ظروفنا تغيّرت… فلماذا تُقاس أمهات اليوم بمقاييس الماضي؟
ظروفنا تغيّرت… فلماذا تُقاس أمهات اليوم بمقاييس الماضي؟
● أخبار سورية ٢ سبتمبر ٢٠٢٥

ظروفنا تغيّرت… فلماذا تُقاس أمهات اليوم بمقاييس الماضي؟

تشتكي نساء العصر الحالي من تعرّضهن باستمرار لمقارنات ظالمة بينهن وبين نساء القرن الماضي – نساء الستينات والسبعينات والثمانينات – حيث تُوجَّه إليهن انتقادات قاسية مفادها أنهن يُبالغن في الشكوى، ويهولن من حجم المسؤولية، بينما نساء الماضي كنّ يُربّين سبعة أو ثمانية أو حتى عشرة أطفال، دون أن يُسمَع منهن شكوى أو تذمّر.

ويُقال لنساء اليوم إنهن لا يتحملن مسؤولية تربية طفل أو طفلين، في حين أن من سبقوهن نجحن في تربية أسر كبيرة بلا ضجر، وكأن تربية الأبناء كانت يوماً ما مهمّة سهلة وخالية من التحديات، أو أن الزمن لم يتغير والظروف بقيت كما هي!

الظروف التي تواجهها النساء اليوم مختلفة تماماً عن تلك التي عاشت فيها نساء القرن الماضي. فالكثير من الشابات في وقتنا الحاضر نشأن في ظل الحروب، والنزوح، وعدم الاستقرار، وهو ما شكّل ضغطاً نفسياً كبيراًَ منذ سنّ مبكرة، واستمر حتى بعد الزواج والإنجاب.


تروي جدّات التقينا بهن، وسيدات عِشنَ مرحلة الأمومة في الستينات والسبعينات والثمانينات، وحتى التسعينات من القرن الماضي، أن الوضع حينها كان مختلفاً تماماً عن واقع الأمهات اليوم.
فالأم لم تكن وحيدة في مسؤولية تربية الأطفال؛ إذ كانت غالبية السيدات يعشن بالقرب من منازل أهاليهن أو منازل عائلة الزوج، وكان الجميع يشارك في رعاية الأطفال والاهتمام بهم، ويتقاسمون تفاصيل الحياة اليومية. وكان الطفل يتنقّل بين أفراد العائلة براحة وحرية، دون أن يشعر أحد بأن المسؤولية ثقيلة عليه.

في الوقت نفسه، كان الأب يعمل في وظيفة واحدة، بدوام منتظم، وكانت الحياة أكثر استقراراً، ولم تكن تتّسم بالقسوة كما هي الحال في سوريا بعد الثورة. أما اليوم، فكثير من الآباء يُجبرون على العمل في وظيفتين أو أكثر، فقط ليتمكنوا من تغطية أساسيات المعيشة.

لكن ظروف الوقت الحالي، بحسب سيدات التقينا بهن، تغيّرت بشكل كبير، خاصة في ظل النزوح وما فرضته من ضغوط وظروف قاسية. فقد تشتّتّت العائلات، ولم تعد الشابة قادرة على البقاء بجانب أمها التي كانت قد تساعدها، ولا حتى بجانب أم زوجها.

 واضطرت الكثير من السيدات إلى النزول إلى ميدان العمل لتحقق دخلاً، وتتحمّل بذلك الظروف الاقتصادية الصعبة. فصار أمامهن مزيج من مسؤوليات العمل خارج البيت، وإدارة شؤون المنزل، وتربية الأبناء في الوقت نفسه، حاملةً بذلك عبءً مضاعفاً عن الماضي.

كما عاشت آلاف الأمهات تجربة الحمل خلال فترات النزوح، وتجربة الولادة في المخيمات أو في أماكن غير مهيأة، دون أن يكون بجانبهن شخص يساعدهن أو يعتني بهن. تحملت هؤلاء النساء تلك الظروف القاسية بمفردهن، وهو ما يجعل مقارنتهن بسيدات لم يختبرن مثل هذه التجارب أمراً غير عادل تماماً.

لذلك، لا يمكن الحكم على نساء اليوم بمعايير زمن مضى، ولا يمكن مقارنتهن بسيدات لم تعشن ظروف النزوح، الحروب، الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، أو حتى تربية الأطفال في غياب الدعم الأسري القريب. كل جيل واجه تحدياته، ونساء هذا الجيل يتحملن مسؤوليات مضاعفة في بيئة أصعب بكثير، فالشكر والتقدير لهن هو ما يليق، وليس الانتقاد والمقارنة المجحفة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ