
عودة السوريين بعد النزوح: تحديات الأطفال بين الفقدان والتأقلم
بعد سقوط النظام البائد في 8 كانون الأول/ديسمبر من عام 2024، بدأت العائلات السورية بالعودة إلى قراها ومدنها التي هُجّرت منها، سواء كانت تلك الأسر داخل سوريا أو في الخارج، لتبدأ حياة جديدة بعد سنوات طويلة من النزوح والمعاناة.
وخلال سنوات التهجير، وُلد آلاف الأطفال في بلدان اللجوء، ونشأ جيل كامل عاش معظم حياته بعيداً عن وطنه الأم، حيث لم يعرفه إلا من خلال الصور القديمة التي حرص الأهل على الاحتفاظ بها، أو من خلال الأحاديث اليومية التي كانت تُروى أثناء فترة النزوح. لم تكن لديهم ذكريات شخصية عن قراهم ومدنهم الأصلية، بل كانت تلك الأماكن جزءاً من روايات الكبار التي كانت تُحكى حولهم باستمرار.
بل إن بعض هؤلاء الأطفال قد اعتادوا على حياة اللجوء، حيث تشكلت لهم بيئة اجتماعية جديدة، بنوا فيها صداقاتهم، واكتشفوا أماكن لعبهم، وكونوا فيها روابطهم العاطفية واليومية، وأصبحت هذه الأماكن ــ رغم أنها مؤقتة ــ جزءاً من ذاكرتهم الطفولية، ومن عالمهم الذي ألفوه وأحبوه.
اختلفت مشاعر الأطفال تجاه خطوة العودة؛ فبينما شعر بعضهم بسعادة غامرة للرجوع مع عائلاتهم إلى قراهم ومدنهم، كانت مشاعر آخرين أكثر تعقيداً وتبايناً. ووفقاً للقصص التي رصدناها، عبّر عدد من الأطفال عن حزنهم لفراق أصدقائهم، الذين توزّعوا على مدن ومناطق أخرى، تاركين خلفهم فراغاً كبيراً في حياة هؤلاء الصغار، بعد أن اعتادوا على صحبتهم ورفقتهم اليومية.
كما شعر بعض الأطفال بالخوف والقلق من التغيير في بيئة السكن؛ إذ إن العودة إلى أماكن لم يعرفوها شخصياً ــ سوى من خلال أحاديث الكبار أو صور قديمة ــ جعلتهم يشعرون بالغربة وبنوع من القلق والتوتر.
وإلى جانب هذا البعد النفسي والعاطفي، واجه الأطفال تحديات عملية تتعلق بالتكيف مع البيئة الجديدة، سواء من حيث الجهد البدني المطلوب أو الظروف المعيشية المختلفة، مما أضاف عبئاً إضافياً على عملية التأقلم مع الواقع الجديد.
انتشر فيديو مؤثر لطفلة ودّعت صديقاتها في الأردن قبل العودة إلى سوريا، وقد أثر كثيراً على المتابعين. أظهر الفيديو تعلق الطفلة بصديقاتها وحزنها لفراقهن، وكذلك تعلق صديقاتها بها، مما يعكس قوة الروابط الإنسانية للأطفال حتى في ظروف النزوح.
كما نشر الإعلامي جميل الحسن لقاءً جمعه بعائلة مقيمة في المخيمات، حيث ظهرت فتاة صغيرة تبكي بحرقة لفقدان صديقاتها اللواتي عدن إلى قراهن، بينما بقيت هي وحيدة. فقد كانت تقضي معظم وقتها معهن وتفتقد حضورهن اليومي، وأظهر الفيديو بوضوح مدى تعلق الأطفال بأصدقائهم وتأثير الفراق عليهم نفسياً وعاطفياً.
وفي سياق مماثل، انتشر على منصات التواصل الاجتماعي فيديو لطفلة تركب السيارة مع والديها أثناء مغادرتهم إدلب متجهين إلى ريف دمشق. أظهرت الطفلة رفضها مغادرة إدلب والعودة إلى دمشق، مبررة ذلك بأنها اعتادت على المكان وتعتبره بلدها، بحسب ما ذكر الناشطون والصحفيون الذين تداولوا الفيديو، وهو ما يبرز تعلق الأطفال بالمكان الذي نشأوا فيه حتى بعد سنوات النزوح.
يشير أخصائيون نفسيون إلى أن رفض الأطفال الانتقال أو العودة إلى مكان جديد بعد النزوح أمر طبيعي، ويعكس تعلقهم بالبيئة التي اعتادوا عليها. وينصح الأخصائيون الأهالي بالصبر والتفهّم، مع توفير بيئة آمنة ومستقرة، والتحدث مع الطفل حول مشاعره، والسماح له بالتعبير بحرية عن الحزن أو الخوف.
كما يُنصح بتشجيع الطفل على تكوين صداقات جديدة بشكل تدريجي، وإشراكه في أنشطة ترفيهية وتعليمية تساعده على التكيف مع التغيير. ويؤكد الأخصائيون أن عملية التأقلم تحتاج وقتاً، وأن الدعم النفسي والاجتماعي من الأسرة والمجتمع هو العامل الأهم لمساعدة الأطفال على التعامل مع الانتقال أو العودة إلى مكان جديد بطريقة صحية وآمنة.
تحقق حلم السوريين بالعودة إلى قراهم ومدنهم، لكن الواقع كان صعباً على البعض، لا سيما الأطفال الذين اضطروا لترك أصدقائهم والتأقلم مع بيئة جديدة. تمر هذه الفئة بتجربة حساسة تتطلب دعم الأهالي وتفهمهم لمشاعر أطفالهم، حيث يحتاج الأطفال إلى الصبر، والتشجيع، وتوفير فرص للمشاركة الاجتماعية، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية وتعليمية تساعدهم على الشعور بالأمان والانتماء في محيطهم الجديد.