روبرت فورد لم يقل إن أمريكا درّبت الشرع.. فماذا قال فعلاً عن لقاءاته بالرئيس السوري؟
روبرت فورد لم يقل إن أمريكا درّبت الشرع.. فماذا قال فعلاً عن لقاءاته بالرئيس السوري؟
● أخبار سورية ٢٠ مايو ٢٠٢٥

روبرت فورد لم يقل إن أمريكا درّبت الشرع.. فماذا قال فعلاً عن لقاءاته بالرئيس السوري؟

أثار مقطع مسجّل من محاضرة ألقاها السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، مطلع أيار الجاري، موجة واسعة من التفسيرات الخاطئة والتأويلات المغرضة، بعدما روّجت بعض الحسابات لمزاعم تقول إن فورد اعترف بأن “أميركا درّبت أحمد الشرع ليكون بديلاً عن نظام الأسد”. لكن مراجعة النص الكامل للمحاضرة التي حملت عنوان “انتصر الثوار في سوريا.. والآن ماذا؟”، تكشف صورة مختلفة تماماً.

وعقب انتشار التصريحات وحملة التضليل التي شنتها مئات الحسابات، فقد أكد مصدر في الرئاسة السورية للجزيرة أن لا صحة لما أورده السفير روبرت فورد عن لقاءات مع الرئيس أحمد الشرع في إدلب، واللقاءات التي تحدث عنها جرت ضمن اجتماعات مع مئات الوفود لعرض تجربة إدلب، وكان أحدها تابعًا لمنظمة بريطانية للدراسات وكان فورد من أعضائه، وقد اقتصرت الجلسات على أسئلة عامة ولم تتضمن ما ورد في تصريحاته

فورد تحدث خلال المحاضرة التي نُشرت على قناة مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية، عن لقائه بالرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، في إطار مبادرة أطلقتها مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة بحل النزاعات، وذكر أنه دُعي للمساهمة في عملية نقل الشرع من “عالم الإرهاب إلى السياسة العادية”، على حد تعبيره.

وأوضح أن المبادرة جاءت في سياق وساطات الحوار بين الأطراف السورية، وأنه أجرى مع الشرع ثلاث لقاءات منذ عام 2023، كان آخرها في كانون الثاني 2025 داخل القصر الجمهوري في دمشق بعد تولّي الشرع منصب الرئاسة.

خلال اللقاء في القصر الجمهوري، روى فورد أنه تحدث إلى الشرع لأول مرة قائلاً له بالعربية: “خلال مليون سنة لم أكن لأتخيل أنني سأجلس بجانبك”، فأجابه الشرع بنبرة هادئة: “ولا أنا”، وهو ما أثار ضحك الحضور حين وصف فورد المشهد بقوله: “مهضوم الضرسان”.

لكن فورد لم يقل قط في المحاضرة، أن الإدارة الأميركية أو أي جهة غربية “درّبت” الشرع أو “أعدّته” للرئاسة. بل شرح بوضوح أن دوره اقتصر على جهود الوساطة بين أطراف الصراع، باعتباره خبيراً في حل النزاعات. وأكّد أن المؤسسة البريطانية التي دعت الشرع للحوار، التقت أيضاً ممثلين عن المعارضة والنظام السابق، ضمن نهج شامل لتقريب وجهات النظر.

في تفسيره لأحد اللقاءات، أشار فورد إلى أن الشرع، الذي كان يُعرف سابقاً بأبي محمد الجولاني، لم يعتذر عن عمليات سابقة في العراق وسوريا، لكنه أقرّ بأن “التكتيكات التي كانت تُستخدم في العراق لا تصلح عند حكم 4 ملايين شخص”، في إشارة إلى فترة سيطرته على إدلب. هذا الاعتراف – كما رأى فورد – كان لافتاً، لكنه لم يتضمن أي تبنٍّ لمسؤولية سياسية أميركية عن صعود الشرع إلى الرئاسة.

موجة التحريف بدأت بعد تداول مقطع مجتزأ من حديث فورد، دون ترجمة دقيقة أو عرض السياق الكامل. بعض الحسابات على منصة “إكس” زعمت أن فورد قال صراحة إن “الولايات المتحدة درّبت الشرع ليحل محل الأسد”، لكن فحص الفيديو الكامل ينفي هذه الادعاءات تماماً. وقد أكد ناشطون ومحللون مطلعون على تفاصيل المحاضرة أن ما جرى تداوله ينم إما عن جهل باللغة أو عن تعمّد في التضليل.

حتى الجملة التي أثارت الجدل: “Bring this guy out of the terrorist world and into regular politics” (أخرجوا هذا الرجل من عالم الإرهاب إلى السياسة العادية)، كانت توصيفاً لدور المؤسسة البريطانية ومقاربة الوساطة التي شارك بها فورد كمستشار، وليس إقراراً بخطة أميركية لتسليم الحكم للشرع.

في نهاية محاضرته، دعا فورد إلى رفع العقوبات عن سوريا وسحب القوات الأميركية، مشيراً إلى أن هناك فرصة حقيقية لإعادة رسم العلاقات الأميركية السورية في ظل المتغيرات الأخيرة، لكنه لم يتطرق مطلقاً إلى دور أميركي مباشر في صياغة مستقبل الحكم في دمشق.

يأتي هذا الجدل في وقت تشهد فيه الساحة السورية تحولات جذرية، بعد أشهر قليلة من سقوط نظام الأسد، وبدء الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع مساراً سياسياً واقتصادياً مختلفاً، فتح الباب أمام انفتاح عربي ودولي تدريجي، وتصاعد النقاشات حول طبيعة المرحلة المقبلة في البلاد، ومدى انخراط الغرب في دعمها أو مراقبتها

وفي مثل هذا السياق المضطرب، يبدو من الضروري التمييز بين الوقائع الموثقة والتضليل المتعمد، خصوصاً حين يتعلق الأمر بشخصيات ودول مؤثرة في مصير سوريا والمنطقة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ