
من "سميرة والقرداحة" إلى التغزّل بإدلب: فنانون يحاولون طمس ماضيهم بعد سقوط الأسد
بالرغم من سنوات الاصطفاف مع النظام السابق ومواقفه القمعية، يحاول عدد من الفنانين السوريين اليوم إعادة رسم صورتهم الشعبية والتقرب من الشارع الثوري، في تحوّل لافت أثار ردود فعل متباينة، اتخذ بعضها طابع السخرية والرفض القاطع.
ويأتي هذا الحراك المتأخر بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وبدء مرحلة جديدة في سوريا تقوم على الحرية والمحاسبة، وهو ما يبدو أن بعض الوجوه الفنية تسعى لمواكبته لتجنب السقوط في ذاكرة السوريين.
إدلب بين الإنكار والتغنّي بها
لطالما كانت محافظة إدلب مهمشة ومغيّبة عن الحضور الرسمي والإعلامي في عهد آل الأسد، الأب والابن، وكانت صورتها ترتبط في ذهن النظام بأنها بعيدة عن "مراكز النفوذ"، رغم كونها مهداً من مهود الثورة السورية.
وفي واقعة شهيرة، حين سُئلت الممثلة شكران مرتجى عن محافظة تبدأ بحرف "الباء"، أجابت إحدى المشاركات في البرنامج "إدلب"، فما كان من مرتجى إلا أن طالبت باسم آخر، لترد المتسابقة بـ"حلب"، في مشهد بدا انعكاساً للاستخفاف الرسمي بالمحافظة الثائرة.
لكن اليوم، وفي مشهد مقلوب تماماً، بات بعض الفنانين المعروفين سابقاً بولائهم المطلق لبشار الأسد، يتغنون بإدلب وأهلها في محاولة –وصفها كثيرون– بأنها "تكويع" سياسي وفني للتماشي مع التحولات الجديدة.
نعيم الشيخ: من سميرة إلى إدلب
المطرب الشعبي نعيم الشيخ، الذي ارتبط اسمه سابقاً بأغانٍ عاطفية تتغزل بحبيبته المتخيلة "سميرة"، ظهر مؤخراً في تسجيل مصور يقول فيه: "ياريتني من إدلب، وأخد واحدة إدلبية، وأم عيون السود وساع ما خلت عكل بيا"، في لحن ساخر بدا أقرب لطلب الغفران منه إلى التغني بحب.
موجة من التعليقات الساخرة هاجمت الشيخ على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت إحدى المتابعات: "الله يرحم أيام زمان كيف كنتو، حبيت التكويع"، وأضاف آخر: "كان الله ورجال الأسد، شقد من غنيت لادلب رح تبقى طبل"، فيما قال ثالث: "لك هلق صرتو تحبوا إدلب؟ الله يعز إدلب وكل شريف".
حسام جنيد: "أنا من بنش" بعد إنكار طويل
وفي ذات السياق، ظهر المغني حسام جنيد في فيديو آخر يردد كلمات أغنية تقول: "ألي الشرف أني كون... يا ابن الأسعد ألي الشرف أني كون إدلبي، أنا من بنش وأرضي حلب". مقطع لم يمر مرور الكرام، إذ سرعان ما أعاد الجمهور التذكير بإنكاره السابق لأصله، وادعائه مراراً الانحدار من الساحل السوري، نكاية بانتمائه الإدلبي.
وتداول المتابعون تعليقات لاذعة منها: "شو عم يصير؟ نعيم الشيخ، وأنت صرتو تمجدو أهل إدلب شكلا إدلب رح تصير قرداحة نمبر 2"، وكتب آخر: "لاتجيب سيرة إدلب على لسانك. فهمنا إنكم مكوعين بس لهالدرجة تمسيح جوخ؟ مفكرين رح نرضى عنكن إذا تغنوا باسم إدلب؟ والله مارح ننسى مواقفكم السابقة".
ذاكرة الثورة لا تسامح بسهولة
يرى متابعون أن ما يفعله بعض الفنانين من تمجيد متأخر للمناطق الثائرة لا يمكن أن يُمحى به تاريخ طويل من الاصطفاف مع القمع والسكوت عن جرائم النظام. فتاريخ التشبيح العلني الذي مارسه بعضهم لا يُمحى بكلمات غزل أو أغنية عابرة، وهم بذلك يسيرون على خطى من سبقهم من الوجوه المتهاوية مثل دريد لحام وسلاف فواخرجي، الذين خسروا الشارع بعد أن اختاروا صف المستبد.
الثورة السورية التي قدّمت التضحيات الجسيمة، لا تنسى بسهولة من وقف ضدها أو تواطأ بصمته، وتعتبر أن "تبييض الصفحات" لن يمنح أحداً براءة من المواقف السابقة، خاصة حين تكون على حساب الدم والحرية.