
مبادرات التبرع السورية بعد الثورة: التضامن الشعبي ورسالة إعادة البناء
تمكّن السوريون من إسقاط الأسد بعد أربعة عشر عاماً من انطلاق الثورة السورية، التي طالبت بالحرية والعدالة. لكن خلال تلك السنوات، كان النظام البائد قد ألحق دماراً واسعاً بالبلاد، نتيجة القصف الممنهج والنهب والسرقة، ما أدى إلى تدهور حاد في الأوضاع الاقتصادية والخدمات الأساسية.
ثم ظهرت أمام السوريين مهمة جديدة لا تقل أهمية عن مهمتهم الأولى في مواجهة الظلم وإسقاط النظام، وهي مهمة التكاتف والتعاون فيما بينهم لإعادة إعمار البلاد، وبناء وطن يليق بدماء الشهداء وتضحيات الأحرار.
وفي هذا السياق، انطلقت حملات لجمع التبرعات من السوريين في الداخل والخارج، بهدف تمويل مشاريع تسهم في تحسين الواقع الخدمي والمعيشي في المناطق المتضررة بفعل الحرب والقصف والنزوح.
انطلقت شرارة هذه الحملات في مدينة حمص، مع مبادرة "أربعاء حمص"، وسرعان ما امتدت التجربة إلى محافظات أخرى، منها في ريف دمشق عبر حملة "ريفنا بيستاهل"، ودرعا من خلال حملة "أبشري يا حوران"، وصولاً إلى حملة "الوفاء لإدلب" التي فاقت التوقعات، وجمعت أكثر من 200 مليون دولار.
لم تكن هذه الحملات مجرد حملات خيرية عادية لجمع الأموال فحسب، وإنما شكلت نماذج للتضامن الشعبي والتكاتف بين السوريين، وتعكس استجابتهم لمسؤولية إعادة بناء وطنهم وتحسين حياة المجتمعات المتضررة بعد الحرب.
وعكست هذه الحملات من جديد الروح العالية التي يتمتع بها السوريون واستعدادهم للتضحية، وهو أمر ليس بجديد عليهم. فقد ضحى الآلاف منهم بحياتهم في سبيل الوطن، وخسر آخرون منازلهم، وتعرض العديد من أبناء الشعب السوري للاعتقال.
لا توجد أسرة في سوريا إلا وتعرضت للفقد، سواء بسبب الخسائر المادية، أو الاعتقالات، أو الظروف القاسية للحرب. وبرغم هذه التحديات، أصر السوريون على المشاركة في هذه الحملات، وبرغم أن بعضهم يعاني من ظروف اقتصادية قاسية، كانت روح التضحية لديهم وحبهم لسوريا أكبر من كل تلك الظروف.
تميزت هذه الحملات بلحظات إنسانية بارزة، شملت تبرعات المواطنين البسطاء، وأسر الشهداء نيابة عن أبنائها، والأطفال بما يملكون، بالإضافة إلى دعم رجال الأعمال. كما شاركت منظمات إنسانية وأفراد فضلوا عدم الإفصاح عن هويتهم.
هذه المبادرات تؤكد أن السوريين، رغم اختلاف أعمارهم ومناصبهم وطبقاتهم الاجتماعية، يتحدون حول هدف واحد: حب الوطن والاستعداد للتضحية والبذل من أجل إعادة بناء بلادهم والنهوض بها بعد الدمار الذي تسبب به نظام بشار الأسد.
ختاماً، أرسلت هذه الحملات رسالة واضحة عن السوريين، تعكس حبهم العميق لوطنهم وقدرتهم على تجاوز المصاعب، واستعدادهم لتقديم كل ما يمكن أن يسهم في نهوض البلاد وارتقائها. ورغم الظروف الصعبة التي عاشوها خلال الحرب، لم تثن عزيمتهم، ويتعاونون مع بعضهم لإعادة بناء بلادهم من جديد.