زيارة مفتي لبنان إلى دمشق: مصالحة رمزية تطوي صفحة عقود من القطيعة
زيارة مفتي لبنان إلى دمشق: مصالحة رمزية تطوي صفحة عقود من القطيعة
● أخبار سورية ٥ يوليو ٢٠٢٥

زيارة مفتي لبنان إلى دمشق: مصالحة رمزية تطوي صفحة عقود من القطيعة

يصل مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان، اليوم السبت إلى العاصمة السورية دمشق، في زيارة رسمية على رأس وفد من علماء الدين، من المقرر أن يلتقي خلالها الرئيس السوري أحمد الشرع وعدداً من كبار العلماء والمسؤولين السوريين. 


وتكتسب هذه الزيارة أهمية استثنائية، تتجاوز طابعها الديني والبروتوكولي، لتُعبّر عن تحول عميق في مسار العلاقة بين الطائفة السنية في لبنان والدولة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

مصالحة بعد عقود من الدم
زيارة المفتي دريان إلى دمشق لا تُقرأ بمعزل عن سياق تاريخي مثقل بالاغتيالات والخصومة السياسية، إذ تتهم أوساط سنية واسعة نظام الأسد البائد، بالتورط في اغتيال شخصيات مرجعية من بينهم مفتي الجمهورية حسن خالد، والشيخ صبحي الصالح، والرئيس رفيق الحريري، وتأتي الزيارة اليوم كعلامة على تجاوز هذه الحقبة، وكسْر العزلة التي خيمت على العلاقة بين السنة اللبنانيين والدولة السورية لسنوات طويلة.

الشرع والانفتاح السني
في دلالتها السياسية، تعكس الزيارة منحاً للشرعية السنية اللبنانية للرئيس السوري أحمد الشرع، في ظل انفتاح تقوده دمشق تجاه الطيف العربي والإقليمي، لم يكن ممكنًا في عهد الأسد، وهذا اللقاء يُعد الأول من نوعه على هذا المستوى، إذ لم تُسجل في السنوات الماضية أي خطوة مشابهة من زعامة سنية لبنانية تجاه الدولة السورية.

وقد عبّر دريان مؤخراً عن رؤية منفتحة تجاه إعادة وصل ما انقطع، حين قال إن "السنة في لبنان هم أصل البلد، ولا قيام للدولة من دونهم"، في عبارة حملت الكثير من الرسائل السياسية عن دور المكوّن السني، ورفضه للتهميش، وتمسكه بالاعتدال والانفتاح العربي، بما في ذلك العلاقة مع سوريا.

رسالة وحدة واستعادة التوازن
من جهته، أوضح المسؤول الإعلامي في دار الفتوى، خلدون قواص، أن الزيارة تهدف إلى تهنئة الرئيس الشرع، والتأكيد على استئناف العلاقات بين شريحة واسعة من اللبنانيين والدولة السورية.


 ولفت إلى أن برنامج الزيارة يتضمن صلاة الظهر في الجامع الأموي، وزيارات رسمية لوزير الأوقاف السوري ومفتي سوريا العام، وصولاً إلى لقاء الرئيس السوري، وفق موقع "المدن".

وأضاف قواص أن الزيارة "لا تحمل أبعادًا سياسية مباشرة"، بل تُعبّر عن "أخوة دينية ووطنية"، نافياً وجود أي علاقة بين الزيارة وتصريحات المفتي الأخيرة بشأن رفض تهميش السنة في لبنان.

حزب الله في مواجهة الانفتاح
وفي المقابل، لا يُخفي "حزب الله" قلقه من أي انفتاح لبناني على النظام السوري الجديد، في ظل ما تعتبره قيادته تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، بعد انقطاع الدعم الإيراني بفعل التغيرات الجذرية في سوريا. 


ويعمل الحزب، وفق مصادر مطلعة، على التشويش على العلاقة الناشئة من خلال حملات إعلامية، واتهامات بالتطرف، تسعى لربط الانفتاح السني على دمشق بمخاطر أمنية محتملة، وهو ما تنفيه الوقائع على الأرض.

وقد عبّرت أوساط سنية دينية وسياسية عن انزعاجها من محاولات شيطنة المكوّن السني اللبناني، أو إخضاعه لاختبارات ولاء مفتعلة، تعيد إنتاج سرديات النظام الأسدي الذي لطالما روّج لمعادلة مزيفة بين السنة والتطرف، في حين أن الوقائع تثبت أن الفئة الأوسع منهم كانت ضحية النظام وممارساته القمعية في لبنان وسوريا على السواء.

لا زعامة جديدة بل استعادة التوازن
تأتي الزيارة في إطار إعادة الاعتبار للعلاقة التاريخية بين لبنان وسوريا، لا في سياق البحث عن زعامة إقليمية جديدة للطائفة السنية، كما درجت بعض القراءات القديمة. فالنخبة السنية اليوم، بحسب مراقبين، تتمسك بالدولة اللبنانية مرجعية وحيدة، وترى في الانفتاح على الدولة السورية خطوة لإعادة التوازن السياسي في الداخل اللبناني، وضمان استقرار العلاقة مع الجار الجغرافي الذي لا يمكن تجاهله.

بداية صفحة جديدة
تحمل زيارة المفتي عبد اللطيف دريان إلى دمشق دلالات كثيرة: هي مصالحة رسمية بعد سنوات القطيعة، وهي رسالة إلى الداخل اللبناني بأن السنة قادرون على المبادرة لا على التبعية، وهي أيضاً إشارة إلى دمشق بأن العلاقة مع لبنان لن تعود إلى ما كانت عليه في عهد الأسد، بل ستكون قائمة على الندية والتنسيق، في ملفات كبرى كملف اللاجئين، والترسيم الحدودي، والتعاون الاقتصادي، وربما إعادة الإعمار.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ