فيديو يفضح عملية ارتشاء في دمشق.. وإدارة الأحوال المدنية تتحرك فوراً
فيديو يفضح عملية ارتشاء في دمشق.. وإدارة الأحوال المدنية تتحرك فوراً
● أخبار سورية ٢٩ أبريل ٢٠٢٥

فيديو يفضح عملية ارتشاء في دمشق.. وإدارة الأحوال المدنية تتحرك فوراً

أثار مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي موجة واسعة من التفاعل، بعدما وثّق لحظة تلقي موظف في السجل المدني بالعاصمة دمشق رشوة من أحد المراجعين، في مشهد يعكس استمرار بعض مظاهر الفساد رغم سقوط النظام السابق.  
ويظهر في الفيديو موظف يخفي مبلغاً من المال في جيبه، قبل أن يباغته شاب كان يراقب الموقف بتوجيه سؤال حاد حول سبب استلام النقود، مع تهديده بأنه قام بتصوير الواقعة ونشرها لفضح الفساد.

استجابة سريعة من إدارة الأحوال المدنية
وبحسب متابعة القضية، سارعت إدارة الأحوال المدنية بدمشق إلى التعامل مع الحادثة فور تداول الفيديو، حيث أكدت مصادر رسمية أن الموظف المتورط أُوقف عن العمل وأحيل إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.  
وشدد مدير إدارة الأحوال المدنية على التزام الإدارة بأعلى معايير النزاهة، ورفضها القاطع لأي ممارسات غير أخلاقية، مشيراً إلى أن أي تجاوز سيتم التعامل معه بحزم ودون تهاون.

إرث الفساد الذي خلّفه نظام الأسد
تفاعل السوريون مع الحادثة بحفاوة، معتبرينها مؤشراً مشجعاً على بداية جدية في محاربة الفساد الذي استشرى لعقود، خاصة في ظل حكم بشار الأسد.  
وكانت الرشاوى خلال حكم الأسد تُمرر تحت مسميات مخففة مثل "عربون محبة"، "حق فنجان قهوة"، أو "إكرامية"، في وقت كان المواطن يواجه سلسلة من العراقيل الإدارية المفتعلة لدفعه قسراً إلى الرضوخ ودفع الرشى.

وبحسب تقرير لمركز الحوار السوري، احتلت سوريا المرتبة 174 من أصل 180 دولة على مؤشر الفساد العالمي لعام 2023، ما يعكس عمق الفساد الذي ترسخ عبر عقود من سياسات منهجية بدأت في عهد حافظ الأسد، وشملت مختلف مفاصل الدولة من القضاء إلى الأمن والإدارة.

مكافحة الفساد بعد سقوط النظام
ومع سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، انطلقت جهود مكثفة لمحاربة مظاهر الفساد، بالتوازي مع تحرر السوريين من الخوف واستعادتهم لجرأة المطالبة بالحقوق.  
وباتت الجهات الرسمية تستجيب بسرعة لأي شكاوى تتعلق بالرشوة أو الفساد الإداري، كما حدث مؤخراً في محافظة دير الزور، حيث صدر قرار بفصل موظفين تورطوا في قضايا رشوة وتهريب، في خطوة تعكس التزام الحكومة الجديدة بتصفية إرث الفساد ومحاسبة كل المتورطين.

اليوم، تؤكد الحوادث المتكررة لمعالجة مظاهر الفساد أن السوريين مصممون على بناء دولة قانون ومؤسسات، تقوم على الشفافية والمحاسبة، وتكفل لجميع المواطنين العيش بحرية وكرامة.

عهد الأسد: الفساد "مُقنن" ومسميات الرشوة مغلّفة بالمجاملات
لطالما كانت الرشوة في ظل نظام بشار الأسد ومن قبله والده، ممارسة راسخة ومتداولة بعبارات مخففة، تبريرية، تُغلف البشاعة بمسميات براقة: "فنجان قهوة"، "عربون محبة"، "إكرامية"، "هدية"... وكلها كانت مبررات ضرورية لأي مواطن يحتاج معاملة رسمية، أو يسعى للحصول على توقيع، أو تأجيل خدمة عسكرية، أو حتى مجرد تسيير إجراء قانوني بسيط.

ولم يكن المواطن يجهل الآلية، بل كان مضطراً للخضوع، متألماً من الذلّ الكامن خلف كل زيارة لمؤسسة حكومية، حيث ترتبط سرعة الإنجاز أو حتى مجرد الاهتمام بمعاملته بقدر ما يقدّمه من مال. من يملك يدفع ويكمل طريقه، ومن لا يملك، تُهمل أوراقه في الأدراج المنسية، ولا يسمع له صوت.

الرشوة والتهريب.. ثقافة ممنهجة لا جريمة معزولة
الفساد لم يكن سلوكاً فردياً في مناطق النظام، بل كان منظومة قائمة بحد ذاتها، مشرعنة وغير خفية. حتى عمليات التهريب، سواء داخل البلاد أو عبر الحدود، كانت تتم بعلم وحماية من سلطات الأمن وأذرع النظام العسكرية، ولا سيما في السجون، حيث تحوّل تهريب السجائر والمخدرات إلى تجارة مربحة يشرف عليها ضباط ومتنفذون.

لم تكن الحدود الحمراء موجودة في قاموس النظام. فتقارير دولية، بينها تحقيق لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، كشفت عن تورّط النظام السوري السابق في تجارة مخدرات تخطت عائداتها السنوية 5.7 مليار دولار، بمشاركة وحدات عسكرية وشبكات مقربة من رأس النظام.

النتيجة: سوريا في صدارة مؤشر الفساد العالمي
بحسب تقرير لمركز الحوار السوري، حلّت سوريا في المرتبة 174 من أصل 180 دولة على مؤشر الفساد العالمي عام 2023، لتكون بين أكثر الدول فساداً في العالم. التقرير أشار إلى أن هذا الواقع لم يكن نتاج الحرب فقط، بل نتيجة سياسة ممنهجة بدأت منذ عهد حافظ الأسد، حين تم تأسيس شبكة فساد تسرطنت في مفاصل الدولة والمجتمع، وشملت جميع القطاعات: القضاء، الأمن، الاقتصاد، والإدارة العامة، وحتى قبل الثورة، كانت سوريا تحتل مرتبة متأخرة في مؤشر الشفافية، ما يعكس عمق المعضلة وتشعبها.

دولة ما بعد الأسد: قطع مع الماضي وفتح بوابة الإصلاح
في 8 كانون الأول 2025، انهار النظام القائم، وفرّ بشار الأسد إلى خارج البلاد. ومع بدء مرحلة الانتقال السياسي، بدأت الدولة السورية الجديدة في ترسيخ مفهوم العدالة الإدارية، ومحاسبة الفاسدين دون تمييز، وفرض ضوابط حازمة ضد مظاهر الانحراف المالي والإداري.

وقرار فصل الموظفين في دير الزور على خلفية الرشوة وتهريب الدخان، لم يكن مجرد إجراء تأديبي، بل رسالة رمزية قوية بأن ما كان مألوفاً أصبح اليوم مرفوضاً ومجرّماً، وأن التهاون مع المال العام لم يعد مقبولاً في سوريا الجديدة.

القادم أفضل.. بشهادة المواطن
ما بثه القرار في نفوس الناس لم يكن فقط ارتياحاً لمحاسبة المخالفين، بل بارقة أمل بأن صفحة الماضي قد طُويت، وأن مفاهيم النزاهة بدأت تتجذّر في مؤسسات الدولة. فبعد عقود من الإهانة المقنّعة تحت عنوان "إكرامية"، بات الموظف الذي يتلقى رشوة يُفصل، والمخالف يُساءل، والمواطن يشعر لأول مرة أن كرامته تُصان بالقانون لا بالمحاباة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ