
من السجون إلى "الذئاب المنفردة".. صحيفة: خطر داعـ ـش يتجدد وسط تغيّرات المشهد السوري
حذّرت صحيفة "نيويورك تايمز" من تصاعد خطر تنظيم "داعش"، الذي أعاد تنظيم صفوفه واستقطب مجندين جدداً، وبدأ بتكثيف هجماته، مستغلاً الفوضى الأمنية في مناطق التماس، لا سيما بين شرق سوريا وغرب العراق، رغم التحولات الأمنية والسياسية التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام الأسد.
وأشارت الصحيفة إلى تنامي المخاوف من أن يتمكن التنظيم من تنفيذ هجمات واسعة تهدف إلى اقتحام السجون التي تحتجز آلافاً من عناصره لدى "قوات سوريا الديمقراطية"، في خطوة قد تُعيد إشعال العنف من جديد.
خطر مستمر رغم سقوط المسرح الجغرافي
أكد الدكتور عبد القادر عزوز، أستاذ العلاقات الدولية وعضو اللجنة الدستورية سابقاً، أن تنظيم داعش لم ينتهِ، بل لا يزال يشكل تهديداً أمنياً حقيقياً، نظراً لاعتماده على خلايا صغيرة وأساليب "الذئاب المنفردة" التي تعمل بشكل مستقل وتنفذ هجمات مباغتة دون توجيه مركزي.
وأضاف أن معرفة عناصر التنظيم الدقيقة بجغرافية المنطقة الصحراوية، وتاريخهم في حرب العصابات، يمنحهم قدرة على المناورة والاستمرار، رغم العمليات التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وأشار عزوز إلى أن القضاء على "داعش" لا يمكن أن يتم بالضربات الجوية فقط، بل يتطلب تدخلاً برياً لتفكيك خلاياه وتنظيف المناطق من نفوذه. ولفت إلى أن التنظيم بدأ بالترويج لاستراتيجية "هدم الأسوار" في محاولة لتحرير السجناء، مستغلاً الفضاء الرقمي لتجنيد مؤيدين جدد.
القلق الأميركي مستمر
من جانبه، عبّر الخبير العسكري الأميركي ديفيد دي روش، أستاذ في جامعة الدفاع الوطني بواشنطن، عن قلق متزايد في الأوساط الأميركية والعراقية حيال قدرة داعش على إعادة الانتشار في سوريا، خاصة في ظل ما وصفه بـ"ضعف النظام السوري الجديد" وتحدياته أمام فلول النظام السابق المدعومين من إيران.
وأشار دي روش إلى أن استمرار النفوذ الإيراني، وازدياد التوترات مع تركيا التي تنظر بعين الريبة إلى "قسد"، يعقد من جهود مواجهة التنظيم، مؤكداً أن الوضع الحالي يوفر فرصة سانحة لداعش لإعادة بناء شبكاته وتنفيذ عمليات واسعة النطاق.
عودة التنظيم: خطر إقليمي لا يزال قائماً
رغم القضاء على ما سُمي بـ"دولة الخلافة" في 2019، إلا أن الصحيفة الأميركية نقلت عن تقييمات استخباراتية أميركية أن التنظيم يحاول استغلال التغيير السياسي في سوريا، ويطمح لإطلاق عمليات تحرير جماعي من السجون.
وفي هذا السياق، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أن داعش ضاعف عملياته في سوريا والعراق منذ مطلع العام 2025، في وقت بدأت فيه بعض المناطق تسجل عودة لنشاط خلاياه المسلحة.
وأكدت "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة تأمل بتعاون وثيق مع الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، لمواجهة هذا التهديد المستمر، مشيرة إلى أن الشراكة مع دمشق في هذا الملف باتت ضرورة إقليمية ودولية.
الفوضى واستغلال الفراغ
يرى مراقبون أن التنظيم يسعى لاستثمار الانقسامات الجيوسياسية وغياب التنسيق الإقليمي، ويعمل على تعويض تراجعه في الجغرافيا ببث أيديولوجيته المتطرفة عبر الإنترنت وفروعه الإقليمية.
ويؤكد المراقبون أن بقاء آلاف السجناء في قبضة "قسد"، دون حلول واضحة لمصيرهم، يشكل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، في حال حصلت أي اضطرابات أمنية أو انسحاب غير محسوب للقوات الأجنبية من المنطقة.
ويبدو أن "داعش"، وإن خسر الأرض، لم يخسر المعركة بعد. فخطره لا يزال حاضراً في مناطق رخوة بين العراق وسوريا، وقدرته على التكيّف مع المتغيرات السياسية والفراغ الأمني تجعله رقماً صعباً في معادلة الأمن الإقليمي، وفي ظل استمرار التعقيدات، تتزايد الحاجة لتعاون دولي حقيقي، ولشراكة محلية صلبة، تضع محاربة التنظيم في مقدمة أولوياتها، باعتباره خطراً مشتركاً يهدد الجميع دون استثناء.