
الطائفية الرقمية.. العائق الخفي أمام عودة السوريين إلى وطنهم
سلط الحقوقي السوري فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الضوء على ما وصفه بـ"الصدمة الثلاثية" التي تعرقل عودة السوريين إلى بلادهم رغم سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024، معتبرًا أن العقبات النفسية والرقمية باتت توازي -وربما تتفوق على- التحديات الأمنية والاقتصادية التي لطالما ارتبطت بملف العودة.
عودة محدودة رغم انهيار النظام
أوضح عبد الغني في مقال على موقع "الجزيرة نت" أن سقوط الإرهابي الفار بشار الأسد شكّل نقطة تحول في مسار الحرب في سوريا، ما مهّد نظريًا لعودة واسعة للاجئين والنازحين. ومع ذلك، تشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة حوالي 500 ألف لاجئ و1.2 مليون نازح داخلي فقط، من أصل أكثر من 13 مليون مشرد قسريًا.
ورأى عبد الغني أن هذا الرقم المتواضع، رغم زوال الحاجز السياسي، يكشف عن وجود معوّقات غير مرئية ترتبط في جوهرها بخطابات الكراهية المنتشرة في الفضاء الرقمي السوري، والتي تُعيد إنتاج الصراع والانقسامات الطائفية عبر منصات التواصل.
الطائفية تنتقل من الأرض إلى الإنترنت
استعرض المقال تحوّل الطائفية من مواجهات ميدانية إلى بنية رقمية معقدة تُكرّس الانقسام الاجتماعي، عبر منصات مثل فيسبوك وواتساب وتليغرام وإكس، حيث تنشط مجموعات تعمل على تعميم روايات طائفية، مستندة إلى مقاطع مرئية توثق العنف والاعتداءات على أسس مذهبية.
وأشار عبد الغني إلى أن هذه المنصات لا توثّق الصراع فقط، بل تصنع سرديات متخيلة تعيد النازحين إلى مشهد الخوف، وتُصعّب عليهم اتخاذ قرار العودة حتى في ظل تحسن الأوضاع.
أثر خطير على الصحة النفسية
شدّد التقرير على الأثر النفسي العميق الذي تخلفه "الصدمة الرقمية"، لا سيما بين الأطفال والنساء ومَن تعرّضوا لصدمات مباشرة. وأوضح أن الخوارزميات التي تعيد تكرار محتوى العنف تخلق دوائر متواصلة من التوتر، تجعل اللاجئ يعيش الخطر وكأنه حاضر دائم.
وبيّن عبد الغني أن هذه الديناميات تُنتج ما يُسمى بـ"جغرافيات الخوف المتخيلة"، حيث تصبح مناطق الطفولة والذكريات مسرحًا مرعبًا لا يمكن الرجوع إليه، لا بفعل الواقع، بل بسبب صور العنف التي تحفل بها المنصات.
البُعد الرقمي كعائق مستقل
أكّد المقال أن "الطائفية الرقمية" باتت بُعدًا رابعًا لأزمة النزوح، إلى جانب التهجير والتدمير والانهيار الاقتصادي، وهي تُشكّل عائقًا نفسيًا وأمنيًا قائمًا بذاته.
ودعا عبد الغني إلى ضرورة دمج هذا البعد في سياسات العودة، من خلال رصد المحتوى التحريضي، وتطوير شراكات مع منصات التواصل، وتأسيس وحدات للعدالة الرقمية ضمن مؤسسات العدالة الانتقالية.
استعادة المجال الرقمي
ختم عبد الغني تحليله بالتأكيد أن عودة السوريين لن تتحقق فقط بإعادة إعمار المدن أو توفير الخدمات، بل تتطلب استعادة المجال الرقمي من قبضة المحرّضين الطائفيين، وإنشاء بيئة تواصل صحيّة تسمح ببناء الثقة والهوية الجامعة.
واعتبر أن مواجهة هذا التحدي تتطلب تحركًا محليًا ودوليًا متكاملًا، يجمع بين التشريع، والمحاسبة، والتعليم الرقمي، ومحو الأمية الإعلامية، بما يضمن بيئة آمنة تُمهّد الطريق أمام عودة مستدامة لملايين السوريين الموزعين في الداخل والخارج.