كيف وصل قادة "دا-عش" إلى إدلب ومن مصلحة من تصفيتهم هناك ..؟ (تحليل)
تتصاعد الحملات الإعلامية التي تقودها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، مدعومة ببعض الوكالات الإعلامية الغربية، ضد محافظة إدلب، ضمن حملة "شيطنة" واضحة، لكل من يعيش في تلك البقعة الجغرافية التي باتت ملاذ لملايين المهجرين قسرياً من عموم المحافظات السورية، كانت "قسد" شريك رئيس في بعض تلك العمليات التي طالت المكونات في مناطق سيطرتها.
وتتخذ "قسد" والإعلام الغربي، من حادثتي تصفية مؤسس تنظيم داعش "البغدادي"، في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 في قرية باريشا بريف إدلب، ولاحقاً تصفية خليفته "قرداش" الخميس 3/ شباط/ 2022 في بلدة أطمة، شاهداً على أن إدلب باتت مركز لقادة التنظيم الإرهابي، في محاولة لوسم المنطقة بـ "السواد الأعظم"، وتصفية حساباتها في المنطقة على حساب ملايين المدنيين هناك.
مجلة "فورين بوليسي"، قالت في تقرير لها، إن محافظة إدلب باتت "العاصمة الجديدة للإرهاب العالمي"، واعتبرتها أنها "المخبأ المفضل لبقايا الجماعات الجهادية السورية بجميع أنواعها"، كما استبعدت علم "هيئة تحرير الشام" القوة المسيطرة على المنطقة، بموقع "القرشي"، واعتبرت أن "أحلام الجماعة" في تجميل صورتها لدى الغرب قد تبددت بعد الأحداث الأخيرة.
وفي خضم الترويج الذي تشارك فيه قادات "قسد"، يغيب عن المشهد حلقة مفقودة لم يتم التطرق لها كلياً في الإعلام، وهي تساءل يجب طرحه ودراسته بشكل دقيق، وهو "كيف وصل قادة داعش الكبار إلى إدلب"، وهم أساساً كانوا يتواجدون ضمن مناطق تسيطر عليها "قسد"، ويحتاج وصولهم إلى إدلب عبور مئات الكيلو مترات ضمن مناطقها.
"قسد" التي زعمت عبر تصريحات صحفية، أنها كانت شريك لـ "قوات التحالف الدولي"، في رصد موقع "البغدادي ومن ثم القرشي"، في منطقة تخضع لقبضة أمنية قوية لـ "هيئة تحرير الشام"، في وقت عجزت تلك القوات وأمنياتها كشف مواقع قادة التنظيم لسنوات ضمن مناطق سيطرتها، وهذا يضع إشارات استفهام كبيرة.
ولعل طرح سؤال واقعي في هذا التوقيت بات ضرورة، في كيفية تمكن "قسد" من رصد تحركات مكان وجود "البغدادي والقرشي" في إدلب، وادعائها أن خلاياها ساعدت التحالف في الوصول لهم، في منطقة يصعب التحرك فيها لتلك الخلايا أمنياً، مايعطي استنتاجات عن علم مسبق لـ "قسد" بأن هؤلاء القادة سيتوجهون إلى إدلب، وربما هي من سهلت ذلك لأهداف باتت تظهر علاماتها اليوم في "شيطنة" المنطقة.
هذه الاستنتاجات تدفعنا لطرح رواية غائبة عن المشهد، في أن "قسد" وربما بشراكة النظام السوري وروسيا، استثمروا قادة داعش "المهزومين"، لتحقيق أهداف مشتركة تجاه منطقة إدلب، من خلال صبغها بصبغة "الإرهاب والسواد"، وبالتالي خلق المبررات لمواصلة قصف المنطقة وقتل أهلها وإنهاء آخر مناطق الثورة تحت بند "مكافحة الإرهاب".
فـ "البغدادي" ومن ثم خليفته، كانا مطاردين من التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، التي تزعم أنها أكبر قوة تحارب التنظيم باسم الإرهاب، وعاش القياديان وتنقلاً ضمن مناطق تخضع لسيطرة هذه القوى، دون كشفهما، علاوة عن أن خروجهم إلى إدلب، يتطلب عبور مسافات كبيرة لمئات الكيلو مترات ضمن مناطق "قسد"، والعبور على حواجز أو نقاط استراتيجية للوصول لمناطق شمال غرب سوريا.
فإن كانت أمنية "قسد"، استطاعت التحرك - كما تزعم - في مناطق ريف إدلب الخاضعة لقبضة أمنية قوية لـ "هيئة تحرير الشام"، فأين كانت تلك القوى الأمنية عندما عاش قادة داعش في مناطق سيطرتهم وكيف استطاع هؤلاء الخروج من مناطقهم سالمين، مالم يكن لها دور رئيس في تأمين خروجهم وتسهيل حركتهم للوصول إلى إدلب.
وهنا قد تطرح الرواية فرضية، مشاركة فعالة من طرف النظام السوري وروسيا، في تسهيل وصول هؤلاء القادة إلى إدلب، عبر مناطق سيطرتهم وليس عبر مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، والاستفادة من مقتلهم هناك على يد التحالف الدولي لأهداف نجدها واضحة اليوم في إعلامهم وتصريحات مسؤوليهم.
وطيلة السنوات الماضية، أعلنت "هيئة تحرير الشام" عن سلسلة عمليات أمنية، استطاعت خلالها ضبط التوازن الأمني في إدلب، من خلال القضاء على رؤوس الخلايا الأمنية سواء كانت التابعة للنظام وروسيا أو خلايا داعش، وحيدت سطوة خلايا التنظيم والنظام هناك، وبالتالي فإن كشفها دخول قادة داعش لمناطق سيطرتها لن يكون صعباً، ولكن - برأي محللين - ليس من مصلحة الهيئة قتلهم أو اعتقالهم.
ولعل المتتبع لحالة البرود التي تعاملت معها "هيئة تحرير الشام"، إبان العمليات التي نفذها التحالف لتصفية قادة داعش، يستنتج أنها كانت على علم ودراية مسبقة - رغم نفيها ذلك ببيان رسمي - بوجود قادة داعش في تلك المواقع، وربما تكون هي الشريك الأمني الحقيقي في تصفيتهم بعد كشف وصولهم للمنطقة، ومراقبتهم وهي الوحيدة القادرة على هذا النوع من العمليات الأمنية في منطقة هي مسرح لها دون منافس.