
نائب رئيس الحكومة التركية ... سوريا يجب أن تبقى موحدة
أكد نائب رئيس الحكومة التركية والناطق باسمها نعمان قورتولموش، أن بلاده ترفض كل المشاريع التقسيمية لسوريا٬ مشددا على أن أولوية بلاده هي في بقاء سوريا موحدة٬ في إطار نظام ديمقراطي.
وقال قورتولموش، في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" ، إن لكل حرب حدودها٬ والحرب السورية وصلت إلى حدودها ويجب أن تنتهي بحل سياسي، مشدًدا على أن بلاده والمملكة العربية السعودية "لا تمتلكان أجندة مشتركة للتدخل العسكري في سوريا"٬ مشيرا إلى أن البلدين يمتلكان رؤية موحدة لما يجري في الجارة الجنوبية لتركيا ويقفان مًعا إلى جانب تطلعات الشعب السوري.
وأوضح قورتولموش، أن الشعب السوري هو صاحب الكلمة الأخيرة في مصير رئيس النظام السوري وهو كان صريحا في رفضه له٬ ألمح إلى إمكانية البقاء في السلطة لفترة محددة٬ يجب أن تنتهي بخروجه وكل أركان نظامه. جازًما بأنه لا مكان لهذا النظام في مستقبل سوريا.
واستبعد قورتولموش حصول حرب مع روسيا٬ معتبًرا أن التدخل الروسي لا يستهدف تركيا٬ بل حلف شمال الأطلسي والقوى الغربية٬ معتبًرا أن التدخل الروسي أنهى الحرب بالوكالة في سوريا٬ جازمًا بأن لا روسيا أو غيرها تستطيع أن تفصل بين تركيا وإخوانها السوريين٬ قائلًا: «نحن عشنا مئات السنين معًا وسنبقى٬ والقوى الأخرى ستعود إلى بلادها".
وقال قورتولموش إن وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة أعطى دفعًا كبيرًا للعلاقات بين البلدين٬ مشدًدا على أن العلاقة تتجاوز المقاربات المشتركة فيما خص الأزمة السورية لتتعداها إلى كل المجالات الأخرى، فإلى نص الحوار.
* تشهد تركيا في الفترة الأخيرة الكثير من الهجمات الدموية٬ وآخرها أمس (الأول)٬ فماذا يحصل؟
إنه وقت صعب لتركيا٬ فنحن نعاني من مسلسل من الهجمات من قبل الجماعات الإرهابية المختلفة بعد 20 يوليو (تموز) 2015. هناك ثلاث منظمات إرهابية تنشط في تركيا أولها تنظيم «داعش» وتنظيم الـ«بي كا كا» وحركات ماركسية. في السنوات الـ40 الماضية كنا نعيش تحت التهديد٬ ونتيجة العمل الإرهابي المنظم٬ قتل أكثر من 40 ألف شخص٬ بينهم سبعة آلاف من رجال الشرطة. تقريًبا 1.5 مليار دولار من الخسائر هي ثمن العمليات الإرهابية في تركيا. الوضع خطير وخطير جدا٬ ونحن نشهد مرحلة جديدة من الهجمات الإرهابية في تركيا والمرتبطة ببعضها بالخارج٬ وخصوصا الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي في سوريا وغيرها من دول المنطقة المجاورة.
* الهجوم الأخير في أنقرة٬ كان هجوما معقدا٬ فالمفجر كما أعلنتم سوري كردي ومن أمّن الأمور اللوجيستية هو الـ«بي كا كا»٬ كما تحدثتم عن دور للنظام السوري.
في الواقع لا يمكن لأي من المنظمات الإرهابية أن تعمل وحدها٬ جميع المنظمات الإرهابية لديها بعض الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري٬ أو نوع من الدعم الاستخباراتي، على سبيل المثال باريس هي واحدة من المدن محمي للغاية في أوروبا لكن «داعش» تمكن من أن يهاجم في ثماني مناطق في وقت واحد في فترة زمنية محدودة٬ بحيث يظهر وجود اتصالات للتنظيم مع بعض أجهزة الاستخبارات ونيله الدعم من بعض أجهزة الاستخبارات الأخرى. أيًضا تفجير أنقرة ربما لديه بعض الصلاة الدولية٬ وتحديًدا من قبل أفرقاء مشاركين نشطين في الحرب الأهلية السورية وجماعات إرهابية أخرى.
* أصبحت القضية السورية قضية أساسية لتركيا٬ خصوًصا أن الحرب باتت تدور في الآونة الأخيرة على طرف حدودكم٬ فكيف تتعاملون مع هذا؟
صحيح أنه خطر جدا بالنسبة لتركيا ولكن نقوم بواجباتنا لحماية حدودنا٬ ولحماية سيادتنا٬ ولتجنب أي هجمات خارجية تأتي إلينا في تركيا. نحن ننظر إلى الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار السياسي كسبب رئيسي لانبعاث الأنشطة الإرهابية في المنطقة٬ وخصوًصا في سوريا والعراق. على سبيل المثال «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى هي نتيجة لذلك الوضع السياسي في المنطقة٬ أنها ليست السبب٬ بل هي نتيجة٬ لذلك علينا أن نركز على ذلك٬ كمجتمع دولي علينا أن نركز على كيفية حل المسائل السياسية٬ وهناك مشكلات كبيرة في سوريا وعدد من الدول. ومن دون وجود حل سياسي للحرب القائمة وعدم الاستقرار لا يمكننا تجنب الهجمات الإرهابية مائة في المائة في العالم. وشغلنا الشاغل هو إيجاد حل سياسي نتيجة سياسية لخطر حقيقي في سوريا والعراق.
* كيف تنظرون للتطورات الأخيرة في سوريا٬ فالبعض يتحدث عن الخطط المستقبلية في سوريا ومنها الفيدرالية٬ فيما يتحدث آخرون عن خطر التقسيم؟
علينا أن نرى الصورة الكبيرة. في الواقع هو ما يحصل هو (اتفاق تقسيم المنطقة بين فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى) سايكس بيكو جديد. وبعض القوى تحاول فرض المرحلة الثانية من سايكس بيكو لتقسيم الدول بدءا من غزو العراق٬ وخصوصا بعد عام 1990 بعد انتهاء نظام القطبين في العالم وانهيار الاتحاد السوفياتي. ولذلك فإن الشغل الشاغل للبعض هو تقسيم الدول الإسلامية عبر بعدين٬ الأول طائفي. والثاني عرقي في محاولة لخلق المزيد من المشكلات بين الجماعات العرقية حتى في الواقع مثل الآن٬ البعض يتحدث عن ثلاث دول في سوريا٬ لكن الواقع أنها قد تقسم إلى 30 أو 40 جزءا.
علينا أن نرى الصورة الأكبر٬ وأن نعمل على جمع الجماعات العرقية والدينية٬ ولذلك تركيزنا الرئيسي هو حماية سوريا كدولة فريدة من نوعها واحدة، يمكن أن نجد من خلال عملية السلام نظامًا مختلفًا داخل سوريا٬ يمكن للناس داخل سوريا العثور على نمط مختلف من النظام، ولكن علينا أن نحافظ على وحدة الأراضي السورية، هذه هي واحدة من الاهتمامات الرئيسية لدينا٬ ولكن يجب على الجماعات العرقية والطائفية المختلفة معرفة أفضل طريقة للمشاركة في عملية الحل السياسي، هذا هو السبيل الوحيد خلاف ذلك سوريا٬ وليس تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر.
* هل تقبل مفهوم٬ بقاء الأسد في السلطة لإنهاء ولايته٬ أو أن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية؟
لا يعود لتركيا٬ بل للشعب السوري. بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية وبعد القصف المكثف للنظام السوري على المدنيين الأبرياء٬ لذلك نحن نعتقد أن السوريين لن يقبلوا وجود نظام الأسد. ولكن ربما في عملية السلام سيكون هناك نوع من فترة انتقالية لنظام الأسد٬ وبعد محادثات على طاولة السلام. سوريا المستقبل يجب أن تكون نظيفة من أي من المنظمات الإرهابية أو من شخصيات النظام الحالي. ولو قبلنا نحن بهذا فالشعب السوري لن يقبل. نحن لا نريد أن نفرض أية أفكار مسبقة على الشعب السوري٬ لكن الواقع هو أن الشعب السوري يرفض بقاء نظام الأسد بأي من أشكاله.
* الأمور تبدو الآن أكثر تعقيدا٬ فكيف هو المخرج من هذه الأزمة؟
في البداية٬ علينا أن نعرف أن هناك حدوًدا للحرب. والحرب في سوريا وصلت إلى حدودها، الجزء الأول من الحرب٬ كان حربا أهلية بين الشعب السوري
حتى عام 2013، ومن ذلك الحين تحولت الحرب إلى حرب بالوكالة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي عندما حصل التدخل الروسي وأصبحت حربا مباشرة للروس على الأرض السورية، الوضع الآن خطير جًدا٬ وإذا استمر التدخل الخارجي في سوريا فهذا من شأنه أن يزيد من احتمال حصول حرب إقليمية.
القوى الكبرى٬ وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا أدركتا أن الحرب وصلت إلى حدودها القصوى٬ وهذا يمكن أن يعطي دفًعا هاًما لعملية السلام٬ وهذا هو الجانب المتفائل من المشهد القائم. لكن للأسف٬ فإن الواقع على الأرض مختلف ومعقد، معظم الجيوش الكبرى في العالم باتت موجودة في المنطقة٬ فالبحر المتوسط يعج بالسفن الحربية وحاملات الطائرات٬ وكذلك منطقة الخليج، وهذا يجب أن يخلق نوعا من القناعة لدى الدول الكبرى المؤثرة بضرورة إيجاد حل للأزمة السورية٬ ولهذا أنا متفائل بإمكانية إطلاق عملية سلام حقيقية في سوريا، وفي نهاية المطاف فإن العامل الأساسي في سوريا٬ ليس الدول الكبرى٬ بل الشعب السوري.
* يبدو أن الروس يحاولون عزلكم عن الأزمة السورية عبر إقفال الحدود سواء مباشرة أو عبر أكراد سوريا٬ فكيف ستتصرفون حيال ذلك؟
أولًا٬ يجب أن يكون واضحا أن الحدود الحالية٬ لا يمكن أن تفصلنا عن بعضنا، نحن جيران وأقارب ولدينا قواسم مشتركة تاريخية وثقافية، الحدود الحالية٬ ليست هي الحدود الطبيعية، فتل أبيض (السورية) و«أقشجة قلعة» تحملان نفس الاسم٬ والأقارب يقيمون في البلدتين على جانبي الحدود٬ ولا يوجد فصل في مشاعر الناس، نحن في تركيا سنعيش مع جيراننا إلى الأبد٬ أما الدول الخارجية فستعود في نهاية المطاف إلى أراضيها، نحن لسنا ضد وجود الأخوة الأكراد عند الحدود مع سوريا، هم السكان الأصليون٬ لكننا ضد سياسات الفصل العرقية التي يمارسها تنظيم «ب ي د" (الاتحاد الديمقراطي) الأكراد والتركمان والعرب عاشوا هناك لقرون كثيرة٬ تماما كما أننا لسنا ضد وجود أكراد العراق في شمال العراق، لكن إذا كانت بعض المنظمات أتت لتقول إن هذه الأرض لها٬ فهذا غير مقبول، الأرض هي لسكانها٬ ولا يمكن لأي أحد أن يفصل تركيا عن إخوانها في المنطقة.
* هل هناك خوف من مواجهة مع روسيا في سوريا؟
لا أعتقد ذلك، لكن هناك خطر نشوب حرب إقليمية بين جميع الأطراف، محاولات روسيا٬ ليست موجهة ضد تركيا بالتحديد، فبدءًا من الأزمة الأوكرانية٬ قام الساسة الروس بالتحرك ضد حلف شمال الأطلسي والدول الغربية، قاموا بتمديد حدودهم الشمالية في أوروبا الشرقية بضم شبه جزيرة القرم إليهم٬ وهذه رسالة واضحة للناتو والدول الغربية، واليوم هم عبر تدخلهم في روسيا يرسمون حدودهم الجنوبية مع الـ«ناتو»٬ هم يقولون إن حدودهم الجنوبية هي الحدود التركية السورية٬ والآن يحاولون أن يرسموا خطوطا أمام الـ«ناتو» والقوى الغربية٬ ولهذا فإن الخطر ليس على تركيا٬ بل على الـ "ناتو" والغرب.
* في الشهرين الماضيين٬ لم يكن السؤال ما إذا كانت تركيا ستتدخل في سوريا٬ بل متى، فما الذي حدث؟
في الواقع لم ننِو أبدًا الدخول إلى سوريا، نحن دافعنا عن حقوق الشعب السوري٬ وخصوصا المعارضة المعتدلة وإخواننا التركمان وغيرهم، كما أننا أعلنا عن قواعد الاشتباك لكل المعنيين بالأزمة٬ وقلنا بأن لتركيا الحق في الدفاع عن حدودها.
* إلى أي حد ستذهبون لمنع قيام كيان كردي أو علوي في سوريا؟
لا نرى أي إمكانية لقيام كيان كردي أو غيره، سوريا يجب أن تبقى موحدة.
* هناك تعاون كبير مع المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن٬ وما هي حدوده؟
بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم٬ تلقت العلاقات مع تركيا دفعة قوية، لدينا مع السعوديين علاقات تاريخية جيدة، واليوم لدينا مقاربات مشتركة لأزمات المنطقة٬ ولدينا مقاربة مشتركة للملف السوري تحديدا٬ لكن لا يوجد لدينا أجندة مشتركة للتدخل في الأزمة السورية، نحن على اتصال دائم في هذا الملف ونتبادل وجهات النظر دائما.
* وهذا التعاون محصور بالأزمة السورية فقط؟
كلا٬ على الإطلاق، هناك تقارب شامل على كل المستويات، نحن ننظر إلى الدول الإسلامية عموما نظرة أخوة وإيجابية٬ ونعمل لتحسين العلاقات.