"فقدَتْ شرعِيْتَها.. "الشّامية" تُجمد اعترافها بحكومة "مصطفى" وتُطالب بحجب الثقة وإحالته للقضاء
أعلنت "الجبهة الشامية" المنضوية ضمن مكونات "الفيلق الثالث" في الجيش الوطني السوري، في بيان رسمي في 4 أيلول 2024، تجميد التعاون مع حكومة "عبد الرحمن مصطفى" في إشارة لـ "الحكومة السورية المؤقتة"، إلى حين تشكيل حكومة رشيدةٍ ترقى إلى شَرَفِ تمثيل الشعب السوري الحر وثورته العظيمة.
وأكدت الجبهة أنّ الشرعيّة تستمدها الحكومة من شعبها الصابر وفصائلِهِ الثائرة، حيثُ يجب أن تعمل على تحقيق مطالبهم والدفاع عنها، ولكنها أوْغَلَتْ في اتهامهم بالعمالة والتخريب بل والتحريض عليهم، على طريقة النظام الأسدي المجرم، وبذلك فقدَتْ شرعِيْتَها، وفق نص البيان.
وطالبت "الجبهة الشامية" في بيان وصف بأنه تصعيدي ضد حكومة "مصطفى"، الائتلاف الوطني بعقد اجتماع طارئ لحجْبِ الثَّقَةِ عن حكومة "عبد الرحمن مصطفى" بالسرعة القصوى، وإحالته إلى القضاء لينال جزاءه العادل أصولاً.
وقالت الجبهة إنه في "تاريخ الثلاثاء 2024/9/3م، وبرعاية كريمة من الدولة التركية تم عقد اجتماع موسع للقوى الثوريّة حضرته قيادة الجبهة السامية للتشاور في أسباب أزمة الشِّمال المحرر وسُبُل حَلّها، وكان اجتماعاً إيجابيّاً يسوده الحرص على تحقيق مصلحة الثورة وتعزيز الأخُوَّةِ والتَّعاون بين مكوّنات الثورة السوريّة والدولة التركية، وهو ما عبرَتْ عنه بشكل جَلِي كلمات مسؤولي الدولة التركية وأعضاء الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض".
وأضاف البيان: "وعلى الرغم مما عَهِدْنَاهُ من عدائيةٍ من قِبَلِ المدعوّ عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة ضدّ الجبهةِ الشَّاميّة، فقد تفاجأنا منه بوتيرة غير مسبوقة من العدائية، حيثُ تَعَمَّدَ الإساءة إلى بعض الجهات الثوريّة؛ ومنها فصائل الشرقية معزّزاً رواية الأعداءِ المُغْرِضَة عنهم باتهامهم بالتخريب والإرهاب".
واتهمت الجبهة "مصطفى" بأنه "خص الجبهة الشامية بسيل من الافتراءاتِ السياسيّة والجنائيّة، واختلاق الجرائم بحقها، محاولاً تشوية صورتها أمام المسؤولين الأتراكِ لمصلحتِهِ الخاصة، مُهَدِّداً بسحب الشرعيّة عنها، بسبب ما اقترحته الشاميّة من خطّةِ عمل تستجيب لمطالب الشعب في الإصلاح والتغيير".
وأضافت أنه "عبد الرحمن مصطفى حاول تصوير الحراك الشعبي ونشاط النُّخَب الثورية على أنه مؤامرة تخريبيّة على حكومته وانقلاب عليها، مُسْتَعْدِيَاً بذلك المسؤولين الأتراك عليهم، وصب جام إساءاتِهِ على شعبنا الكريم في مدينة أعزاز تنكراً حراكَهُم السّلمي، في الوقت الذي يُمْلِي عليه واجبه أن يدافع عن شعبه وفصائلهِ في الجيش الوطني الذي يرأسه، وبخاصة الجبهة الشامية التي يشهد لها القاصي والداني بأنها من أعرق الفصائل الثوريّة التي قدمت قوافل الشهداء والجرحـــى بالآلاف في معركة التحرير والكرامة، وبذلتْ كلُّ الجهود في سبيل دعم الحكومة السورية المؤقتة وتمكين مؤسساتها منذ نشأتها".
وكانت قالت "الحكومة السورية المؤقتة" في بيان لها، إن اجتماعاً استضافته الجمهورية التركية، ضم ممثلين لـ "الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وهيئة التفاوض ومجلس القبائل والعشائر وقادة الجيش الوطني السوري"، تم خلاله مناقشة الواقع السوري وسبل تذليل التحديات التي تواجهه.
ولفت بيان الحكومة إلى أن الاجتماع تحدث عن جملة من المواضيع المتعلقة بالشأن السوري، وأن المشاركون أكدوا على أهمية استمرار عقد الاجتماعات لمناقشة المشاكل الاقتصادية والسياسية والعسكرية الطارئة وإيجاد الحلول المناسبة لها.
وفي تقرير سابق، نقلت "شام" عن عدد من النشطاء، نقلاً عن شخصيات حضرت الاجتماع، فإن الاجتماع استمر لعدة ساعات مع ممثلين مع مسؤولين أتراك ودولة أخرى، وتخلله مشاحنات واتهامات ساقها رئيس الحكومة السورية المؤقتة لفصيل "الجبهة الشامية" واتهمها بعرقلة عمل الحكومة، والمسؤولية عن الهجوم الذي تعرض له أحد المواكب التركية سابقاً، وذلك على خلفية رفض قائد الجبهة عمل الحكومة والدعوة لتمكين الحكومة بوسائل ثورية، وفق ماورد.
وواجه "عبد الرحمن مصطفى" في عام 2022، اتهامات بالتواطئ في الحملة العسكرية التي شنتها "هيئة تحرير الشام" ضد مكونات "الفيلق الثالث" في الجيش الوطني السوري شمالي حلب، وظهر"مصطفى" حينها إلى جانب أعضاء من حكومته في مدينة عفرين، بالتوازي مع سيطرة الهيئة على المدينة، وتحدثت المصادر حينها عن عقده اجتماعاً مع مسؤولين من الهيئة في مقر المجلس المحلي في المدينة، للتنسيق في ضرب "الجبهة الشامية".
وكانت قالت مصادر لشبكة "شام" حينها، إن وقوف العديد من المكونات العسكري أبرزها "الجبهة الوطنية وهيئة ثائرون" على الحياد، في حملة الهيئة ضد "الفيلق الثالث"، وتصريحات رئيس الحكومة المؤقتة، تنم عن علم مسبق بالخطوة التي نفذتها الهيئة بالتحرك لضرب "الشامية"، بهدف للضغط على أبرز المعارضين للمشروع المعد للمنطقة والتشارك مع الهيئة وهم "الجبهة الشامية وجيش الإسلام".
وفي بيان لها في شهر تموز ٢٠٢٤، حذرت "الحكومة السورية المؤقتة"، ما أسمتها "المشاريع المشبوهة والانفصالية"، داعية المتظاهرين في مناطق شمال سوريا، إلى الحفاظ على مؤسساتها وعدم الانجرار وراء المطالب بتخريبها أو تعطيلها عن العمل، وأشارت إلى أنها ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يقدم على تخريب المباني والمؤسسات، أو يعتدي على العاملين فيها، إضافة إلى محاكمتهم أمام القضاء وفق القانون.
جاء البيان بعد خروج مظاهرة شعبية حاشدة في مدينة إعزاز بريف محافظة حلب الشمالي، يوم الجمعة 12 تموز/ يوليو، رفضاَ لأي شكل من أشكال التطبيع مع نظام الأسد، ورفضاَ لمواقف قوى المعارضة الخجول والمتماهية مع المساعي الرامية للتطبيع بشكل غير مباشر، وتوجه خلالها المتظاهرون إلى مبنيَي الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وأعلنوا إغلاقهما.
ولا يحظ "عبد الرحمن مصطفى" رئيس الحكومة السورية المؤقتة، بأن شعبية ثورية في مناطق تواجد مؤسسات الحكومة، ولطالما خرجت مظاهرات تطالب بتنحيته من رئاسة الحكومة التي بات يتملكها وفق قولهم، مؤكدين أنه متماهي لحد كبير مع أي مواقف تركية، ولا يمثل تطلعات الشعب السوري الثائر لاسيما في مناطق شمال سوريا.
وليست المرة الأولى التي تتم فيها المطالبة بتنحية الحكومة المؤقتة، ففي سبتمبر 2023، اقتحم محتجون في مدينة إعزاز، مقر الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة، بعد وقفة احتجاجية حملوا خلالها الورود، وطالبوا فيها أعضاء الائتلاف بالاستقالة، واصفين الانتخابات الأخيرة "غير نزيهة" والتي أفضت لتعيين "هادي البحرة" رئيساً للائتلاف.
وأعلن المحتجون، إغلاق مبنى الائتلاف والحكومة المؤقتة حتى إشعار آخر، كما قاموا بكتابة عبارات مناهضة للائتلاف، والسياسة التي يقوم بها في تعييش أعضائه ورؤسائه، دون العودة للحاضنة الشعبية التي من المفترض أنه يمثلها كمنصة سياسية في الخارج.
وتصاعدت الانتقادات ضد "الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني"، بعد أن كرر الأخير عبر بعض المتنفذين فيه منهم "عبد الرحمن مصطفى"، أسلوب "تبادل الطرابيش"، وفرض شخصيات لمنصب "رئيس الائتلاف"، بانتخابات "شكلية وغير ديمقراطية"، وكان آخرها فرض انتخاب "هادي البحرة"، كـ "رئيس للائتلاف" خلفاً لـ "سالم المسلط"، وكلمة "مصطفى" المتداولة أنه سيكون بـ "الصرماية"، في مشهد إن لم يكن جديداً فإنه متكرر بذات التصرفات التي لم تخرج للعلن سابقاً.
وكان أعلن اللواء "سليم إدريس" عضو الهيئة العامة في "الائتلاف الوطني"، استقالته من الائتلاف، وذلك بعد أيام من انسحاب الكاتب والروائي "حافظ قرقوط"، كما أعلن الشيخ "معاذ الخطيب"، يوم الأحد ١٠/ أيلول/ ٢٠٢٣، وفاة "الائتلاف الوطني السوري" الذي كان معارضاً، وقال إن السوريين دفنوا الائتلاف "شعبيا ووطنياً"، لاعنين جبنه السياسي وانتهازيته وبيعه لحرية الشعب السوري.
وأضاف الخطيب حينها أنه "عندما يقول أي شخص إن دولة ما تريدني رئيساً للائتلاف مثلاً أو أي مؤسسة للمعارضة فذلك يقتضي عمالته لتلك الدولة بالدليل القطعي الذي أقامه على نفسه ووجوب كفه عن كل الفعاليات ومقاطعة أي نشاط معه".
وكانت أصدرت "الهيئة السياسية" في "الائتلاف"، قراراً يقضي بتشكيل لجنة قانونية محايدة ومستقلة من خارج الائتلاف للتحقيق وتقصي الحقائق، وحدد القرار مهام اللجنة بالتحقيق في "ادعاءات" عضو الهيئة العامة للائتلاف الوطني نصر الحريري بقيام رئيس الحكومة السورية المؤقتة "عبد الرحمن مصطفى"، بالإدلاء بتهديد لفظي مسيء لأعضاء الائتلاف لإلزامهم بالتصويت لمرشح محدد، للتحقق من صحة أو عدم صحة هذه الادعاءات.
وأصدرت اللجنة تقريرها، معلنة تبرئة "مصطفى" رغم عدم استجابة "الحريري" لحضور جلسة الاستجواب، وقالت إن "الحريري" نشر بشكل علني عن كلام منسوب لرئيس الحكومة "عبد الرحمن مصطفى" بأنه بتاريخ 2023/9/12 سيتم اجتماع الهيئة العامة للائتلاف وانتخاب السيد هادي البحرة رئيساً للائتلاف بـ "الصرماية"، مما أثار حفيظة الهيئة السياسية للائتلاف وقامت بتشكيل لجنة قانونية محايدة ومستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في هذا الموضوع".
وقررت اللجنة، عدم ثبوت صحة ادعاءات "نصر الحريري" حول ما نُسب لـ "عبد الرحمن مصطفى" من تصريحات لعدم قيام الدليل عليها، وإيداع الملف التحقيقي إلى رئيس الائتلاف الوطني لإجراء المقتضى القانوني، وفق نص البيان.
ولاحقاً صوتت "الهيئة العامة للائتلاف"، على قرار فصل "الدكتور نصر الحريري رئيس الائتلاف السابق، وأحد أعضائه، والسيدة ربا حبوش، نائبة الرئيس السابق، من الائتلاف، بموافقة 50 صوتاً وامتناع 10 عن التصويت، مقابل 3 أصوات ضد الفصل وتغيب 13عضواً عن جلسة التصويت.
وأثار الأمر، انتقادات لاذعة للائتلاف الوطني، ولسياسته في الأوساط الثورية، واستنكر نشطاء وفعاليات ثورية، انشغال الائتلاف بصراعاته الداخلية على حساب دماء وعذابات أهالي الشمال السوري الذين يعانون الويلات من القصف والتهجير والموت اليومي على يد النظام وروسيا، في وقت يقوم بعض المتحكمين في الائتلاف بتصفية الحسابات الشخصية.
ولعل كثرة الأخطاء التي وقعت بها المعارضة المفككة، والتي وصل الحال بها لاتباع أساليب تبادل الأدوار في المناصب و "تبادل الطرابيش" كما يسميه البعض، بانتخابات شكلية صورية، تديرها شخصيات باتت حاضرة في كل كيان و "كأن الثورة لم تلد غيرهم" كما قال أحد الشخصيات المعارضة.
وأثبتت قوى المعارضة المدعية تمثيل الحراك الشعبي السوري، بعد سنوات مريرة من المعاناة التي يعانيها ولايزال الشعب السوري الثائر، أنها ليست أهلاً لتمثيل تضحيات هذا الشعب والدماء التي قدمت، مع استمرار حالة التناحر والتضاد والصراع على السلطة، علاوة عن الارتهان للقوى الدولية التي باتت تحركهم وفق مصالحها لامصالح الشعب السوري.
ورغم مرور أربعة عشر عاماً على الحراك الشعبي السوري، ورغم كل مامرت به الثورة السورية من مراحل قوة وانكسار وتراجع، ورغم حجم الصمود المتواصل لملايين المدنيين في المناطق المحررة ورفضهم الخضوع للنظام أو القبول بأي تسويات تنهي مأساتهم، لاتزال المعارضة في الخارج مفككة مضطربة لا تمثل هذا الحراك ولا المعاناة، تعيش حالة انفصام عن الواقع.
وبات دور منصات المعارضة، منوطاً بإصدار البيانات الخشبية المتكررة التي تحمل في كثير منها صيغة استجداء المجتمع الدولي للتوصل لحل، دون أن يكون لها أي دور حقيقي في تمثيل معاناة الشعب الشكل الصحيح، وترك التحزبات والمصالح والتنافس على المقاعد الوظيفية، علاوة عن تحول جزء كبير من متصدري المشهد السياسي لبيادق بيد الدول التي تحركهم.
وبات واضحاً حجم البعد بين الحاضنة الشعبية على الأرض ضمن المناطق المحررة والتي تمثل من تبقى صامداً في وجه الأسد وقادراً على التعبير عن ثورته ورفضه التصالح، إذ باتت منصات المعارضة تجري الزيارات وبروفات التصوير والاستعراض في مناطق شمال غرب سوريا مقتصرة على مناطق سيطرة الجيش الوطني، ولم يسجل خلال الأعوام الماضية أي زيارة لأي مسؤول في منصات الائتلاف وغيرها لمناطق ريف إدلب التي تعتبر من أكبر التجمعات البشرية لأبناء الثورة بكل ما فيها من سكان أصليين ومهجرين ونازحين من شتى مناطق سوريا، بدعوى سيطرة هيئة تحرير الشام رغم أن فصائل الجيش الوطني نفسها منتشرة وموجودة في مناطق ريف إدلب.
وطيلة السنوات الماضية، رهنت قوى المعارضة نفسها للأجندات الدولية، وتمسكت بالقرارات التي لم يتعد تنفيذها حبر الورق الذي كتبت به، ولاتزال رغم كل المراوغة الروسية متمسكة بالاجتماعات واللقاءات المتعلقة بالشأن السوري دون أي يكون لها موقف شجاع ولو مقاطعة مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات التي تتزامن مع التصعيد واستمرار قتل أبناء الشعب السوري، كما كان عام تبديل المناصب والكراسي والأدوار والتنافس على من يتصدر المشهد ويتملك الواجهة.
وبات واضحاً أن القوى المدعية تمثيلها للحراك الشعبي السوري، أمام مرحلة مفصلية أخيرة في مسيرتها، ربما تكون بداية سقوطها وعودة الكلمة للشعب الثائر ليختار من يمثله بشكل صحيح بعيداً عن تقاسم الكراسي والمناصب والفساد المستشري بين أقطاب تلك التيارات المتصدرة اليوم إلا قلة قليلة من الشرفاء المكبلة أيديهم عن أي إصلاح.