
صيدنايا والاعترافات: وقائع الجلادين وأصوات الأمهات السوريات
لم يكن السبت الفائت، 23 آب/أغسطس، يوماً عابراً لآلاف السوريين. فقد أعلنت الجهات المختصة توقيف ثلاثة من السجانين السابقين، المتورطين في انتهاكات جسيمة داخل معتقل صيدنايا العسكري، السجن الذي يُعد رمزاً للرعب والقتل والإخفاء القسري. الموقوفون هم: ماهر إبراهيم من تلكلخ، وحيان علي داوود، ورمضان علي عيسى، وكلاهما من خربة تين نور في ريف حمص.
ظنّ الموقوفون أن الجرائم التي ارتكبوها داخل جدران صيدنايا ستُطوى في دائرة النسيان، وأن الإفلات من العقاب هو المصير الحتمي، كما كان لسنوات. لكن عملية أمنية دقيقة نفّذتها وزارة الداخلية في منطقتي الحولة وتلكلخ بريف حمص، أفضت إلى توقيفهم أثناء محاولتهم الفرار خارج البلاد، لتنتهي محاولتهم بالوقوع في قبضة العدالة.
وعرضت وزارة الداخلية اعترافات الموقوفين، التي كشفوا فيها عن مشاركتهم في عمليات تعذيب وقتل معتقلين، إضافة إلى ممارسات وحشية وغير إنسانية. وخلف الشاشات، تابع آلاف العائلات المتضررة من سياسة الاعتقال، سواء الناجون منها أو أولئك الذين ابتلعت الأقبية أفراداً من عائلاتهم دون معرفة مصيرهم، الاعترافات، محدقين بملامح من تورط بإخفاء أولادهم قسرياً وقتلهم.
جلست الأمهات يصغين بحرقة، راصِدات وجوه السجانين الذين عذبوا أبنائهن بوحشية داخل المعتقلات، أولئك الذين لم يكترثوا يوماً لتوسلات السجناء أو صراخهم، ولا حتى للآثار الجسدية للأذى الذي لحق بهم. ورغم مشاهدة موت مدنيين أمام أعينهم، استمر الجلادون في ممارساتهم الوحشية، مستمتعين بآلام الضحايا وجوعهم وبردهم، كما أجبروا المعتقلين على حمل جثث زملائهم داخل المعتقل.
من بين من حضروا عرض اعترافات الموقوفين، كانت هناك أمهات لا زال أبناؤهن مفقودين، منهن من صارت تتخيل ابنها بين ضحايا هؤلاء الجلادين، مستمعةً لتفاصيل الظروف القاسية والوحشية التي عاشها المعتقلون، مما زاد شعورهن بالأسى والحزن العميق.
من بين هؤلاء الأمهات، كانت بعضهن قد رفعت لافتات في الساحات مطالبةً بكشف مصير أبنائهن. وحتى اليوم، يواصلن المطالبة بمعرفة مصير المختفين، وفي كل حادثة يستذكرن أدق التفاصيل عن أبنائهن قبل اعتقالهم، ولا يطلبن من متاع الحياة شيئًا سوى معرفة مصير أبنائهن ومكان دفنهم
هؤلاء المتورطون الذين تم القبض عليهم أمس، وغيرهم ممن أعلنوا ولاءً مطلقًا وأعمى لنظام الأسد، هم شركاء في جرائمه، إذ وقفوا إلى جانبه ونفذوا أوامره متناسين أن من يعذبونهم هم أبناء وطنهم. لذلك، يصر أبناء الشعب السوري على القصاص منهم ومحاسبتهم ومحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء، لضمان ألا يُضيع حق المعتقلين مرتين: المرة الأولى بوقوعهم بين أيدي هؤلاء القتلة، والمرة الثانية بعدم محاسبة من ظلمهم.