
عندما تصبح القمامة مصدر رزق: معاناة نابشي النفايات بين الفقر والمخاطر
تعاني العديد من الأسر في مختلف مناطق سوريا من ظروف معيشية قاسية، حيث أصبحت تلبية الاحتياجات اليومية معركة شاقة يواجهونها يومياً. ففي خضم الأزمات الاقتصادية الطاحنة، يتحوّل همّ الأسرة الأساسي إلى تأمين لقمة العيش وأدوية العلاج، حتى لو كان ذلك على حساب صحتهم وراحتهم.
في خِضَمِّ هذه الظروف القاسية، اضطرت عشرات النساء والأطفال في مناطق سوريا إلى البحث عن قوت يومهم بين أكوام القمامة ومكبات النفايات، مُعرِّضين أنفسهم لمخاطر صحية ونفسية، تحت وطأة نظرات الشفقة والازدراء التي تلاحقهم أينما حلّوا أثناء عملهم الشاق.
يحاول الباحثون عن لقمة العيش العثورَ على أي شيء قابل للبيع أو الاستفادة، كالأدوات المنزلية المهملة، وقطع الحديد، وأكياس النايلون، والملابس الملقاة في النفايات، إضافة إلى أسلاك الكهرباء لاستخراج النحاس منها، وحتى الخبز اليابس، وغير ذلك من المواد التي قد تدرّ عليهم بقليل من المال أو تسدّ حاجتهم اليومية.
تتنوَّع دوافع النبش في القمامة بين الأفراد والحالات، إلا أن معظمها يرجع إلى الفقر المدقع والعوز الشديد، فضلاً عن انعدام فرص العمل التي تُؤمِّن الحدَّ الأدنى من متطلبات العيش الكريم. كما تُضاف إلى ذلك التزاماتٌ عائلية وشخصية ملحّة، لا يمكن التغاضي عنها أو إلغاؤها.
لا توجد ساعات عمل محددة لمهنة التنقيب في القمامة، إلا أن معظم العاملين فيها يفضلون البدء في الصباح الباكر، حينما تكون الشوارع خالية من الناس، مما يتيح لهم العمل بهدوء بعيداً عن نظرات المارة. كما يمكّنهم ذلك من استغلال الجزء الأكبر من يومهم في جمع أكبر قدر ممكن من المواد القابلة للاستفادة، ويمضون وقتهم يجوبون الشوارع من حاوية لأخرى.
كشف بعض العاملين الذين التقيناهم عن أن خبرتهم الطويلة في هذه المهنة مكنتهم من تمييز الأحياء التي تحتوي قمامتها على مواد قابلة للاستفادة، عن تلك التي لا تقدم أي جدوى للنباشين. لدرجة أن محتويات النفايات أصبحت مرآة تعكس بدقة المستوى المعيشي للأسر في كل حي.
وتبعاً لأطباء قابلناهم، يعرّض العمل في مكبات النفايات العاملين لمخاطر صحية جسيمة تتراوح بين الجروح القطعية من المواد الحادة والتسمم بالمواد الكيميائية، إلى الأمراض التنفسية والجلدية الناتجة عن استنشاق الغازات السامة وملامسة النفايات المتحللة.
كما يزيد الاحتكاك المباشر بالنفايات من خطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا والتهاب الكبد، بينما يؤدي التعرّض الطويل للمواد المسرطنة إلى أمراض مزمنة. ورغم هذه الأخطار المحدقة، يبقى العاملون في هذه المهنة بسبب ظروف الفقر المدقِع وغياب البدائل الآمنة.
وبحسب أخصائيين نفسيين، يخلّف العمل في مكبات النفايات آثاراً نفسية عميقة، حيث يعاني العاملون من صراع يومي مع مشاعر الذل والإقصاء الاجتماعي. تُفاقم نظرات المجتمع السلبية من إحساسهم بالدونية، بينما تدفعهم طبيعة العمل القاسية إلى دوامة من العزلة والاكتئاب. ومع استمرار غياب الدعم النفسي والاجتماعي، تترسخ لديهم حالة من الإحباط المزمن، مما يُضعف ثقتهم بأنفسهم ويُعيق قدرتهم على تصوّر مستقبل مختلف.
يقترح ناشطون حلولاً متكاملة لمساعدة نابشي القمامة، تتركز على ثلاثة محاور أساسية: أولاً، تقديم حماية اجتماعية عبر توفير دخل أساسي مؤقت ومساعدات عينية تشمل الغذاء والدواء والكساء، مع إدراجهم ضمن شبكات الأمان الاجتماعي. ثانياً، تمكينهم اقتصادياً من خلال إنشاء مشاريع صغيرة تناسب مهاراتهم، وتقديم قروض ميسرة ودورات تدريبية لحرف قابلة للتسويق.
ثالثاً، توفير رعاية صحية شاملة تشمل عيادات متنقلة تقدم الدعم الطبي والنفسي، مع توزيع معدات وقائية وتنظيم حملات توعية حول مخاطر المهنة. كما يؤكد الناشطون على ضرورة تغيير النظرة المجتمعية تجاه هؤلاء العاملين عبر برامج توعية متخصصة.
أصبح البحث في القمامة مهنةً قسريةً للكثيرين ممن حاصرتهم ظروف الحرب القاسية وتبعاتها من فقر مدقع وشحّ في فرص العمل. فهؤلاء لم يختاروا هذا المصير، بل أجبرتهم ضرورات الحياة وقسوة الظروف على التنقيب بين النفايات بحثاً عن أي شيء يمكن بيعه أو الاستفادة منه. إنهم يواجهون يومياً تحديات البقاء في ظل مسؤوليات الحياة الجسيمة التي لا تحتمل التأجيل أو الإهمال.