعام والمشروبات الفاخرة.

أسّس شركة "أسد الساحل" التي زعم أنها متخصصة في التخليص الجمركي والاستيراد، في حين يعتقد كثيرون أنها كانت غطاءً لتجارة الممنوعات. وتحوّل إلى "نجم" مواقع التواصل الاجتماعي، يُجري مقابلات مدفوعة، ويشتري شهادات دكتوراه فخرية، ويمنح نفسه ألقاباً وطنية، في استعراض فجّ للمال والنفوذ.

ظهر في فيديوهات يشتم فيها السوريين الغاضبين من تدهور الأوضاع المعيشية، مدافعاً عن "جهود الدولة" في تأمين المحروقات، وواصفاً المنتقدين بأنهم "جاهلون وأعداء الوطن".

لحظة القبض.. نهاية "الأسد الذي ظن أنه لا يُمس"
لم يكن اعتقال وسيم الأسد مجرد إجراء أمني، بل حدثٌ سياسي وأخلاقي وإنساني، يؤكد أن عهد الإفلات من العقاب بدأ بالانهيار، وأن العدالة ستطال رموز الظلم مهما طال الزمن. وسيم لم يكن مجرد ابن عمّ لبشار الأسد، بل تجسيد حيّ لنظام قائم على الدم والفساد والتسلط.

يُتوقع أن يُفتح بعد اعتقاله ملف موسّع يتناول جرائمه وانتهاكاته، وربما تتبعه اعتقالات أخرى تطال شركاءه في الداخل والخارج، بما في ذلك شبكات الكبتاغون العابرة للحدود، وأسماء أمنية بارزة كانت تتواطأ معه.

ويعد القبض على وسيم الأسد خطوة هامة في مسار المحاسبة، لا باعتباره فقط أحد أركان النظام السابق، بل كأيقونة للجريمة المنظمة والتغول الأمني والاقتصادي الذي مزّق المجتمع السوري ومع هذه الخطوة، تبدأ ملامح دولة القانون بالظهور، وترتسم أمام السوريين ملامح وطن لا مكان فيه للمجرمين والمتسلطين.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ