
لاجئون يطلبون العلم ... ولو في السويد
تغلب شريحة الشباب على اللاجئين الذين وفدوا إلى السويد في الأعوام القليلة الماضية. واضطر كثر منهم إلى ترك مقاعد الدراسة أو انقطعوا عنها جراء الاضطرابات والحروب. وما لبث هؤلاء أن اصطدموا بقوانين التعليم المعقّدة في مجتمعهم الجديد وما يعنيه ذلك من تأخّر في استئناف تحصيلهم العلمي. ويبلغ عدد الجامعات في السويد نحو 52، ولعدد منها سمعة عريقة، مثل جامعة أوبسالا التي تأسست العام 1477 وتعتبر أقدم جامعة في البلدان الإسكندنافية.
ويُعفى الأشخاص الذين يحملون تصريح إقامة في السويد لأسباب أخرى غير الدراسة من دفع الرسوم التعليمية. ولكن قبل أن يكون في إمكان الطالب اللاجئ التسجيل في أي جامعة سويدية، يجب عليه أن يمر بمراحل عدة. فبعد تقديم شهادته الثانوية للمعادلة، وهو الأمر الذي يستغرق شهوراً ولربما عام وأكثر، قد يجد نفسه في حاجة إلى دراسة مواد إضافية وفق نتيجة التعديل التي تأتيه من الجهاز المسؤول عن ذلك، وهو «المجلس السويدي للتعليم العالي».
وفي تلك الأثناء، يُطلب منه دراسة اللغة السويدية عبر ثلاثة مستويات: «أس أف إي»، «غروند» و «ساس». وهي عملية تستهلك بين ستة أشهر وعامين وفق مقدرة الطالب. كما يتوجّب عليه أن يدرس اللغة الإنكليزية، المكوّنة من ستة مستويات، ومناهج متقدّمة من الرياضيات والكيمياء باللغة السويدية، وفق الاختصاص الجامعي.
ويشرح عمر (سوري، 22 سنة) الذي اضطر لمغادرة بلاده جراء الظروف الأمنية: «تبيّن لي إنني لكي أُحقق الشروط المطلوبة حتى أباشر دراستي الجامعية سأحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثة أعوام. لا يمكنني أن أبقى عاطلاً عن العمل طوال هذه الفترة، فقررت نسيان أمر استكمال تحصيلي العلمي وعثرت على وظيفة في مستودع أحد المتاجر الكبيرة». وعلى رغم أن اللجنة المركزية للإعانات الدراسية تُقدمّ قروضاً ومنحاً للطلاب أثناء فترة دراستهم، إلا أن عدداً منهم لا يرونها كافية. وتقدّم إعانة الطالب الجامعية بحدٍ أقصى 240 أسبوعاً يمكن الحصول عليها بين 18 و56 عاماً. وتعطي اللجنة ما يعادل 70 يورو في الأسبوع للطالب الأعزب كمعونة و176 يورو أسبوعياً كقرض يتوجّب إيفاؤه مع الفوائد بعد الانتهاء من الدراسة. وفي إمكان الطالب اختيار المعونة أو دمجها مع القرض.
وفي هذا الصدد، تشير لبنى (سوريّة، 24 سنة) إلى أنها فضّلت الحصول على المعونة فحسب لتغطية بعض المصاريف بالتوازي مع طلب المساعدة من أهلها. وتوضح: «المشكلة في القرض أن نسبة الفائدة ترتفع بمقدار الراتب الذي سأحصل عليه حينما أعمل. لكن المشكلة الأخرى أن الأموال التي يمنحها والديّ يقتطعانها من المساعدات الحكومية التي بالكاد تكفيهم لتدبّر أمور المعيشة. استغرق الأمر مني نحو عامين ونصف العام لكي استهل دراسة الهندسة المعمارية، وهو الاختصاص الذي غادرت مقاعده خلال السنة الثالثة في جامعة دمشق».
أما علي (فلسطيني– سوري، 25 سنة)، فيقول إنه عثر على عمل في مكتبة بنظام الساعات ما سيمكّنه من تغطيه نفقاته. لكنه يضيف أن لذلك سلبيات كثيرة أهمها «الجهد الكبير والضغط الهائل الذي تولّده فكرة العمل والدراسة بالتوازي. كما أن القانون وضع حدوداً للمبلغ الذي يمكن كسبه من خلال الوظيفة في الشكل الذي لا يؤثّر على المعونة التي ستقطع في حال تجاوز المبلغ السقف المحدد. كذلك، يجب أن أحقق عدداً معيناً من ساعات الدراسة في كل فصل لتجنّب وقف المنحة».
وتكشف أرقام صدرت عن مركز الإحصاء المركزي أخيراً إلى ازدياد عدد الأشخاص الذين يدرسون ويعملون في الوقت عينه في السويد. وتبلغ نسبة النساء منهم 30 في المئة، في مقابل 15 في المئة للجال، ما يعني نحو ضعف النسبة المسجّلة قبل بضعة أعوام.
وبدوره، لجأ شاهر (سوري، 23 سنة) إلى حل آخر وهو «الدراسات المهنية». وهي نوع من المدارس أو المعاهد التي تُعنى أكثر بالجانب المهني أو التقني للدراسة. ويقول شارحاً: «الدراسات المهنية هي بديل عن المدة الطويلة التي تتطلبّها الجامعات. وتُعتبر شروط المقدرة اللغوية السويدية وتعديل المواد التي درستها في سورية أقل وطأة. وفي إمكاني كذلك نيل معونة الطالب كأي زميل في الجامعة. والفائدة التي أجنيها أيضاً هي أنني على تواصل دائم مع الشركات والمعامل من خلال التدريب العملي أثناء الدراسة، ما يؤسس لشبكة علاقات ستعود علي بالنفع مستقبلاً حينما أتخرّج».
وكانت جامعة لينيوس أطلقت مبادرة فريدة قبل نحو عامين بالإعلان عن منح دراسية لطالبي اللجوء ممن رُفضت طلباتهم أو لا يزالون في انتظار قرار من مديرية الهجرة للحصول على الإقامة. ويعني ذلك أن هؤلاء سيتمكنون من البقاء في السويد أو العودة إليها كطلاب لا لاجئين، بعد تعديل شهاداتهم بطبيعة الحال. وبما أن أي شخص يقيم في السويد للدراسة مُطالب بدفع الرسوم الجامعية، على عكس اللاجئ، فقد خصصت الجامعة مبالغ معينة لمساعدة الطلاب في دفع تلك الرسوم. واستفاد من تلك المبادرة مئات الطلاب الذين أفادت إدارة الجامعة بضرورة «استفادة السويد من كفاءاتهم في سوق العمل بأسرع وقت ممكن».
ولا تبدو معضلة إكمال التحصيل العلمي، والحال كذلك، إلا جزءاً من الصورة الكبيرة التي تضم تفاصيل تكاد لا تنتهي تحكي الصعوبات التي تواجه القادمين الجدد في مجتمعات غريبة بأعرافها ومختلفة كلياً بقوانينها وطبيعة سير الأمور فيها.