سوريا الجديدة تختبر ديمقراطيتها الأولى بعد أربعة عشر عاماً من الحرب
سوريا الجديدة تختبر ديمقراطيتها الأولى بعد أربعة عشر عاماً من الحرب
● أخبار سورية ٥ أكتوبر ٢٠٢٥

سوريا الجديدة تختبر ديمقراطيتها الأولى بعد أربعة عشر عاماً من الحرب

تشهد سوريا اليوم محطة سياسية فارقة تتمثل في إجراء أول انتخابات برلمانية بعد سقوط نظام الأسد البائد، في حدث يُعد تتويجاً لمسار طويل من التحول السياسي والاجتماعي، بعد أربعة عشر عاماً من الحرب في سوريا التي أنهت عقوداً من الاستبداد والاحتكار السياسي. 


وتأتي هذه الانتخابات لتجسّد انتقال البلاد إلى مرحلة جديدة من الشرعية الدستورية وبناء مؤسسات الدولة الحديثة على أساس المشاركة الشعبية والتمثيل الحقيقي.

انطلقت صباح الأحد عملية التصويت في مختلف المحافظات السورية عند الساعة التاسعة، وسط إجراءات تنظيمية محكمة أشرفت عليها اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، التي أكدت أن العملية الانتخابية تسير ضمن معايير الشفافية والمشاركة الواسعة. 


وتُعد هذه الانتخابات الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد، إذ تُجرى وفق آلية غير مباشرة تمنح الهيئات الناخبة حق اختيار ممثليها الجدد، في تجربة وصفت بأنها سابقة في تاريخ البلاد السياسي الحديث.

إجراءات تنظيمية وإقبال واسع
أوضح المتحدث باسم اللجنة العليا، نوار نجمة، أن أعضاء الهيئات الناخبة بدأوا التوافد إلى مراكز الاقتراع في الساعة التاسعة صباحاً، حيث أبرزوا أوراقهم الثبوتية واستلموا بطاقاتهم الانتخابية، قبل التوجه إلى رؤساء اللجان الفرعية لاستلام الورقة الانتخابية المختومة رسمياً. 


وبيّن أن التصويت يتم داخل غرفة اقتراع سرّي، ثم يوضع في الصندوق بطريقة علنية لضمان الشفافية، فيما يُفتح الصندوق عند نهاية العملية أمام وسائل الإعلام بحضور المراقبين والمرشحين لبدء فرز الأصوات بشكل مباشر.

آلية الفرز وإعلان النتائج
تُغلق صناديق الاقتراع مبدئياً عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، مع إمكانية تمديدها حتى الرابعة عصراً في حال لم يُدلِ جميع أعضاء الهيئات الناخبة بأصواتهم. وأوضح نجمة أن النتائج الأولية ستُعلن فور انتهاء الفرز عبر وسائل الإعلام، بينما تُحال أي طعون أو اعتراضات إلى لجان مختصة للنظر فيها قبل إعلان النتائج الرسمية خلال مؤتمر صحفي يعقد مطلع الأسبوع المقبل، وأكد أن اللجنة العليا تسعى إلى جعل هذه الانتخابات نموذجاً في النزاهة والمشاركة الحرة.

أهمية الانتخابات في مسار التحول الوطني
تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة لكونها تمثل أول استحقاق دستوري يجري في ظل الدولة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن “الشرعية في سوريا الجديدة تُبنى على الإرادة الحرة للشعب، لا على الوراثة أو القمع”. فالانتخابات تُعتبر حجر الأساس في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وترسيخ مبدأ فصل السلطات، وتفعيل دور البرلمان كمؤسسة تشريعية ورقابية مستقلة عن السلطة التنفيذية.

ترسيخ الشرعية الدستورية وبناء الثقة
بعد سنوات طويلة من الفوضى والفراغ السياسي الذي خلّفه نظام الأسد البائد، تأتي هذه الانتخابات لتعيد الثقة بالمؤسسات الوطنية، وتمنح العملية السياسية مشروعية داخلية وخارجية، كما تسهم في تعزيز استقلال القرار الوطني بعيداً عن أي وصاية أو نفوذ خارجي، لتكون تعبيراً عن سيادة الدولة وقدرتها على إدارة شؤونها السياسية والإدارية بآليات ديمقراطية قائمة على المشاركة والتمثيل الشعبي.

التمثيل الشعبي وإعادة توزيع السلطة
الآلية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة الانتقالية، والقائمة على انتخاب غير مباشر عبر الهيئات المحلية والنقابية والمجتمعية، تهدف إلى إشراك مختلف القوى السياسية والاجتماعية في صياغة المشهد التشريعي المقبل، بما يضمن تمثيلاً أوسع وتوازناً حقيقياً داخل مجلس الشعب. 


هذه الصيغة الجديدة تُعد تحولاً جذرياً عن نموذج الحزب الواحد الذي فرضه نظام الأسد لعقود طويلة، وتعكس رؤية جديدة لإدارة السلطة تقوم على التعددية والتداول السلمي.

إعادة دمج المجتمع بعد الحرب
تحمل الانتخابات بُعداً اجتماعياً لا يقل أهمية عن بعدها السياسي، إذ تشكّل فرصة لدمج فئات المجتمع كافة في مسار الدولة الجديدة، وتفتح المجال أمام عودة الحياة العامة بعد سنوات من الانقسام والنزوح، فصناديق الاقتراع اليوم تُعيد السوريين إلى فضاء المشاركة بدل العزلة، وتؤكد أن وحدة المجتمع لا تُبنى بالقوة، بل بالإرادة الحرة والمواطنة المتساوية.

إصلاح المؤسسات الأمنية والإدارية
بالتوازي مع العملية الانتخابية، تشهد مؤسسات الدولة جهوداً لإصلاح المنظومة الأمنية والإدارية، في إطار مشروع متكامل يقوده الرئيس السوري أحمد الشرع لإعادة بناء الدولة على أسس قانونية ومؤسساتية. 


ويُنظر إلى هذه الانتخابات كخطوة مكملة لتلك الإصلاحات، حيث يُنتظر من البرلمان الجديد أن يشرّع القوانين المنظمة للعدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار، وضمان الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين.

رسالة إلى الداخل والخارج
تبعث هذه الانتخابات برسالة واضحة إلى السوريين والعالم بأن سوريا الجديدة بدأت مرحلة ترسيخ مؤسساتها الدستورية، وتثبيت دعائم حكمها المدني، بما يعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على الاستقرار واستعادة دورها الإقليمي. وهي أيضاً رسالة أمل للسوريين الذين عانوا الحرب طويلاً، بأن مرحلة جديدة من الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية قد بدأت فعلاً.

تختبر سوريا اليوم ديمقراطيتها الأولى بعد أربعة عشر عاماً من الحرب، في مشهد يعكس إرادة شعبية تسعى إلى تجاوز الماضي وبناء المستقبل على أسس جديدة، فالانتخابات هي إعلان واضح عن نهاية زمن الاستبداد وبداية عهد المواطنة والشرعية الدستورية، وبينما تُفرز صناديق التصويت ممثلي الشعب الجدد، يبدو أن سوريا تدخل فعلاً زمن الدولة الحديثة، دولة القانون، التي أرادها السوريون ثمرة لتضحياتهم الطويلة في مواجهة نظام الأسد البائد.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ